فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 3510 - 2011 / 10 / 8 - 19:13
المحور:
الادب والفن
" لم تكن قصائدي عضوا في الحزب الشيوعي "..رسول حمزتوف -الأدب العالمي ( المكتبة الإلكترونية).
سيصد مثل هكذا اتحاد
أية مصيبة أو هجوم للكوارث.
شعار جمهوريتي يقول:
"يا عشاق العالم اتحدوا!"
* * *
" محظوظ أنا: فقد حمل الشعراء اليّ العالم كله، وافتقد اجدادي ذلك قرونا عديدة، أنا الإنسان الجبلي المولود في قرية تسادا النائية، سابقا كان بمقدوري التحدث عن "داغستان بلدي" ، والآن يمكنني التحدث عن وطني روسيا وجورجيا، وعن كوكبي الأرضي. إن السخاء الذي لا يحط من مكانة وحرية الشاعر، لا يسلبه الخصب والقوة، بل على العكس فهو يعزز مناعته واعتداده بنفسه، وبسالة روحه ونبلها، وتعانق موهبة الشاعر ثروة وطنه الثقافية ليغدو ضياء لتربته، ومن التراث العظيم الذي تسلمته من اجدادي الشعراء النجوم في ارض وطني، فقد ورثت ثروة ضخمة عنهم ألا وهي:داغستان".
"رسول حمزتوف "
الشاعر الأسطورة، الوطني ، الفيلسوف بشعره ونثره الذي يحكي الحكمة والأرض والمرأة والإنسان،والفارس الذي كتب البطولة ونبذ الأنانية ، كاتبا "داغستان بلدي " أرض الجبال التي صهرت كل شيء، فلم يعد هناك فرق بين الحبيبة والوطن، ولا بين النشيد الوطني ونشيد العاطفة والنفس.
"على وقع النشيد الوطني "
تمنح الأوسمة للجّمال هناك،
وأكاليل الغار تُعطى للثنائي
الذي لا ينفصم لأجل الوفاء المتبادل.
***
وإذا لم يتبقّ من الرّجال غير ألف
كلّ ينشد ودّك و منشغل بطلبك
فثقي أنّني أنا
رسول حمزاتوف
سأكون بينهم
بين آخر الرّجال الألف.
ولو أنّ مائة متبقّية
من جذوة الرّجال الذين تهدر في عروقهم دّماء فوّارة
فلن يصعب عليك
أن تهتدي إلى جبليّ بينهم
إسمه رسول
ولو لم يبق غير عشرة
من الرّجال الرّجال
تضطرم النّار في أفئدتهم
فلا تخطئها العين
ثمّ برز بينهم صوت مهلّل هادر
فسأكونه…
أنا ذاك الصوت الجليّ
أنا رسول حمزاتوف
وإذا لم يبق غير واحد
مفتونا عاشقا
أيّتها التي لا تبالى بالآمال ولا عقد الوعود
فثقي
أنّه جبليّ ضارب إليك من فجاج الضّباب
وإسمه رسول
وإذا أهملك الكلّ
وهجرك كلّ عاشق
وفاض حزنك الدّاكن مكثّفا كالغسق
فأعلمي
أنّ رسول حمزاتوف
يرقد خامدا بالتأكيد
بقبر بعيد, عند سفح جبل مهجور
* * *
" من أقواله "
"نحن في انتظار وردة لم نزرعها بعد".
" حياتي مسودة كنت أتمنى لو أن لدي الوقت لتصحيحها"
"لا تخبئ أفكارك. إذا خبأتها فستنسى فيما بعد أين وضعتها."
"الكتاب يدفع الجيوش نحو النصر، ودون حرب يفتح المدن".
"لقد اشترى قبعة كقبعة لييف تولستوي , فأين له أن يشتري رأساً كرأسه؟".
"الخنجر الراقد دائما في غمده يصدأ، الفارس الراقد دائما في بيته يـــــــــــــترهل"
"إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك."
"إن الإنسان في حاجة إلى عامين ليتعلم الكلام وإلى ستين عاماً ليتعلم الصمت."
"إذا شد صديق طيب على يدك فإن يدك لا تذوب في يده بل تصبح أكثر دفئًا وقوة".
إن الشعراء ليسوا طيوراً مهاجرة، والشعر دون التربة الأم شجرة بلا جذور وطائر دون عش.
قديماً كان أجدادنا يحفرون كلماتهم فوق خناجرهم، وبعض هذه الكلمات هو ما أحاول كتابته..
" الحمد لله لا أحد يقول لي إنني عبقري لأن العباقرة هم أولئك الذين يفعلون ما يعجز الناس عن فعله "
"السلاح الذي تحتاجه مرة واحدة عليك أن تحمله العمر كله،والأبيات التي سترددها العمر كله تكتب مرة واحدة."
"إن الشاعر الذي يعتبره القراء في بلاده المتحدث الرسمي باسمهم لهو شاعر سعيد.
لا قياس للإنسان أفضل من عمله."
"لاتخبئ أفكارك, إذا خبأتها فستنسى فيما بعد أين وضعتها. أليست هذه حال البخيل, ينسى أحياناً المخبأ الذي وضع فيه نقوده فيخسرها."
"إن الإنسان في حاجة إلى عامين ليتعلم الكلام وإلى ستين عامًا ليتعلم الصمت، وأنا لست ابن عامين ولا ابن ستين عامًا.. أنا في نصف الطريق، ومع ذلك فيخيل إلي أني أقرب إلى الستين؛ لأن الكلمات التي لم أقلها أغلى على قلبي من كل الكلمات التي قلتها".
"كرنولوجيا رسول حمزتوف "
- في عام 1923 ،ولد حمزتوف في قرية تسادا الداغستانية من عائلة الشاعر المعروف حمزة تساداسا. فقد ورث حمزاتوف عن أبيه حرفة الأدب عن والده حمزة تساسادا الشاعر الفارس والمتمسك بتقاليد الفروسية القديمة في جبال داغستان. كان ينظم الشعر باللغة العربية بغية أن لاتتعثر فاتِمات زوجته بقصائد عشقه للأخريات ،وباللغة " الآفارية " القومية .
- في عام 1934 ، كان عمر حمزاتوف احدى عشر سنة ، كتب أولى قصائده مختبئاً في شرفة المنزل..كتب عن أطفال انبطحوا أرضاً عندما حطت الطائرة لأول مرة في داغستان العام 1934.
- في عام 1939 ،عمل معلماً ، له من العمر ستة عشر عاماً.
- في عام 1943 ، صدر أول ديوان له يحمل عنوان: "العشق يحيي والغضب يحرق". غامره فرحا عامرا ، عندما قرأت أشعاره فتيات الجبال.. وظل يتذكر وبتوجع مدى حزنه، وهو يرى راعياً في الشتاء يمزق صفحة من كتابه الأول للف سيجارة .
- في عام 1950 ،تخرج من معهد غوركي للآداب .
- في عام 1950 صدر له ديوان " عام ولدت في "
- في عام 1953 ، صدرت له ملحمتا "حوار مع أبي"
- في عام 1958، صدرت له " البنت الجبلية"
- في عام 1959 ،منح حمزاتوف لقب "شاعر الشعب" في داغستان .
- في عام 1962، صدر له ديوان "النجوم العالية "
- في عام 1963، صدرت له " كتابات "
- في عام 1964، صدر له " نجم يحدث نجماً "
- في عام 1966، صدر له " السمراء "
- في عام 1967 ، ترجم الشاعر فلاديمير سولوخين "بلدي داغستان".
- في عام 1973، صدر له "مسبحة السنين"
- في عام 1973 ، نظم قصة شعرية بعنوان "داغستان بلدي".
- في عام 1974، منح جائزة لينين , فأصبح شاعر و بطل الإشتراكية و العمال
- منذ 50 عاما احتفظ بمنصب "رئيس نقابة الكتاب "في داغستان .
- كانت قصائده الأخيرة ممتلئة بالألم، ولم يستطع تحمل. موت زوجته فاتِمات " فاطمة "، التي غادرت على حين غرة وبهذا بات وحيداً . لقد كان رسول حمزاتوف فارساً وفياً في الحب، وكان ينتمي بكل تفاصيله لفاتِمات. وبالرغم من ميله للعشق والمغامرات العاطفية، فإنه في الحقيقة لم يكن يعشق سوى فاتِمات. كان مخلصاً لها ولذلك فقد عانى كثيراً من فقدانه المفاجئ لها.
- تفاقم عليه مرضه "الشلل الرعاشي" ، لكنه لم يفقد روح المرح والحكمة والنبل.
- في عام 1992 وجد حمزاتوف نفسه، على قارعة الطريق، من دون هبات وجوائز، براتب تقاعدي تافه.ومن أجل هذا انزوى وانطوى على نفسه. ولكنه مع ذلك كان يدافع بغيرة عن حقوق الكتّاب والأدباء ـ
- في عام 2003 توفي رسول حمزتوف الشاعر الأشهر من وطنه في "داغستان" في القوقاز ، ونسبت إليه " داغستان حمزتوف "
"داغستان بعيون حمزاتوف"
"داغستان، أنت عشقي، وعدي، ابتهالي ومرتجاي. فيك وحدك معنى كتبي وحياتي".
"أنا أستطيع أن أقول بلغتي كل ما أريده، ولست في حاجة إلى لغة أخرى كي أعبِّر عن أفكاري ومشاعري". ويضيف: " لغات الشعوب بالنسبة لي، كالنجوم في السماء. أنا لا أودُّ أن تذوب النجوم كلُّها في نجم واحد ضخم يُغطي نصف السماء. الشمس كفيلة بذلك. لكن لندع النجوم تتلألأ هي الأخرى، ولتكن لكلِّ إنسان نجمة".
لماذا تبحث عن لغة واحدة ؟ فلتكن هناك عشرون لغة .
" نجوم كثيرة .. وقمر واحد ..
نساء كثيرات .. وأم واحدة ..
بلاد كثيرة .. ووطن واحد " .
"يقول رسول حمزتوف" :
ثلاث نساء ودعتني عند سفري.
قالت الأولى
وهي مستندة على شجرة دون أن تحني رأسها: إذا نسيتني فلن أبكي،
ووقفت الثانية
عند بابها ممسكة بجرة ممتلئة وسمعتها تقول: عد سريعًا،
أما الثالثة
فكانت تتنهد دون أن تنطق بحرف واحد، ووراء الجبل الأول نسيت المرأة الأولى ونسيت الثانية بنفس هادئة بعد الممر الجبلي الثاني، لكنني لم أستطع عبر الجبال كلها أن أنسى المرأة الثالثة وهي وحدها التي أحلم بها من بينهن جميعًا".
وقال: ".. نحن لا نملك إلا حياة واحدة، ولو كان لنا أكثر من حياة لأمكنني أن أزرع حبي حتى يعم الجميع.. يكفيني أن يظل حبي حيًّا في كل قصائدي.. لم يعد أمامي الكثير من الوقت لأكتب عن التفاهات".
وحدثنا :
عن الحكايات الأفارية والأساطير والخرافات التي كان يرويها والده بقوله: "عندما كنت صغيراً جداً كان والدي يغطيني بعباءته الصوفية ويلقي قصائده عليَّ حتى حفظتها عن ظهر قلب.. حدث ذلك قبل أن أركب حصاناً وقبل أن أتعلم الركض"..
"قال عن لسان محاوره "
" ظهرت لدينا في روسيا الآن ما يسمى بالسوق ، ودخلنا مرحلة من حرية الجوع الوحشية أصبحت فيها أسعار الطماطم أغلى من البشر ، وأصبح ممكنا شراء كل شيء في روسيا : الضمير والبطولة ، الموهبة والجمال ، الشعر والموسيقى ، الأرض والأمومة أحيانا . وقد بدل الكثيرون من مواقفهم . ربما يمكن للمرء أن يبدل قبعته ، ولكن لا يمكن لشخص شريف أن يبدل رأسه ".
" ماقيل لرسول " حمزاتوف
أورد لكم ماقال له معلمه في فن الشعر حمزة تساداسا ":
"أخبرني والدي عن قصائدي الأولى لو بحثت تحت الرماد فربما وجدت جمرة مشتعلة، كما علَّمه أن لا يمشي على الطرق السالكة في الشعر، وأن يختطَّ لنفسه طريقاً لم يطأه سواه من الشعراء، وقد نفّذ الابن وصية الأب عبر موهبة كبيرة، وذخيرة حياتية كبيرة بثَّها في دواوينه وكتبه التي فاقت السبعين مؤلَّفاً لاقت هوى ورواجاً في كل بلدان العالم، حتى صار اسم داغستان يأتي مقروناً باسم شاعرها الأفضل، أمَّا هو فاعتبر نفسه مراسلاً خاصاً لبلده داغستان، التي يقول عنها: "إذا أردت أن تعرفها فاقرأني، وإذا أردت أن تعرفني فزرها".
"ومن مواساة أصدقائه له قائلين:"
"إذا اعتقد بعض الناس أن أباك قد كتب لك قصائدك، فيعني ذلك أنك شاعر جيد تماما، لذا لا تبتئس وابتهج!"
"واخبره آخرون" :
بأنه يقلد والده وعليه الكتابة بصورة مختلفة ،قائلين :
"يكفي حمزة واحد في عائلة واحدة وفي كل أفاريا أيضا. لكنك يا رسول ظل لوالدك وملحق له".
يقول: كان هؤلاء بالطبع على حق، ولو أني صراحة لم أؤيدهم في ذلك عندئذ، وواصلت في كتاباتي استخدام ما كان سائدا على اسلوب والدي ولا حول لي لإتخاذ خطوة واحدة إلى الأمام.
"نصيحة افندي كابييف له ":
صادفه مرة "افندي كابييف "مع مجموعة من الكتاب في الشارع، استوقفه مقترحا عليه الذهاب إلى بيت صديق قديم وهو الفنان والموسيقي "محمود يونيلا "وانشد هناك الشعراء قصائدهم بالتناوب وطلب منه أن ينشده شيئا ما. فقرأ قصائده المترجمة إلى الروسية، ولم يثر أي شيء قرأته استجابة عند كاييف وسأله أحد الحاضرين: «حسنا، ما رأيك فيها؟».
فأجاب "ليست رديئة".
فعلق أحدهم: "تبدو أفضل بكثير بالأفارية" وقال افندي وهو مستغرق في تفكيره: "ربما، لكن هذا زمان يختلف، ونحتاج إلى قصائد مختلفة وشعراء مختلفين. عليك أن تدرس يا رسول، يجب أن تذهب إلى موسكو لكي تدرس".
"قراءات "
- كتب في الحياة والفن
- كرس شعره لحياة داغستان .
- إهتم بالشعر العالمي وقوالبه .
- كتب عن الإنسان والإنسانية .
- حصل على جوائز دولية وسوفيتية عديدة
- تميز شعره بالصبغة القومية و النزعة الغنائية .
- شساعة الحب عنده تعدت كل قوانين الوجود؛ فأحب من لايعرفهم أيضا .
- عمل في المسرح والصحف والاذاعة، وكان ينشد قصائده في كل مكان
-كتب حمزاتوف قصيدة حب إلى المسافر الغريب وإلى الضيف الذي لا يعرفه .
-ترجمت قصائده ودواوينه وكتبه التي تصل إلى أربعين كتاب إلى لغات عديدة .
- قال الشعر سهلا ورقيقا في سن مبكرة ، وحال إنتهائه من كتابة ديوانه طبعه في الحال .
- أحب الوطن وكتب شعراً في المرأة ،وأحب الصديق لأنه يرى فيه الدفء والقوة في المؤازرة .
- أحزنه من صدق شائعات حساده بأن كل ما كتبه رسول حمزتوف لم يكن له بل هي من اشعار والده .
- قد امتدح البعض اشعاره الاولى، وانتقدوا التالية، بينما انتقد الآخرون اشعاره الاولى وامتدحوا التالية، فقد احب من امتدح اشعاره الاولى والتالية، واختلف مع الذين انتقدوها في كلتا الفترتين.
- حلم أن يفوز برأي افندي كابييف ،قائلا: هو وحده من يستطيع تقييمي ووضعي في مكاني الصحيح.فنصحه بالدراسه حين استمع لشعره .
- دافع رسول حمزاتوف عن إيمانه بالإشتراكية وتاريخه ،عندما هوجم كل ما مضى من تاريخ وإنجازات الإتحاد السوفيتي عند انهياره .
- كتب "بلدي داغستان" بلغة نثرية رفيعة لاتخلو من نكهة الشعر العابق بعطر الشرق وتقاليده .
- كتب رسول "داغستان بلدي "باسلوب تحليلي وتصويري مذهل . ينتقل بك بكل الأجناس الأدبية ، لايسمح لك أن تشعر بالملل .
- تكلم عن شخصية الرجل الجبلي أبو طالب بكل سلاسة ووضوح ،وبأسلوب ماتع ، يبقى عالقا في الذهن .
- دخل معهد الادب في موسكو ـ وكان يدرس معه 26 حالما، وكانوا يقرأون الشعر على بعضهم في جادة كفير سكوي، وعلى حد قوله :"كانت القصائد على اية حال تافهة، ربما لانه على نفس الجادة وليس بعيدا عنا، ينتصب تمثال الشاعر بوشكين".
- في موسكو بدأ يكتب بطريقة مختلفة ، فقد أراد أن يتفهمه الاخرين ويتفقون معه في النشر السريع له في موسكو .فبدأ يكتب تحت تأثير شعراء الروس.
- لم ينس القرية الجبلية التي انحدر منها والتي كتب سابقا تحت تأثير شعرائها .
"من سيرته الذاتية "
- فقد صور لي الشعراء الروس ـ ابتداء من بوشكين وانتهاء بتفارودفسكي ـ تاريخ ومصير روح روسيا. وكشف لي شيفجينكو وريلسكي عن أوجاع وافراح أوكرانيا، وقص لي رستافيلي وليونيدز عن رقة وخشونة جورجيا، واشعر بالامتنان الى اسحاق الارمني لأنه خلف لي الزرقة المرتعشة لبحيرة سيفان والقمم الثلجية لجبل ارارات. وعندما زرت كاباردنيو ـ بالكاريا، اخبرني كيسن كولييف قائلا: «قدمت لك المدخل الى البرس وجئتكم حيث ولدت».
- لقد حمل الشعراء مختلف الاوطان والعصور الى قريتي الجبلية... سماء اسبانيا وتربتها، وانغام ايطاليا والوانها، ونذور الهند وصلواتها، وحقيقة فرنسا وجمالها.
- إن محمود، وباثيراي، وأرجي كازاك، وأتم أمين، وسليمان ستانسكي، ووالدي حمزة تساداسا، ومعلمي افندي كاييف والآخرين، قد خلفوا لي ولجيلي ارض داغستان الرائعة، بالوانها وكلماتها واصواتها، وشعرها البطولي وقصائد الحب الغنائية منها وحقيقتها وخيالها، وعالما رائعا فريدا من الإيقاعات والصور.
هنالك قانون غير مكتوب لدى الأفاريين، ينص على أنه عندما يتكلم الكبار، ينصت الشباب ويصغون، فكيف باستطاعتي، بعد هؤلاء الشعراء العظام أن اكتب عن بلادي؟
"من أعماله "
ليس الشعراء طيورا مهاجرة. فالشعر الذي لا يملك أرضا وتربة، وموقدا وبيتا، شجرة مقطوعة الجذور، وطير من دون عش."
أيها العابر، أصحاب البيت لا توقظ .
إذا جئت تحمل الشرَّ - ارحل، إذا كنتَ تحمل الخيرَ - ادخل
لا في ساعة مبكرة، لا في ساعة متأخرة
لا تدقّوا الباب، باستئذان:
أصدقائي،
إن قلبي مفتوح لكم
كما هو بابي
* * *
قصيدة "الغرانيق"
فقد صارت واحدة من أعظم الأغاني في القرن العشرين. تنحني أمام ذاكرة جميع الشهداء وتحذر البشرية من حروب جديدة.
"الغرانق في غونيب"
تشرئبين بأعناقك البيض الطويلة
ويبدو أنك لن تلبثي أن تتواري عن الأنظار
ومع أنني اعتدت الفراق حتّى ألفته
أرنو إليك وقلبي يتفطر ألماً.
الحياة تميل، كما لو في شهر آب، نحو المغيب
وأسراب الطيور، يا للأسف،
تفر من البرد إلى مكان ما،
فمالك، يا بيضاء الأجنحة، تتمهلين؟
هناك في الأعالي سرب مهاجر
يصيح بحدة: "أفريقيا، أفريقيا"
ظاناً، كما يبدو، أنك تخلّفت،
ساعياً لحثك على الطيران.
وأنت، فعلاً، لست عقباناً
كيلا تبالي برياح الخريف
ولا تستبدلي بمهدك الصخري الأبدي
مأوىً آخر مؤقتاً.
فما بالك لا تسارعين إلى الهجرة؟
لقد أخذ الثلج المبكر يدوّم فوق أجنحتك،
فهل هو يكسوك دانتلاّ راقصات الباليه
أم يلفك بأكفان الأبدية البيض؟
ثمة عجوز أفارية شمطاء
فقدت أبناءها في الحرب
تنحني بحزن كل صباح أمام الشعلة المتوهجة،
لتصلي من أجلك، أيتها الغرانق، وكأنك أولادها.
والصبايا الجبليات يأتين إليك
يرفرفن قبيل المساء، ولو لوقت قصير
سرباً يثرثر بخلو بال،
ولكن هنا تتغشى العيون الفتية بالحزن.
وحتى الجبال تقهر الجاذبية
وتتحرك من أماكنها لتتحد وتتلاحم،
كي تحمي أرواح الجنود
من الثلوّج والرياح والأمطار.
هنّ فقط يندفعن نحو سماء غونيب
مع أن قاعدة التمثال لا تفارقهن كظلهن
وتشع الشمس فوقهن هالةً من نور
كما فوق القديسين، تظل تسطع طوال النهار.
أيتها الطيور الحزينة ! لقد طرت إلى هنا
منطلقةً من أشعاري الأثيرة
وتجمدتِ في الحَجَر إلى الأبد
زوبعةً ثلجيةً بيضاء وحيدة.
بعد أن طفتِ العالم كُلَّه
نلتِ السكينة المنشودة هنا في القرية الجبلية
وكأن جميع الأبناء قد عادوا معك
إلى الوطن من تلك الحرب البعيدة.
مالك تلقين بريشك الخفيف
مندفعة نحو الزرقة الصافية؟
إنني أحني أمامك رأسي
الأبيض، الأبيض كهذا الثلج.
* * *
"العاديّون"
لا أحب العاديَّةَ في المصير
بالرغم من كثرة الرمادية في هذا العالم.
لا أحب المهرولين إلى خفض الجباه الخدومة
بالاتجاه الذي تهب منه الريح.
يحدث جدال بين السماء والأرض
رعد وبَرَد وبروق صامتة،
وبين الأصدقاء يمكن أن تنشب مشادات،
الرمادية وحدها تظل دائماً ساكنة.
حشود الموظفين العاديين
تتزاحم، منذ القدم، قرب العرش
وتنحدر كعربة من قمة جبل
لتنحني بتملق مرة إثر مرة.
صفوف الشعراء العاديين
يهرولون لتأدية بروفا الجوقة الإبداعية
وربة الشعر تقف على الرصيف
عارضة نفسها للبيع وهي تموت خجلاً
الرمادية ملأت كل الزوايا حولنا
ومن الغريب أنك عاجز عن الاختباء منها
تغلق باب غرفتك، توصد باب الدار بالمسامير
وإذا بها تطل عليك من شاشة التلفاز
تئز الدعايات كالمغزل
لجوجة، ودائماً تافهة.
وقد نجحتْ منذ مدة طويلة
في إزاحة بوشكين وبلوك عن الشاشة.
العادية ملأت المنابر العالية
بإفراط لا حد له ولا نهاية
والميكروفونات أخمدت صوت القلوب
وتهدر اليوم بصوت أعلى من دفوف أهالي الجبال.
البلد الجبار تَمزَّق،
الزمان والمكان، جزأهما ا لكذب.
والرمادية انتشت من جديد بخمرة الفوضى،
واعتمرتْ تاجَ الادّعاء.
إنها تشحذ منقارَها الامبراطوري
ناظرةً في مرآة معوجة...
أيتها العاديّة: إنني لا أحبك
ولكنك لست أهلاً حتّى لبغضي.
***
"المحكمة"
عندما يدنو أجلي
ويلوح السراط أمامي من بعيد،
القاضي الأعظم الذي يحسم النتائج
سيُرْبِك ذهني بأسئلةٍ ثلاثة:
سيسألني: بعد ما تركت الحياة وراءك
هل عرفت السعادة وأنت تائه في ذاك العالم؟
قلبي سيخفق بين جوانحي كشعلة متوهجة،
وسألفظ اسمك يا حبيبتي.
وسيسألني: بعد أن تركت ضوضاء الحياة
هل عرفت الحزن في بَهرج العالم ذاك؟
عندها سأشير إلى السحب المدلهمة
فاللطخات السوداء التي في نفسي ليست أقل منها.
وسيسألني: أفل العصر، كما تأفل النجوم
ما هو الإثم الذي ستعترف له به؟
لن أعترف إلاّ بأنني كنت في بعض الأحيان سياسياً
مع أنني ولدت في تلك الدنيا شاعراً.
ولكن قبل أن يقرر القاضي مصيري
وهو يشمل الحياة كلها ببصره الذي يرى كل شيء
سأتوسل من أعماق قلبي إلى المهمين الأعظم
أن يجد لي مكاناً بين الجنة والنار.
***
"عندما أشاهد حسناء"
أعود في لحظة واحدةٍ مغنياً من جديد.
وعندما ألقى حكيماً
وأصغي صامتاً إلى أقواله،
أشيخ على ا لفور، وأكتئب.
املأ لي القدح بالخمر
لتشب في قلبي الأغنية،
وإن تملأه بالشاي
لا تنتظر إلاّ الحقائق المملة.
لأعترف بأنني في الفلسفة ـ عديم النفع.
يا حسرتي، هكذا برأني الخالق العظيم.
الآن، والعمر يميل إلى الغروب،
ماذا أختار، أنا الشاعر، بلا مراوغة ولا ادعاء بالحكمة:
ليتني أبقى وفياً لشبابي الطائش
أما الحكمة فعشاقها ليسوا قلائل.
نَجِّني يا رب من عناق العجوز ـ الحكمة
فأنا لا أصلح لهذا الدور الصالح
لا .. لن أستطيع الهروب من الحب
أما الحكمة فليرثها الآخرون.
***
"هواجس حمزتوف"
أنا وقد تجاوزت درب التفكير الوعر ..
أتوجه إلى هواجس الأرق مع الدموع ..
"تعبت أنا , أيتها الهواجس"
دعيني أرتح ..
فقد حل الليل في الفناء ..
والوقت تأخر لتزاحمكن..
عند الصباح .. سأحتاجكن من جديد ..
أما الآن .. فوداعا حتى شروق الشمس ..
ولتذهبن , كما يختفي الخنجر في الغمد ..
بعد عودة المحارب من المعركة ..
وأما في الليل ,, فتلذهبن إلى الزاوية ,,
حيث وضعت أرجوحة ابنتي التي كبرت ..
قوس قزح رفيع معلق في الأفق ..
فلست بحاجة لشعلتكن ليلا .. أيتها الهواجس
ولتخمدن مثل الفحم في الموقد
بعد أن حضرنا عليه العشاء ...
لا تتضرع فنحن نأتيك كما تشاء ..
وليس لنا سلطة أقوى منا في الدنيا ..
تذهب الأحلام منبوذة ..
ويتمزق القلب إلى أشلاء..
** *
" إلى: ب، ي"
أحلم بك بانبهار
كلما نقر المطر النافذة
وجثا ثلج على التل
وعندما تكون السماوات لدى الفجر بلا غيوم
وتزدهي بحنطة الصيف الحقول
أحلم بك بانبهار
حينما يغط السنونو ويثب
واذ نلتقي ونفترق
وعندما لا تمنحني الهدوء
الاوراق التي تطير وتدور
وهي متوهجة بندى العسل
يقيناً انك افضل من عرفتهم
إذ انني
طوال الليل والنهار
أحلم بك بانبهار
***
"نجوم"
نجوم الليل، نجوم الليل
تحدق باشعاري
مثل عيون، مثل عيون
رجال لم يعودوا هنا
وفي هدأة الليل
اسمعهم وهم يقولون:
كن ضميرا متوهجا
لأولئك الذين اخذتهم الحرب بعيدا
إنسان الهضاب أنا، وفيٌّ لداغستان
من ترى يعلم، ـ أني ـ ربما
سأكون نجمة يوما ما
آنئذ سأحدق بأشعار آخر
نجمة تحتضن الارض
ضميرا متوهجا لأولئك
الذين عاصروني
***
" صداقة"
عشت طويلا وما زلت ترتضي
ان تختبئ من عواطف الحياة
ليس بمقدورك تسمية صديق واحد
له فقط يحس قلبك بالسعادة
وعندما تمر السنون وتغدو عجوزا
سيلتفت الناس ويقولون
عاشت قرنا هذه الروح المسكينة
لكنها لم تحيا يوما واحدا
***
"على البر أو البحر"
على البر، كما البحر، اسبح
الى القمة، أو اخترق طريقي الى الاعماق
حيث العبارات الفرحة أو المتجهمة
تنبثق مثل الكثير من النفس المضاع
وعندما تغير علينا المتاعب
نحن الى البحر، وفي المأزق المفجع
نسبح بدون يد تمد الينا
وليس على مرأى النظر
ساحل أو سفينة.
***
"اللقالق"
جنود بلادنا من لم يؤوبوا راجعينا
إلينا من ميادين القتال الداميات
يخيل لي أحياناً
بأن أولائك الغياب ما اجتدثوا أراضينا
و لكن أصبحوا طيرا لقالق هائمات
و مذ تلك العهود من الزمان
و هم أسراب أطيار تحلق و هي تدعونا
أليس لذلك نصمت كلنا أحزان
إذا نحو السماء رنت مآقينا ؟
و انى اليوم أبصر ساعة الغسق
طيور لقالق بيضاء تسرب في الغيوم
و تتبع نفس ما ألفت تسير به من النسق
قديما حين كانت بشرا تمشى على نحو نظيم
و ما هم يقطعون طريقهم في الأفق ممتدا
ينادون بأسمائهم بعض الأهالي
فما أشبه لهجاتنا الجبالية مدا
بأصوات اللقالق و هي تصرخ في الأعالي
***
"الدم و الدمع "
الصواريخ مضت تطوي الرحاب الشاسعات
و مراراً وصلت للأنجم النائيات , النائيات
ليتني يا أيها الناس لكم , كنت وصلت
أنتم سامقة في كل وقت , كل وقت
****
"البلاد العظيمة ممزقة"
والكذب يملأ الوقت والفضاء...
التفاهة منتشية بفضل الفوضى من جديد،
وقد ألبست نفسها تاج الرياء.
والإدعاء يشحذ منقاره الإمبراطوري،
وهو ينظر في مرآة عوجاء...
أيها "البين بين" ـ أنا لا أحبك،
وكلك لن أشرفك بعداوتي.
سوف يسأل: ـ وقد غابت الحقبة، كما الشهب،
فما هو الذنب الذي ارتكبته أنتَ بحقها؟
فقط أنني عملت في السياسة أحياناً،
مع أني ولدتُ في الأرض شاعراً.
ولكن، وقبل أن تقرر المحكمة مصيري،
وبعد أن يلقي على حياتي نظرة ثاقبة،
سوف أسأل الله من كل قلبي
أن يجد لي مكاناً بين جهنم والجنة.
***
"الموت لن يقترب مني" ـ
فأنا إلى الربيع أنتمي،
طالما أنني أزرع الغلال.
أنا سوف يكفلني الربيع.
وأوراق الحديقة الوارفة.
ولسوف يبتعد الموت صاغراً...!
كلا، الموت لن يأتي لأجلي،
طالما أنا أبني بيتي
على الأرض العزيزة بنفسي.
فما أن يرى كيف يرتفع الجدار،
سينطلق الموت هارباً
إلى الغابة، التي تقع خلف الجبال...
وحيداً تماماً، كما الجندي الباسل"
وقد نجا من بين كل المشاة بأعجوبة،
وراح يخرج من الحصار اعتباطاً،
وقع في مستنقع غير سالك.
وحيداً تماماً، كما الغرنوق الجريح،
وقد ابتعد في لحظة شؤم عن السرب...
حان له من زمن بعيد أن يطير نحو الجنوب،
لكن جناحيه المكسورين قد تعبا.
***
"بحزن أنظر إلى داغستاني"
فقد تلوّت كما لو من حرق،
لحدّ الألم لا أعرف الصديق،
إذ صارَ الكثيرُ فيه غريباً.
"كنتُ مختلفاً"
كما كان الزمن مختلفاً ـ
كما الزاوية، حاداً، أملسَ،
كما الشكل البيضاوي...
ومع ذلك لم يطفئ العقلُ
البارد النارَ في قلبي أبداً.
ثم:
"اعذرني، أيها الزمن المجنون"
لأنه كان ينقصني بعض العقل...
رؤوس أخرى كانت تفكر نيابة عني،
وتضغط أشعاري في مجلدات.
وقوة شيطانية خفية
كانت تقود أحياناً على الورق
يدي غير المُدْرِكَة،
وتُحرفُ القلمَ المستقيم.
***
"وحبي مع طعنة متعبة "
قد طار إلى الأبد،
اختفى وغاب في عمق المجرة،
كشهب سقط من السماء.
"أوه، أيها الزمن ـ أنت كالريح"...
كما تشاء تستبدل الشرق
بالغرب في لحظة.
لكن قرن (ي) مضى، وبرغم أنك قاس،
فإنك لن ترى خيانتي أبداً.
***
"احفظوا الأطفال":
هذا العالم، كما الجرح المفتوح في الصدر،
لن يعود ويندمل بعد الآن أبداً.
لكنني أؤكد، كما لو أنها صلاة المسير،
في كل لحظة: "احفظوا الأطفال!".
الجَميعَ، كلَّ مَن يؤدي الصلاة،
ورعايا الكنائس في كل مكان:
أرجو بشيء ـ "انسوا الشقاق،
احفظوا بيتكم وأطفالكم العزّل!"
من الأمراض، من الانتقام والحرب الرهيبة،
من الأفكار الطائشة التافهة.
وعلينا اليوم أن نرفع معاً في كل أنحاء
العالم نداءً واحداً: "احفظوا الأطفال!".
"كما لو بصوف ممشط، بالضباب "
حُجب الأفق الشفاف ـ
حان وقت المشعوذين
واحتلَّ الأوتوستراد.
فما الذي ينتظرني خلف المنعطف،
ماذا ينتظر بلادي؟..
أيها الزمن، لقد أفلستَ أنتَ أيضاًَ،
ومن جديد أنت في الأسر قبل الأوان.
"أدرك تحت سماء داغستان"
بينما أعبر آخر مضيق،
باكراً جئتُ كشاعر،
وكنبي،ـ جدّ متأخر.
* * *
"مرثيته "
"إلى عبد الرحمن دانيالوف"
فوق شاهدة القبر الرخامية
حيث يرقد رفيقي القديم
أقف حاسر الرأس
وأسمعه يناديني.
لا ... غير ممكن، لا أصدق ـ إنها الريح
تصفر وهي تلامس أسلاك الكهرباء.
لكن بما أن صديقي لم يُنْسَ في هذا العالم.
إذاً هو لن يتحول إلى رميم في ذاك.
إنني أرى طيفه المألوف
يدنو مني بهدوء كالسابق،
هيا يا رئيس مفوضي الشعب
نتحادث على انفراد.
فلتكن قد ذبلت زهرة الشباب
والخيول بغيرنا تخب في الجبال...
ولكن الوقت الذي يعدو باندفاع
سيجزي، يا عبد الرحمن، كلاً بأعماله.
دع الشبان الذين اجترعوا جرعةَ حريةٍ
ينهالوا علينا بالنقد من كل جانب،
إنهم لا يدركون أنك أنت من حمى داغستان
من مكائد بيريا أيام ستالين.
عندما كانت قطارات الشحن الذاهبة إلى سيبريا
تنقل إخوتنا الشاشان الأبرياء كقطعان المواشي
انقذتَ أنت أبناء وطنك ولكن لا من أجل المجد الشخصي
بل لتنجو فئة ما على الأقل.
ليست بقليلة أعمال الخير في سجل مآثرك:
منازل وطرقات وسدود ومدن...
لا ... ليس لهذه المسلّة البيضاء الصارمة
أن تتسع لكل هذه الأعمال.
ولكنها ستجد لها مكاناً في نفوس الجبليين
مكاناً مشرّفاً، كذاك الذي يفسحه
أهل القرى الجبلية لأصدقائهم القدامى.
في صدر المضافة بجانب الموقد.
هناك شاهدت صورك غير مرة
مقصوصة من جرائد مصفرة باهتة
أسماء كبيرة تطايرت، كالسنين الفائتة،
وأنت بقيت ثابتاً في دوامة الزمن.
في تسمية شارع هادئ رحب
وفي صخب نهار وليد
وفي همس جدول جبلي أسير
في أرض الوطن
وفي قلبي أنا.
لذا أقول وأنا أنحني فوق القبر
مودّعاَ إلى حين:
مع أن الشمس قد غابت خلف الجبال
فإنها ستشرق ثانية من هناك.
* **
"أستغرب عندما أقرأ أشعاري"
فأي شاعر أنا، بالله عليك ؟!
إذا كان نور القرآن السرمدي
لم يغمر روحي بسنائه ؟!
ولكن إذا تصفح مؤرخ في المستقبل
ديواني بهدوء وسكينة
سيجد، مع ذلك، وسط الصخب الخطابي
كلمة حية ـ أنيناً من الروح،
وإذا تملكه العجب آنذاك
سأكشف له عن سر دفين:
لسبب ما : أنعم الله علينا،
نحن الجهلة، بنوره الساحر.
ومع أننا كنا نؤمن
ـ ونحن نختال بـ"حقيقتنا" كالأطفال ـ
بأنه غير موجود في الكون
كان يرأف بنا في ساعات الشدة ويرعانا.
ونحن دون أن ندري ما الذي يحدث لنا
كنا فجأة ، ولو للحظة،
نتواصل مع السماء بصلة القربى
ونرى من خلل الحجب وجهه الكريم.
إنني، أنا الهباء التافه، أنحني أمامكم
أيها الشعراء القدامى،
فقد كنتم تعرفون وصايا الحكمة
وكان الرب يملي عليكم من عليائه ما تكتبون.
"داغستان بلدي"
* يقول رسول حمزاتوف في كتابه " داغستان بلدي " :
عندما ولدت , دعا والدي إلى بيته وجوه أهل القرية تنفيذاً للتقليد المتبع .
جلس وجهاء القرية في وقار ورزانة في أنحاء البيت وكأن عليهم أن يقرروا مصير بلد بكامله .كان كل منهم يحمل بين يديه جرة ذات بطن من صنع خزّافي بلخاريا .
وفي جرارهم كانت توجد بالطبع , بوظة مزبدة . واحد منهم فقط ذو رأس ولحية أبيضين كالثلج ,هو أكبرهم , كانت يداه طليقتين .
هذا الشيخ هو الذي سلمتني إليه أمي آتية من غرفة أخرى .كنت أتخبط بين يدي الشيخ , وكانت أمي تقول له :" أنت غنيت في يوم فرحي , وكنت تمسك الطنبور تارة , والدف تارة أخرى . كانت أغانيك جميلة"
فأي أغنية ستغني الآن وأنت تمسك صغيري بين يديك ؟ ...
ــ يا امرأة , الأغنيات ستغنيها أنتِ أمه وأنتِ تهزين سريره .
بعد ذلك فلتغن له الطيور والأنهار ولتغن له أيضاً السيوف والرصاص . وأفضل أغنية فلتغنيها له عروسه.
ــ سمّه إذاً . ولأسمعن أنا أمه . ولتسمع القرية كلها , وداغستان كلها الاسم الذي ستدعوه الآن به،رفعني الشيخ عالياً إلى سقف البيت وقال :
ــ أسم البنت يجب أن يشبه بريق النجمة أو لطف الزهرة . واسم الرجل يجب أن يتجسد فيه،صليل السيوف وحكمة الكتب . لقد عرفت الكثير من اأسماء , وأنا أقرأ الكتب , وسمعت الكثير من الأسماء في صليل السيوف , وكتبي وسيوفي تهمس لي الآن بالاسم ــ رسول .
انحنى الشيخ الذي يشبه النبي فوق أذني وهمس قائلاً :
ــ " رسول "
ثم انحنى فوق أذني الثانية وصرخ بصوت عال : " رسول " . ثم أعطاني , أنا الذي كنت أبكي إلى أمي , وقال متوجهاً إليها وإلى كل الجالسين في البيت :
ها هو ذا رسول .
"ومن داغستان بلدي ايضا " :
روي لي :
بعد ولادتي مباشرة ,اضطر والدي بسبب شؤون الخدمة للانتقال مؤقتاً إلى قرية أراديريخ .
وضع والدي على سرج جوادنا خرجاً جمع في أحد جانبيه كل عفش بيتنا من ملابس وبقايا طحين , وطحين شوفان ودهن وكتب . وفي الجانب الآخر كنت أطل برأسي .
بعد أن وصلنا , مرضت أمي مرضاً شديداً . وفي القرية التي انتقلنا إليها حدث أن وجدت امرأة مسكينة وحيدة مات صغيرها منذ مدة . هذه المرأة الآراديريخية أخذت ترضعني , فأصبحت مرضعتي وأمي الثانية . وهكذا أنا مدين لامرأتين على هذه الأرض ومهما امتد بي العمر ,ومهما فعلت لهاتين الامرأتين وباسمهن لن أفي مالهما علي من دين , فدين الأبناء لا نهاية له .
هاتان المرأتان إحداهما أمي , تلك التي ولدتني , وأول من هز سريري , وغنى لي أولى الأغنيات .وتلك الأخرى , التي قدمت لي صدرها حين كان محكوماً علىَّ الموت فبدأ دفء الحياة يدب فيّ فتحولت من درب الموت الضيق إلى طريق الحياة , هي أيضاً أمي .
ليس هناك يوم واحد يمر , أو دقيقة واحدة تمر دون أن تحيا في نفسي تلك الأغنية , التي غنتها لي أمي فوق مهدي , وتردد بين ضلوعي .
هذه الأغنية هي مهد كل أغانيّ .إنها المخدة التي أسند إليها رأسي المتعب , وذلك الفرس الذي يحملني في أرجاء الدنيا كلها .
إنها النبع الذي أنهل منه في عطشي , وذلك الموقد الذي يدفئني والذي أحمل دفئه في حياتي .
- "عشت طويلا وما زلت ترتضي ان تختبئ من عواطف الحياة ليس بمقدورك تسمية صديق واحد له فقط يحس قلبك بالسعادة وعندما تمر السنون وتغدو عجوزا سيلتفت الناس ويقولون عاشت قرنا هذه الروح المسكينة لكنها لم تحيا يوما واحدا."
- "أمس كنت أتسلل إلى أعشاش الطيور ،أغري أصدقائي الأطفال بصعود الجبال، وأتى الحب عنيفا أزرق العينين فجعلني، دفعة واحدة، كبيرا، أمس كنت أحسبني راشدا أشيب وحكيما حتى آخر أيامي، وأتى الحب وابتسم في بساطة ،فإذا أنا ولد صغير."
- "أيها الشعر: أنت تعرف أكثر من الناس جميعاً ،أن كل ما يقولونه عنك لا يجعلك اكثر جمالاً ولا أكبر قدراً. أيمكن أن نمجد الاغنية بحديثنا عنها؟ أيمكن أن نزيد سيل الجبل إذا ألقينا فيه جرة ماء؟ أيمكن ان نقوي هبوب الريح اذا نفخنا فيها؟ أيمكن ان نزيد عظمة جبل سامق يضيع بين الغيوم إذا حملنا إلى ذروته قبضة ثلج؟ أيها الشعر: أنا - لولاك - يتيم."
- "يخيل إليَّ أحياناً، أن الفرسان الذين، لم يعودوا من الحقول الدامية بعيدين عن الهجوع في المدافن المشتركة، إنهم تحولوا إلى غرانيق بيضاء. .. تحلق وهي تدعونا أن نصمت بأحزاننا، إذا رنت عيوننا إلى السماء. وحين يحين موعدي، سأمضي مع الغرانيق في لجة السماء الزرقاء... ومن وراء الأفق حزيناً أناديكم، بأسمائكم، يا كلّ من بقي حياً على الأرض."
- "حبيبتي إن كان هناك مائة مخلوق في العالم يُحبونك فاعلمي أن حمزاتوف أحدهم وإذا كان الذين يحبونك عشرة فقط فتأكدي يقيناً، بأن رسول حمزاتوف، هو أحدهم أيضاً أما إذا كان لا يحبك في هذه الدنيا، سوى مخلوق واحد فاعلمي بأنه حتماً، سيكون رسول حمزاتوف أما إذا كنتِ حزينة ووحيدة لأن لا أحد يحبك في هذا العالم؛ فاعلمي أن رسول حمزاتوف قد مات."
- "يوم غادرت قريتي لأول مرة في سفر , وضعت أمي على النافذة مصباحاً موقداً . كنت أسير وألتفت , ثم أسير , لكن ضوء بيتنا كان يتلألأ خلال الضباب والظلام .
ظل هذا النور في النافذة الصغيرة يضيء لي سنوات طويلة كنت فيها أجوب العالم .
ولما عدت إلى بيت والدي ونظرت من هذه النافذة من داخل البيت , رأيت كل العالم الواسع الذي استطتأن أجوبه في حياتي .
- "عندما يسألونك من أنت تستطيع أن تبرز وثيقة أو جواز سفر يحتوي على المعلومات المطلوبة، أما إذا سألوا شعباً من أنت فإنه سيقدم علماءه وكتّابه وفنانيه وموسيقييه وسياسييه وقادته العسكريين كوثائق ".
و يقول في " داغستان بلدي " :
- فتاة جبلية عرفت نشوة الحب , تطلعت من النافذة عند الصباح وصرخت :
ــ آه ما أجمل الزهر على الأشجار .
ودمدمت أمها العجوز .
ــ وأين ترين الزهر على الشجر . إنه الثلج . نحن في أواخر الخريف وأوائل الشتاء .
- يذكر الناس أمهاتهم بصور مختلفة .أما أنا , فأذكرها صبحاً وطهراً ومساءً .
في الصباح تعود من النبع بجرتها المملوءة ماء .إنها تحمل الماء وكأنه أثمن ما في الوجود .ها هي ذي تصعد الدرجات الحجرية وتضع جرتها على الأرض , وتبدأ في إشعال النار في الموقد .تشعلها وكأنها أثمن ما في الوجود .
توقدها وهي ترنو إليها في وجل أو انبهار , لا أدري .
وإلى أن تشتعل النار كما يجب , تهز والدتي السرير .
تهزه وكأنه أثمن ما في الوجود .
تأخذ أمي الجرة الفارغة لتأتي بالماء من النبع . ثم تشعل النار , ثم تهز السرير .
وفي المساء تجلب أمي الماء في الجرة , وتهز السرير وتشعل النار .هكذا كانت تفعل كل يوم من أيام الربيع والصيف والخريف والشتاء .كانت تفعلة في تؤدة ووقار وكأنه أثمن وألزم ما في الوجود
تجلب الماء تهز السرير . وتشعل النار .
كانت تقول لي دائماً وهي ذاهبة لجلب الماء :
ــ انتبه للنار .
وعندما كانت تهتم بالنار , كانت توصيني قائلة :
ــ لا ترق الماء .
وكانت تقول لي أيضاً وهي تهدهدني :
ــ أبو داغستان النار , وأمها الماء .
لكن أطيب نار وأدفأها تكمن في قلب الأم وفي موقد كل بيت .
- ومنها في شخصية أبو طالب :
سئل أبو طالب ذات مرة :
ــ كم شاعر في داغستان ؟
ــ نستطيع أن نعد ثلاثة , أربعة ملايين .
ــ كيف هذا وشعبنا لا يتجاوز المليون !
ــ في كل إنسان ثلاثة أربعة مغنين , لكنهم لا يغنون كلهم ولا يغنون دائماً . ولكنهم لا يعلمون .
ــ مع هذا , من أفضل مغنيكم ؟
ــ نجد دائماً من هو أفضل مغن لكني أستطيع أن أذكر واحداً .
ــ ومن هو ؟
ــ الأم الداغستانية . كما نستطيع أن نعد ثلاث أغنيات فقط عند الجبلين .
ــ ما هي ؟
ــ الأولى تغنيها الأم الجبلية حيث ترزق ابناً وتقف فوق سريره .
ــ والثانبة تغنيها الأم الجبلية حين تفقد ابنها .
ــ والثالثة ؟
ــ الاغنية الثالثة هي كل ما عداهما من أغنيات .
أجل ..
الأم ..... الشاهد الصادق وإن يكن على ما يزهر ويذوي , يولد ويموت , يأتي ويروح .
الأم التي تهز السرير وتمدد طفلها على ذراعها , وتضم إليها ابنها الذي يتركها إلى الأبد.
ها هو الجمال .
ها هي ذي الحقيقة .
ها هو ذا الشرف .
الناس يكونون طيبين وسيئين ..
حتى الأغنيات تكون أفضل أو أسوأ , لكن الأم وأغنية الأم رائعتان دائماً .
إني لا أذكر بالطبع الأغنيات التي غنيت فوق مهدي .
لكنني أنصت فيما بعد , وفي قرى عديدة إلى كثير من الأغنيات الجيدة بما فيها أغنيات المهد .
معكم أغنية رسول حمزاتوف الجميلة "حبيبتي "
http://www.youtube.com/watch?v=uEXkWCtymeY&feature=related
____________
"من اعماله للتحميل "
سيرته
http://www.sovlit.com/bios/gamzatov.html
شعر حمزتوف - ديوان اعالي الوادي - البحر ، غناء هيلين دي ، وبيانو ايلينا
http://www.youtube.com/watch?v=fPFsy7BexBA
رسول حمزتوف
http://rusnet.nl/encyclo/g/gamzatov.shtml
Gamzatov R.G
http://russia.rin.ru/guides_e/5585.html
رسول حمزاتوف..داغستان بلدى..رواية.
http://www.4shared.com/file/68788045/58bda788/__online.html
او
http://dc106.4shared.com/download/204907931/e77f9d2e/___.pdf
أو
http://dc106.4shared.com/download/204907931/e77f9d2e/___.pdf
"اعماله"
http://encyclopedia2.thefreedictionary.com/Gamzatov,+Rasul
_________________
من الأدب العالمي - المكتبة الالكترونية - فاطمة الفلاحي
قصائد الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف - سعدي عبد اللطيف
مختارات عالمية - اتحاد الادباء والكتاب في العراق
تعلَّم الشعر قبل الركض وركوب الأحصنة كريم راشد - "أنباء موسكو"
الشاعر رسول والداغستان بلدي
http://www.vitaminedz.com/daghestan-mon-pays/Articles_15688_228340_0_1.html
Wiki: Resul Hamzatov
http://wapedia.mobi/tr/Resul_Hamzatov
وكالة القوقاز ونصب حمزاتوف
http://www.narthaber.com/article.php?category_id=216&article_id=13891
#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)
Fatima_Alfalahi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟