أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - محمد مبارك الكيومي - تركيا .. من دولة علمانية الى دولة عثمانية جديدة















المزيد.....


تركيا .. من دولة علمانية الى دولة عثمانية جديدة


محمد مبارك الكيومي

الحوار المتمدن-العدد: 3510 - 2011 / 10 / 8 - 22:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


تعيش تركيا في عهد حزب العدالــة والتنمية بزعامة رجــب طيب أردوغــان أوج عصرها الذهبي في التقرب مع جيرانها العرب بمواقفها البطولية المناصرة للقضايا العربية وعلى رأسها القضيـــة الفلسطينية , بينمــا تشهد حراكا شعبيــا غير مسبوق مناهضــا للسياسات الإسرائيلية وممارساتها اللا إنسانية في قطاع غزة في خضم حصار تمارسه آلة الغدر الصهيونية ضد شعب اعزل منزوع السلاح محــاولا مرات عدة كســر الحصار بإرسال أساطيل الحريــة إلى شواطي القطاع بمباركة وتوجيه وتمويل من النظام الحاكم في أنقرة , في مقابــل ذلــك تشهــد علاقاتها مع حليفــتها الدولة العبرية فتورا لم تشهده من قبــل الى درجــة احتمال تجميــد قنواتها الدبلوماسيــة مع تل ابيب في ضوء التعنت الإسرائيلي ووصول مسار مفاوضات السلام العربية الى طريق مسدود وفشل المحاولات الاسرائيلية في اقناع الاتراك الى بالعدول والرضوخ عن قرارها الصائب بوقف مشاركة اسرائيل أجراء مناورات عسكرية مشتركة و روتينية مع الجيش التركي .
فالسياسة التركية الجديدة بقيادة رجب طيب أردوغــان ترمي الى سبر اغوار تاريخها التليد حينما كانت الدولة العثمانية (الوريث الشرعي لتركيا) مركزا للتنوير الحضاري الاسلامي والعالمي بينمــا كانت تغفوا اروبا في سبــاتا عميق حيث استمدت الحضارة الغربية ميلادها ولبنتها الاولــي من تلك الامبروطورية , كما أنهــا محاولة تركية جادة وحثيثة لتذكير العالـــم " بإسلاميتها " وإنها ما زالت تنتمي الى كنف منظمة العالم الاسلامي , و جزء لا يتجزأ من المنظومة الإسلامية وانها ليست فقط عضو فخري في المنظمة وانما عضو فعال في دعم قضــايا الامــة الاسلامية من الخليــج الى المحيــط , واختيار التركي احســان الديــن اوغلــوا كــامينا عاما للمنظمة وممثلا من قبل العالم الاسلامي في المحافل الدولية ان دل على شي فانما يدل على " مجاملة وغزل سياسي " من أشقائها في العالمين العربي والإسلامي الى أعادة الدور التركي إلى مكانة المناسب على الخارطة السياسية الإسلامية بعد الفتور والتي شهدته علاقاتها بالعالمين بسبب التقرب التركي الإسرائيلي ومحاولات تركيا في المــاضي التخلــص من الإرث العثماني وأي مظهر اسلامي يجهض جهودها الحثيثة في التقرب بجيرانها الأوروبيين ويضفي الشرعية على انتمائها بالاتحاد الأوروبــي .
لقــد كــان ضمير النظام الحاكم التركي غائبـــا بالمــاضي عما كـان يحدث في الأراضي الفلسطينية من أحداث دامية ومؤسفــة في ظــل حكومة علمانية همها الأول توثيق علاقتها بالولايات المتحدة والتقرب من الكيان الصهيوني فليس عبثــا ومن غير المجحف إن تضحــي الحكومة العلمانيــة بعلاقاتها الوطيــدة مع أسرائيل على حســاب دعم القضايا الجوهرية للعرب من اجل عيون وخواطر العرب وقضاياهم التليدة والتي تراوح مكانها في اروقة الامم المتحدة و تبحث عن حل أزلــي ,اذ ان ارتباط انقرة بتل ابيب اكبر من مجرد علاقات دبلوماسية عابرة , وفتح قنصلياتها في عواصــم كلتا البلدين وتبادل رفيع المستوى ليس غايـــة المراد منه لـــــلاستهلاك المحــلي فقط وانمــا وسيلة للتقرب بالولايات المتحدة الامريكية واسرائيل باعتبارها مساس بقضية امنها الاستراتيجي والقومــي في ظل الاخطــار المحدقة والتي تهدد الكيان العلماني وعلى راسها القضية الكردية , وحالة عدم صفــاء حسن النوايا الملبدة اصلا مع دول الجوار منذ ان اعلنت الجمهورية علمانيتها عام 1924 , فالعلمانيون الاتراك يفكرون بعقلية" مصلحية" بحته تخدم مشروعهم الوطنى الرامي الى انتشال تركيــا من احضــان العالم الاسلامي المتخلف حسب روية ملهم العلمانية التركية مصطفى الدين اتاتورك , واللحاق بركب الاتحاد الاروبي والحصول على بطاقة تؤهلها الى الدخول الى النادي الاروبي و مصافي الدول الاروبية المتقدمـــة , اما اسرائيل فان مبتغاها معروف للعلن و مغامرتها مكشوفة من دخولها على الخط في التاثير على السياسية العلمانية والرامية الى توثيق علاقاتها بالعلمانيون في انقرة وذلك من اجل تحييد الثقل السياسي التركي بالمنطقة لصالح المشروع الصهيوني مستغلة من حــالة الضعف العربي للدخول مع الاتراك في اتفاقيات عسكرية وأمنية إستراتيجية واتفاقيات اقتصادية طويلة الامد , ناهك عن تطبيع ثقافي وتاريخي بين البلدين هدفه طمس الهوية الاسلامية للبلد العلماني واظهار تركيــا كدولـــة تفتخر بأوروبيتها وعلمانيتها اكثر من اسلاميتها علــى الساحــة الدوليــة , امــا التعاون الاستخباراتي الاسرائيلي مع الاجهزة الامنية التركية فقد شهد تطبيعا غير مسبوق و نقلة نوعيـــة حين بلغ ذروته بتقديم الموساد الاسرائيلي راس عبداللة اوجــلان زعيم حزب العمــال الكردستاني المطلوب رقم واحد لتركيا وعلى طبق من ذهب هدية للشعب التركي بمناسبة اعيـــاد الميـــلاد أنذاك ...
الحكومة التركية وسياستها الاردوغــانية الجديــدة في الشرق الاوسط ليس هدفها وغايتها ألاسمي الانتقال بتركيا نظريا من دولة علمانية الى دولة "عثمانية جديدة" صعبة التحقيق واستحالتــه عمليــا في ضوء " حكومة ظــل عسكرية" ذات نفوذ سياسي كبير تحكم البــلاد بمقامع من حديــد وانمــا استجابة لطموحات واطروحات الشعب التركي في ظل تململ وضجر واحباط الشارع السياسي التركي من املاءات الاتحاد الاروبي , "وردت الفعــل" الموازية لتذبذب المواقف بين مؤيــد ومعــارض في اتجاه انضمام تركيا الى الاتحاد الاروبي والتي انعكست بلا شك على نفسية وسلوك الناخب التركي من الناحية السيكولوجية ابان الانتخابات الرئاسية وتجربــة نكهة المذاق الاســلامي وجديدة واخــر أصدارات برامجه السياسية والتي تعتبر" مناورة سياسية" من الطراز الاول لتقصير المدة الزمنية لادراجها ضمن الدول جديدة العضوية في الاتحاد , وعنــاد وثار سياسي مدفون في اعماق الشارع التركي والذي سئم من الوعود المعسولة والتي يطلقها القائمين في الاتحاد الاروبي بين الفينة والاخرى لاقناع نظرائهم في انقرة تقديم مزيدا من التنازلات القومية على غرار نمط الحياة الاروبية وتجريدهم من هويتهم القومية للانخراط والاندماج في المجتمعات الاروبية المنفتحة على الغرب . أمــا علاقاتها مع جيرانها العرب والعالم الاسلامي فقد شهدت بؤنــا شاسعا في عهد رجب طيب اردوغان والتي كانت بمثابة اتفاق ذات مغزي سياسي بين التاريخ والجغرافيا , فقلمـــا اتفق التاريخ مع الجغرافيا مثل ماحدث ويحدث مع التجربة الاردوغانية والتي غاية المراد من تلك الخطوة التاريخية ليس مجرد بكـــاء تركي على أطلال وأنقاض الدولة العثمـــانية وانما أثر رجعي ومسألة " رد الأعتبار" للعلاقات التاريخية والجغرافية مع العالمين بعد ان شهدت تلك العلاقات حــالـــة من المد والجزر في العقود الماضية بناءا على مقتضيات المصالح السياسية والاقتصادية لتركيا في مسعى الحصول على الترشح لعضوية الاتحاد الاروبي وتقديمها مزيدا من التنازلات امام اصدقائها الاروبيين واضفاء الصبغة الأوربية على حساب الهوية الاسلامية لشغل مقعد دائم في مجلس محافظى الاتحاد الاروبي .
لقد واجهه رجب طيب اردوغــان أستحقاقا سياسيا عسيرا ولم يكن تسلمه لمفاتيح السلطة في انقرة مفروشا بالورود وهي اول اشكاليـــــة دستورية او عقبة سياسية يواجهها اي رئيس حكومة تركية منذ قيام الدولة العثمانية بعد ان اصبح مقعد رئاسة الوزراء شاغرا ولان رجب طيب اردوغان سياسي محنك ولا تنقصه الحنكة السياسية ويلعب على كافة الاوراق السياسية المتاحة فقد اعتبر تلك الاشكالية مجرد "توزيع ادوار سياسية"بين رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة العلمانية وليس عقبة في وجه تزعم جزب العدالة والتنمية للاقطاب الحاكمة – البرلمان , ورئاسة الحكومة ,ورئاسة الدولة – وذلك من منطلق الغاية تبرر الوسيلة والضروريات تبيح المحظورات في عالم السياسة , فمن غير المقبول ان يضحي حزب العدالة والتنمية وميوله الاسلامي بهذا الاستحقاق السياسي والذي اوصله الى دفة الصراع على السلطة جتي يتقبل المجتمع العلماني بقاء حزبه على راس السلطة فالتجرد من صلاحياته الدستورية وسلطاته السياسية افضل من ان يفقد حزبه الشرعية وذلك من قناعة وارادة سياسية فتخلى عن منصبه السياسي لصالح عبدالله جول كواجهه سياسية و الاكثر قبولا عند الشارع التركي وتنازل عن منصبه الحساس الرسمي والاكتفاء بشغل منصب شكلي او فخري مجرد من الصلاحيات والسلطات وهي رئاسة البلاد في مقابل بقاء حزبه ممسكا بزمام الامور في تركيا .
تركيـــا أردوغـــان قدمت مدرسة دبلوماسية هادئة ومدروسة بعناية تتسم بالوسطية والتصرف بعقلانية في التعامل مع حلفائها الاستراتيجيين كالولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ودول الجوار العربي والتعاطي مع مسالة السلطة العسكرية ذوي النفوذ السياسي بنوع من الحساسية واليقظة والحس السياسي المرهف حتي لا تثير من حفيظة الحارس الامين على عرش الثورة العلمانية ومصالح القلب النابض للثورة المخملية وجس نبض الشارع التركي العلماني , فالقيادة التركية وقعت في مأزق لا يحمد عقباه أبان غزو الولايات المتحدة للعراق وخاضت اول اختبار عسير وصعب المنال عند تسلمها لمفاتيح السلطة في انقرة بعد ان وضعتها الولايات المتحدة الامريكية في موقف حرج ولا تحسد عليه أبان اعدادها لغزو العراق وسط الحاح متزايد من واشنطن بأن تضع تحت تصرفها كافة القواعد العسكرية كقاعدة انجرليك التركية وفتح المحال الجوي التركي جارتها العراق والتلويح بعصاها السحرية بوقف مساعداتها العسكرية والمالية اذا لم تذعن لذلك , الا ان الرد التركي كان سريعا وغامضا رافضة كافة العروض والاغراءت الامريكية والقنوات الدبلوماسية باعطاء البرلمان كلمـــة الفصل لكي يبت في موضوع استخدام الولايات المتحدة من الاراضي التركية منطلقا لضربة عسكرية للعراق وسط رفض النواب عن التصويت لصالح قرار ضرب العراق والتي تتقاسم معها المصالح والتاريخ والجغرافيا المشتركة .
أما قضيـــة الصراع العربي- الإسرائيلي لم تكن غائبة عن حكومة تركية ذات ميول اسلامي بزعامة رجب طيب اردوغان فمن غير المناسب ان تفسد السلطة الحاكمة عرسها الديمقراطي والتي توج بحزب العدالــــة والتنمية الى الواجهـــة السياسية في بلد تشبع بمبادئ العلمانية والعبث على وتر حساس كأزمة الشرق الاوسط في وقت غير ملائم ومناسب لطرح تلك الاشكالية المستعصية على مائدة السياسة الاردوغانية الجديدة وهي في بداية طريقها من تسلمها لمقاليد السلطة , والابقاء على علاقات طبيعية وصحية مع جيرانها العرب بعيدا عن المساس وخدش علاقاتها الاستراتيجية والدبلوماسية مع اسرائيل حتي لا تثير اشمئزاز وحفيظة السلطة العسكرية للتدخل المبكر في الحياة السياسية مأخذة في الاعتبار ما حدث مع التجربة الاسلامية بزعامة اربيكان زعيم حزب الرفاه في تسعينيات القرن الماضي وسحب البساط من تحت اقدام العسكريين العلمانيون الموالين لتل ابيب والبحث عن دور هامشي في تحريك عملية السلام من اجل اعادة ترسيم حدود السلام مع اسرائيل .
فلم تكن تركيا يوما اكثر عروبية من العرب انفسهم في في موضوع فلسطين وما كان ليحدث ذلك لو لا تسلم رجب طيب اردوغان زمام الامور في أنقرة واسطنبول , ولمـــــا لا وهي جرحا غائرا في جسد الوطن العربي غير ملتئم بسبب عدم التئام العرب على كلمة سواء وضبابية المواقف الرسمية العربية وتبعثرها , فسياسة اردوغان المبدئية والمحايدة عند تسلمه السلطة لا تركن الى أملاءات العرب ولا تنحني بسهولة امام حليفتها الاستراتيجية اسرائيل وهي سياسية احادية المواقف واضعة نصب اعينها واعتباراتها فقط في بداية مشوارها السياسي على انها "وسيط ســــلام" من اجل تهدئة الاوضاع في الاراضي الفلسطينية واقامة هدنة موقته والبحث عن دور هامشي وارجاع اطراف الصراع الى مائدة المفاوضات وتاجيل البت في مسائل الحل النهائي العالقة والتي دائما سببا في حالة الغليان على الساحة الميدانية , تاركا الباب مفتوحا امام الجميع للتأويلات والاسقاطات السياسية فهي لم تكن بمنائ عما يحدث في الاراضي الفلسطينية من قتل يومي وتهجير قسري لشعب باكمله وهي ليست كالاطرش في الزفة على لســأن لغتنا الدارجة اذ انها لم تلتزم الصمت حيال الممارسات البربرية الاسرائيلية في خضم الحصار الاسرائيلي بل كانت شيطان اخرس ساكت عن الحق المسلوب مراعية الاعتبارات الدبلوماسية والاتيكيت والتكتيك السياسي واداب الحديث مع الحلفاء والاصدقاء والاعداء وفي أن واحد وسط اصوات مناهضة للغطرسة الاسرائيلية في الحكومة التركية هنا وهناك في وقت كانت علاقات انقرة بتل ابيب في بداية عهد اردوغان سمنا على عسل , والحكومة التركية بزعامة رجب طيب اردوغان لا تريد ان تستبق الاحداث في الشرق الاوسط من باب أنها تعلم علم اليقين وتمـــام العلـــم ان قطع علاقاتها بالكيان الصهيوني يعد" انتحار سياسي" ومغامرة سياسية غير محسوبـــة بكل المقاييس تاركا الباب مفتوحا في عدة مناسبا للتجاذبات السياسية وكافة الاحتمالات بين انقرة وتل ابيب واضعة نصب اعينها فقط من زاوية لكل حادثــة حديث في التعامل والتعاطي مع المواقف الطارئة والاحداث الساخنة في المنطقة واستخدام كافة الاساليب الدبلوماسية المتاحة وتأرجح المواقف بين الشجب والتنديد والاستنكار حالها حال أخوانها وجيرانها العرب , والتدرج في دراسة حالة ردت الفعل الموازية للبربرية الاسرائيلية في ظل تقهقر تلك العلاقات الى ادني مستوياتها الدبلوماسية في تاريخها المعاصر وتأرجحها بين المفردات الدبلوماسية المعهودة كتجميد او تعليق علاقاتها الدبلوماسية ا واستدعاء طاقمها الدبلوماسي في تل ابيب .
لقـــد كان قرار نتنياهوأ الارعن بالهجوم على قطاع غزة كأنتقام عسكري لأسر الجندي شاليط على أيدى حركــات التحرر في فلسطين والذي كان يفتقر الى الحكمة السياسية "مسمــار اخير دق في نعش العلاقـــات الدافئة بين تل ابيب وأنقرة وانقلاب دبلوماسي ابيض حدا بانقرة مراجعة علاقاتها مع الكيـــان الصهيوني بعد ان طغت مشاهد القتل الجماعي والمجازر الإسرائيلية على شاشات القنوات الاخبارية لشعب اعزل منزوع السلاح وبدم بارد وبمباركـــة الولايات المتحدة وتواطــي عربي مشبوه بعد ان استبقت تلك الاحداث جولة دبلوماسية مكوكية لليفني في عواصم دول الطوق العربية كالقاهرة وعمان والتي أثارت بلاشك من نخوة العروبـــة المختزلة في اعماق " عـرأب الأمــة الاسلامية "رجب طيب اردوغـــان وحزبه العدالة والتنمية والذي كـــان بمثــابة تغيير في مسارات الدبلوماسية الاحادية للحكومة التركية وصرخة في وجه الظلم والجبروت الاسرائيلي بعيد اقدام اسرائيل على جريمتها النكراء ولم تكتفي الحكومة بأبيــات " الشجــب والأستنكــار والتنديد " للبربرية الاسرائيلية في القــطاع والتي تعود عليها اخوانها القادة العرب وانمــا حدا "بعراب الامــة الاسلاميــة" الى تشكيل مجلس حكومة طواري مصغر لبحث مستقبل علاقات انقرة بتل ابيب واستدعاء السفير التركي من تل ابيب ودعوة صادقة من لدن الحكومة الى تسيير حملات اغاثة مساعدات غذائية وطبية عاجلة الى منكوبي القطاع .
ان المواقف البطوليــة المناصرة للقضايــا العربيــة لرجب طيب أروغــان لم تتــوقف عنــد نقطــة الهجمة البربرية على قطــاع غزة بل انتقلت الى اروقـــة المحافل والمنتديات الدولية وانعكست على مجريات الاحداث في منتدى دافــوس بسويسرا بعد ان تحول النقاش في المنتدى الى مشادة كلامية ساخنة بين رجب طيب اردوغان وشمعون بيريز وسط ذهول الحضور وكأنها مناظرة سياسية تلفزيونية وعلى الهواء مباشرة بعد ان كســـر رجب طيب أردوغان حاجز الصمت في المنتدى وخرج عن سياق دبلوماسيته الهادئة المعهودة وهو يريد أيصال رسالة أنسانية الى ضمير العالم أجمع عبر منتدى عالمي مفادها كيف يتساوى الجلاد الاسرائيلي مع الضحية في نظر عالم متحضر يدعى الدفاع عن حقوق الانسان واسرائيل تتلذذ وتتفنن في قتل الفلسطيننين وعلى الهواء مباشرة بانواع جديدة من أسلحة محرمة دوليا تعتبر اخر صرعات وتقليعات القتل الجماعي على شعب اعزل شبيهه بمفرقعات والعاب نارية ليس غايتها رسم البسمة العريضة على وجوه اطفال غزة وانما فسفورا ابيض ومادة مستخرجة من اليورانيوم المنضب تسبب تشوهات خلقية وعاهات ابدية على اجساد اطفال فلسطين بعد ان اصبح الانسان الفلسطيني فئران تجارب مخبرية لاسلحة محرمة دوليا وتحول القطاع الى مختبر علمي مفتوح لتجربة اخر ابتكارات الصناعة العسكرية الامريكية ووسائلها الجديدة في قتل بني الانسان .
لقد انتهي شهــر العسل الدبلوماسي التركي مع اسرائيل من غير رجعة وولى معها اصوات الذين ساوموا وراهنوا على متانـــة العلاقات الاستراتيجية مع اسرائيل والتي اعتبرها المتفائلين بمستقبل تلك العلاقات مجرد غمامــة سوداء سوف تنقشع في أي لحظة وسوف تعود تلك العلاقات طبيعية وصحية وكســابق عهدهــا وافضل , بيدا ان تركيــا اعلنت صراحة بقيادة رجب طيب اردوغـــان عن فتح صفحة دبلوماسية جديدة ونقطة سوداء في علاقاتها مع الكيان الصهيوني بعد ان انعكست ضبابية المواقف الرسمية بين انقرة وتل ابيب على الدرامــا المحلية في تركيـــا " فوادي الذئاب" كان مناسبة إلى إعادة النظــر في مسالة التطبيع الثقافي بين تل ابيب وانقرة في وقت كانت الأجواء مشحونة وملبدة بحالة من الغليان والاستياء الشعبي والرسمي من الممارسات البربرية في القطاع , فغزة لم تلملـــم جراحهــا بعد والشعب التركي من فنانيه وكتابه وممثليه ومخرجيه وصحفيه وكافة شرائح النخبة المثقفة في انقرة اجتمعت على كلمة سواء لاخراج بيان مقتضب على شكل درامـــا محلية تندد بالسياسة الاسرائيلية وتجسد معانـــاة الشعب الفلسطيني في القطــاع , وتعكس حالة الأستياء الشعبي وردود افعال الراي العـــام التركي من البربرية الاسرائيلية وما ألت الية الاحداث من مجازر ومذابح والتي لا يمكن السكوت عنها أبدا ولا يمكن ان تمر مرور الكرام على نخبــــة مثقفة همها الاول تقديم عمل درامي وتوثيق معاناة شعب باكمله بالصوت والصورة في درامـــا فنية تحاكي لبرنامج " تلفزيون الواقــع" الشهير يجسد واقع المعانــــاة في القطاع في ظل حصار خانق ويشهر بحماقة وبربرية ألـــة الغدر الصهيونية بين الاوساط الفنية في الشرق الاوسط , فعلى الرغــم من بساطة الفكــرة ومحتوى الدراما وشح الموارد والكوادر الا ان فحواها كان ذات صدى واسعا بين مشاهدي الدرامـــا وذات مغزى سياسي أيضا , فالنجاح الباهر للدراما في شباك التذاكـــر أدخلها في سجال سياسي عقيم مع الكيــان الصهيونــي وكان التعليق الدبلوماسي الاسرائيلي على الدرامــا نقيض ومتناقض للموقف الرسمي التركــــي بعد ان افسدت السينما ما اصلحته السياســة طيلــة عقودا من الزمــــن واثارت زوبعة سياسيــة وتراشق اعلامــي ادخلهــا الصهاينــة وبقصد في خانة تهمــة "معاداة الساميــة " , بل ان الموقف الاسرائيلي لم يقف عنــد هذا الحـــد واعتدى علــى حرمــة كافــة الاعراف والمواثيق الدوليــة باستدعاء القنصل التركـــي بشكل مهيــن امــام عدســات المصوريين والصحــافة المرئيــة والمكتوبــة في وضع مخــل لأداب واخلاق الشرف والعمــل المهنـــي الدبلوماسي وظهــور الترفع " والتبجج" الاسرائيلي ولأول مرة للعلــن للقرارات الامميــة,وكانها محاكمة دبلوماسية علنية اراد الاسرائيليون من خلالهــا توبيخ الموقف الرسمي التركي وتوجيهه رسالــة تحذير لكل موقف او شخص يتفوه باي تصريح مناهض للعنصرية الصهيونيـــة .
وفي الختام نلحظ ان خليفــة رجب طيب أردوغــان سوف يتسلم تركــة من العيار الثقيل لاعادة ترميم ما أفسده سلفـــة وذلك بعد التأزم في العلاقات مع حليف الأمس أسرائيــل في أشكالية مايعرف بقوافل الحريــة والتي شقت طريقها الى القطاع انطلاقا من تركيـــا كبادرة أنسانيــة من قوى الحراك الشعبي التركي المناهض للعنصرية الاسرائيلية والتي "قزمها " البعض واعتبروها " زوبعة في فنجـــان" وانها لن تثبت جدارتها ومفعولها في التاثير على السياسة الاسرائيلية كألية ملزمة تلزم الكيان الصهيوني رفع الحصار عن القطاع والذي عاث فســادا في غــــزة حسب أراء المثبطيين والمتعاطفيـــن مع الصهيونيـــة الدوليــــة ,أذ ان القافلــة واجهت أختبارا عسيرا "بدءا ذي بدء" وحملة منظمة من مناصري عصابــة المافيـــا والأجرام الصهيونية لتشويــة صورة ما رمزت اليــه القافلة من معاننا انسانيــة ساميـــة واللصــاق تهــمه ملفقة ومفبركــة لدي الراي العام العالمي من انها تحمل اسلحــة متطورة وذخيــرة حيــة لدعم المقاومــة الباسلة في القطاع , الا ان أصــداء تلك القافلة كان أقوى سياسيا ودبلومــاسيا رغم أنف المثبطين وممن حاولــوا بشكــل مستميد اجهاض القافلة من مهدها وممن راهنــوا وساومـــوا على فشــل القافلة في مضمونها ونجاحها في رمزيتها وانها سوف تعود ادراجـها ولن تصل الــي المياة الأقليميــة لاسرائيل , فتحيـــة أعتزازا واجلالا و اكبــارا أوجهها الــي الاتــراك قيــادتا وحكومتا وشعبــــا على المواقف البطولية لدعم قضايــا الامة الاسلاميـــة من المحيط الى الخليـج , فما احــوج للعالم الاسلامــي لهذة الوقفة الرجولية من بلدا ذي ماضي عريق وفي وقت كانت ولا تزال تعاني الشعوب الاسلامية المقهورة من داء العصر " الجهل والتخلف والفقر" بعــد ان غرقت في مشاكلها الداخليــة حتي النخاع ………….



#محمد_مبارك_الكيومي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوجه القبيح للاسلام السياسي


المزيد.....




- إطلالة مدهشة لـ -ملكة الهالوين- وتفاعل مع رسالة حنان ترك لجي ...
- 10 أسباب قد ترجح كفة ترامب أو هاريس للفوز بالرئاسة
- برشلونة تعاني من أمطار تعيق حركة المواطنين.. وفالنسيا لم تصح ...
- DW تتحقق - إيلون ماسك يستغل منصة إكس لنشر أخبار كاذبة حول ال ...
- روسيا تحتفل بعيد الوحدة الوطنية
- مصر تدين تطورا إسرائيليا -خطيرا- يستهدف تصفية القضية الفلسطي ...
- -ABC News-: مسؤولو الانتخابات الأمريكية يتعرضون للتهديدات
- ما مصير نتنياهو بعد تسريب -وثائق غزة-؟
- إعلام عبري: الغارة على دمشق استهدفت قياديا بارزا في -حزب الل ...
- الأردن.. لا تفاؤل بالرئاسيات


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - محمد مبارك الكيومي - تركيا .. من دولة علمانية الى دولة عثمانية جديدة