عادل الخياط
الحوار المتمدن-العدد: 3509 - 2011 / 10 / 7 - 13:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يكن اغتيال هادي المهدي مناسبة لكيل المديح والذم وتوجيه الإتهامات على ذاك الطرف وهذا ..فقدان هذا الشخص هو المهم : شخص يعيش في الدنمارك ويعيش أفضل وضع , ما الذي يدعوه للقدوم للعراق بكل سلبياته وخطورته , غير ان العودة بالنسبة لشخص مثل المهدي تعني شيئا آخر ربما أفضل تعبير لها هو قول المهدي : مللت أن أرى أمهاتنا يتسولن الطرقات " ويعود ليعلن مشعل التمرد على الفساد والإنحدار , بكل ما يعني التمرد على ذلك الفساد وتداعياته الجهنمية , ومن ثم يُعتقل ويُذل ويُهدد بالقتل وبعدها يستمر في تحدي كل تلك الشرور .. وفي نهاية المطاف يُقتل ويفقد حياته وتترمل عائلته ! ..غير ان اغتيال المهدي سوف يطرح الكثير من التساؤلات عن العراق الآني , العراق الحالي الذي رغم قناعاتنا بأنه في تدن اخلاقي ومؤسساتي لكننا ننزل إلى حضيض الوقائع لتناولها من منطلق الفضول او على الأقل المساهمة في الرصد , وينطلق السهم مثل الإستهلال ليقول : لماذا يُقتل أو يُغتال مثل هكذا شخص , " هادي المهدي " فمثل المهدي يُعتبر من الحركيين السلميين , ومثله في دول غربية رصيدها ومنظورها الأول " الحُرية " يُعتبر نموذجا يُحتفى به وواجهة لمنظمات المجتمع المدني والحركات الشعبية المناهضة للسلوك الحكومي الفج الغير متوائم مع رغبات الجماهير , وأيضا سوف يكون رمزا وطنيا حتى بالنسبة لأجهزة الدولة الحاكمة .. ولكن هل نشط في طرحنا لنماثل نظامنا الجديد بأنظمة لها باع طويل في هذا المضمار ؟ لا , ليس القصد التوغل أو المماثلة , إنما الطرح في هكذا سياق يُعتبر طرحا أخلاقيا لو كنا نطمح إلى خلق نظام ديمقراطي يحتكم لتقبل النقد من خلال اية وسيلة : الإعلام او التظاهر السلمي .. غير أن ما حدث يفوق التصور , فلو نحينا نظام صدام حسين بإعتباره خارج نطاق الممثالة في قمعه لأي معارض , وتناولنا النظام السوري الأقل شبها بنظام العراق السابق , فالنظام السوري رغم تاريخه الدموي وإستهانته بأي صدى إعلامي وعالمي وأممي على ما يحدث من جزر دموي , رغم كل ذلك تراه يضع بعض خطوط رجعة لأفعاله كما حدث مع الرسام الكاركيتيري " علي فرزات " فصحيح انه تم الإعتداء بالضرب على هذا الفنان , لكن العملية لم تصل إلى حالة التصفية - رغم القناعة ان المستقبل قد يفرز هذه الحالة كنتيجة منطقية لطبيعة النظام السوري الذي يقتل ويفجر اي معارض لمنهجه - اما ما حدث لهادي المهدي فإنه مباشر وتلقائي وفوضوي وتحد سافر ويتجاوز سلوك حتى افظع نظام ديكتاتووي مثل نظام دمشق .
ونرجع لنقول : المناسبة ليست في إغتيال هذا المشاكس كما وصفه الخيون , كذلك المناسبة ليست تصريحات الساعدي عن المالكي وما يحدث منذ سنوات طويلة في هذا البلد - بلد المافيات والميليشيات والتهجير والقتل الطائفي والفساد والرشاوي واللصوصية والماء الملوث وسعير الكهرباء وغيرها وغيرها حتى قطع النفس ... إلى أن صار هذا التكوين المُسمى العراق أشد جمرا وسُماً زُعاقا لتقطيع الأحشاء من كل أفاعي التاريخ !
المناسبة هي من يتنكر لهذا الجزر البشري , التنكر لِما يحدث لبني جلدته من ألمِ عظيم .. ولكن , ألا يُقال : أبتْ النذالة أن تُفارق أهلها !
ولا موجب لذكر أسماء مثل هؤلاء , فهم كثيرون وينشرون في جميع المواقع العراقية ومنها موقعي " صوت العراق والحوار المتمدن " ومن حقهم بالطبع أن ينشروا أشياءهم في أي موقع , غير أن الرصانة لا بد وأن يكون لها بعض الثوابت , فعلى سبيل المثال ان كاتبا علمانيا يكتب في موقع سلفي أو إسلامي عموما , ستكون العملية غير منطقية , وغير منطقية تعني غير منطقية بجميع فوازير المنطق , بل أنها باهتة بلغة البهاتة , بلغة أنك تقفز من القطب الجنوبي إلى الشمالي بخرافةٍ ضالعةٍ بتورط قرود الزمن المنقرض , فأولا أن الموضوع سوف لن يُنشر , وحتى لو نشر فبالتأكيد سوف يكون نشازا للقارئ السلفي .
ولذا لو تستشرق ذلكما الموقعين ستجد ثوابت عريضة تقول ما معناه أنهما يُمثلان جميع الآراء المتضاربة , فمن الممكن أن يكتب فيهما الإسلامي والعلماني والكردي وغيرهم من حملة الرأي , صبغة تنويعية من الرأي العام للتكوين العراقي - وتلك لا تخص هذين الموقعين فقط انما الكثير من المواقع التي تنشر الآراء المتضاربة حول أية قضية , يعني , تستطيع القول إنها من نِعم الإنترنت أن الناس وجدت منافذ للتعبير عن خزينها حول الوقائع .
والبديهي ضمن ذلك السياق ان الكتابة الساخرة كونها إحدى تنويعات الكتابة الأدبية هي من ضمن تلك السليقة التي تُنشر في تلك المواقع, وأيضا أنه من حق جماعة دولة القانون المالكية وغيرها أو غيرهم من ذوي التفكير الإسلاموي أن يكتبوا الإطراء المزيف لحكومة المالكي , أو يكتبوا بسخرية ما شاءت لهم السخرية عن العلمانيين الذي يرصدون ما يحدث من تداعيات داخل ذلك الصهيل الدموي المنحور تحت قبة الله واولياء الله , ولكن الذي نعرفه ويعرفه أي كاتب ذات فحيح تاريخي في هذا المجال ان التنظيمات الإسلامية وكتابها ليست وليس لهم علاقة بأي جنس كتابي حداثوي , ليست لهم علاقة بمفهوم السخرية , ليست لهم علاقة بمفهوم السخرية عموما .. نعم , مُحتمل أن يكون أحد البعثيين المنتمين الجدد لحزب الدعوة مثل " الشاعر علي الشلاه البعثي القديم والدعوجي الجديد , وعضو البرلمان و صديق عبد الخالق حسين في توجهه الدعوجي " من الممكن أن يكون ذات صلة بالمفهوم الفلكلوري الجماهيري الذي سرقه البعثيون من الشيوعيين في نهاية العقد السبعيني لكنه في كل الأحوال يظل عينة ضئيلة في هذا المضمار, فالأدب الساخر لا يُستنسخ ولا يُخلق بين ليلة وضحاها , إنما يحتاج إلى أسس رصينة وتاريخ طويل , كذلك لا بد أن يكون الشخص المتناول لهذا الصنف من الأدب أن يكون عامل في هذا المجال , كأن يكون كاتب قصصي أو روائي أو شاعر ا أو كاتب مسرحي وغيره , لا بد أنه قد مارس نوعا أدبيا ما ليتمكن من الخوض في هذا المجال , كذلك ليس أي أديب , إنما صاحب توجه أخلاقي وإرادة حرة ليست خاضعة لرمز بعينه . أما أنه يمارس هذا الضرب من الكتابة دون دراية , وأنه لم ينصهر في الشارع العراقي , مثل هكذا نوع سينزوي في المجهول أتوماتيكيا.. وما نعنيه بالشارع العراقي هو ذلك الكيان بكل تفاصيله , وتفاصيل الشارع تعني كل التفاصيل وليس عينة بعينها مثل التي أشار لها ذات مرة الشاعر " مظفر النواب " في مقطعه الذي يقول :" عاشر أصناف الشارع , فأصناف الشارع في الليل سلاطين " وأعتقد إنه يعني أو عنى بسلاطين الشارع هم الشقاوات الذين يفرضون مفهومهم الشقاواتي توالي الليل .. أما الشارع الذي نعنيه , فهو الشارع بكل حيثياته , بمعنى " المِهن وكل رُواد الشارع " جميع الِمهن والرواد : سائق التكسي , والتاجر , وبائع السمك والنجار والصفار والحمال والخياط والفيترجي والدلال والدلالة وبائعة الهوى والفلاح والغجري والقاضي والمحامي والطبيب والمتسول والمجنون والبطال وصاحب العمامة والشقي والمكرود ووو .. جميع الصنوف التي يعج بها المجتمع .
ونعود للمناسبة , المناسبة هي أن شخصا من ضمن السليقة المشار إليها كان قد نشر موضوعا عن صباح الساعدي عندما تهجم على المالكي في مؤتمره الصحفي , نقول نشر موضوعا في موقع صوت العراق , ويسخر في موضوعه هذا من الساعدي ويهدده بالفوازر القانونية عما بدر منه من تصريحات في مؤتمره الصحفي ضد المالكي , وضمن ما أشار له هذا الشخص في عنوان موضوعه هو توصيف الساعدي بـ " شارلوك هولمز " .. لا أعرف لماذا اختار " شارلوك هولموز " فمثل هولمز شخصية خرافية ليست شرسة أو جريئة أو بلطجية لكي يصف الساعدي بها , إنما هي شخصية قانونية تحقيقية , فما علاقة التصريحات التي نطق بها صباح الساعدي ضد المالكي بشاروك هولمز , الواضح مما ورد ان صاحبنا إعتقد ان هولمز هو " جيمس بوند " الخرافي المشهور في أفلام الجاسوسية البريطانية " , يعني صاحبنا ضاعت عليه الحسابات في التوصيف .. ولكن سوف نعطيه فرصة في الطرح ولنعتبره صاحب علاقة بمفهوم ثقافي من نوع ما , أو على الأقل لكي لا نحرج توصيفه الغير لائق للهدف , لكن المشكلة اننا لو فعلنا ذلك فسوف نقع في تصورات بعيدة عن الهدف الرئيسي , فليس ثمة مثقف حقيقي ليس بمقدوره النظر للواقع العراقي ولا يقول إنه مزري وكارثي , نحن نقول المثقف وليس أي شخص , فهو الوحيد الذي يحتمل العين الفاحصة لما يحدث في الواقع .. ومع ذلك فليس لنا علاقة بهذا الشخص , فالواضح انه ليس من الصنف الذي نحن بصدده , يعني تستطيع القول : شخص يمتلك هوى غرامي للمالكي وعبرَ بإسلوب ما عن تلك الغرامية الفاقعة .. لكن المشكلة ان هذا الشخص صاحب الغرامية الفاقعة والجاهل بالتوصيف , هذا الشخص أصبح رصيدا معلوماتيا لأشخاص أُخر , فمن ضمن ما رفقه في موضوعه عن صباح الساعدي هو شريط يوتيوب عن سلوك الجماهير المتظاهرة في ساحة التحرير إزاء " صباح الساعدي " وكيف إنهم طردوه وما إليه .. القضية أن هذا الشخص عندما وضع هذا المرفق اليوتيوبي ضد صباح الساعدي , لم يدرك أن اليوتيوب يصب في خانة الساعدي وليس ضده , ويصب في خانة الساعدي على التأسيس التالي : يا ترى كم كان صباح الساعدي متسامحا مع متظاهري ساحة التحرير , فبالرغم من إنهم إعتبروه جاسوسا وما إليه إلا إنه تعاضد معهم في مؤتمره الصحفي وأشار إلى عملية إغتيال المهدي ,المعنى أن المؤتمر الصحفي للساعدي وتهجمه على المالكي جاء بعد طرد الساعدي من متظاهري ساحة التحرير , هذي أولا .. ثانيا : متظاهرو ساحة التحرير هل هم من وجهة نظر ناقل الخبر , هل يعتبرهم أصحاب حق في تظاهراتهم ضد حكومة المالكي , أم أنه يعتبرهم بعثيين وما إليه من النعوت , فإذا كان يعتبرهم أصحاب حق وليس بعثيين فإنه يتواءم مع تصوراتهم ضد حكومة المالكي الطائفية المحاصاصاتية , وإن كان لا يتساوق معهم فإن رفضهم للساعدي يصب في خانة الساعدي كونهم رفضوه واتهموه بالجاسوسية وما إليه .. القضية الأخرى هي أن متظاهري ساحة التحرير دائما ما يُشار لهم إنهم من النُخب المُثقفة , وعليه فإن ثمة حالة نفسية في نظرتهم للمعمم ,لتأتي عملية الرفض مرافقة لتلك الحالة , فالذي يفهمه هؤلاء المتظاهرون أن أساس بلاء العراق الآني سببه التوجه الديني - العمائم وتشكيلاتها -, ولذلك فإن إنعدام الثقة بهذه المؤسسة هو الذي قاد إلى عدم الثقة بأي رمز يُشير لهذه المؤسسة والتي من ضمنها الساعدي , لكن ذلك لا يلغي النظر إلى الأشياء من منظور آخر , فالساعدي الذي رفضه متظاهرو ساحة التحرير سابقا , قد يكون وجها معبرا عن إرادة هؤلاء المتظاهرين في المستقبل بفعل موقفه المشرف من حكومة المالكي .
وسوق مثل هذا السرد كان قد تأتى نتيجة موضوع صاحبنا..ونعتقد ان عملية الرصد كانت ردة فِعل اخلاقية , أيضا تطعيم مناعي لأشخاص او شعوب مدمنة على تأليه الحاكم بأمره , نحن لا نعرف كيف ان باراك أوباما قد فاز بأغلبية في الكونغرس والشيوخ قبل سنتين ومن ثم سقط في قيادة الأغلبية في الكونغرس الأمريكي , احدهم يقول العراق ليس سويسرا , مع ان العملية لا تحتاج التشبيه بسويسرا , الديمقراطيون الأميركيون سقطوا في قيادة الكونغرس كنيجة لوضع إقتصادي , فما علاقة الجوع بسويسرا أو كندا .. هل الكهرباء لها صلة ربط بالعيش في هذا البلد او ذاك ؟ حدِث ولا حرج , لكن يتوجب أن تمتلك ذرة من الأخلاق لو ولجت مثل هكذا موضوع فليس مهما الرد عن أي منافح يشق زيجه دفاعا عن حكومة المالكي وما أكثر شاقي الزيوج , وأحدهم - حتى نصل - للطفل البريء ,عبد الخالق حسين .. هذا النصل أو الطفل البريء كان قد استنسخ نفس الفيديو عن صباح الساعدي الذي تنكر وإستنكر السلوك الإجرامي بحق هادي المهدي وطريقة التعامل مع الحدث من خلال إستنساخ الفيديو الذي ذُكر في هذا السياق , يعني أن العملية برمتها خاضعة لكيفية الرد على منتقدي حكومة المالكي , يعني الجماعة لا شغل عندهم وعمل سوى الدفاع عن الحكومة ومالكها من خلال جميع الوسائل رغم دناءتها , على غرار اليوتيوب المُنوه إليه , مع أن هذا اليوتيوب يضع الجماعة في دائرة الإتهام كما سيق في هذا الحديث , ولكن نحن نقول لأمثال هؤلاء المرتزقة : نحن معكم ومع حكومة المالكي والزمن هو الذي سوف يضع بصماته على الوضع العراقي , وحسبنا الله على ما يحدث لهذا الشعب المسكين , الذي قال عنه الشهيد هادي المهدي : مللت أن أرى أمهاتنا تتسول الطرقات "!
[email protected]
#عادل_الخياط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟