|
الأديب خيري عبد ربه يكتب عن رياض خليل
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3509 - 2011 / 10 / 7 - 01:07
المحور:
الادب والفن
عن رياض خليل يكتب الأديب خيري عبد ربه في الصفحة السادسة ( الثورة الثقافي ) التي يرأس تحريرها ، العدد ( 9640 ) تاريخ - 15/2/1995 الدراسة بعنوان : الكرنفال مجال للتداعيات والمشهد العام هو بيت القصيد ربما كان من الصعب على الناقد .. أو القارئ لمجموعة الشاعر رياض خليل الصادرة أخيرا ، أن يختار لها عنوانا آخر غير " الكرنفال " الذي تصدر غلافها الأول . إنها كرنفال الكلمات ، حيث تتقاطع وتتواصل ضمن بناء شعري خاص ، جريء ومتجاوز ، فالانطباع الأول الذي تتركه قصائد المجموعة ، يوحي بسيل من الصور الشعرية المنسجمة حتى حدود التناقض ، وباستمرار وعلى امتداد القصائد .. للبياض في صفحات المجموعة مساحة ولغة ، لذلك فإنه الطبيعي جدا أن لانقرأ الكلمات بعيدا عن مدلولات البياض المنتشر حولها إلى درجة يستطيع معها القارئ لبعض القصائد ، أن يسميها قصائد البياض ، وهي وفي كل الأحوال قصائد لاتكتمل إلا بقارئها .. إنها قصائد تبقى دون انغلاق دوائرها .. مالم تصافح أعين القارئ الذكي والمتمرس في آن . أقول الذكي والمتمرس .. لأنها قصائد لاتنقاد بسهولة . وهي في كل امتداداتها .. إنما تترك أبوابها مفتوحة للأحجية وللتساؤلات .. " تتجاوز سهلا.. كان صوتي يطير ، يعرش ، يزهر ، يثمر ، يتجذر ، يمسك بالأرض .. بالصخر ، يصنع مملكة وعروشا " هكذا تتداعى الصور ، ومن فعل إلى مشهد ، وكل شيء يوحي بالحدود غير المرئية ، التي يمكن أن تحتلها الكلمة ، اللغة المسكونة بالبوح حتى الصراخ . إن شعر رياض خليل مشبع باللغة الموجعة ، إنه يحمل الألم في أدق تفاصيله ، وينتفض من حين إلى آخر ماردا يصنع فرحه الخرافي ، حيث يصبح للفرح قدرة تخدير الروح لنفض غبار الذاكرة المنهوبة ، ذاكرة الطفولة البعيدة ، طفولة الجوع والوجع والانتماء : " وجعي لم يكن قاسيا .. وجعي كان ميلاد وهج .. وبشرى مخاض .. كان يخدر فرحي . كنت مسترسلا ، أقتفي الصوت عبر الصدى ، وفمي مايزال يتدفق .. يبتكر الكلمات " . ولأنه في البدء كانت الكلمة ، وقبلها كان الفم الذي ابتكرها ، حيث لاوجود لها دون الفم الذي يبوح بعريها أو بقداستها .. بفاجعتها أو انتشائها .. بسكونها وموتها أو بضجيجها وتألقها .. وقبل أن نتابع الحديث عن القصائد ، لابد من الإشارة إلى الرسوم الداخلية للمجموعة ،والتي جاءت موفقة وموحية حتى آخر الحدود ، مما أكد ويؤكد أن اللوحة أو " الموتيف " إلى جانب النص الشعري ليس شيئا كماليا بقدر ماهو ضروري لتكتمل مشهدية النص ، خاصة إذا كان رسما موحيا يكمل ماغفل عنه النص الشعري ، أو يضيء جوانب تمنح القارئ متعة جمع الصورة في إطارها العام . في كرنفاله .. كرنفال رياض خليل الذي كنا قرأناه قاصا متميزا في مجموعتيه " الريح تقرع الباب " و" القرش والأسماك " لاتكاد تقبض عليه في تلافيف نصوصه الكرنفالية حتى يفلت من بين أصابعك لتعود منغلقا على نفسك بعد أن تغلق دفتي المجموعة إلى بعضها ، وتتساءل : ماهي ملامح هذا الشاعر ؟ وأي روح قلقة متوترة تلك التي تسكنه ، وتحرك فيه الملكة الشعرية . لاشك أن مسحة القصائد الذكية ، هي التي يمكن الوقوف عند عتباتها ، في مجموعة ا لكرنفال ، إنه شعر ذكي بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى ، وربما كان ماينطوي عليه من تأملية عالية ، وحساسية غاية في الحساسية ، هي التي تجعلنا نستشف الأسطر غير المرئية فيه . إنه شعر لايصادر جمجمة ا لقارئ أو مخيلته . شعر يمنح ا لفراغ فرصة ا لضجيج والصمت ، إمكانية الكلام والكلام صمت المقابر .. لذلك فإنه من الطبيعي أن تتعامل مع نصوص المجموعة بجاهزية غير مسبقة .. من الطبيعي أن تترك القصائد تختار صداها داخلك ، دون أن تجبرها على الدخول في مدارك الاعتيادي .. يقول في مقطع من قصيدة الوحش : " ونظرت .. المرايا تؤكد أقوالهم " لتكون فاتحة معبرة للقصيدة " الجريمة " ، وهي قصيدة ترصد انفجار الكلمة المحبوسة في الفم ، ومحاولتها اقتحام المحظور والممنوع وغير المرئي : " من فمي .. هربت كلمة ... فتتبعتها . ركبت نسمة ، فارتعشت ، ولاحقتها ، ثم طارت ، وصارت فراشة . حومت فوق رأسي ، واستقرت إلى أذني ، وشوشت ، وأفاضت ، فارتعدت . صرخت من الخوف . صحت .. " . إنها الصورة المتلاحقة المتناحرة في ذات الوقت ، فالشعر في شروده الشعري ، إنما يترك للتداعيات مجالها ، دون أن ينسى طبعا أهمية فلترة الصورة والصوت في النص . وهو باستمرار يرصد نبض الكلمة ومدارها ، وحجم وقعها عليه أولا وعلى المتلقي ثانيا ، وكأنه في قصيدته هذه : " الجريمة " إنما يدلل على مايمكن أن تفعله الكلمة ، حيث لاسجون تتسع لتناسلها ، ولاقيود قادرة على احتواء معصميها ، أو كبح جناحيها عن التحليق ، فأمامها تسقط الحواجز والحدود ، ويصبح لافتراضية الفعل نظريته الخاصة ، حيث فعل الكلمة أبعد كثيرا من إمكانية قياسه ، أو قياس صداه ووقعه : " تدخل كل القلاع .. الحصون تتخطى الحدود .. ترتقي جبلا ( .......... ) أكسر كل المرايا ، ثم ينطلق الطيف عبر الشظايا .. تلاحقني صوري .. وتشير إلي ، وتصرخ : أنت .. وأنت .. وأنت ... ( ............. ) رحت أعدو .. وأعدو .. إلى أن تخطيت تلك المدينة .. تلك المرايا .. الشظايا .. ودخلت البراري " وهكذا تلتف أجواء القصيدة باتجاه خلاص يرسمه الشاعر ، هاربا من ضغط المدينة ، وبشاعة ماديتها ، المدينة التي تحاول سحق إنسانها المعاصر ، وتحويله إلى حلزون بشري ، إنها المدينة التي تأكل مواطنيها ، والقصيدة التي تنتصر في المحصلة للإنسان بأجمل تجلياته : إنسان الروح والفكر والمبدأ . باختصار .. إن مجموعة كرنفالات تؤسس لكرنفال شعري مؤثر .. كرنفال يستحق أن نقف أمامه طويلا ، لنقرأ ملامحنا في مراياه . أليست المرايا نحن ؟ !
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكالية العلاقة بين الأدب والشاشة الصغيرة
-
هل انتهت الحرب الباردة ؟
-
عن رياض خليل كتب : طلعت سقيرق
-
مقابلة مع رياض خليل
-
عن رياض خليل: قراءة تحليلية
-
بيانكا ماضية : في دراسة عن رياض خليل
-
الكاتب الأردني محمد المشايخ يكتب عن رياض خليل
-
النمرود : شعر
-
الفراشة: شعر
-
طفلة الشمس
-
القانون الاقتصادي العام
-
عن - الكرنفال- يكتب الشاعر فيصل خليل:
-
المحارب: شعر
-
النار: شعر
-
الوحش
-
الغريق: شعر
-
لن أختم القصيدة
-
رحلة إلى الجزيرة
-
البحر-:شعر
-
الملك: شعر
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|