|
هاجس الفوضى والفاشية في الثورة المصرية
مصطفى مجدي الجمال
الحوار المتمدن-العدد: 3506 - 2011 / 10 / 4 - 06:26
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
أظن أنني كنت من الذين كتبوا مبكرا منذ الأيام الأولى للثورة المصرية بأن اتخاذها للبعد الاجتماعي المتصاعد كان العامل الحاسم في النصر السياسي التكتيكي/ الرمزي بإزاحة عصابة مبارك.. كما كنت ولا أزال من المؤمنين بأنه لا توجد حدود فاصلة بين النضال الاجتماعي والسياسي والثقافي والوطني..
غير أنني أتصور أنه لا تزال هناك فواصل كبيرة بين أبعاد النضال الثوري المختلفة تلك.. رغم أنها تتلاقى بالطبع في أذهان الكودر الثورية.. ولكن ربما تختلف فيما بينها من حيث الأولويات وطريقة التضافر..
فلدينا حراك سياسي لا بأس به من أجل الديمقراطية والدولة المدنية يتخذ من ميدان التحرير والأحزاب والإعلام مجالاً له.. ولدينا حراك ثقافي أضعف بعض الشيء من أجل التنوير ولكنه لا يزال محتجزًا- بطبيعته وطبيعة المتحمسين له- وسط النخب الثقافية ولم يصل بعد إلى الجماهير العادية ولا حتى الميدان.. ولدينا الشعور الوطني الجارف الذي أخذ يعبر عن نفسه بوضوح في مواقف من أمريكا وإسرائيل والرجعية العربية لكنه لا يزال أضعف من سابقيه كثيرا لأن التناقضات الداخلية المتفجرة تطغى عليه..
أما تحركات الاحتجاج الاجتماعي فإنها تتفجر بصورة منقطعة النظير في التاريخ المصري الحديث، فيما يعكس مدى الكبت والظلم الذي عانت منه الفئات الشعبية في العقود الأربعة الماضية.. وهو التطور الذي يضخ الكثير من الأمل في نفوس الثوار الذين ينظرون إلى الديمقراطية كغاية في حد ذاتها، ولكن أيضًا كوسيلة إلى تقليل حدة الاستغلال الرأسمالي حتى يحين الحين وتأتي منظومة حكم جديدة مختلفة نوعيًا (من المنظور الاجتماعي/ الطبقي) .. وأخذ الحماس الطبيعي بالبعض إلى حد الدعوة إلى الإضراب الوطني العام أو العصيان المدني التام.. وهو اجتهاد ستحكم عليه الأيام ومجريات الأحداث.. ولكنني بالطبع من المتحفظين (حتى لو اعتبرني البعض من المحافظين) على ابتسار أو ابتذال الشعارات برفعها قبل أوانها كشعارات للتنفيذ المباشر وليس كشعارات دعائية ..
لكن تتبقى أسئلة ملغومة لا مفر منها مهما كان وخزها كوخز الدبابيس المنغرسة في ضميرنا التاريخي.. هل من الممكن تصور أن المجموع الكمي للإضرابات سيؤدي تلقائيًا إلى حالة الإضراب الوطني العام المرغوبة؟ أم أنها حركات لها مطالب جزئية وخاصة (بل أقول بجرأة: أنانية أحيانًا) بكل فئة مضربة؟ وهل هناك شعارات عامة مجمعة بين كل تلك الإضرابات الجزئية بما يمكنها من التطور إلى إضراب وطني عام ناجح؟ وهل توجد لدينا الآن جبهة القوى الثورية المتحدة القادرة على قيادة هكذا إضراب وتحويله إلى إنجاز حاسم في مسألة الاستيلاء على السلطة مع تسلحنا في الوقت نفسه بجبهات "تكتيكية" مدنية/ ديمقراطية/ ...؟
وهو ما يقودنا إلى سؤال صعب آخر عن مدى تغلغل قوى الإسلام السياسي وما تسمى فلول الحزب الوطني في صفوف الجماهير خاصة في الريف وصعيد مصر؟ هل فكرنا في الاستعداد لمواجهة بهذا الحجم؟ وهل فكرنا في الاحتمالات المختلفة لموقف الجيش كأن ينشق أو يحكم بالحديد والنار مع احتمال أن يتمتع بتأييد بعض القطاعات الشعبية في هذا الصدد؟ وهل فكرنا في السياقين الدولي والإقليمي المحتملين إذا تفجرت الأحداث على أي نحو من الصور السابقة؟
أظن أن كل التباس أو ارتباك تمر به القوى الثورية يمكن إرجاعه- من بين أسباب عديدة- إلى تلك الفجوة الهائلة بين الظرفين الموضوعي والذاتي.. فلا الأحزاب اليسارية قادرة بعد على الاضطلاع بمهمة تاريخية ثقيلة كهذه.. كما لا توجد لدينا حركة نقابية قوية موحدة تستطيع تنسيق وقيادة النضال الاقتصادي/ الاجتماعي..
نعم لدينا مناضلون "انتحاريون" يصلون الليل بالنهار من أجل رص الصفوف والالتصاق بالتحركات الاجتماعية والشبابية.. ولكن أخشى ما أخشاه أن تكون لدينا فوضى في الشعارات التكتيكية- انعكاسًا لحالة التعددية المفرطة بين القوى اليسارية- تتراوح بين الرهان الكامل والأوحد على التمثيل البرلماني وتنتهي بمن يدعو للاستيلاء على المنشآت والتسيير الذاتي (بلا دور للدولة).. فهل يمكن القول إن التحركات الشعبية قد أفرزت القدر الوافي من الكوادر حتى لدخول الانتخابات، ولا أقول بالطبع التسيير الذاتي..
ليست لدي إجابات محددة وإنما أفكر بصوت عال.. ولدي إحساس غامض (لا بد أن له أساسًا موضوعيًا في توازنات القوى وفي الرؤى الغائمة والانغماس في التكتيكي والجزئي) بأن "فوضى" الشعارات وتلقائية الاحتجاجات يمكن أن تودي بنا إلى "حل وسط تاريخي" كتبت عنه منذ سنوات.. وهو بأن يصعد إلى دست الحكم تحالف ثلاثي بين المؤسسة العسكرية وقطاع من الإسلام السياسي وقطاع من "الليبرالية" يمثل مصالح رجال الأعمال .. وأن حلاً كهذا يمكن أن يرضي الأطراف الإقليمية (وخاصة إسرائيل والسعودية وربما تركيا) والأطراف الدولية خاصة الغربية..
إنني أبدي مخاوف حقيقية أشعر بها.. وتحليًا مني بالمسئولية لا بد أن أقترح حلولاً.. رغم أن الحلول الحقيقية لا يمكن أن تأتي إلا من تفكير جمعي لطلائع تشرك الجماهير الشعبية معها في التفكير والتدبير.. وأظن- وأجري على الله- أن مفتاح الحل هو تنظيم ووحدة اليسار على أساس برنامج نضالي تكتيكي (نعم تكتيكي فلا يمكننا الادعاء بقدرتنا الآن على أكثر من هذا) يستطيع "ضبط" حركة النضال السياسي/ المدني/ الوطني، مع ضرورة أن يترافق مع هذا إيجاد الجسور اللازمة لـ "ضبط "حرحة الاحتجاج الاجتماعي مع تمتين التنظيمات النقابية على المستوى الوطني..
هذا وإلا كانت الفوضى... وربما الفاشية من بعدها..
ألا هل بلغت؟!!
#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احتكارات جنوبية!!
-
معركة البحوث الاجتماعية في القضاء على الإيدز
-
استراتيجيات إدارة المشروع الوطنى فى عصر المنافسة المفتوحة
-
عندما تكونت جبهة التروتسكي والإخواني
-
اليسار والمال.. من يقهر الآخر ؟!
-
عندما تتناقض حرية الرأي مع حرمة الوطن
-
كيف كنا نتساءل عن أزمة الديمقراطية المصرية قبل ثلاثة أعوام؟
-
وطني وصباي وعبد الناصر !!
-
تقدير موقف للثورة المصرية ومبادرة للحزب الاشتراكي
-
فيروس الانقسامية في اليسار المصري
-
الفطام الذي طال انتظاره
-
المال السياسي
-
الإخوان وأمريكا .. الغزل الماجن
-
الديمقراطية .. والمدرب الأجنبي !!
-
إنقاذ الثورات العربية من الاختراق
-
ترجمة أفريقيا
-
إصلاح الشرطة يبدأ من -كشف الهيئة-
-
ميلاد الاشتراكي المصري.. والسماء تتسع لأكثر من قمر!!!
-
الجبهة في بلاد العرب (محاولة في تنظير الواقع)
-
عودة الدكتور -بهيج-
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|