|
المعلم التركي والدرس الكردي -غيرالعويص-
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 3506 - 2011 / 10 / 4 - 01:42
المحور:
كتابات ساخرة
لا يزال الأداء السياسي، الخارجي خصوصا، للزعيم التركي أردوغان، وزميله رئيس الدولة عبد الله غول يكتسب المزيد من إعجاب النخبة العربية وقطاعات واسعة من جماهير غير النخبة. إنه أداء أقل ما يوصف به أنه جرئ ومتماسك وحصيف دبلوماسيا. وهو، إلى ذلك، يأتي في وقت كرست عنجهيةُُ الدولة الصهيونية سطوتََها على الأنظمة العربية الخانعة مجتمعةً وبضمنها دويلة محمود عباس "الشبحية" مع وافر احترامنا لتطلعات الشعب الفلسطيني لدولته العتيدة المرتجاة. محوران في هذا الأداء يهتم بهما الجمهور العربي وهو في خضم أوسع وأعنف مواجهة حقيقية وبطولية فعلا مع أعتى تلك الأنظمة الشمولية المتخلفة. المحوران هما: محور العلاقة مع تطورات ومتغيرات "الربيع العربي" وخصوصا في الساحتين السورية والليبية، والثاني هو محور العلاقة مع دولة إسرائيل الصهيونية والوقوف بقوة في وجه غطرستها المعهودة والتطبيقات الدموية لنهجها العنصري المعتاد، انطلاقا من حادثة محددة تخص تركيا مثلما تخص فلسطين وهي المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل بحق ناشطين سلميين أتراك جاؤوا للتضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة المحاصرة على متن السفينة مرمرة. التأييد الكاسح لأردوغان في الشارع العربي، لم يمنع آخرين من كتاب ومراقبين من إبداء تحفظاتهم على هذا الأداء التركي منتقدين المبالغات التي وقع فيها، وعدم مراعاته لحساسية العلاقة التركية العربية وتراثها القديم خصوصا إبان الاحتلال العثماني ما أوقعه في هفوات وأخطاء عديدة. وإذا كانت الأنظمة العربية، و في ليبيا القذافي وسوريا الأسد خصوصا، و التي استهدفها النقد التركي بعد "صبر" طويل ومطالبات إعلامية لها بالإصلاح والتغيير قد استاءت من دروسه ونصائحه وتوجيهاته الأقرب إلى الأوامر الزجرية الخالية من الكياسة الدبلوماسية، وحركت أقلامها وأجهزتها الإعلامية لمهاجمة الماضي العثماني البائس، والتذكير بأطلسية تركيا الحالية وكونها تشكل العمود الفقري عسكريا لهذا الحلف المعادي للشعوب. كما أن تلك الأوساط المتحفظة لم تنس التذكير باللواء السليب "الاسكندرونة" الذي لا يتذكره أحد إلا في مناسبات نادرة كهذه، غير أنها ومعها النخبة العربية إلا ما ندر، نسيت أو تناست أهم درس فشل المعلم التركي في استيعابه وفهمه كما يجب، فيما هو يكيل لها الدروس في حقوق الإنسان والديموقراطية والحداثة والعلمانية المؤسلمة أو الإسلامية المعلمنة! سنغض النظر، بقصد السياق الذي نكتب فيه، عن درس آخر يتناساه المعلم التركي مع انه لا يقل أهمية وخطورة عن هذا الذي سنتطرق بعد قليل وهو الخاص بالكارثة الإنسانية والبيئوية التي تتسبب بها الدول التركية وسدودها العملاقة،و بغض النظر عن نوع حكامها وما إذا كانوا لبراليين أو عسكريين أم إسلاميين علمانيين، ألا وهي تلك الخاصة بالاستحواذ على مياه النهريين العراقيين دجلة والفرات، واللذين استمد العراق اسمه القديم منهما والشطب على وجودهما وعلى وجود هذا البلد وتحويله إلى صحراء قاحلة بحلول سنة 2040 كما تؤكد دراسات الهيئات الدولية كاليونسيف ومنظمة المياه الأوروبية، سنغض الطرف عن هذا الدرس المأساوي الذي لا يبدو أنه يُشْعِرُ المعلم التركي بأيما نوع من القلق أو الإثم الديني أو الإنساني وننتقل الآن إلى درس آخر: يتناسى "معلمنا" التركي درس بسيط ويحاول تصويره كأعوص درس في الوجود، إنه درسُ أقدمِ حربٍ ما تزال مشتعلة على الأراضي التي تبسط الدولة التركية سيطرتها عليها. إنها حرب المتمردين الاستقلاليين الأكراد بقيادة حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" والتي بدأت في سبعينات القرن الماضي، وخلفت عشرات الآلاف من القتلى الترك والأكراد مئات الآلاف من الجرحى والمعاقين والمهجرين والنازحين، ففي ألمانيا فقط ثمة أكثر من مليون كردي اضطرته الظروف إلى الهجرة. باختصار، إنه درس بسيط لا تعقيد فيه هو درس المطالبة بحقوق الأمة الكردية وهي أقدم من الأمة التركية نفسها في هذه المنطقة. لقد أرادت الحكومة التركية أن تحسم هذه الحرب لصالحها عبر الحل الأمني العسكري عدة مرات دون جدوى. وحتى حين اعتقلت زعيم هذه الحركة الاستقلالية عبد الله أوجلان بمساعدة مباشرة من حليفتها التقليدية إسرائيل فشلت في قطع رأس الحركة ودفنها. لا أحد يتمنى استمرار نزيف الدم، لا بين صفوف الشعب التركي الجار ولا بين صفوف الشعب الكردي المظلوم، بل يتمنى كل حر أن تنتهي هذه الحرب بنهاية الأسباب التي أدت إلى اندلاعها واستمرارها حتى الآن. المشكلة الحقيقية هي في أن المعلم التركي التي يكيل الدروس للحكام العرب في الديموقراطية وحقوق الإنسان والعلمانية وتقرير المصير يرفض رفضا قاطعا أية إمكانية لمناقشة هذه القضية التي تهم حياة أكثر من عشرة ملايين إنسان كردي يحملون الجنسية التركية ويطالبون ببعض حقوقهم الإنسانية وليس كلها. معلوم للجميع أن هذه الملايين وقيادتها لم تعد تطالب بالانفصال عن تركيا، والتمتع كسائر أمم الكوكب بحق تقرير المصير وتشكيل دولتها القومية بل بما هو أقل من ذلك كثيرا كالحكم الذاتي والإدارة المحلية ضمن إطار الدولة التركية. هذا ما أعلنته غير مرة برامج حزب العمال الكردستاني المعدَّلة وأكدته تلك القيادة عمليا في عشرات المبادرات لوقف القتال من جانب واحد ودعوات سياسية متكررة لاختيار سبل الحوار الديموقراطي المتحضر بين الدولة التركية والملايين من رعاياها الكرد ولكن المعلم رفض رفضا قاطعا تلك المبادرات والمشاريع والبرامج واتخذ من أسلوب الحسم الأمني و العسكري واجتياح البلدان المجاورة كالعراق المحتل لتصفية خصومه. أي معنى يتبقى لكلام المعلم إذاً، وأية صدقية أو حسن نية يمكن للمراقب المحايد أن يجدهما في سلوك القادة الأتراك الحاليين أصدقاء الديموقراطية وحقوق الإنسان وأعداء القمع والاستبداد والحل الأمني والعسكري؟ ولكن – وفي السياق- لماذا هذا الصمت العربي، بل والشرقي عموما، على مأساة الأمة الكردية، وخصوصا في تركيا، وندرة الأصوات التي تدافع عنها وعن حقها في الوجود وتقرير المصير؟ لكأن هناك تنزيلا مقدسا يستثني أمة الكُرد من التمتع بهذا الحق المسطور في وثائق الأمم المتحدة ذاتها، و الذي لم تستثنَ منه شعوب وجماعات بشرية لا يتجاوز عديدها السكاني عشرات و مئات الآلاف كما هي الحال في كجزر تيمور وكوسوفو و بعض دول الخليج العربي وجنوب شرقي آسيا وأفريقيا؟ إن الغرب بقيادة أميركا " الديموقراطية" الذي ساعد على تقسيم دول راسخة لأن النخبة القائدة لجزء من شعبها أرادت الانفصال وآخر تجربة من هذا القبيل ما تزال طازجة وقد جرت أمام أنظارنا قبل بضعة أشهر في السودان تسكت سكوتا مطبقا ومنافقا عن وضع الأمة الكردية. ولكن، إذا كان الشقيق الكردي جنوبا، ينسق ويتعاون مع العسكري الرسمي التركي مثلما دأبت الأحزاب الكردية "العراقية" المتحالفة مع الاحتلال الأميركي على أن تفعل، فكيف لنا أن ننتظر إنصافا أو تضامنا من البعيد والغريب ومن لا شأن له في الموضوع؟ ربما نستثني من هؤلاء الساسة الكرد النائب في البرلمان العراقي محمود عثمان صاحب المواقف والتصريحات الجريئة والتي طالما أحرجت حزبي طالباني وبارزاني مع إنه – عثمان - محسوب كقيادي في التحالف"الكردستاني" الذي يجمعهما. قال عثمان قبل أيام إنّ ( تصريحات رئيس الوزراء التركي أردوغان بشأن العملية المشتركة ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق غير منطقية ولا صحيحة، كون أنقرة جربت الأعمال العسكرية ضد الحزب على مدى 26 عاما وكانت نتائجها عكسية بالنسبة لها) وأضاف أن ( حزب العمل الكردستاني ليس حزبا إرهابيا كما يدعون، بل هو حزب لديه قضية) إن تركيا، وبدلا من أن تبحث عن حل لهذه المشكلة، تحاول توسيع نطاق النيران، فتسعى لأجل عقد تحالف قتالي بينها – هي العلمانية المنادية بالديموقراطية وحقوق الإنسان – وبين جارتها إيران المتهمة بالتقليدية والشمولية والحكم الطائفي المتخلف! ترى، إذا كانت حكومة أردوغان مستعدة لعقد تحالف مع طهران ضد الكرد بدعوى وجود خطر مشترك يتهددهما فما الذي يمنعه من التحالف غدا مع دمشق إذا أصبح النزف على أراضيه أكثر غزارة؟ وحينها ما الذي سيتبقى بين أيدي الليبراليين العرب المراهنين على دروس المعلم التركي النّسّاء؟ ربما سيكون مفيدا تذكير هؤلاء المراهنين العرب بالواقعة التالية لمغزاها : قبل خمسة عشر عاما تقريبا، وخلال هجمة عسكرية للجيش التركي ضد الكرد في زمن رئيس الوزراء التركي الراحل والسلف الأيديولوجي المباشر لأردوغان، المرحوم نجم الدين أربكان، كتب المفكر العراقي الراحل هادي العلوي كتب يقول ( في الشرق الأوسط، توجد اليوم دولة زائدة ينبغي أن تزول، ودولة أخرى ناقصة ينبغي أن توجد..الأولى هي إسرائيل والثانية هي كردستان!) أي معانٍ مفعمة بالأمل لصالح الأمم الشرقية عموما وللأمتين التركية والكردية تكمن في هذه الكلمات النبيلة!
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هدايا كويتية -مسمومة- قد تطيح هوشيار زيباري
-
تحذير لنائب المالكي يثير الذعر: العراق سيُحْرَم من نصف مياهه
...
-
العلوي بين فلسفة التاو الصينية والمتصوف النُفّري/ج2
-
العلوي وفلسفة التاو الصينية : بين المطلق الصيني والآخر الإبر
...
-
عزّت الدوري يعزّي البرزاني فيثير غضب البعثيّين
-
هل أحبط المالكي انفصالا عشائريا في الأنبار؟
-
مجزرة «النخيب» العراقيّة: طائفيّة وعشائريّة وغياب للمركز
-
-تطوير- غاز البصرة : صفقة مشبوهة مع -شِل- وكارثة يتحمل مسؤول
...
-
أتهم جلال طالباني وآخرين باغتيال هادي المهدي!
-
خرافة -جاموس الحجاج- وحقائق التراث الرافديني
-
كيف قرأ الراحل هادي العلوي التصوف الإسلامي -القطباني- وتجربة
...
-
عقود المشاركة في إنتاج النفط العراقي: سرقات وفق القانون/ج3
-
مشروع قانون النفط -المالكي- في مواجهة المشروع - الكردوعلاوي-
...
-
نفط العراق المحتلّ: قصّة سرقة أقرب إلى الخيال
-
التضامن النقدي مع -الربيع العربي-: قراءة في مثال نظري وعملي
...
-
رمضانيات عراقية: أزمة دينية أم سياسية؟
-
الحضور المندائي في اللهجة العراقية و العربية الفصحى
-
نماذج طريفة من الكلمات الأكدية والآرامية في اللهجة العراقية
-
قراءة جديدة في-محاكمة- كافكا: تشريح شعري ساخر لعبث الوجود
-
العراق: الصراع الطائفي بلغ المراقد المقدسة!
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|