|
مشروع إخراج نص مسرحي لطلاب الدراسات المسرحية العليا
أبو الحسن سلام
الحوار المتمدن-العدد: 3506 - 2011 / 10 / 4 - 00:57
المحور:
الادب والفن
مشروع إخراج نص مسرحي تدريب لطلاب الدراسات العليا
د. أبو الحسن سلام
يتحير طلاب التخصص في التمثيل والإخراج عند تكليف من أراد التخصص من بينهم في الإخراج في مرحلة الدراسات العليا في وضع تصور إخراجي يؤسس عليه مشروعه ، حيث تقضي المنهجية التي تفرق بين مخرج يعتمد على موهبته وحدها ، ومخرج آخر يتوج موهبته بإطار المنهج العلمي أن يوظف الأخير منهج التحليل ، وسيلة لتفسير النص المختار الذي هو مقدم على إخراجه ، حتى يمكنه من تقدير قيمة التحولات الدرامية ، وما يؤدي إليها من صدمات ، فضلا على تقدير طبيعة النقلات الشعورية التي يجب على الممثلين ملاحظتها ، وفهم بواعثها حتى يحقق كل منهم المصداقية والجمالية معا للدور الذي يقوم بأدائه ، مؤكدا بصمته بوصفه فنانا مبدعا ، يضيف إلى الدور الذي يؤديه إضافات تثريه ، وتحقق للممثل وللمتفرج معا الإقناع والإمتاع. لذلك عمدت إلى بناء نموذج للتصور الإخراجي لمشهد من مسرحية عالمية ، ليحتذي به من يرغب من الطلاب ، عند شروعه في إخراج نص مسرحي ما.
عنوان النص: مـس جــولـيـــا المؤلف: أوجست سترندبرج المخرج: أحد الطلاب ( افتراضيا) - يضع الطالب اسمه جهة الإنتاج: مشروع إخراج - الفرقة الثالثة بقسم المسرح بكلية الآداب - جامعة الإسكندرية هدف الإنتاج: امتحان نهاية العام الدراسي – الفصل الثاني 2010 الأستاذ المشرف: أ.د أبو الحسن سلام. الإشراف التنفيذي: الأستاذ: جمال ياقوت دار العرض: مسرح قصر ثقافة التذوق بسيدي جابر الموعد المحدد للعرض: – مبدئيا- آخر شهر 2010 التمثيل: ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ( في دور : مس جوليا ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ( في دور : كريستين ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ( في دور : جان )
التصور الإخراجي
تعلمنا في دروس الإخراج النظرية والعملية أن عملية إخراج نص مسرحي ما لا تتم بالنسبة للدارسين المؤهلين للعمل في حقل المسرح بعامة ، وفي تخصص إخــــراج مسرحي بشكل خاص إلا بالوصول إلى تصور أو رؤية إخراجية ، قادرة على تفسير النص ، موضوع الإخراج ، عن طريق التحليل الدرامي لمستويات الحدث الصاعدة والواثبة والساكنة ، والمرهصة ( التي توحي بالفعل ، دون أن يتحقق في الظاهر أي الوشيك الحدوث) مع تحليل الشخصيات ، والوقوف على بواعث أفعالها تركيزا على نقاط التحول الدرامي ، وطبيعة الصدمات الدرامية التي أدت إلى تحول في موقف الشخصية ، بما يؤدي إلى تطور الحدث ، وتطور الشخصية نفسها.هــــذا إضافة تحليل مستويات النقلات الشعورية – على نحو الذي رسمت في كتابي: ( الممثل وفلسفة المعامل المسرحية ) وهو يحلل دور كل من ( جوليا وجان) في المسرحية نفسها ، حتى يكون ذلك التحليل مرشدا للممثل في أدائه لدوره.
مستويات الحدث الرئيسي للنص الأسلوب الفني للنص:
تنتمي هذه المسرحية - وفق تصنيف النقاد – إلى المدرسة الطبيعية التي تعتمد على عنصري ( الوراثة والبيئة) . ومع ذلك تحافظ على الوحدات الثلاث : (وحدة الموضوع – وحدة المكان – وحدة الزمان ) كما تحافظ على (نظرية الفصل) بين الأنواع ) – تبعا للنظرية الأرسطية الكلاسيكية.فالبطلة واحدة هي جوليا والمكان واحد هو مطبخ قصر والدها الكونت ، والزمان ليلة واحدة ، هي ليلة عيد الربيع ، والجو العام جو احتفالي ، على عادة الأوروبيين ، منذ القدم فالحدث يدور في جو طقسي احتفالي ، تتلاشي فيه الفروق الطبقية حيث يختلط السادة بالخدم والأجراء ، ليقضي الجميع ليلة احتفال بهيج ، تراق فيه الخمور ، ويدور الرقص دون تمييز بين سادة أو عبيد، حتى صباح اليوم التالي
أقسام الحدث : في بنية نص ( مس جوليا) ينقسم الحدث إلى مستويين مختلفين كل الاختلاف .فعند تتبع الخط الدرامي للحدث لاحظت أن الخط الدرامي يتوزع في عاطفتي حاكمتين لفعل الشخصية المحورية " جوليا " :
* أولا: الحدث قبل السقوط: وفيه يتأسس فعل كلا الشخصيتين على المراوغة حيث ، يلعب كل منهما على الآخر ، وإن كان لعب جوليا فيه من البراءة أو السذاجة الكثير ، دون مبالاة بعاقبة ذلك اللعب مع شخص من طبقة أخرى ، غير طبقتها ، وهو لعب أشبه باللعب بالنار. على أن ذلك لم يخرج عن أثر الجينات الوراثية ، حيث تفعل جوليا الفعل نفسه الذي فعلته أمها ، مع أبيها قبل زواجهمــا زواجا شرعيا . وهي تخطط له رغبة ملحة في السقوط ربما لدوافع متعلقة بافتقاد الوالدين .. حيث الأم ميتة ولا لقاء لها مع الأب على الإطلاق ، وهو ما يشعرها بالوحدة ، . ولما كانت تعيش شبه منعزلة في ذلك القصر الكبير ، يصبح من حقها التماس التقارب مع خدم القصر ، وهنا عاشت الحياة التي عاشتها أمها ( خادمة ) في قصر أبيها الكونت قبل زواجهما الشرعي ، وذلك أيضا تأثير عنصر الوراثة ، وتأثير عنصر البيئة ، وقد فرضت عليها بيئة المطبخ والحياة اليومية بين الخدم في المطبخ في إسطبل الخيل ، نوعا من التزاوج الثقافي ، حيث تقاربت لغتها اليومي ومعاملاتها من لغة الخدم ، وهو أمر خارج عن سياق ثقافة طبقتها ، وبذلك أصبحت ثقافتها ثقافة مهجنة بين سلوك طبقة السادة وطبقة الأجراء.
وهنا يكون على ممثلة دور جوليا أن يتميز أداؤها بالتلوين الصوتي ، في الحوار بما يظهر معه هذا التداخل بين البراءة وعدم المبالاة من ناحية ، والاندفاع بدون تعقل من ناحية ثانية ، والتصرف بدون لياقة تتناسب مع سلوك السادة ، مع ميل إلى التبسط مع جان ، فضلا عن إظهار غيرتها الأنثوية من كريستين خطيبة خادمها جان وفي مقابل سلوك جوليا كان سلوك جان المناقض لسلوكها ، حيث التظاهر بالنقاء ، وتصنع الرومنسية ، وانتقاء الكلمات الرقيقة حينا ، والتحذيرية في مرة أخرى ، فهو يخطو نحو استمالتها خطوتين ويتراجع خطوة واحدة ، ليغريها بالإقدام إلى ما تنوي فعله نحو حافة السقوط لكي يصعد هو على جسدها إلى طبقة السادة ، تجسيدا لحلمه ، وبانتهازية مبطنة ، لا تفطن إليها جوليا ، وإن كانت كريستين قد فطنت إليها ، ولم تستطع إيقاف لعبة السقوط والصعود .
ثانيا: مرحلة ما بعد السقوط : ويكشف الصراع فيها عن صدمتين.رئيسيتين:
أولهما : صدمة جوليا بتحول سلوك جان منها بعد أن نال ما خطط له بدهاء ونعومة ثانيهما: صدمة جان بعد أن اكتشف عدم وجود مال معها يمكنه من الفرار بها خارج البلاد وتحقيق حلمه بملكية فندق ، والانتقال إلى طبقة السادة ،وبين الصدمتين الرئيسيتين صدمات ثانوية ، تتطور بالحدث وبالشخصيات الثلاثة ، انتهاء إلى النهاية شبه المأساوية التي اختلف حولها النقاد ، مابين ضرورتها الدرامية الحتمية بإطاعة اقتراح جان بأن تنتحر وميلودراميتها – نقلا عن كتابنا السابق الإشارة إليه.
التصور الإخراجي للعرض وينقسم إلى مرحلتين .. أ- مرحلة:الإعداد: نظرا للوقت المسموح به لأداء امتحان المشروع وهو 15 خمس عشرة دقيقة ، لذلك رأيت ضرورة إعداد موقف درامي ، يجمع بين أطراف الصراع الثلاثة في المسرحية ، ويظهر بداية الأزمة ، متمثلة في موقف استمالة كل منهما للآخــر ومراوغاتهما ، وموقف كريستين مما يحدث . مع التركيز على الصدمتين الرئيسيتين ، وما تؤديان إليه من تحول درامي. ب- مرحلة التنفيذ: يركز التصور على جوهر الفعل الذي فعلته جوليا ، فيما بين جان وكريستين خطيبته ، وهو في جوهرة فعل نسوى ، باعثه الرغبة في إزاحتها لكريستين ، والاستحواذ على جان ، خطيبها ، لتلعب معه لعبتها السابقة مع خطيبها ( وكيل النيابة) ، ربما رغبة في انتقام دفين بداخلها تجاه جنس الرجل انتقاما من الرجل كجنس، لما حدث مع أمها، حيث خانها عشيقها ، وسرق الأموال التي جمعتها من وراء ظهر أبيها الكونت ، وأودعتها لدى عشيقها ، ليستثمرها لها فسرقها ، مما أصاب الأم بالصدمة التي ربما عجلت بموتها. – وهذا احتمال قائم على تفعيل ( لو) الافتراضية في منهج ستانسلافسكي الذي هو الأصلح لتمثيل هذه المسرحية.
تجسيد الفكرة التي قام عليها التصور لإظهار الشرخ الذي أحدثته جوليا في العلاقة بين الخطيبين المتناسبين من حيث الطبقة الاجتماعية والمستوى الاقتصادي والثقافي ، تحقيقا لفكرة فرق تسد ، انطلاقا من عاطفة الغيرة النسوية ، من ناحية ، ومن ميل أبناء الطبقات العليا إلى العبث بمصائر أبناء الطبقات الدنيا ، من ناحية ثانية ، وتمهيدا للآنتقام من الرجل كجنس من ناحية ثالثة ، رأيت أن تخترق جوليا تشابك أيدي كريستين وجان وبين أيديهما طبق الطعام الذي أعدته كريستين لجان ، مما يسقط الطبق على أرضية المطبخ ، ويهشمه. وهي صورة تؤكد تعمد جوليا قطع ما بين الخطيبين من اتصال معيشيي مستقبلي ، ، باعتبار طبق الطعام رمزا للاتصال العيش بينهما. تلك هي روعة الاستهلال في المشهد الافتتاحي وبخصوص طبيعة الأداء في التعبير الصوتي عن الحوار ، فهو تعبير طبيعي يتناسب مع مدرسة الأداء النفسي لستانسلافسكي ، لطبيعة الحالة النفسية التي تتحكم في كل من الشخصيات الثلاث وبالنسبة لحركة الممثلين ، فإنه تسير وفق أسلوب الطبيعية أيضا في إطارها العام . وبالنسبة للديكور ، فإن أسلوب الطبيعية التي ينتمي إليها نص ( مس جوليا) يلزم بأن يكون المنظر طبيعيا ، بتفاصيل مكونات المطبخ ، حيث حوض غسل الأطباق وصنبور المياة الذي تنساب منه مياة حقيقية ، وتتوسط المائدة فضاء المطبخ مع عدد من المقاعد ، وينزل من ركن الغرفة ممتدا من السقف أنبوب ، ينقل صوت جرس الاتصال بين الكونت ، وقفص العصفور ، والأدوات المطبخية وأدوات تناول الطعام ، وزجاجات الخمور. وبالنسبة للأزياء ، فهي طبيعية الطراز ، بما يتناسب مع العصر الذي كتبت فيه المسرحية ، . مع ملاحظة أن يكون زى جوليا هو زى الفروسية ، حيث تدخل في المشهد الافتتاحي قادمة للتو من جولة على ظهر الحصان ، ومن جولة رقص مع خادمها في الحديقة ، حيث الموسيقى الصاخبة بإيقاعات راقصة تتعالى من خارج المطبخ. وبالنسبة للإضاءة ، فهي تتدرج من ساعة غروب الشمس ، إلى الإضاءة الليلية . ملاحظة أخيرة : ليس محتما التزام المخرج الذي تأسس تصوره لإخراج هذا النص أو غيره أن يلتزم بما قرره بعض أساتذة الإخراج المسرحي من أن المخرج ملزم بأسلوب النص الذي يخرجه ، بمعنى أن النص الطبيعي الأسلوب يخرج بأسلوب طبيعي والنص الرمزي يخرج بأسلوب رمزي ، حتى الأستاذين سعد أردش وأحمد زكي المخرجين البارزين في مصر اللذين يلحان على إتباع أسلوب إخراج عرض ما لأسلوب النص موضوع الإخراج لم يلتزم أي منهما في كل ما أخرج للمسرح بما قرراه أو اقترحاه على المخرجين في كتابة كل منهما النظرية.
#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرض المسرحي المصري بين مأزق التحصن بالهوية ولهاث اللحاق بر
...
-
نهار اليقظة في المسرحية العربية
-
ثمار الثورة في حجر إخوان السلف
-
أموال مبارك في بنوك تل أبيب بتوصية من بوش الأب
-
حوار المواطنة
-
الحقيقة ضالة الباحث
-
عرس الدم من لوركا إلى ميدان التحرير
-
تحليل دور ( الجارة في مسرحية : الزفاف الدامي ) للوركا
-
تحليل دور مسرحي (أنتيجوني)
-
مفاهيمية بيكاسو ودراما التشكيل المسرحي بالكلمات
-
حيرة الكاتب المسرحي
-
عروض مسرحية عربية - قراءة نقدية -
-
إشكالية الأداء في المسرح الشعري بين التمثيل والغناء
-
حسن عبد السلام مخرجا مسرحيا
-
الرفيق الخيالي ومسرح الطفل في عصر العولمة
-
على هامش ثورة التحرير
-
هوامش التحرير - دردشة سياسية -
-
سينوجرافيا المسرح (1) بين التمحل والتأصيل المنهجي
-
وماذا بعد
-
دردشة سياسية على الطريقة المصرية
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|