أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أديب كمال الدين - حوار التّرجمة والشِّعر والحَرْف، بين العربيّة والفارسيّة: تجربة حمزة كوتي وأديب كمال الدين نموذجا - بقلم: د. حياة الخياري















المزيد.....


حوار التّرجمة والشِّعر والحَرْف، بين العربيّة والفارسيّة: تجربة حمزة كوتي وأديب كمال الدين نموذجا - بقلم: د. حياة الخياري


أديب كمال الدين

الحوار المتمدن-العدد: 3506 - 2011 / 10 / 4 - 00:41
المحور: الادب والفن
    


حوار التّرجمة والشِّعر والحَرْف، بين العربيّة والفارسيّة:
تجربة حمزة كوتي وأديب كمال الدين نموذجا

د. حياة الخياري


 مقدّمة : الحرف الشّعريّ وإشكاليّة التّرجمة:
يعرّف ابن خلدون اللّغة بأنّها "عبارة المتكلِّم عن مقصوده وتلك العبارة فعْل لسانيّ و(اللّسان) في كلِّ أمّةٍ بحسب اصطلاحهم." (1) على هذا الاعتبار تطرح مشكلة التّرجمة كلّما حدث تماسّ بين خصوصيات اللّسان وخصوصيّات الإنسان لأنّ اللّغة نتاج "لطبائع أهلها وأهوية بلدانهم وأغذيتهم وما أوجبته لهم دلائل مواليدهم." (2) وتزداد المسألة خطورة كلّما اتّصل الأمر بترجمة أدقّ خصوصيّات الإنسان: مشاعِرِه ومواجده، وأدقّ خصوصيّات اللّغة حروفِها.
من هذا المنظور تعتبر التّرجمة أحد التحدّيات الفنّيّة المطروحة أمام الشّعر العربيّ عموما ومستقبل القصيدة الحروفيّة على وجه الخصوص. أمّا قطب الرّحى في المعادلة المستعصية فعلى صلة بمدى قابليّة الحرف العربيّ للتّرجمة من نواح مختلفة، أبرزها:

- المستوى اللّفظي اللّساني:
لا شكّ أنّ اللّسان العربيّ من أثرى الألسنة، ففيه يمتدّ التّلفّظ على مساحات رحبة من جهاز التّصويت، وتحتلّ الحروف العربيّة موقعا من مختلف "المخارج والمحابس"، وهذا ما لا يتوفّر في غيرها من اللّغات، يقول القلقشندي: "يوجد في العربيّة ما لا يوجد في غيرها من اللّغات، ويكثر في الاستعمال فيها ما لا يكثر في غيرها. فالحاء المهملة والظّاء المعجمة ممّا أفردت بها العرب في لغاتها، واختصّت بها دون غيرها من أرباب اللّغات، والعين المهملة قليلة في كلام بعض الأمم ومفقودة في كلام كثير منهم." (3)
على هذا الاعتبار، لاحظنا في معرض تناولنا لإشكالية الترجمة ضمن أطروحتنا للدّكتوراه -"الرّموز الحَرْفيّة في الشّعر العربيّ المعاصر"- أنّ أكثر القصائد الحروفيّة المترجمَة هي القصائد النّونّية، لأنّ النّون ممّا يُتلفّظ به في جميع اللّغات. غير أنّ التّحدّي الأبرز هو مدى قدرة التّرجمة على الحفاظ على الحمولة الرّمزيّة الصّوفيّة، ومع تجربة حروفيّات أديب كمال الدين تتجلّى ميزة التّرجمة التي تولاّها حمزة كوتي:

- المستوى الرّمزيّ الصّوفيّ:
في هذا المستوى تبدأ "محنة" المترجم من مقاربته للحرف القرآنيّ، إذ لا تُفهَم رمزيّة الحرف الصّوفيّ بمعزل عن المنظومة اللّغويّة للنصّ القرآنيّ. وقد لاحظنا أنّ أشدّ الحروف تواترا في القصيدة المعاصرة كان على صلة بالبعد الصّوفيّ لرمزيّة النون ونقطتها. لذا من المناسب أن نعرّج على التّرجمة الفارسيّة للآية الأمّ، أي فاتحة سورة القلم: ﴿ن. والقلمِ وما يَسْطرون.﴾ (4) والتي ترجمها الأستاذ محمّد کاظم مُعزّي بـ﴿ نون . سوگند به قلم وآنچه می نويسند.﴾.
ولو عدنا أدراجنا إلى تقليب النّظر في أوجه الدّلالة الرّمزيّة للاحظنا أنّ الإيحاءات البصريّة لشكل الحرف قد انعكست على تناول المفسّرين للآية، فذهب بعضهم إلى كون (ن) رمزا علاميّا مدلولاته أسماء مبطّنة في بعض الآيات القرآنيّة. وفي هذا السّياق نقل ابن منظور نموذجا من الجدل الدّائر بين اللّغويين في معرض شرحه لمادّة (نون)، قال: "قال النحويّون: "..جاء في التفسير أنّ "ن": الحوت الذي دُحِيت عليه سبع الأرضين، وجاء في التفسير أنّ (ن) الدّواة، ولم يجئ في التّفسير كما فسّرت حروف الهجاء [...] قال الأزهري: "ن. والقلم" لا يجوز فيه غير الهجاء، ألا ترى أنّ كُتّاب المصحف كتبوه (ن)؟ ولو أريدَ به الدّواة أوالحوت لكتب (نون).".(5)
على هذا الاعتبار حملت التّرجمة الفارسيّة معها تفسيرا للآية من حيث أرادت أن تترجِم (ن) بـ(نون)، آخذة بعين الاعتبار المعاني الرّمزيّة الأرحب ولكن بعد انزياح واضح عن النصّ القرآنيّ العربيّ. وليست المعاني المُترجمة بهذا المعنى بعيدة عن التّمثّل الصّوفي لـ"نقطة العقل ونون الإنسانيّة. (6)
لقد كشف اختلاف الإيحاءات التي أثارها حرف النّون لدى المفسّرين والمتصّوفة عمّا يتيحه الحرف من تعدّدية المعنى(Polysémie).
هنا بالذّات يتوقّف التوصيف ليبدأ التوظيف، وتنتهي مهمّة كلّ من اللّغويّ والمفسّر من حيث تبدأ مهمّة الشّاعر والمترجم. وانطلاقا من رمزيّة النّون اخترنا مقاربة بعض القصائد الحروفيّة لأديب كمال الدين بالتّرجمة الفارسيّة التي تولاّها حمزة كوتي، وأوّل النّماذج "خطاب النّون":
قصيدة "خطاب النّون": " گفتمان نون" :
"أَنَا دَمْعَتُكَ " من اشک توام
التِي سَتُوصِلُكَ که می رساندت
إلَى إِسْرَاءِ الحُرُوف به إسراء حروف
وَ مِعْرَاج َالنِّقَاط.." (7) و معراج نقطه ها."
من الواضح حرص المترجم على الحفاظ على الرّوح الصّوفيّة الحافّة بالحرف، وهو ما يتجلّى في احتفاظه بالاصطلاحات الصّوفيّة المؤسّسة لرمزيّة الحرف الشّعريّ من قبيل "إسراء، معراج، نقاط، حروف"، فضلا عن أسماء الحروف. وهي الاستراتيجيا المعتمدة لدى المترجم، والتي أفصح عنها في حديثه عن تجربته مع حرف أديب كمال الدين قائلا: "الخلفیّة العقائدیّة التي جرّتني نحو ترجمة شعره هي بدایة النّکهة الصوفیة والوجدانیة التي موجودة في النصوص الصّوفیّة الفارسیّة و کما تعرفین أن النزعة الصوفیة الفارسیة هي نزعة ثوریّة ضدّ السّلطات." (8)
في هذا المقام يتّضح وجه الاحتياج إلى قرب المترجِم لا من خصوصيّة النّصّ المترجَم فحسب بل من روح الشّاعر وثقافته إيضا، لذلك لم نكن يوما ميّالين إلى القول بنظريّات "قتل المؤلّف" أو "موته" بتعلّلة الحفاظ على ما يُسمّيه أساتذتنا بـ"الموضوعيّة والحياد". إذ تتولّد أبرز مشكلات ترجمة القصيدة الحروفيّة –حسب اعتقادنا- من عدم معرفة المترجِم بخصوصيّة النّص وعدم إحاطته بالمنظومة الرّمزيّة المحرّكة لكلّ شاعر. وهذا ما صادفنا في حروفيّات أخرى لشعراء حوال مترجموهم ترحيل حروف الأبجديّة بتعسّف إلى لغات أجنبيّة من قبيل الفرنسيّة والانجليزيّة وغيرهما. فلا شكّ أنّه إذا ما وقع خلل في تبليغ الحرف بأمانة كاملة سقطت كلّ الصورة الشّعرية شكلا ومضمونا "لأنّ هناک الکثیر من المفردات و الألفاظ والعقائد لا بدیل لها في اللّغة المترجم إلیها. وأحیانا ً إمکانیّات اللّغة لا تسمح للمترجم أن یبدع تراکیب و مفردات جدیدة." (9)
على هذا الأساس فإنّ استعصاء الحرف على التّرجمة لا يعود في مطلق الأحوال إلى المُتَرجِم وكفاءته بل إلى أسباب لها صلة بالنّص وبناه الدّلاليّة العميقة، وهذا ما أكّده "باختين" بقوله: "إنّ نظاما معيّنا للدّلالات (أي لغة)، مهما تكن صغيرة الجماعة التي ابتكرته، فإنّه يمكن من حيث المبدأ، فكّ رموزه، وبعبارة أخرى، يمكن ترجمته إلى نظام دلالات آخر (أي لغة أخرى)... بيد أنّ النّصّ (على خلاف اللّغة، باعتبارها نظام وسائل) لا يمكن أبدا ترجمته بشكل دقيق، لأنّه لا وجود لنصّ النّصوص الممكن الوحيد." (10)
ربّما لتلك الأسباب تتعذّر أحيانا ترجمة النّصّ الشّعريّ الصّوفيّ، وهذا ما أقرّه أحد أكثر شعرائنا العرب تمرّسا بالحرف وبالتّرجمة معا، إذ كنّا سألنا أديب كمال الدين في معرض تناولنا لتجربته الحروفيّة: "يتجلّى احتفاؤك بترجمة شعرك في العنوان الإنكليزي ( Before the letter … After the Dot ) الذي يطالعنا به غلاف مجموعتك الشعريّة الأخيرة " ما قبل الحرف ... ما بعد النقطة."
إنّ النصّ النّثري هو "مضمون" و"محتوى" لذلك تتيسّر ترجمته، أمّا النصّ الشعري فإنّه " شكل لمحتوى" أو "شكل لمعنى" (forme du sens )، ومترجم الشّعر إذ ينقل "المعنى" فإنّه غير قادر على نقل "شكل المعنى" لأنّ هذا الشّكل امتداد لوجدان الشّاعر، ولذاكرة ثقافيّة وبنية فكريّة تمخّض عنهما الشعر في لغته الأمّ . في خضمّ هذه المعادلة كيف يتسنّى ترجمة قصائدك الحروفيّة - والتي تشرّبت الوجداني والقرآني والصوفي والفلكي- دون أن تفرغها من شحنتها الرّمزية المتشابكة مع نسيج اللغة العربيّة والثقافة الإسلاميّة؟ في هذه الحال، ألا تسلب الترجمةُ حرفَك روحَه، ومن ثمّ تحدّ من "شعريّة" قصيدتك؟" (11)
فأجاب الشّاعر: "أؤكد - بشكل عام - في ترجمتي لشعري أو لشعر سواي على الأعمال التي تعتمد في حضورها الإبداعيّ على "الثيمة" أكثر من اعتمادها على مفارقات اللغة والتلاعب بالألفاظ... وعند الحديث عن ترجمة شعري فإنّ قصائدي الحروفيّة لا تُترجم على الإطلاق! وقد ترجمتُ بعضها إلى الانكليزية ونشرته في مجلة أسترالية مرموقة فاستصعب القراء الأستراليون القصائد لكنهم تفاعلوا بشكل عميق مع القصائد غير الحروفيّة. وكان ذلك درساً عمليّاً لي في استحالة ترجمة القصائد الحروفيّة لشدة التصاقها بلغتها الأمّ: العربيّة. وهكذا صرتُ أؤكّد على ترجمة قصائدي ذوات "الثّيمة"، فهي بخلاصتها الإنسانية والرّوحية قد تستطيع أن تقفز فوق حاجز اللّغة الصّعب." (12)
لعلّ أنسب المقاربات لسياقنا ما ذهب إليه الجاحظ لمّا اعتبر أنّ الشّعر لا يُترجَم، وإذا تُرجم "ذهب سحْرُه، وتقطّع نظْمُه، وبَطُل وزْنُه، وذهَب حسْنُه." (13) وليس ذلك سوى لأنّ الشّعر أعمق بيوت اللّغات وأقصى زوايا النّفوس، "وليس ينبغي أن نسُوم اللّغات ما ليس في طاقتها ونسوم النّفوس ما ليس في جبلّتها." (14)
بيد أنّ اطّلاعنا على نماذج من قصائد أديب التي ترجمها حمزة كوتي إلى الفارسيّة جعلنا ندرك أنّها اللّغة الأقرب إلى روح النصّ الحروفي والأقدر على احتضان الحرف العربيّ. وقد سبق للدّكتور محمّد غنيمي هلال أن أشار إلى تفاعل اللّغتين أدبيّا في معرض حديثه عن الأدب العربيّ وعلاقته بالأدب الفارسيّ قديما والإيرانيّ حديثا ضمن باب خصّصه للعروض والقافية، ذكر فيه: "وهما اللّذان يخصّان النّواحي الجزئيّة في الشّعر والنّثر. وهذه النّواحي الفنّيّة من أخصّ خصائص اللّغات التي تتميّز بعضها عن بعض. ولهذا يقلّ انتقالها من لغة إلى لغة، لأنّها أمور تتّصل بالعرف اللّغويّ والذّوق الاجتماعيّ لكلّ أمّة. وعلى الرّغم من ذلك قد تنتقل هذه النّواحي الفنّيّة الخاصّة من لغة إلى لغة بتجاوب الميول والأذواق والعوامل الاجتماعيّة والفنّيّة والآداب." (15)
إنّ ما نظّر له النّاقد هو تحديدا ما نتوقّف عنده في ترجمة حمزة كوتي لبعض قصائد أديب كمال الدين، محاولين رصد العبارات الفارسيّة الأكثر ملازمة للقصيدة الحروفيّة حتّى نستقصي تبعات ترحيل الحرف من العربيّة، مبرزين ما استقرّ منها على لفظه ومعناه، متّخذين القصائد التالية نماذج :
قصيدة "ملك الحروف" (16 ) " پادشاه حروف" :
"النّفطة فضّة " نقطه نقره است
والحرف ليرة ذهب وحرف تکه ای طلا
فما أسعدني أنا ملك الحروف خوشا به سعادت من که پادشاه حروف ام.
(2) (2)
النّقطة بسمة نقطه لبخند است
والحرف ضحكة وحرف خنده
فما أسعدني أنا ملك القهقهة خوشا به سعادت من که پادشاه قهقهه ام.
(3) (3)
النّقطة بخور نقطه بخور است
والحرف رقصة السَّحَرة وحرف رقص ساحران
فما أسعدني أنا ملك الجنّ.. خوشا به سعادت من که پادشاه جنیان ام..
(39) (39)
النّقطة وحي نقطه وحی است
والحرف تنزيل وحرف تنزیل
فما أسعدني أنا خوشا به سعادت من
من يحمل إشارة العارف که اشارت حروف درمیان
بين عينيه چشم هاش دارد
ويلبس عمامة الشّهيد." ودستار شهید بر سر می گذارد."
أهمّ ما يلفتنا في التّرجمة الفارسيّة أن الرّموز الحرفيّة لا ترتحل إلى لغتها الأخرى إلاّ وقد حملت معها حقلا دلاليّا كاملا موصولا بسيمياء الحرف بأبعادها السّحريّة الطلسميّة، فضلا عن كون ترجمة حمزة كوتي قد حفظت للقصيدة إيقاعها الغنائيّ فحقّقت قدرا أقصى من التّناغم بين "شكل المضمون" و"مضمون الشّكل" المعتبر عائقا حقيقيّا في ترجمة الحرف الشّعريّ، وهذا ما يؤكّده المترجم جوابا عن استفسارنا حول سبل تحقيق تلك المعادلة، قال: "أنا أشتغل دائما ً علی صیاغة الشکل . الشکل یمثّل فکرة النصّ . أو فلنقل إنّ النصّ هو الشّکل . وشعر أدیب کمال الدین هو هذا الشکل الحرفيّ ـــ النّقطوي." (17)
وقد انعكست هذه الرّؤية على روح النصّ المترجَم، إذ تتراءى سلاسة مرور الحرف العربي منذ إلقائنا نظرة على العناوين باعتبارها عتبات النّصّ، ومثال على ذلك: قصيدة "جيم سن دال ": (18) "جیم سین دال"
قصيدة "توضيح حروفيّ": (19) "توضیحی حروفی":
"هل النّون معنى أو لا معنى ؟" " نون آیا معناست یا نامعنا ؟ "
على الرّغم من ذلك نحاذر من الإطلاق والتّعميم لأنّ بعض الحروف لا وجود لها في الفارسيّة، وأبرزها الحاء والعين، "وكذلك الصّاد والضّاد والذّال المعجمة ليست في الفارسيّة، والفاء ليست في التّركيّة." (20) لذلك يؤكّد حمزة كوتي على أنّ التّناغم بين العربيّة والفارسيّة في الحرف الشّعريّ المترجِم والمترجَم إنّما يكتسب جماليّته من وجود الاختلاف، فهو لا يؤمن بمبدأ وحدة الأديان والثّقافات واللّغات. إنّما الحوار بين الحضارتين حوار تلوّن فتكامل.
هنا تتجلّى أهميّة الخلفيّة الفكريّة للمترجم ومدى إحاطته بالخصوصيّات الثّقافيّة والأدبيّة لكلّ لغة مع مراعاة الفروق بين الذّاتي والموضوعيّ، أمّا المشاعر الإنسانيّة ولغة المواجد التي يتحرّك فيها الحرف فإنّها –حسب رأيه- لا تقبل التّرجمة في مطلق الأحوال، إذ يضيف: "الأحاسیس الإنسانیّة لا حاجة لها بالتّرجمة : الحزن و الوجع و الحرمان والدّمعة والابتسامة والرؤیا لا تحتاج إلی مترجم . نحن نترجم لأن هناک اختلافا ً بین ثقافتین / حضارتین .
أنا أحاول أن أقدّم ثقافة إلی ثقافة أخری وأحاول أن تکون لترجمتي نکهة ترجمة وهذا ما ینتقدني علیه أصدقائي الکتّاب في إیران." (21)

 خاتمة :
إذا كانت للتّرجمة نكهتها شأنها شأن الشّعر والحرف، فإنّ ما يمكن أن نخلص إليه من هذه المقاربة الموجزة لمسألة شائكة هو أنّه إذا كان لا بدّ للنصّ الحروفيّ من ترجمة فإنّ الحرف الواقع بؤرةً دلاليّة وبنيويّة، لا يذهب وإنّما يُؤتَى إليه.
ولا يتطلّب الأمر مجازفة طالما أنّ شعراء العصر قد سبق لهم وأقدموا على إقحام الحروف اللاّتينيّة طرفا في النصّ الشّعريّ العربيّ، ولا أدلّ على ذلك من قصيدة نزار قبّاني التي سمّاها "(A la Garçonne)" (22) بعبارتها الفرنسيّة قلبا وقالبا، بالإضافة إلى ما أقدم عليه أدونيس في قصيدة "قبر من أجل نيويورك"، ونصّه:
"نيويورك = SUBWAY + I. B. M آتيًا مِنَ الوَحْل و الجَريمة.
ذاهبا إلى الوَحْلِ والجريمة.
نيُويورك = ثُقْبا في الغِلاف الأرْضيّ ينْبجسُ مِنهُ الجُنون
أنْهـارًا أنْهـارًا." (23)
لعلّ في الإخلال بجماليّة النصّ ما يعكس واقع الاغتراب والتمرّغ في مستنقع حضارة الآخر، وهنا تكمن الخلفيّة الحضاريّة لحضور الحرف اللاّتيني رمزا إلى الحضارة الغربيّة بوجهها الأمريكيّ الملتبس- في تصوّر أدونيس- بالانهيار القيميّ وبالعدوانيّة.
بناء على ما تقدّم، يمكن القول إنّ الحفاظ على حروف الأبجديّة وإيجاد موضع لها ضمن النّص المترجَم إلى أيّة لغة أخرى من شأنه أن يردّ الاعتبار إلى اللّغة العربيّة بعمقها الثّقافيّ بما هي وجه لهويّة حضاريّة غير معزولة عن منظومة القيم الثّقافيّة المؤسّسة للشّعر العربيّ المعاصر.
في هذا المقام يتّضح مدى قرب اللّغة الفارسيّة إلى روح الشّعر الحروفيّ ذي النّفحات الصّوفيّة، دون أن نغيّب فضل لغات أخرى تعتمد الخطّ العربي وحروفه من قبيل اللّغتين الكرديّة والتّركمانيّة على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما يؤكّد قدرة الأبجديّة العربيّة على احتضان الآخر المختلف مهما كانت ثقافته وأيّا كانت أطيافه اللغويّة والعرقيّة والعقائديّة.
بقي أن نؤكّد على أنّ المبدع الحروفيّ يهون عليه ألاّ يفهمه الأجنبيّ والأعجميّ، أمّا ما يحزّ في نفسه حقّا وفعلا، فهو أن يعدم سبل التواصل الفكريّ والوجدانيّ مع أهل لغته وبني قومه، إذ الغريب ،حسب عبارة التّوحيدي، هو "من كان في غربته غريبا."
عبارات تضع القصيدة الحروفيّة حيال تحدّ آخر ألا وهو "أزمة التّلقّي": مقال تناولناه في رسالة الدّكتوراه وربّما طرحناه في مقام لاحق إذا ما قُدّرت للحديث بقيّة...
المصادر والمراجع

************************************

1- ابن خلدون ، المقدمة ، دار الجيل ، بيروت .د. ت، الفصل السادس والثلاثون: في علوم اللسان العربي، ص 603
2 - إخوان الصّفاء وخلاّن الوفاء ، رسائل ، تحقيق عارف تامر، منشورات عويدات، بيروت – باريس 1995، ج 3 ص 114.
3 - أحمد بن عَلِيّ القلقشندي ، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، تحقيق محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلميّة، ط1 بيروت 1987، ج 3 ص20.
4 - سورة القلم ، آية 1 ، ترجمة محمّد كاظم معزّي.
5 - ابن منظور ، لسان العرب ، تحقيق يوسف خيّاط ، ط دار لسان العرب، بيروت، د.ت ، ( نون).
6 - ابن عربي، رسائل ، تقديم محمود الغراب، ضبط محمد شهاب الدين العربي، دار صادر ، ط1 بيروت 1997، كتاب اصطلاح الصّوفيّة، ص 538
7 - أديب كمال الدين ، نون ، مطبعة الجاحظ ، ط1 بغداد 1993، ص 53 / ترجمة حمزة كوتي
8 – حمزة كوتي ، مقتطف من حوار أجرته معه الكاتبة
9 - المصدر السّابق.
10 - ميخائيل باختين ، مسألة النصّ ،(ترجمة محمد علي مقلد) ، الفكر العربي المعاصر ، عـ36ــدد خريف 1985 ص42
11 مقتطف من حوار أجرته معه الكاتبة.
12 - مقتطف من حوار أجرته معه الكاتبة.
13 الجاحظ ، كتاب الحيوان ،تحقيق عبد السّلام محمّد هارون ، دار الكتاب العربيّ ، ط3 بيروت 1969ج6 ص 7
14 - المصدر نفسه ، ج 1 ص 74
15- د. محمّد غنيمي هلال ،الأدب المقارن ، دار العودة- دار الثّقافة ، ط 3 بيروت 1962 ، ص 265.
16 - أديب كمال الدين ، حاء ، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر ، ط1 عمّان 2002، ص 16 و 27 / ترجمة حمزة كوتي .
17 - حمزة كوتي ، حوار أجرته معه الكاتبة
18 - أديب كمال الدين ، حاء ، ص 82.
19 - أديب كمال الدين ، شجرة الحروف ، دار أزمنة، ط 1عَمّان 2007 ، ص 106 / ترجمة حمزة كوتي
20 - القلقشندي ، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، تحقيق محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلميّة، ط1 بيروت 1987، ج 3 ص21.
21 - حمزة كوتي ، حوار أجرته معه الكاتبة.
22 نزار قبّاني ، المجموعة الشّعريّة الكاملة ، أنتِ لي ، ج2 ص 255
23 - أدونيس ، المجموعة الشّعريّة الكاملة ، دار العودة ، ط 5 بيروت 1988، هذا هو اسمي ، مجلّد 2 ص299 .


د. حياة الخياري - تونس



#أديب_كمال_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار القرآن والشّعر في -نون- أديب كمال الدين - القسم الأخير ...
- حوار القرآن والشّعر في -نون- أديب كمال الدين - القسم الرابع
- حوار القرآن والشّعر في -نون- أديب كمال الدين - القسم الثالث
- حوار القرآن والشّعر في -نون- أديب كمال الدّين - القسم الثاني
- حوار القرآن والشّعر في -نون- أديب كمال الدّين- القسم الأول
- موقف البياض
- موقف دُعاء كُمَيْل
- موقف قَسوة القلب
- موقف الأنا
- موقف الجسد
- ملكة؟ عارفة؟ ساحرة؟
- موقف السجن
- موقف الشوق
- قراءة في مجموعة أديب كمال الدين (أقول الحرف وأعني أصابعي): ش ...
- موقف الحجاب
- موقف المطر
- موقف الدائرة
- كتاب جديد للدكتور الناقد صالح الرزوق عن تجربة أديب كمال الدي ...
- موقف عيسى
- موقف العِزّة


المزيد.....




- أفلام أجنبي طول اليوم .. ثبت جميع ترددات قنوات الأفلام وقضيه ...
- وعود الساسة كوميديا سوداء.. احذر سرقة أسنانك في -جورجيا البا ...
- عيون عربية تشاهد -الحسناء النائمة- في عرض مباشر من مسرح -الب ...
- موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر ...
- بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan ...
- الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
- فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
- -رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
- فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
- فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال ...


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أديب كمال الدين - حوار التّرجمة والشِّعر والحَرْف، بين العربيّة والفارسيّة: تجربة حمزة كوتي وأديب كمال الدين نموذجا - بقلم: د. حياة الخياري