|
الأزمة الاقتصادية كحادث نتج عن العجالة والسرعة المفرطة مقابلة مع هارتموت روزا.
أحمد القاسمي
(Ahmed Alqassimi)
الحوار المتمدن-العدد: 3505 - 2011 / 10 / 3 - 16:50
المحور:
مقابلات و حوارات
الأزمة الاقتصادية كحادث نتج عن العجالة والسرعة المفرطة ـ مقابلة مع هارتموت روزا. ترجمة عن الألمانية: أحمد القاسمي أصبح إيقاع الحياة السريع مشكلة متفاقمة بالنسبة للإنسان وللمجتمع. بل أن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العالم اليوم هي، حسب هارتموت روزا، نتيجة للعجالة التي تتميز بها المجتمعات الحديثة. س. سيد روزا، في الوقت الذي يعد فيه الكثير من المختصين البطء عائقا أمام المزيد من تطور المجتمعات، تُدافع أنت عن العكس بالقول أن العجالة هي سبب المشاكل. هل ينبغي لنا أن نصدقهم أم نصدقك؟ روزا. صدقوني طبعا. لقد رأينا ما قادتنا إليه آراء الآخرين. ولكن أولاً ينبغي طرح السؤال عن مدى جدوى العجالة. تمتاز المجتمعات الحديثة بقدرتها على الحفاظ على ديمومتها واستقرارها بطريقة دينامية فقط. وهذا يعني أنها يجب أن تواصل النمو والسرعة في الإنجاز. من أهم وعود عصر التنوير والحداثة المبكرة هو الطبيعة الخيرة للنمو والسرعة المفرطة، وأنهما سيجعلان الحياة أفضل وأكثر حرية وانقياداً. نحن في وضع نرى فيه الآن أن النمو والسرعة أصبحا مشكلة بنائية يتميز بها عصرنا وينبغي الاستمرار بهما إذا ما أردنا الحفاظ على الوضع الراهن لأن الآمال بالمزيد من التطور أصبحت أقل إغراءً. إننا لا نستمر في ملاحقة النمو السريع كي تصبح الأمور أفضل مما هي عليه، بل كي لا تزداد سوءاً. والمشكلة الرئيسية هنا هي أن أنظمة الاقتصاد الرأسمالية تخضع لمنطق السرعة الدوّارة المتصاعدة لرأس المال. إذ بالإمكان البيع والشراء في غضون أجزاء من الثانية ولكن لا يمكن الإنتاج ولا الاستهلاك بهذه السرعة بالطبع. وهذا أدى إلى أكبر مآزق التكيف بين أسواق المال والاقتصاد الواقعي واكتملت صيرورته أولا بظهور أزمة مالية ثم تبعتها أزمة اقتصادية. أصبح الوقت أندر الموارد بعد النفط، مع ما يتبع ذلك من الأعراض المرضية الجانبية الممكنة. يعاني الناس من ضغط الوقت كما لم يحدث من قبل. والسؤال هو عن مكمن ذلك؟ أعتقد أن ذلك يقع بسبب الترابط بين النمو والسرعة. والرسالة الإلكترونية هي مثال جيد على ذلك: فلأجل كتابة عشر رسائل إلكترونية احتاج إلى نصف الوقت فقط لكتابتها فيما لو قمت بذلك عن طريق كتابة رسائل بريد عادية. ولكني أصبحت لا أقرأ عشر رسائل إلكترونية يوميا فقط بل ربما خمسين أو أكثر. في الوقت الذي تصاعدت فيه السرعة بطريقة عددية، تضاعفت سرعة الدوران بطريقة أُسيّة. والوقت المُكتسب الذي توفره لنا التكنولوجيا الحديثة يسرقه منا زيادة أعبائها وصيرورات نموها . بالتأكيد يمكن الوصول بالسيارة أسرع من المشي ولكننا في ذات الوقت نسافر إلى أماكن هي أبعد بكثير مما يمكن أن تتيحه لنا الزيادة في سرعة الانتقال. وبالطبع تستطيع الغسّالة أن تنجز غسيل الملابس أسرع من غسلها باليد المجردة، إلا أننا نغسل ملابسنا الآن ربما يوميا وليس أسبوعيا، كما كانت الحال في الماضي. س. قمت بتشخيص الخطر الأكبر للمجتمع العجول في عدم التوافق الزمني بين السياسة والاقتصاد. هل هناك علاقة رابطة بين ما يحدث حاليا من أزمة اقتصادية ومالية؟ روزا. نعم، بكل تأكيد. إن مرد ذلك هو أن السياسة الاقتصادية والمالية لليبراليين الجدد تهدف إلى القضاء على تحديد المسار وفق الحجة القائلة: دعوا الاقتصاد يأخذ مجراه الطبيعي ودوراته وسيتطور بهذه الطريقة بأسرع ما يمكن. أما تحديد المسار السياسي فهو مرتبط بالزمن بقوة، وخاصة إذا كان ذلك في مجتمعات يُفترض أنها ديمقراطية. أعتقد أن القرار السياسي سيساهم في المزيد من البطء، لأن الاتفاق على السرعة يستلزم توافق أطراف فاعلة عديدة. ولكن الموضوع لا يقتصر فقط على العجالة التي يتسم بها الاقتصاد مقابل السلطة السياسية الكابحة. إذ أن لدينا مشكلة عدم توافق زمني من نوع آخر هو في العلاقة بين أسواق المال وبين السوق الاقتصادي الواقعي. من الممكن تحقيق أرباح حتى دون إنتاج شيء وذلك عن طريق التعامل بمنتجات مالية لم يتم إنتاجها بعد أثناء عمليات المتاجرة بها. س. ماهو دور المستهلك في نشوء هذه الأزمة؟ روزا. مؤدى نظريتي باختصار هو تمكن النظام الاقتصادي الحالي من إجراء فصل بين عمليات الشراء واستهلاكها، بعبارة أخرى: يشتري البشر أشياء أكثر ولكنهم لا يستهلكون أكثر مطلقا. نشتري مثلاً ملابس جديدة ولكننا لن نرتديها وكتباً لن نقرأها وأقراص صوتية مضغوطة لن نستمع إليها. والمشكلة في هذه النظام الاقتصادي تتمثل في التوقف عن شراء البضائع والاستعاضة عنها في شراء أسهم مالية وهنا يحصل فك ارتباط بين الأسواق المالية وبين الاقتصاد الواقعي. ويجهد الكثيرون أنفسهم حاليا في الحيلولة دون تصدع التوافق الهش القائم بين الاثنين ولكن لا توجد لديهم وسيلة ناجعة لمنع الانهيار. علم الاقتصاد يتحمل ذنباً جسيما في هذه الكارثة. ومن المفارقة الآن أن محاولات حل الأزمة يقوم بها مَن ساهم في صنعها، أي خبراء الاقتصاد. وهذه مثل محاولة تحويل ثورهائج إلى حدائقي هادئ. الخطر الأكبر هو مضي الأمور على نفس النسق قبل الأزمة. أما مسألة قوة السياسة لإعادة الإمساك بزمام الأمور واكتساب المزيد من السلطة في تحديد سرعة الاقتصاد ودوران رؤوس الأموال فهي موضع شك كبير. س. هل يمكن القول إن سبب الأزمة هو في التحول عن النموذج الرأسمالي الرايني (الرأسمالية الرحيمة الموجودة في بلدان مثل ألمانيا والدول الإسكندنافية ـ المترجم) في الاقتصاد لصالح النموذج الرأسمالي الأنكلوسكسوني؟ روزا. يعمل النموذجان كلاهما وفق مبدأ الاستقرار الديناميكي. ولكن الرأسمالية الأنكلوسكسونية تتمتع بسرعة إنتاج أعلى من الرأسمالية الراينية. المشكلة الأكبر هي وجود رأسمالية منفلتة من عقالها والطبعة الأنكلوسكسونية منها تتمتع بحرية أكبرفي تحقيق ذاتها. س. توقع ماركس نسف علاقات الإنتاج القائمة بواسطة قوى الإنتاج في المجتمعات الرأسمالية. هل أنت ماركسي مُقَنَّع في النهاية؟ روزا. لا أميل إلى ذلك التوصيف حقا. ولكني أجد تحليل الماركسية للرأسمالية مُقْنِع في أجزاء كثيرة منه. وأعتقد أن التحليل الماركسي هو أكثر دقة مما كنا نعتقد. ومع ذلك أجده مصابا بعقدة التركيز على الاقتصاد. إن تركيزها المبالغ فيه على الاقتصاد كعامل يتجاوز دور العوامل الأخرى الدافعة للمجتمعات الحديثة هو أحادي النظرة. بالنسبة لي إن وجود منطق السرعة في بنية المجتمعات الحديثة له جذور أبعد بكثير من مجرد دور العامل الاقتصادي ودور القيم الثقافية السائدة. إن الوعد الذي قطعته الحداثة بخلق الحرية يمكن العثور فيه على لحظات دينامية لها صلة بمسألة السرعة. المشكلة إذاً لا تقتصر على العلاقات الاقتصادية وإنما في كامل تجسدات المجتمعات الحديثة.
هارتموت روزا. من مواليد ألمانيا 1965. بروفسور السياسة وعلم الاجتماع في جامعة فريدريش شيلر الألمانية وبروفسور زائر في مدرسة نيويورك للبحوث الاجتماعية. أشهر كتبه هو " العَجالَة. تَغَيُّر بُنى الزمن في الحداثة. أجرى المقابلة الصحفي رولاند رتش.
#أحمد_القاسمي (هاشتاغ)
Ahmed_Alqassimi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق: من الغزو المغولي إلى العراق الحديث المستقل
-
نصّان قصيران ل فرانتس كافكا
-
-لُغة القلب-
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|