|
ارباب -الاموال الوظيفية- يطبعون العملة ويراكمون الديون والمواطنون يختنقون
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 3502 - 2011 / 9 / 30 - 15:18
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
إعداد: جورج حداد* ان الدول الـ15 الاكثر مديونية في العالم هي كلها من الدول المتقدمة. ولأخذ فكرة عن مدى جدية ازمة الديون العالمية، يكفي ان نذكر ان مديونية الولايات المتحدة الاميركية قد ارتفعت في اقل من العشر السنوات الاخيرة من 6 الى 15 تريليون دولار(التريليون يساوي الف مليار، او مليون مليون = 1.000.000.000.000). وبلغ العجز الاميركي في منتصف هذه السنة 1،6 تريليون دولار، وهو يزيد عن العجز المسجل سنة 2009 (1،4 تريليون) والعجز المسجل سنة 2010 (1،3 تريليون). واذا استمرت هذه المعدلات كما هي حتى الان، فإن نسبة الدين العام الاميركي الى الناتج القومي القائم ستصل الى مستوى النسبة ذاتها كما في اليونان الان، في اقل من اربع سنوات. وتطرح الان على جدول الاعمال في اميركا مسألة ايجاد فرص عمل جديدة في اقرب وقت ممكن. والجميع في الولايات المتحدة ينتظرون بفارغ الصبر ان يتم العثور على سلاح جديد لمكافحة الازمة، دون الاهتمام كثيرا هل سيكون هذا السلاح جديدا او سلاحا قديما منسيا. ان ظاهرة الدين العام الهائل والوقوع في العجز عن الدفع هي ظاهرة متكررة معروفة في تاريخ الاقتصاد الرأسمالي. وللمثال فإن علماء الاقتصاد قد رصدوا ان فرنسا قد وقعت في الافلاس في المائتي سنة المنصرمة بمعدل وسطي كل 26 سنة. ويدل التاريخ انه لدى وقوع مشاكل للنظام الاقتصادي غير قابلة للحل، فإن تأثيرات هذه المشاكل تتجمع على المستوى الوطني لتتخذ الشكل الاخطر للنظام، اي شكل الدين العام. والان فإن مشكلة المديونية قد تحولت الى مشكلة فوق ـ وطنية، بحيث ان عجز احدى الدول ينعكس مباشرة على الدول المجاورة، اما بسبب عدم حل المشاكل ذاتها في البلدان المعنية، واما بسبب الارتباط الكثيف، اقتصاديا وماليا، فيما بين مجموعة البلدان المعنية. وتنشأ حدة مسألة المديونية من حجم الدين، ومن العجز الراهن والمتوقع في ميزانية الدول، ومن معدل النمو الراهن والمتوقع. فاذا كان معدل النمو لا يغطي العجز (والفوائد المرتبطة به)، يتحتم الوقوع في دوامة الاستدانة. وهنا يتم الوقوع في الفخ التالي: الحقيبة الفارغة من وسائل المعالجة. وها قد مرت ثلاث سنوات على الازمة الاخيرة، ونسبة الفوائد السنوية للبنوك المركزية لا تزال تدور حول الصفر. وخلال هذه المدة عمد نظام الريزرف الفيديرالي (الذي يقوم بمقام البنك المركزي الاميركي) الى طباعة اصدارين لكميات جديدة من الدولارات، ولكن امواج هذه الاموال الطازجة لم تؤتِ النتائج المرجوة منها. والسبب هو ان المستهلك، الذي يعاني من دوامة الدين ذاتها، على المستوى الشخصي، فهو ايضا يسعى لان يحد من العجز في الميزانية العائلية ولا يجد مدخولا جديدا في الافق المنظور. وبوسائل العلاج المستخدمة حتى الان، فإن النمو الاقتصادي المتوقع، الذي يضع تحت السيطرة عجز الميزانية المتنامي (جنبا الى جنب مدفوعات الفوائد)، لن يتحقق في وقت قريب. ففي قاع حقيبة وسائل العلاج توجد وسيلة علاج تسمى "الاموال الوظيفية". وهي نظرية اقتصادية، ولدت في ظروف الازمة الخانقة في الثلاثينات من القرن الماضي. وتؤكد هذه النظرية انه اذا كان بالامكان طباعة العملة، فهذا يعني انه لن يتم الافلاس ابدا. واكثر من ذلك، فإن هذه النظرية تعطي ارباب "الاموال الوظيفية" حرية التصرف: فأولا، ينبغي تحديد غاية وحجم الانفاق، وبعد ذلك يتم طبع الكمية المطلوبة من العملة؛ وحينما تدخل كمية العملة الجديدة في الدورة المالية، يجري العمل لاسترجاع قسم منها بواسطة الضرائب ورمي القسم المسترجع في الموقدة. فأرباب "الاموال الوظيفية" لا يحتاجون واقعيا الى اموال الضرائب، وهم ليسوا مرتبطين بها، طالما انهم يستطيعون ان يطبعوا من العملة بقدر ما يشاؤون وفي اي وقت يشاؤون. وبحسب هذه النظرية، التي يدعو اليها عدد من نواب الكونغرس الاميركي، فإن دور الضرائب لا يعدو كونه وسيلة لاضفاء الشرعية على الاموال المطبوعة، عبر الزام الناس باستمرار لان يحتاجون لهذه الاموال، ويعملون للحصول عليها، من اجل دفع الضرائب المفروضة. وبحسب هذه النظرية ذاتها، فإنه اذا باع احد الاجانب سلعة ما في السوق الاميركي، فيتم الدفع له من الحساب المالي للشاري الاميركي. واذا اراد احد البائعين الاجانب ان يتخلص من العملة الاميركية، فعليه ان يجد راغبا اجنبيا اخر بامتلاكها، او ان يشتري شيئا من السوق الاميركي، او ان يشتري شيئا من سوق آخر بالعملة الاميركية. وفي كل هذه الحالات ليس على الرأسماليين الاميركيين الا ان ينقلوا العملة من حساب الى حساب اخر، ولا شيء سوى ذلك. كم هو حجم الاموال في هذه الحسابات وكم هو حجم الفوائد المترتبة عليها، فليس لذلك اي اهمية، لان الاثنين يمثلان تسجيلات متتالية للحسابات في السوق الاميركي. ربما يقول البعض ان ذلك يقلب الاشياء رأسا على عقب. ولكن حينما تسير الامور باتجاه خلع السراويل، فإن الوقوف رأسا على عقب هو افضل وضعية يمكن ان يطبقها مالكو مطابع العملة. وفي الحقيقة، وبوجود فخ المديونية الحالي، فإن الامور هي جدية جدا. وفي ظروف العجز التجاري المزمن، فاذا بدأ الاستهلاك الجامد يتقدم، فإن الحسابات الاجنبية سوف تتضخم. فالاستهلاك المرتفع من شأنه ان يرفع نسبة الفائدة، وبالتالي سيرتفع بالنسبة ذاتها حجم تسجيلات الحسابات الاجنبية. واذا تضخمت الحسابات بنتيجة نمو حقيقي، فإن الامور تكون تحت السيطرة، ولكن اذا نمت تلك الحسابات بدون تقدم الاقتصاد، فهذا يؤول الى تخفيض قيمة العملة. وقد بدأت حاليا تسمع اصوات تطالب بتنويع التوظيفات الخارجية، من خلال بيع الاصول غير المالية كالاراضي الصالحة للزراعة، ومشاريع البنى التحتية، والثروات الباطنية وغيرها. ولكن هذا لا يمكن ان يحدث بين ليلة وضحاها، في حين ان نسبة تخفيض قيمة الدولار تجري ببطء، وطبقا لذلك فإن سياسة الفوائد المتدنية يمكن ان تثبت. وحتى الان فإن اميركا تعد أنها بواسطة تدابير مختلفة يمكن ان تثبت حتى سنة 2013. وكما سبق وقال يوما ونستون تشرشل: "يمكن دائما الاعتماد على الاميركيين، بأن يتصرفوا بشكل صحيح، بعد ان تكون جميع الامكانيات قد استنفدت". والى اي مدى يمكن ان تتحمل اوروبا هذا الوضع، الذي خرجت فيه عن السيطرة عائدية الدين السيادي في العديد من البلدان؟ ان الخطر يكمن في ان الخسائر الاحتمالية للبنوك التي تأخذ على عاتقها الدين اليوناني يمكن بين ليلة وضحاها ان تتحول الى خسائر واقعية، وحينئذ سيبدأ فعل تساقط احجار الدومينو. ان اوروبا تعاني عجزا حادا منذ بداية التفاهم لاجل التوصل الى قرار اساسي وطويل الامد حول مستقبل اليورو. ومنذ ذلك الحين فإن الازمات النظامية يجري التغلب عليها على المستوى النظامي. ولكن القادة الاوروبيين، وعوضا عن ان يحموا البلدان المدينة والمهددة بالافلاس في منطقة اليورو، فإنهم يعملون على ايجاد حوافز خاطئة وآمال فارغة. والسؤال الجوهري هو: هل يوجد قادة سياسيون في اوروبا واميركا مستعدون للتضحية بمستقبلهم السياسي في عملية البحث عن قرارات عامة اساسية وتفاعل فعال وتنسيق على مختلف المستويات؟ حتى الان لا توجد اي مؤشرات على ذلك. وفي الشهرين الماضيين فإن رجال البنوك الاميركيين سحبوا من زملائهم الاوروبيين المستنزفين اكثر من 100 مليار دولار من الودائع. ان "شراء الوقت" يصبح اكثر كلفة، خصوصا حينما يتم بشكل فردي ومجتزأ. وفي هذا الوقت تجري في آسيا عمليات من شأنها تقصير الوقت ورفع سعر اتخاذ القرارات في اميركا واوروبا. ـــــــــــــــــــــــــــــــ * كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الامبريالية والصهيونية في إشكالية -الثورات؟!؟!- العربية
-
هل ستعترف صربيا باستقلال كوسوفو؟!
-
اميركا المفلسة تسرق العالم كله عن طريق طباعة الدولار الرخيص
-
الحرية للمفكر الاسلامي الثوري المصري مصطفى حامد المعتقل في ا
...
-
القفزة الجديدة لصناعة التسلح الروسية
-
اميركا تتخبط في مستنقع الازمة
-
تعمق الازمة الاقتصادية العالمية
-
اوباما يواصل نشر الدرع الصاروخية باسم الناتو وبلغاريا تنضم ل
...
-
الامبريالية والصهيونية تحضّران لحروب الابادة الجماعية الجيني
...
-
-الفوضى البناءة- الاميركية في البلقان: مرحلة التركيب الجديد
...
-
الامبريالية الاميركية و-الارهاب-
-
جرثومة رأسمالية (اميركية؟) جديدة تضرب موسما زراعيا آخر في او
...
-
الديماغوجية والمأزق الذاتي للبراغماتية الاميركية
-
شبح -الباشبوزوك العثماني- و-الفوضى البناءة- الاميركية يجول م
...
-
اميركا دولة استعمار ذاتي (ATOCOLONIALISM)
-
حركة التحرير العربية: سيرورة التحول وتحدي العالمية
-
الوجه البشع لاميركا
-
الازمة الاقتصادية العالمية والظلال القاتمة للحرب الباردة
-
اليوضاسية
-
-الدبلوماسية السرية- ...في العمل
المزيد.....
-
ماذا قالت أمريكا عن مقتل الجنرال الروسي المسؤول عن-الحماية ا
...
-
أول رد فعل لوزارة الدفاع الروسية على مقتل قائد قوات الحماية
...
-
مصدران يكشفان لـCNN عن زيارة لمدير CIA إلى قطر بشأن المفاوضا
...
-
مباشر: مجلس الأمن يدعو إلى عملية سياسية شاملة في سوريا بعد ف
...
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|