أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسن الهويدي - تدمر في الذاكرة3...حمامات الدم الساخن















المزيد.....

تدمر في الذاكرة3...حمامات الدم الساخن


حسن الهويدي

الحوار المتمدن-العدد: 1041 - 2004 / 12 / 8 - 08:32
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


خرج شهر نيسان كل شيء فينا يعاني ،الجرب أكل من أجسادنا وأصبحت كخلية نحل. سنابل القمح الخضراء يقترب موعد حملها ورائحة التراب تبشر بمواسم العطاء، والحرمل البري تهز أغصانه نسمات نيسان المودّعة،وصوت الخراف القادم ألينا يصحبه مزمار الراعي ينشد

أغاني الحزن والفراق، وطفلاً حافيي القدمين يركض وراء فراشات يحمل بيده منديلا أبيض، وحمار ينهق يحمل على ظهره قربة ماء وكيس خبز وعباءة صفراء، والكلب باسط ذراعية يسعى للنوم بعد سهر ليل طويل ونباح أتعب صوته، وشجرة الكينا البعيدة القريبة التي تهز الرياح قمتها تترنح ذات اليمين وذات الشمال يحوم حولها الغراب الأسود، أحسست بلذة وشهوة تسري في جميع أنحاء جسدي نعم أنها لذة الاستمناء الكامل التي تعرض لها عضوي الذكري من الحكة الشديدة الناتجة عن داء الجرب الذي يغطي معظم أنحائه

وبعد لحظات انتابني ألم شديد لا يطاق يصحبه شعور بالبرد والعرق الشديدين، هذا السجن المرض والقمل والجرب والتعذيب، هل يعقل أن نقضي حياتنا هكذا اذا كتبت لنا الحياة نظرت من حولي هناك من يغسل رسغه بالبول لكي يخفف عنه الألم وهناك من يضع قطعة قماش على أذنيه التي أصبحت كالعنقود المتدلي، وهناك من تسيل من فروة شعر رأسه القصير ماء صفراء اللون تحمل معها بيض القمل، أخرجونا إلى الباحة لتفقدنا كما هو المعتاد فإذا بأحد السجناء يطلب الأذن من حضرة الرقيب أن يتكلم فلم يسمح له بذالك إلا أن السجين أصر على ذلك:

فقال له أننا جميعاً مصابون بالجرب والقمل وأمراض جلدية متعددة ونحتاج إلى علاج وحمامات بالماء الساخن، فرد عليه حضرة الرقيب حاضر وماذا بعد هل هذا كل ما عندكم، فأدخلونا إلى داخل المهجع دون أن يلمسوا أحدا منا أو يضربوه وبعد نصف ساعة تقريباً فتح علينا باب المهجع دون أن نشعر أو نحس بقدومهم ألينا وطلبوا بأن نخرج جميعاً إلى الباحة عراة حفاة خرجنا وساد الباحة هدوء تام لم نسمع سوى وقع الخطوات المنتظمة ورائحة التبغ الفاخر، نادى بصوت عالي. المسئول الصحي:

إلي..

حاضر سيدي.

كم عدد المصابين با الجرب يا أبن ...

كامل المهجع سيدي.

كامل المهجع يا أبن القوادة .. بلدية ..بلدية.. هات الدولاب

و جاء الدولاب بسرعة

قال: علقوا هذا الكلب الأجرب، وعلقت آمالنا بالشفاء والعلاج

وبدأت أنشودة الموت تعزف ألحانها والعباءة الحمراء والناي وفتاة الوشاح الأبيض من حوله ترقص ترسم دوائرها والذي يجلس بجانبي إلى اليمين يرتل ما تيسر له لعله أن يُسمع منه ويخفف عن أخيه الذي مازالت قدماه معلقةً في الهواء والسياط تحرث بقايا اللحم السليم التي لم تطلها جرثومة الجرب والذي يجلس بجانبي إلى اليسار يعد عدد الجلدات التي عرفتها من خلال عده حوالي" أربعمائة جلدة "وأفق الخلاص من بين أيدهم في تلك اللحظة بات وشيكاً، صاح صاحب الصوت قف..توقف كل شيء وطلبوا منه أن يسير على قدميه إلى داخل المهجع ودخلنا جميعا وكل واحد منا أكل ما تيسر من الرفس والضرب إلى أن دخلنا بداخل المهجع وأغلقوا الباب ودائما عندما ندخل نشعر بجزء من الآمان النسبي لأن التدافع على الدخول إلى المهجع نتيجة الضرب الذي نتعرض له أثناء دخولنا يسبب سقوط البعض على الأرض وهؤلاء هم الذين يتعرضون للضرب المبرح وناهيك الكسور التي تنتج وخاصة كسور في عظام القفص الصدري بسبب التزاحم للدخول إلى المهجع والباب الذي ندخل منه لا يتجاوز عرضه عن( 60 سم) وارتفاعه عن (150سم) مما يضطرنا للدخول وظهورنا منحنية وعلاوة على ذلك عتبة الباب التي يزيد ارتفاعها عن (40سم) - كل شيء في هذا السجن أتقن عمله لأجل التعذيب، - طاف ناظري بدخل المهجع هناك من يحك رأسه الممتلىء بالقمل وذاك يحك مؤخرته ومن يحك بطنه والكل يعمل والكل مشغول بالحك وكأنها ألآت تعمل دون توقف وقودها الجرب، وقفت أتأمل وأنظر إلى الجميع بالأمس كان عددنا "96 " واليوم أصبح العدد "136 "المكان بدا مزدحماً جدا هل يعقل أن يضاعفوا العدد مرة أخرى لا ندري اوشكت الشمس على المغيب وبعد ساعة ونصف سوف نخلد إلى النوم والكل منشغل البال والجسد واذا بقيت هناك أجساد سوف يرهقها الليل القادم الينا والذي يحمل معه أسرارا لا نعلم بها شيئا سوى أننا معرضون لأي شيء سيء يخطر او لا يخطر ببالنا هكذا قضينا الليلة ونحن ننتظر ونفزع من كل حركة من حولنا إلى أن بان الشفق فبدأت أجسادنا بحركة بطيئة تأخذ الاستعداد لليوم جديد وفي الساعة العشرة صباحاً فتح باب المهجع وطلبوا منا الخروج إلى الباحة باللباس الداخلي وكل واحد منا يجلب معه صابونة ومنشفة ، خرجنا فارغ الأيدي لا صابون لدينا ولا هم يحزنون وكان عددنا "136" فرداً فقادونا إلى الباحة الثانية حيث وصلنا غالى المكان الذين طلبوا منا التوقف فيه وأمرونا بالجلوس على الأرض باتجاه الجدار المقابل ورؤوسنا منحنية نحو الأرض دون النظر اليهم ومن يحاول النظر بالتأكيد قد يخسرأحدى عينيه.

ظهورنا عارية وكذلك صدورنا وبدأت العصي والكابلات الفولاذية تمزق ظهورنا والدعس والعفس بالابواط العسكرية تقع على رقابنا وكأنها صواعق قسمونا إلى قسمين للدخول إلى الحمام صدرت ألينا الأوامر بالتوجه إلى الحمام رملاً والسياط والضرب بالعصي على أجسادنا الى أن وصلنا المدخل دخل القسم الأكبر منا إلى الداخل وبقي القسم الآخر بالخارج الا أن مساحة الحمام لا تستوعب العدد وأدخلونا بقوة الضرب من الخارج والداخل دخلنا ولم نشعر بوقع الماء البارد على أجسادنا ومن كثرة الازدحام استطعت أن أسرق النظر فاذا بعناصر الشرطة وبرفقتهم البلدية يحملون العصي والقضبان المعدنية معلقين على الجدران المحيطة بالمكان وبدأوا بإطلاق أصوات يرافقها الضرب على رؤوسنا ووجوهنا وهم يطلقون كلمات القهر والإذلال بنا ومنهم من يطلق كلمات السب والشتم، شعرت بأن المياه التي تنصب على أجسادنا هي مياه دافئة بعض الشيء لانها اختلطت بالدماء وهي تسيل على الأرض وبحكم موقعي عند المدخل شاهدت المياه تسيل إلى الخارج ممزوجة بالدماء بكثافة. سقط منا الكثير على الأرض نتيجة الضرب ومنا من كسر فكه ومنا من كسرت يداه وآخر كسرت ساقه، وقع الماء على أجسادنا ترافقها ضربات السياط ونزيف الدماء من أجسادنا يبشر بالموت وما أكثر المنذرين بالموت في هذا المكان

ما شهوة هؤلاء الا التعذيب . أنهم لأشد الناس حقداً ، وأخرجونا إلى الباحة وطلبوا منا الانبطاح في ساقية أسمنتية من الطرف الأخر للباحة تمر فيها مياه أسنه، وأدخلوا الدفعة التالية ونحن نسمع صراخهم ينطلق من داخل الحمام ونحن نتابع الزحف إلى المهجع على بطوننا العارية التي مزقتها الارض والمياه الآسنة والفئران الميتة ....

* سجين سابق



#حسن_الهويدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العيد في سجن تدمر
- الكرد والمغمورون في سوريا
- فوبيا المؤامرة


المزيد.....




- يوم أسود للإنسانية.. أول تعليق من الرئيس الإسرائيلي على أوام ...
- حماس: أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت تصحيح لمسار طويل من الظلم ...
- رفض إسرائيلي لقرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو ...
- منظمة الفاو تحذر من وصول المجاعة إلى أعلى درجة في قطاع غزة، ...
- مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت والضيف.. كل ما نعرفه للآ ...
- مذكرة اعتقال ضد نتنياهو.. أول تعليق من مكتبه وبن غفير يدعو ل ...
- زلزال سياسي: المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال في ...
- حماس ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق ن ...
- حماس تحث المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة جميع القادة الإ ...
- هولندا تعلن استعدادها للتحرك بناء على أمر الجنائية الدولية ب ...


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسن الهويدي - تدمر في الذاكرة3...حمامات الدم الساخن