|
الفستان الأحمر - قصة قصيرة
ريتا عودة
الحوار المتمدن-العدد: 1040 - 2004 / 12 / 7 - 08:27
المحور:
الادب والفن
استوقفتني إحْدَى جَاراتِنَا عَلَى بابِ الْمَنْزلِ وَهِيَ تَتَساءَلُ:"إلَى أيْنَ!" حَدَقْتُ فِي الأفْق ِ الْبَعيدِ وَهَمَسْتُ:"لا أعْلَم!"..وََأخَذْتُ أبْتَعِدُ وَصَدَى صَوْتهَا يُلاحِقُنِي بــِإصْرَار: "فَتَاة غَريــــبـــــة!!!" بَدَأتُ أعْبُرُ الشَّارعَ الْفَاصِلِ كَحَدِّ السَّيْفِ بَيْنَ الحَيّ العَرَبِي الْمُهْمَل ِ عَبْرَ سَنَوَاتِ الْجَفَافِ وَبَيْنَ الْحيّ الآخَر الْمَزْروع بالْجَنَةِ نَفْسهَا..خُطُوَاتِي مُتَثاقِلَة كَسْلَى. صَرَخَ أحَدُ السّائِقِين الّذي كَادَ يَدْهَسنِي بــِشَاحِنَتِهِ الْضَّخْمَة: " عَمْيــــــــــاء!! الضَّوءُ أحْمَر!!!!" لَمْ تُثِرْ صَرْخَتُهُ انْفِعَالِي.. لكنَّ قميصَهُ الَّذي دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ جُنْديَّا أثَارَ فُضُولِي..فَبَدَأَتْ تَتَرَاقَصُ فِي ذَاكِرَتِي صُوَرُ أجْسَادٍ مَبْتُورَة وَبُيُوتٍ مُهَدَّمَّـــة.. دُمُوعٌ.. هَلَعٌ.. دَمٌّ..صُوَرٌ تُطَالِعُنـــَا بـــــِهَا النَّشَرَاتُ الإخْبَاريــــَّة كُلّ يَوْم..كُلّ ثانِيــــَّة.. حَتّى أنّهــا صَارَتْ جُزْءًا أساسيَّا مِنْ كُلّ نَشْرَة. مَرَّتْ بِي شَاحِنَة مُزْدَحِمَة بالرجَال فَتَمَلَكَني هَاجِسُ عَدِّهِم.. وَبَدَأتُ بالعَدِّ كَطفلة تَعَلَمَتْ لِتَوِّها الأرقِام الحِسَابيّة: جُنْدي..جُنْديَانِ.. ثَلاثَةُ جُنُودٍ.أربعَة..خَمْسَة.. تَوَقَفْتُ عَنٍ الْعَدِّ حينَ تَلَقَفَ أنْفِي رَائِحَةُ طَعَام مَا فَكَرْتُ باقْتِحَامِ المَكَانِ لكنّي أحْجَمْتُ حينَ تَذَكَرّتُ أنَّ مَلابِسِي الْعاديـــَّة لا تتنَاسَبُ وَالملابِس الْفَاخِرَة على أجساد ِهؤلاء واصَلْتُ سَيْري. وَبَدَأتُ بـــِقِراءَةِ الإعْلانـــَاتِ الْمَصْلُوبَة عَلَى أعْمِدَةِ الْكَهْرَبــــَاءِ:" حَافِظُوا عَلَى نَظَافَةِ الْمَدينَة.بَلَديَّة حَْيفــــَا.". ابتسمت ابتسامَة شَاحِبَة وَتَمَنَيْتُ لَوْ ألْتَقِي ثَانِيَة بذلكَ الجندي الّذي صَرَخَ في وجهي أنَّ الضَّوءَ أحْمَر..لأسْألَهُ إنْ كَانَتْ الْمَدينَة حَقًّا نَظيفَة تنَازَلْتُ عَنْ الْفِكْرَة سريعًا وَبَدَأتُ بالتَنْقيبِ عَنْ شَيء مـَا بـــِإمْكَانِهِ إشْغالِي نِصْفَ السَّاعَة الْمُتَبَقِيَّة عَلَى ابتداء مُنَاوبَتِي الْمَسَائِيَّة في مَعْمَل الْنَسِيج.
جَذَبَ انْتِبَاهِي لَوْنٌ أحْمَرٌ لِفُسْتـــَانٍ مــــَا عَلَى دُمْيَّة. رغْمَ الْمَسَافَة بَيْنَنـــــَا .. انهمكت الْمَرْأة بـِوَضْع ِ الثَّوبِ عَلَى جَسَدِ الْدُمْيَّة. رَكَضْتُ نَحْوَهـــَـــــا... فَقَدْ جَعَلَ اللَّوْنُ الأحْمَرُ دَمِّي يَجْري بشَرَاسَة فِي عُرُوقِي. إنَّهُ أحْمَرٌ.. ولكنّه غَريبٌ.. غَريبٌ جِدًّا. أرْبَكَ أفْكَاري.. دَوَّخَنِِي.. حَدَقْتُ بــِهِ وَتُهْتُ. كَمْ أحْسدُ تِلْكَ الدُّمْيَّة الصَّامِتَة الّتي تَفْتَقِدُ مَشَاعِرَنَــــَا الإنْسَانِيَّة..إلاّ أنّهَا " تَتَمَتَع " بـــِمـــَا يَنْقُصُنْا نَحْنُ!! تَمَنَيْتُ لَوْ أتمكن مِنْ وَضْع ِ الثَّوْبِ الأحْمَر عَلَى "جَسَدي" أنـــــَا!!.. بَدَلَ هذه الثِّيــــَاب البالـــٍيَّة الّتي فَقَدَتْ لَوْنَهـــــَا مُـــنْذُ زَمَــــن!! دُونَمــــَا تَفْكير.. كأنّي أستَفيق مِنْ حُلُم ٍ .. دَفَعْتُ جَسَدي دَاخِلَ الْغُرْفَة وَطَلَبْتُ مِنَ الْعَامِلَة أنْ تُنـَاولَني ذلك الثَّوب الأحمر لأرتَديهِ على جَسّدي. تَفَحَصَّتْ هِيَ بـــِنَظْرَة خـــَاطِــفَة ثِيابِي ثُمَّ أعْلَنَتْ بــِبُرُود ٍ وَبــِلَهْجَة عَرَبــِيَّة ثَقيلَة:" دَه غـــــَالـــــــِي!!!" شَعَرْتُ أنَّ جُدْرَانَ الْغُرْفَة تَدُورُ مِنْ حَوْلِي فَسَألْتُهَا بـــِلَهْفَة:"كَــــمْ!!!!"... وَهَمَسَتْ ببرود:"ألف.." ألف...!!! وَدَوَّى هذا الرَّقْمُ داخِلَ رَأسِي فَصَارَ رَأسِي كَخَلِيَّة نَحْل ٍ مُضْطَربَة. يَجِب أن أشتَري هذا الثَّوب. ( يَجِبْ وَلَوْ مَرَّة أنْ أشْتَري شَيئًا أتَمَنَاه!).سأدفع لَهَا مَا يُعَادِلُ نِصْفَ راتِبي..(بَلْ أكْثّر!!). لَيْتَنِي لَمْ أكُنْ عَامِلَة في مَصْنَع!! لَيْتَنِي كُنْتُ مُتَعَلِمَة كَغَيْري مِنَ الْفَتَيَات.. لَكُنْتُ تَقَاضَيْتُ مَبْلَغًا لِتَسْديد ِ احْتِيَاجَاتِي أنـــــَا وَأهْلــــــِي وأخْوَتــــــِي الثمانيَّة الّذينَ يَنْتَظِرُونَ رَاتــــِبــــــِي كُلَّ شَهْر بــــِفَارغ ِ الأمَلْ. !! حَسَنًا .. سأطْلب من " يوسِي" أنْ يُرَتّب لِي ساعات عمل ليليّة لتحسين راتبي في الأشهر القادمة. فَتَحْتُ الحَقيبَة وَتَنَاوَلْتُ الْمَبْلَغَ.. ثُمَّ بَسَطْتُ ذراعي وعلى راحةِ يَدي .. ألفُ شَاقِل. ابتَسَمَتْ المَرْأة بإعياء وَلَمْ تَتَنَاوَلْ الْمَبْلَغَ. ابْتِسَامَتَهَا الصَّفراء .. شّلَّتْ حَواسي.. بَعْثَرَتْ هُدوئِي. قَالَتْ:"ألف دولار".. وَاسْتَدَارَتْ لِتُحَييّ امرأة تَلّفُ جَسَدَهَا بالفِرَاءِ.. دَخَلَتْ الغُرْفَة تِلْكَ اللّحْظَة.. كَمَا تَدْخُلُ السَّمَكَةُ الْبَحْرَ. حَمْلَقْتُ فِي كُلّ مــــَا حَــــوْلِـــــــي! تَرَاخـــــــَـتْ شَفَتَيَّ. خَرَجْتُ مـــِنَ الْغُرْفــــَة بـــِخُطُــــوات ٍ مُخَدَّرَّة. وَلا أدري لمَ ...فـــِي تِلْكَ اللَّحْظَـــة بــِالذات... تَمَلَكَتْنــــِي رَغْبــــَةٌ حــــَادَة فـــــِي أنْ : أبــــْصِـــقْ!!
#ريتا_عودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حـلمٌ آخـَر - ومضة قصصيّة
-
أميرةُ حكاياتِهِ - قصة قصيرة
-
محكومون بالأمل - قصة قصيرة
-
خمس ُ لوحات ٍ لجنون ِ لحظة
-
أحبـــُّكَ إلى ما بعد الحــُلم
-
الحَكايا العَشْر
-
السنونوّة العاشقة - قصة قصيرة
-
شـر..طة * ومضة وجعيّة
-
-أنا هي..!-
-
أبعد من أن تطالني يد
-
الحلـم الأخيــر * قصة قصيرة *
-
وقد لا يأتي ..؟!
-
أشْعِلُ قنديلا وأمضِي
المزيد.....
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|