|
*قراءة في قصص سلام إبراهيم : حين تغدو الكتابة تصفية حساب مع الحنين
سلام إبراهيم
روائي
(Salam Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 3498 - 2011 / 9 / 26 - 21:31
المحور:
الادب والفن
*قراءة في قصص سلام إبراهيم : حين تغدو الكتابة تصفية حساب مع الحنين
باسم المرعبي
قد تبدو الكتابة في وجه من أوجهها، كتصفية حساب مع أشياء الحياة الكثيرة من فقدان أو تطلعات، إلا أن مثل هذا الملمح يغدو هو الوظيفة الرئيسية، فيما يبدو، لدى سلام إبراهيم فعبر أغلب كتاباته، ومنذُ "رؤيا اليقين "(1) مرورا بـ "رؤيا الغائب" (2) وصولا إلى الكتاب، مدار الحديث "سرير الرمل" (3) ينهمك القاص في استنطاق ذاكرته والتنقيب فيها عن كل ما يمت إلى عوالمه الخاصة من طفولة وصبا، مراحل متلاحقة، حتى لتصبح كتابته في مجملها يوميات موسعة أو تدويناً لتجاربه الحياتية المختلفة، ما جعل منها شكلا من أشكال السيرة. سيرة ضاجة بالتفاصيل الدقيقة وتسمية الأشياء مباشرة بأسمائها، من أمكنة وأناس تساقطوا الواحد تلو الآخر في الحروب أو المعتقلات، فها هم شخوصه " بين مختف ومعتقل ومقتول ومهاجر" ص11، ولم يبق له إلا أن يتنسم روائحهم " شممت رائحة أحبة غياب، صلاح مهدي الصياح، أحمد حسوني، كفاح عبد سوادي، كريم مهدي عبود.."ص64.
إذن قصصه تلخص خساراته المتلاحقة وعلى كافة الأصعدة، سوى مقدرته على حب الجمال والتغني به، أو نشدان العدالة، وانعكس ذلك كله على لغته وأدواته حتى ليماهي الكاتب شوقه وحنينه وتطلعاته إلى الأشياء باللغة فتصبح هذه بديلا عن ملامسة الأشياء واقعا، وهو يسمي أشياءه بالمفردات الأقرب إلى الحس، فيكتب مثلما يشعر مباشرة، مثلما تتدفق ذاكرته بتفاصيل حيوات غائبة عاشها وتشبع بها وهذا ما يفسر إلحاحه إلى استخدام مفردات من العامية العراقية، حيث تتكرر لديه بشكل لافت، بل ثمة سياقات بأكملها مكتوبة بهذه الطريقة وتجاوز ذلك إلى كتابة الكثير من الأفعال بالعامية،. وهو بذلك، يكون أقرب إلى لحظة تفكيره أو شعوره بالأشياء والأحداث، وكأنه يؤكد على الدوام، حاجته إلى ما يعوض حرمانه وأحلامه، وان عبر اللغة، لكن اللغة الشقيقة لدواخل النفس واضطرامها، وهنا يصح القول أن الكاتب يمارس ضربا من العلاج النفسي بالكتابة، ولنا أن نستبدل طاولة الكتابة بـ " سرير الكتابة " مجازاً، مستعيدين ذلك من العيادات النفسية، فالإفصاح والسماح لما في الدواخل أن يتدفق، هي خطوات إلى الشفاء ـ حسب الطب النفسي ـ وهكذا يكون فعل الكتابة لدى " سلام إبراهيم " مماثلا لذلك، خصوصا في القصص التي تتحدث عن غائبين حميمين، حيث نرى الكاتب " يجتهد " إلى أقصى حد في عرض شغفه، وجده، حرقته على أصحاب غائبين، مستذكراً تفاصيلهم المحببة إلى نفسه، مما يسعر آلامه مع كل حرف " يذرفه عليهم" معيدا ومكررا القول حول نقاط أثيرة لديه يتصف بها هؤلاء الأشخاص وهو في كل ذلك يبدو، ولا سيما في القصص الطويلة، يتكلم، لا يكتب والفرق بين الفعلين كبير، وهو ما يدعم قولنا حول " سرير الكتابة " أو ممارسة العلاج بالتدفق الكلامي الذي يصل حد الهذيان، في أنثيالات لغوية متصلة، أرى أنها في أحيان كثيرة، لا تخدم سياق القصة، بل بالعكس، فهي تشتت القارئ، كما في قصة " رؤيا الحفيد " إذ يستسلم الكاتب إلى دفق كلامي، مسحوراً بتلاحق الكلمات وتواصلها، غير أن المحصلة لا تكون سوى ركام لغوي، يستغرق في الوصف والتفاصيل والإعادة، الأمر الذي يشتت القارئ والكاتب أيضا، ومثل هذا المأخذ ينسحب على معظم القصص الطويلة أو المطولة، وعلى العكس من ذلك نجده في قصصه القصيرة المكثفة، مقتصداً باللغة، بليغا بالصورة والفكرة، ناجحا في تقديم شخوصه أو الحديث عنهم، أي باختصار يمكن القول أنه مع القصة القصيرة التي تميل إلى التركيز والتكثيف، يكون أكثر براعة وأتقانا، كما في قصص " تحجر "، " قسوة " و " أرباب الرعب " ، " لا أدري ".
أن نقطة ضعف الكاتب في القصص المطولة، هو الانقياد إلى الانثيالات اللغوية على حساب معمار القصة وتقنيتها، غير أنه في الوقت نفسه، من المهم الإشارة إلى أن ذلك لا يعني إخفاقه دائما في معالجته لهذا النوع من القص الذي يتجاوز بضع صفحات، بل أننا نلمس لديه في بعض هذه القصص، البراعة في التنقل من زمن إلى أخر، كزمن السرد والزمن المستذكر أو المتخيل والإمساك بتلابيب موضوعه، كما في قصتي " جورية الجيران" و " سرير الرمل ".
أن الخلل في قصصه الطويلة ـ ولا أجد ضيرا من التأكيد على ذلك ثانية ـ يتمثل في اللغة الزائدة، أو الكلام الكثير الذي يثقل كاهل القصة ويجعل منها مجرد إنشاء.
أن مثل هذه الملاحظة تجد صداها تماما في كتابه السابق " رؤيا الغائب " الذي أسماه رواية، كما تنسحب على بعض قصص مجموعته الراهنة " سرير الرمل ".
حرب الجسد في سرير الرمل
تثير هذه القصة " سرير الرمل " ـ التسمية تشير إلى الجفاف واللا حياة في هذا السرير ـ تثير بشكل خاص وحاد مسألة الواقع والمتخيل في كتابة سلام إبراهيم ومدى الجهد التخيلي الحقيقي الذي يبذله القاص لتجهيز أبطاله ووقائعه، هؤلاء الأبطال الذين ينتمون إلى بيئة واحدة، هي بيئة الكاتب نفسه، تصغر أو تكبر هذه البيئة أو تتعدد، فالمحصلة واحدة، إذ كل شيء هو نتاج الذاكرة.. تقلب هذه الذاكرة بعيدة كانت أم قريبة، بحثا عما تختزنه من مواد بطلها الأساسي هو الكاتب والأشخاص الذين يحيطون به. فالقصص تفصح عن ذلك دون مواربة، عبر لغتها الاعترافية المنفعلة والساخنة، وأكثر قصصه هي بمثابة أبواب مفتوحة تقود إلى عالم الكاتب، أبواب مفتوحة بإرادته يرينا عبرها حيواته المتعددة في أطوارها المختلفة، حبا ورغبة وحزنا، يستدرجها في سرد متصل، وكأنه، أي السرد، متعة في حد ذات، لذا فهو لا يتردد في تناول عالمه الأكثر خصوصية، بما ينطوي عليه من "أسرار" ما يتبادر إلى القارئ أنها "أفشيت" بجرأة، وربما جرأة غير عادية.
قصة "سرير الرمل" تصلح مثالا لهذا السرد المتلذذ، لكن المدحور في الوقت ذاته، بعوامل لا حصر لها، سيكولوجية وجسدية، الموضوع في هذه القصة هو الموضوع الخالد ذاته.. الرجل والمرأة، الجسد والجسد، الصراع الدفين والمكشوف تحت سقف واحد. الحرب والأسلحة الشرسة ذاتها، مفاتن المرأة، كنوزها، أطايبها، القوة الباذخة لقدرة المرأة ـ الأنثى على الامتناع، التمنع، اللجم مقابل هشاشة الرجل وانسحاقه ذليلا، تحت براثن رغبة قد تسفح بابتذال.
يعرض سلام إبراهيم، هنا، لهذه الحرب، يعترف بانكساره فيها ممجدا خصمه الجميل بشيء من القسوة، هي قسوة موجهه إليه قبل الآخر، عبر مواقف عدة في هذه القصة أو قصة "التآكل" التي تعالج الموضوع ذاته، وباشتهاء غير قادر على كبح الإعلان عنه وان مع المرأة التي جربها وعاشرها طويلاً:
" ولعي المجنون بجسدك.. ليس ضعفاً بل محبة مطلقة" ص 15
...
" هذه ليست أول مرة تحمل جسدها الحار بعيداً عنه، وهي العارفة بمدى ولهه به، فطوال الليل لا يكف عن الالتصاق بعريه الساخن حتى أناء غفوته.
يفعل ذلك منذ واحد وعشرين عاما في بيتهم الأول على حافة الصحراء، في جنوب العراق، وفي بيوت سرية أثناء فترة هروبه من الجبهة، في قاعات الطين والكهوف بين رجال العصابات، في معسكرات اللجوء التركية والإيرانية وهنا في الدانمارك، على الأفرشة الوثيرة، الخشنة، على التراب، على الصخور، في البرد والحر، في الليل والنهار" ص 9.
سلام إبراهيم، في مثل هذا القص، يعلن عن مستوى ما من الكتابة هو أبعد من السيرة، فهو هنا وعبر قصصه كلها يحتفي بذاكرته، بوقائع حياته، بل بدقائقها، وبما يتوزع هذه الحياة من مباهج وأحزان من أنين يكمن وراء كل سطر من سطوره، وتأتي كتابته لتواصل بدورها عمل ذاكرته، لتواصل حياته وطريقته في هذه الحياة.
بهذا المعنى فقصصه ليست مرآة لحياته فحسب، بل هي حياته ذاتها.
--------------------------------------------------------------------------------
· شاعر من العراق يقيم في السويد
هوامش:
(1) "رؤيا اليقين" مجموعة قصص: بيروت 1994.
(2) "رؤيا الغائب" رواية: دمشق 1996.
(3) "سرير الرمل" مجموعة قصص: دار حوران ـ دمشق 2000.
#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)
Salam_Ibrahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نداء – الشاعر علي الشباني – سقط في مقهى وخرس وأنشل
-
من رسائل الشاعر علي الشباني إلى الروائي سلام إبراهيم -3-
-
من رسائل الشاعر المرحوم عزيز السماوي إلى الروائي سلام إبراهي
...
-
من رسائل الشاعر المرحوم عزيز السماوي إلى الروائي سلام إبراهي
...
-
من رسائل الشاعر كزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم -7-
-
من رسائل الشاعر المرحوم گزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم
...
-
من رسائل الشاعر المرحوم گزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم
...
-
من رسائل الشاعر المرحوم گزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم
...
-
من رسائل الشاعر المرحوم گزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم
...
-
من رسائل الشاعر المرحوم گزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم
...
-
من رسائل الشاعر المرحوم گزار حنتوش إلى الروائي سلام إبراهيم
-
الطفولة والعائلة والصداقة في أشعار علي الشباني 4 - 4
-
الطفولة ..العائلة الصداقة في أشعار – علي الشباني 3 - 4
-
الطفولة العائلة الصداقة في أشعار علي الشباني 2 - 4
-
الطفولة، العائلة، الصداقة في أشعار علي الشباني-1
-
مكسور خاطر
-
رسائل المرحوم الشاعر عزيز السماوي إلى الروائي سلام إبراهيم
-
رسائل الشاعر – علي الشباني – إلى الروائي سلام إبراهيم2 أليست
...
-
رسائل الشاعر علي الشباني إلى الروائي سلام إبراهيم
-
نجمة البتاوين رواية العراقي شاكر الأنباري - سجل يوثق فنياً ا
...
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|