إبراهيم شريف
الحوار المتمدن-العدد: 1040 - 2004 / 12 / 7 - 06:34
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
أطلق ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد في 23 سبتمبر 2004 مشروعا كبيرا أطلق عليه "إصلاحات سوق العمل في البحرين". وقد قام مكتب ماكنزي وشركاه في الجزء الأول من دراستهم بإجراء تحليل لسوق العمل تم عرضه في ورشة في ديسمبر من العام الماضي, وجاء الجزء الثاني الشهر الماضي مكملا وشارحا لخطة العمل التي يقترحها فريق ولي العهد من أجل الخروج من أزمة سوق العمل المتمثلة في الزيادة المضطردة للعمالة الأجنبية وارتفاع بطالة العمالة الوطنية وانخفاض الأجور وما يصاحب ذلك كله من انخفاض متوسط الدخل وسقوط نسبة كبيرة من المواطنين تحت حزام الفقر.
تحدثت الدراسة عن أن الداخلين الجدد لسوق العمل سيناهزون المئة ألف خلال العقد القادم وأن البحرين ستحتاج إلى 3 أضعاف الوظائف التي وفرتها لليد العاملة الوطنية خلال العقد الماضي وانه في حالة بقاء السياسات على حالها فان نسبة البطالة سترتفع إلى 35%. وتخلص الدراسة إلى أن نموذج البحرين الحالي لن يكون قادرا على إيجاد الوظائف الكافية للبحرينيين لأن الاعتماد على التوظيف في القطاع الحكومي لم يعد ممكنا, بينما لا يستطيع نموذج القطاع الخاص المعتمد على العمالة الأجنبية الرخيصة أن يخلق فرص عمل للبحرينيين.
هذه المقالة محاولة لمعالجة سياسية لبعض التساؤلات المشروعة التي يطرحها المواطنون, اقتصاديون وسياسيون وعمال وعاطلون وأصحاب أعمال, دون الدخول في التفاصيل الدقيقة للمشروع, وهي التفاصيل الغير متوفرة كاملة للباحثين حيث تم توزيع ملخص من 31 صفحة عرضت على الورشة المنعقدة الشهر الماضي. هل يمكن تحقيق إصلاح شامل لسوق العمل في غياب إصلاح شامل للإدارة العامة؟ هل تملك الحكومة الإرادة والمقدرة على تحقيق طموحات ولي العهد الإصلاحية لسوق العمل؟ ما هي التحالفات المجتمعية المطلوبة من أجل إنجاح هذه الخطة؟
أولا- القاعدة الاجتماعية للنظام:
تعتمد حكومة دولة البحرين وبالذات منذ الطفرة النفطية الأولى التي أعقبت حرب تشرين الأول 1973 على التعامل مع المواطنين كرعايا يمكن شراء ولائهم السياسي بفوائض النفط, وقد نجحت الدولة بتحييد قطاعات اجتماعية واسعة عقب حل المجلس الوطني عام 1975 كما استطاعت بسبب سياسات التمييز أن تدق إسفينا بين فئات المجتمع المختلفة. إلا أن هذه السياسات استنفذت جزءا مهما من امكاناتها بسبب سوء الأحوال الاقتصادية منذ نهاية الثمانينيات وبالأخص في تسعينيات القرن المنصرم والتي شهدت عليها دراسة ماكنزي بالقول بأن المعدل الحقيقي لدخل المواطن انخفض بمقدار 19% صاحبها ارتفاع خطير في معدلات البطالة. وخلال هذه الفترة نمت شريحة طفيلية واسعة تعتمد في دخلها على العمولات غير المشروعة على عقود الحكومة ونهب أراضي الدولة والمتاجرة في العمالة الأجنبية, وأصبحت هذه الشريحة العماد الاجتماعي للمتنفذين في أجهزة الدولة بحيث خضعت سياسات الدولة لمصالحهم الشخصية وبات من المتعذر تحقيق أي إصلاح حقيقي دون ضرب هذا التحالف من جذوره وإزاحته من مواقع القرار السياسي.
ثانيا- الإرادة السياسية للنظام:
في الوقت الذي يطلب من المواطنين وقوى المعارضة تأييد خطوة إصلاح سوق العمل المقترحة, التي ستليها فورا خطوتان متزامنتان لإصلاح هيكل الاقتصاد وإصلاح قطاعي التعليم والتدريب. ورغم الحديث عن الإصلاح الاقتصادي طوال أكثر من أربع سنوات فان الجهاز الحكومي ازداد حجما وتضخمت مصاريفه المتكررة (أساسا الرواتب) دون أن يزداد كفاءة, والغريب أن كثير من هذه الزيادات في نفقات القطاع العام حدثت في نفس العام الذي بدأت فيه ماكنزي بدراستها واستخلصت بأن هناك حاجة لتقليص دور الدولة في الاقتصاد. وهناك إشارات أخرى وهامة تثبت بأن ما تصنعه يد الإصلاح من جانب تخربه يد الفساد والترهل والاستثناءات (التي يطلق عليها خطئا "مكرمات") من جانب آخر. فمشروع شرطة المجتمع مثلا ولد من غير دراسة حقيقية لجدواه ويعتقد بأنه خلق على عجل هذا العام من أجل استخدام الفوائض المترتبة على ارتفاع أسعار النفط لاستيعاب مئات العاطلين من ذوي المؤهلات المتواضعة في جهاز الدولة لامتصاص البطالة من جانب وللقول بأن الدولة لا تميز بين المواطنين في السلك العسكري من جانب آخر وبعد ذلك وقبله تأتي شركة ماكنزي بتوصياتها ومقولاتها القطعية ومنها "أن الاعتماد التاريخي على وظائف القطاع العام لم يعد ممكنا", لتمحي الحكومة بيدها اليسرى ما تكتبه بيدها اليمنى. وفي مثل آخر على ضعف الإرادة السياسية تبرز قضية قانون النوخذة البحريني كمثال صارخ على كيفية تجميد القانون ثم إعادة العمل به ومن ثم تجميده مرة أخرى بسبب شكوى أصحاب المصالح. ولا يبدو بأن الحكومة تملك الإرادة في حل مشكلة البطالة وغيرها من المشكلات الكبرى. ورغم إننا لا نشك بأنها تملك التمنيات والأحلام, فان طريق التمنيات لا ينتهي إلى الخلاص بل إلى الموت البطيء لاقتصادنا ولمجتمعنا. فالإرادة الحقيقية تتطلب تضحيات كبيرة من جانب الحكم منها التخلص من حلفاء الماضي من الطفيليين والنفعيين من مختلف الفئات والطوائف وهو الأمر الذي نشك في إمكانية تحقيقه بناءا على معطيات السنتين الماضيتين اللتين شهدتا عودة لنفوذ هذه الفئات.
ثالثا- هل يمكن الإصلاح دون الشفافية الكاملة:
لا يعول أكثر المواطنين على قدرة النظام على الانتقال إلى الشفافية الكاملة التي يتطلبها أي إصلاح, حيث سيتحتم على الدولة إصدار أرقام بصفة دورية لإطلاع المواطنين على نتائج تطبيق الخطة وخاصة تحصيل الأموال من أرباب العمل (والاستثناءات إن وجدت) وكيفية صرفها. ولا تبشر البداية بأن هناك تغير هام في هذا الجانب حيث تشير دراسة ماكنزي إلى أن العمالة البحرينية في القطاع العام بلغت "36 ألف وظيفة تستوعب حوالي 50% من إجمالي العاملين البحرينيين" وهو رقم غير صحيح حيث أن 36 ألفا لا تعادل إلا ثلث الـ 107 ألف هو العدد الكلي للعاملين البحرينيين حسب دراسة ماكنزي, و يتعمد إخفاء عدد البحرينيين العاملين في القطاع العسكري الذين قد يمكن تقديرهم بحوالي 17 ألف استنتاجا من أرقام ماكنزي نفسها (عدا أكثر من 10 آلاف من الأجانب). كما أن الدراسة قالت بإمكانية استثناء العسكريين الأجانب "لتوفير مرونة إدارية أكبر لأغراض الأمن القومي" وهي كما تبدو رغبة حكومية في إخفاء أعداد العسكريين الأجانب الكبيرة من جانب, ولتجنب دفع رسوم باهظة كما يدفع بقية أرباب العمل من جانب آخر.
رابعا- هل يمكن إصلاح سوق العمل دون إصلاح الإدارة العامة:
تكمن الإجابة على هذا التساؤل وعلى التساؤلات الأخرى حول فرص نجاح إصلاح الاقتصاد وإصلاح التعليم والتدريب في التمعن في هوية الطاقم الحكومي الذي سيعمل على تنفيذ كل هذه الإصلاحات الجذرية. فلو ادعت الحكومة بأنها تستطيع تطبيق برنامج الإصلاح دون تغيير جوهري في الطاقم الوزاري والبيروقراطي المسؤول عن إخفاقات الحقبة الماضية فإنها لن تجد من يصدقها رغم كثرة المطبلين. فالطاقم الإداري الحكومي مترهل وعديم الكفاءة ومنتهي الصلاحية في أغلب قطاعاته, ويقوده في مواقع كثيرة سياسيون وبيروقراطيون, عين كثيرون منهم في عهد الإصلاح, يفتقدون التفكير الاستراتيجي أو المهارات الإدارية أو القيادية أو الأمانة و النزاهة.
خامسا: في كيفية خوض حروب الإصلاح:
في البداية من المهم التأكيد بأن الإصلاح الحقيقي عبارة عن حرب بوسائل سلمية يسقط فيها أصحاب المصالح الضيقة وينتصر فيها عامة الشعب وخاصة أكثرهم تضررا من استمرار الوضع الراهن.
ليس هناك ما يدل في المذكرة المختصرة التي قدمتها ماكنزي للمشاركين في ورشة العمل انفة الذكر على أنه تم توجيه عناية خاصة لكيفية خوض معركة الإصلاح, رغم تأكيدها على أن التغيير "يتطلب إصلاحا شاملا ومتكاملا" حيث يغيب عن الدراسة, رغم أهميته, الجانب السياسي لإدارة الصراع مع القوى المتنفذة التي سيتم تحجيمها أو ضرب مصالحها من خلال هذه الخطة. فإدارة الصراع تحتاج من بين ما تحتاجه إلى:
1. صناعة التحالفات بعيدة المدى. هذه الخطة سيتم تطبيقها على مدى أعوام عديدة ولا تكفي الفزعة والاندفاعة بعد عرض المشروع لضمان نجاحها. الخطط, وخاصة تلك التي تقوم على مفهوم جديد وجذري (ثوري) بسبب عمق الإصلاحات المقترحة لسوق العمل, لا تنجحها النيات الحسنة ولا حتى الاندفاعة القوية في بدايتها. وحيث لا يمكن خوض المعارك الكبرى دون تحالفات كبرى, فان هذا يتطلب بناء الحكم لتحالفات جديدة و خروجه من تحالفاته المعهودة مع الفئة الطفيلية المسيطرة, أي اعتماده على قوى المجتمع المدني التي تتضمن الجمعيات الحقوقية والنقابية والسياسية بما فيها المعارضة التي ستقوم بالدفاع عن الخطة وتطويرها ومراقبة تنفيذها وسد الثغرات ومنع الاستثناءات التي من شأنها خلق تشوهات خطيرة في سوق العمل لصالح الفئات الطفيلية. التحالفات بعيدة المدى لا يمكن أن تخاض بعقلية "أما معي وأما ضدي" بل بتقديم التنازلات للحلفاء ومشاركتهم في اتخاذ القرار وفي الرقابة على تنفيذه. ويبدو هذا الأمر غير ممكن في الوقت الراهن حيث لا يملك النظام الإرادة السياسية في خوض مشروع الإصلاح حتى آخر مداه بسبب التردد المستمر بين الرغبة في الإصلاح حفاظا على بقاء النظام السياسي وتلميع وجهه الخارجي من جانب, وإبقاء التحالفات القديمة ونمط دولة الرعية (والمكرمات) وخصومته مع المجتمع المدني (حل الجمعيات وإغلاقها واعتقال الناشطين كما حدث مؤخرا لنادي العروبة ومركز البحرين لحقوق الإنسان وحبس الناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجه) من جانب آخر.
2. تقسيم حرب الإصلاح إلى معارك متصلة تخاض كل واحدة في وقتها. ويمكن الإشارة هنا إلى أن فتح معركة وضع رسم المئة دينار شهريا على العمالة المنزلية ليست في مكانها ومن شأنه خلق أعداء كثر للمشروع. ورغم أن هناك أسبابا مشروعة لتوحيد الرسوم على جميع أنواع العمالة الأجنبية خشية فتح ثغرات يستطيع تجار العمالة (أصحاب الفري فيزا) النفوذ منها, فان مخاطر مثل هذا التطبيق أشد بكثير على فرصة قبوا المواطنين للمشروع ودعمه حيث أصبحت العمالة المنزلية جزءا مهما من حاجات الأسرة البحرينية ولا يمكن تغيير بقرار فوقي حيث يتطلب اصلاح قطاع العمالة المنزلية وقتا أبعد من مدى الخطة الحالي وذلك باستحداث نظام العمالة المنزلية ذات العمل الجزئي وبتغيير تدريجي لطرق إدارة المنازل واستحداث نظام أفضل للرعاية اليومية للأطفال في دور الحضانة ورياض الأطفال. ويمكن مثلا قصر تأشيرة العمالة المنزلية على فرد واحد بالرسوم المطبقة حاليا وعدا ذلك تطبق الرسوم المقترحة في الخطة.
#إبراهيم_شريف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟