|
رجع الوجع / رواية بحلقات / 2
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 3497 - 2011 / 9 / 25 - 00:38
المحور:
الادب والفن
- إنزل ! تنبّه ميثم حوله ، لقد توقفت السيارة في الباحة الوسطى لبهو البلدية الذي تحول إلى مديرية للأمن . دار بنظره حول البناية التي كان قد زارها قبل خمس سنين للعب كرة المنضدة ، فتعجب من شدة التغييرات الحاصلة عليها . لقد أبيدت كل أشجار الصنوبر الباسقة التي كانت تصطف بنسق بهيج و مهيب بين حديقة البهو و سياجه الخارجي ، و معها غاب النجيل الناعم و براعم الورد من الحديقة التي تحولت إلى صبة ممدة باردة كالبلقع في الليل . و ما عاد يُسمع هديل اليمام ، و لا تغريد العنادل . أين راحت كل تلك الطيور ؟ ثم ما هذه الرائحة الزنخة التي يعط بها الهواء في هذا المكان ؟ من أين تأتي ؟ - إنزل ، بسرعة ! - نعم ، فأنا على عجلة من أمري . - إنظروا إليه ، هذا الكافر المجرم ! إنه مستعجل على تشريف جهنم ! جمد الدم في عروق ميثم ، و غامت الدنيا عن عينيه لحظة ، ثم ماج عقله ، و لكنه إستعاد رباطة جأشه . نظر بحدة إلى محدثه المتشفّي : أنه مساعد مدير الأمن : الرائد عبد الله الدليمي ، بوجهه الأصفر المقلم بالصدأ الأعوج الأسمر المسود ، و حاجبيه شبه الأصلعين ، و قامته التي يزري بها قوام برميل النفط المبعج ، و عينيه اللتين تشبهان ثقوب منخل البرغل . لماذا لا يرتدي مثل بقية أفراد قوس الرجال المصطفين حوله النظارات السوداء العاكسة ليخفي بها قباحة عينيه ؟ لابد أنه يحسب عينيه الزرزوريتين الكامدتين أجمل من الواحتين الغناءين لعيني صوفيا لورين . و لكنه كان يشد رتبة نقيب قبل أقل من شهر عندما رآه يفرغ مع سائقه و إبنه وليد أكوام السمك اللابط من سيارة الپك-أب في الطسوت القذرة بغية إدخالها للبيت ، و أم وليد تراقبهم واقفة خلف الباب بعينيها المنغوليتين الغارقتين بالكحل ، و أنفها المحْمر ، و شفتيها الضفدعيتين ، و صدرها المتهدل و العامر بالذهب ، و ساقيها الأعوجين المزينين بحجلين ضخمين من الذهب ، و وجهها المتجهم جراء مقتها لأكوام السمك تلك ، فكيف أصبح رائداً الآن ؟ هل صحيح ما يقوله له صديقه عبد العال من أن ضباط الأمن لهم الحق في إختيار الرتبة التي تعجبهم ؟ - إسمع ، أبو وليد ، أنت تعلم جيداً بأنني أتقزز من رائحة السمك ، و لكنك تصر على جلبه بالأطنان للبيت ، و كل ذلك نكاية بي لكوني لا أطيقه أبداً . ما حاجتك لكل هذه الكمية الكبيرة من السمك ؟ ها ؟ إجلب سمكة واحدة ، أو سمكتين ؛ و ليس طناً من الأسماك دفعة واحدة ! صحيح أن السمك يأتيك هدايا بالمجّان ، و لكن الأرواح و الأرياح ليست مجانية ! يومياً لا يجلب للبيت إلا كل أكلة زفرة موجودة في السوق : يوم كَلّه باچه ، يوم كرشة ، يوم كسور جاموس ! أسمع جيداً ، هذا السمك لا يدخل بيتي إلا بعد أن تقوم أنت بتنظيفه بنفسك الآن ، سمكة فسمكة ! و لا تنس إهداء بعضه للجيران و لمرؤوسيك ، مفهوم ! - مفهوم ، مفهوم ! أجلبي لنا السكاكين و السماط ! - السكاكين في مجر كاونتر المطبخ . وليد : أدخل و أجلبها بسرعة فأنا أريد غلق الباب ؛ أما السماط ، فلا أريد توسيخه ! نظف السمك على التراب خارج البيت ، ثم أشطفه جيداً قبل وضعه بالمجمدة ، و لا تنس كنس كل مخلفات السمك جيداً من أمام الدار ، و رميها بعيداً لئلا يتجمع عليها الذباب و الكلاب ! مفهوم ! - مفهوم ، مفهوم ! بلغي المراسل جمال ليأتي و يساعدنا في العمل ! - جمال ليس بالدار . لقد أرسلته للصائغ ليشتري لي طقم الذهب الهندي الجديد ! و إياك وان تجعله يوسخ يديه بالسمك عندما يعود من المشوار ! أريده أن يعمل لي المساج ، فظهري متخشب ! يجلب و ليد رزمة سكاكين جديدة طويلة و لامعة غير متوفرة البتة في كل أسواق العراق ، فيما تغلق أمه باب الدار ، و تقفله بالرتاج . في يومها ، أنهمك عشرة من أفراد الأمن - جاءوا من المديرية بسيارة باص - في ملحمة تنظيف السمك و إزالة مخلفاته ، وسط تجمهر الأطفال و الذباب و الكلاب و القطط و الدجاج و الطيور حول المشهد الدموي الزافر . و عكس نصيحة زوجته ، فما عنَّت لأريحية مساعد مدير الأمن الهمام أن تغريه بتجشم عناء إهداء و لو حتى ذيل سمكة واحد لأي من الرفاق العاملين على تنظيف وساخة حمله ، و لا للأطفال الذين زرزر مشهد لحم السمك عيونهم ، و أوجع أمعاءهم ، خصوصاً و أن السمك مقطوع من السوق منذ شهور بفضل تسميم الرفاق لمياه دجلة و الفرات . و بعد الفراغ من العمل تماماً ، و تفرّق النظارة ، وعودة أفراد الأمن للمديرية – بعد أن استعاروا الأنبوب المطاطي لتوصيل المياه و معه مسحوق الغسيل "سومر" من بيوت الجيران ، و شطفوا قذارة و زنخ أيديهم و وجوههم في حدائق الجيران أيضاً – بقي معاون مدير الأمن واقفاً يراوح بين ساق وأخرى وهو يطرق باب الدار بين الفينة و الأخرى نصف ساعة ، و ما من مجيب . و عندما فتحت الملكة الباب أخيراً ، و فاح أريج عطرها الموّار ليمس وتراً حساساً في وجدان زوجها ، هرّت به كالنمرة : - مالك تقرع الباب كالمدفع ؟ ها ؟ و هل نحن طرشان ؟ الله أكبر عليك و على أفعالك النكراء ! ألا يمكنني حتى أخذ مساجي براحة و بلا فرقعات ؟ - أغاتي أم وليد : السمك ، و نظفناه ؛ و الفضلات ، و نقلناها ؛ و أنا أخشى على السمك من التفسخ . أين هو المراسل جمال ؟ - أنه يستحم ! - طيب ، تعال أنت يا وليد ، و ساعدني في إدخال السمك للبيت . - خذ زجاجة العطر هذه و تعطر بها أنت و وليد ، و رش الباقي كله على التراب الذي نظفتم عليه السمك ، ثم ارم القارورة في البرميل ، و إياك و إعادتها معك للدار ؛ أسكبها كلها ، مفهوم ؟ - مفهوم ، مفهوم ! توجه ميثم حاملاً كتبه نحو الرائد و هو يقول : - إسمع ، أبو وليد ، أنت تعرف جيداً بأنني لم أفعل شيئاً خطأ حتى تستدعيني للأمن . و لا يحق لك أن تحول المشادة العابرة بيني و بين إبنك – و التي كان فيها هو الطرف المعتدي – إلى كسر رقبة . إن كنت رجلاً بحق وحقيق ، تعال و واجهني رأساً لرأس ، و ليس غدراً . ثم نحن جيران ، و أنا بمثابة إبنك ، مثلما وليد هو إبنك ، و يفترض بك أن ترعى حق الجار على الجار ! و لكنك تصر على تحويل مشادّة بسيطة إلى مشكلة كبيرة ، و لكن لا تتصور أنك بغدرك لي ستفوز بشيء ! - أسكت ، مجرم ! يا عميل المجوس ! كتّفوا هذا المجرم الخطير على أمن الدولة ، و أدخلوه الموقف حالاً . أن دواءك الشافي عندي ! حقير ! يقذف ميثم كتبه بوجه الرائد ، و يطير خلفها ليقبض على زمارتيه ، فيهوي الرائد أرضاً ، و ميثم فوقه يشدد قبضته على عنقيه و هو يفح فحيحاً . يهجم أفراد الأمن على ميثم ، و يوسعونه ضرباً على رأسه و ظهره و ساقيه و قدميه بالكيبلات و العصي و الركلات ، فيما يعض ميثم أنف غريمه الذي يصرخ كالكلبة ، و يواصل عض و لكم كل مكان فيه . و عندما يفلح أفراد الأمن في سحب ميثم أخيرا عن جثة الرائد الفاقد الوعي ، يشاهدون خرائط من الدماء على كل جسده من الحزام إلى أم رأسه ، فيما يغيب ميثم عن الوعي أيضاً ، و قد تحول جسده كله إلى كتلة من اللحم المتورم النازف و المتدفق تدفق الماء من مرشّة النجيل الدوّارة . عندما يصحو ميثم من غيبوبته ، يجد نفسه راقداً على سرير ضيق في غرفة ضيقة بلا شبابيك . سريره حديد ، و هناك كرسي صغير حديد ، و خزانة صغيرة حديد ، و أصفاد الحديد تمتد من تحت السرير لتلتف حول معصميه المجبّرين بالجبس . يبدو أنه في مستوصف من نوع ما . جسمه كله متيبس ، كما أن رأسه مجبّر ، وصدره ثقيل ، و رجله اليسرى مجبسة حتى أسفل الركبة ، و يرتدي دشداشة صفراء متهرئة . و حدها ساقه اليمنى حرة الحركة . يتراجع بجهد جهيد إلى الخلف قليلاً ليرفع رأسه . ينظر إلى الباب فيشاهد رجلاً بقمصلة سوداء و نظارات طبية بيضاء يجلس غافياً على كرسيه هناك ، و رأسه يتوسد قائم رجل الكرسي ، و بيده الممتدة نحو الأرضية كتاب ضخم . يتعجب ميثم من وجود رجل أمن يقرأ الكتب . يناديه : - هَيْ ، أخونا ؛ أنت يا من تجلس بالباب ! تعال هنا ! ساعدني ، أرجوك ! عه-عه ! ما من مجيب ! يتلفّت ميثم حوله و هو يكاد يختنق بشيء كأنه لفافة شعر تخنق أنفاسه . ثم يصرخ ، فيخرج الصوت من صدره بوجع شديد كما لو كان صادراً من غياهب بئر عميق : - حرس ! أنت يا حرس ! عه-عه-عه ! يتحرك الحرس ، و يعدل وضع إغفاءته . - حرس ، حرس ! أنت يا حرس ! إنهـ عه-عه-ععععه ــض ! عهيييم ، إنهض ! حرس ! يرفع الحارس رأسه ، فيسمع النداء المكبوت القادم من الأعماق : - حرس ! أنت يا حرس ! يقف الحرس ، فيسقط الكتاب . ينحني و يلتقطه ، ثم يعدل هندامه و مسدسه ، ينظر يمنة و يسرة ، يتفحص ساعة معصمه ، ثم يدخل كرسيه إلى الغرفة و يغلق الباب و راءه ، و هو يبتسم . - الحمد لله . أذن فقد صحوت أخيراً ! - ساعدني أرجوك ! أين نحن ؟ - في قاطع مديرية الأمن المغلق بمستشفى الحلة الجمهوري ! - كم يوماً مضى عليّ و أنا هنا ؟ - ثلاثة عشر يوماً . - و لماذا جسدي كله مضبّر ، و رأسي يكاد ينفجر ؟ - لديك كسور مضاعفة في الساعدين ، و الأضلاع ، و تهشم في الجمجمة ، و في عظام مشط القدم اليسرى ! - امتحان درس الأحياء ! لعنة الله عليك يا عبد الله الدليمي ! - أي إمتحان ، أي أحياء ! احمد الله أنك لم تمت . - جوعان ! نعم ! عهعه . أنا جوعان ، و عطشان ! - الأكل و الشرب ممنوع عليك ، بأمر الأطباء ! - لماذا ؟ و ما هذا السلك الذي في رقبتي ؟ - أنه أنبوبة المغذي ! - و لماذا الأكل و الشرب ممنوع ؟ هل نحن في رمضان ؟ ما لساعة الآن ؟ - الثالثة و النصف فجراً . - جوعان ! إمتحان الأحياء ! عه–عه-عه ! يضع الحارس كتابه جانباً ، و يتقدم من ميثم ، فيسحب سلسلة الحديد لإطالتها ، ثم يدفع جسد ميثم إلى أعلى قليلاً قليلاً و بتؤدة شديدة حتى يتخذ ميثم وضع الجلوس على السرير بالإستناد على تكية الرأس ، و يضع الوسادة بين ظهره و التكية . - أنا ممتن لك ، أخي العزيز . - لا شكر على واجب . ما اسمك ؟ - ميثم . - و أين تسكن ؟ - حي الجزائر ! - و بأي صف أنت ؟ - الرابع الإعدادي . - و من أي الأعمام أنت ؟ - خفاجي ، من الزور . - و من هو أبوك ؟ - أبي هو الأستاذ عبد الجليل حسين . - مدير مدرسة المحقق ؟ - نعم ! هل تعرف أبي ؟ - نعم ، و حق المعرفة . أذن أنت خفاجي ؟ - نعم صحيح ! و شيخنا هو راضي المنوّخ . - رحمه الله ! - رحمه الله ؟ متى توفي ؟ عههعه . - توفي في المستشفى بلندن ! دفنوه قبل أسبوع ، و مجلس فاتحته ينتهي اليوم ! - و هل أنت خفاجي أيضاً ؟ - نعم ، أنا إبن عمك ! أسمع جيداً و تدبَّر كل الكلام الذي أقوله لك الآن ، و لا تقاطعني أبداً . ينبغي لك أن تسمع كل كلامي قبل أن يأتي الحرس المناوب بعد نصف ساعة ، و هو شخص حقير . أولاً : من هو ضابط التحقيق الذي ألقى القبض عليك ؟ - السافل عبد الله زيدان الدليمي . عهعهعهع . - الرائد عبد الله ؟ مساعد مدير الأمن ؟ و ما لذي ورطك مع هذا المجرم الرهيب ؟ أليس يسكن في نفس حيّكم ! - نعم ، نحن جيران . البارحة – أحم - أية بارحة ؟ أقصد قبل إعتقالي بيوم ، جاء إبنه و تحرش بي و بشقيقتي مريم جهاراً نهاراً و في الشارع ، و لما حاولت دفع شره بالمعروف ، رفع يده عليّ يروم ضربي ، فرفعته و رميته ببركة الطين . في اليوم التالي ، و أنا خارج من البيت للمدرسة ، جاء جلاو- أقصد أفراد - الأمن ، و قالوا لي بأن لديهم استفسار مني بسيط في المديرية .عهعه . قالوا لي : دقيقتان و تعود لأداء إمتحان درس الأحياء . عهعهعه . و لمّا أخذوني لمديرية الأمن ، وجدت الرائد يقف شامتاً بي ، و يسميني مجرماً و كافراً و عميلَ المجوس ، فأدبته في عُقر داره . - حسناً فعلت ! كل الشرفاء من أفراد الأمن سُعدوا بما فعلته به . سلمت يداك ! و لكنه قبيح الوجه و الروح ، و ليس من طينة الرجال النجباء الذين يستحون من العيب ! لقد دمّر هذا الحاقد شباب أهل الحلة تدميراً ! بلا أدنى ذمة و لا ضمير ! إسمع ، اليوم سأخرج من هنا لأذهب لدار والدك سراً – فأنا أعرفه موقع داره حق المعرفة ، و هو أستاذي ، كما كان صديقاً عزيزاً للمرحوم والدي – و سأجعله يكتب عريضة بإسمه معنونة لمدير الأمن شخصياً ، و يضعها بمغلف معلّم بعبارة "سري و شخصي" ، يشرح فيها الخصومة بينك و بين إبن مساعد الأمن ، و القضية الكيدية التي يريد المساعد تلبيسك بها ظلماً و عدواناً . و سآخذ العريضة أنا بنفسي سراً ، و أودعها صندوق الشكاوي للمديرية رغم جسامة المخاطرة . أسمع : اليوم هو السبت ، و صندوق الشكاوي يفتحه مدير الأمن بنفسه في الساعة التاسعة و النصف من صباح كل يوم أحد أسبوعياً . و لحسن حظك فأن مدير الأمن يكره مساعده و خصيمك كرهاً رهيباً ، لكونه طامعاً بمنصبه . لقد بات مدير الأمن يعلم علم اليقين بأن مساعده هو الذي يدفع بعض مريديه لرفع تقارير خطيرة ضده للقيادة بقصد إزاحته عن طريقه ، و ذلك لأن المعلومات الخطيرة الواردة في تلك التقارير لا يعرفها سوى مدير الأمن و مساعده . و لهذا فقد أصبح واضحاً تماماً لمدير الأمن مَنْ هو الذي يقف وراء رفعها للجهات العليا ضده . و عليه ، فقد أخذ على عاتقه مهمة جمع النقاط ضد مساعده ، و بضمنها التقارير المرفوعة ضده بكون زوجته لديها علاقة غير شرعية مع إبن عمه و مراسله المدعو جمال الدليمي ، كما أن هناك تقارير أخرى عن حالات إغتصاب و دعارة و اختلاس و تلبيس أحكام مرفوعة ضده . و لو لا دخوله للمستشفى مؤخراً بفضلك ، لكان أمر تنزيل رتبته و نقله للديوانية قد صدر و نُفِّذْ . - و كم بقي راقداً في المستشفى ؟ و هل إصابته بليغة ؟ - أربعة أيام فقط ! لا تخف عليه ! أنه بسبعة أرواح ! لديه كسر بسيط في أحد الأضلاع ، مع بعض الجروح في الوجه و الصدر ! - الحمد لله أنه لم يمت . ما أسمك يا ابن العم ؟ عهعه ، عه ! - أبن عمك : النائب الضابط المضمد : حسن علي حسين ! أنا منقول إستخدام ؛ من الجيش لمديرية أمن الحلة . ساعة السوداء على هذا الإستخدام المنكود ! و كل ذلك بسبب حاجتي لإكمال دراستي الجامعية ، فأنا طالب في الصف الثالث بكلية الحقوق ! - أنعم و أكرم . لقد شرفني التعرف بك ، أخي العزيز ! تمنياتي لك بالنجاح الباهر و التخرج أولاً على الكلية ! - و لي الشرف ، سيد ميثم ! شكراَ . - سيد حسن ؟ عهعه . - نعم ! - أشكرك جزيل الشكر ، أخي العزيز ! أنني سعيد و محظوظ جداً بلقياك ! عه-عه . أنت بركة من السماء أرسلها الله لي ! عه-عه . - العفو ! - سيد حسن ؟ - نعم ، إبن العم ؟ - لماذا يتلذذ البشر بتدمير بعضهم البعض ؟ ها ؟ كيف يمكن أن يسعد الإنسان من الأذى الذي يلحقه بغيره من البشر ؟ عهعهع . حتى ذئاب البادية تخجل من خسة ما يفعله الواحد منّا بالآخر ! - لا حول و لا قوة إلا بالله . أخي : إن الإنسان لكنود ، و أن تعلقه بوسخ الدنيا لشديد . لا يُشبع عين إبن آدم النهمة غير حفنة من التراب المالح . إسمع ، لا تضيّع الوقت علينا بالكلام الكثير ! وضعك حرج ، بل و خطير ! و أنت ما تزال طفلاً ! أريد منك أن تعود لغيبوبتك يوماً و نصف يوم آخر ! واضح ؟ - واضح ! عه-عه . - و من جانبي ، فسأكتب في تقريري الصحي لوجبتي اليوم بأن حالتك الصحية مستقرة ، ولكنك ما زلت غائباً عن الوعي . يوم و نصف فقط ، و بعدها تخرج طليقاً للبيت ! و بعكسه ، إذا عَلِمَ الرائد عبد الله بصحوتك ، فلن يتسنى لك مغادرة مديرية الأمن إلا و أنت جثة نازلة من المقصلة أو المشنقة . كل ضباط التحقيق في المديرية هم بيادق بجيبه ! أقل تهمة يمكنه تعليبها برأسك هي الإعتداء بالضرب على ضابط أمن خلال أدائه للواجب . إسمع ، في حالة فشل هذه الخطة ، لا سمح الله ، فإياك إياك و التوقع على أي إعتراف بالإنتماء لأي حزب معاد للبعث . كل حزب سياسي في العراق رئيسه ليس صدام حسين هو حزب معادي لصدام حسين ، و الإنتماء إليه حتى في الحلم حكمه الإعدام . واضح ؟ - واضح ! شكراُ ، عزيزي . عهعه . - أنت تعرف شعار صدام : من ليس معنا ، فهو علينا . و تعرف من هي الأحزاب المعادية : الحزب الشيوعي ، حزب الدعوة ، منظمة العمل الإسلامي ، الحزب الإسلامي ، جماعة علماء المسلمين . و أي إعتراف بالإنتماء إلى أي حزب منها ، أو وجود أدنى علاقة مع أي شخص منتم إليها ، حتى و لو مجرد علاقة عابرة ، سيوصلك للإعدام حتماً حسب الأصول و القوانين البعثية للعدالة . مُتْ تحت التعذيب ، و لا تعترف بشيء ، واضح ؟ - و أنا الغبي الذي كنت أظن أن هؤلاء هم أقوام من البدو الرحل ! شكراً لك على هذه المعلومات القيمة ! عه-عهعه ! ينظر حسن لساعته . - بقيت عشرة دقائق و أسلمك للبديل . سأستبدل لك زجاجة المغذي و أخرج ، و حالما يأتي بديلي ، سأنقر لك على الباب ثلاثاُ بهدوء ، فتعود ثانية للغيبوبة ! يوم و نصف يوم كامل ، لا تنس ! أي في موعد خفارتي القادمة هنا ! - إجلب لي معك دجاجة مشوية كاملة ، محشوة بالرز و اللوز ! - تؤمر ! - أشكرك ! عهعه . و معها خمسة نفرات كباب ! - تؤمر ! هذه أمرها بسيط و مقدور عليه ! - أشكرك ! و صينية بقلاوة بالدهن الحر ، مع صينية دهين بالمبروش ! - تؤمر ! - أشكرك ! عطشان موت ، أرجوك ! عه-عه ! - لحظة ! يخرج حسن ، و يعود بعد ثوان ، و هو يحمل طاسة ماء كبيرة . يغلق الباب ، و يقفله بالمفتاح . يقرب حافة الطاسة من شفاه ميثم ، و هو يقول : - إشرب حسوة فحسوة . نعم هكذا ! أحسنت ! لعنة الله على الظالمين ! يحتسي ميثم كل ماء الطاسة رشفات صغيرة . - أريد طاسة ثانية ! عهعهع - خادم ! - هوهوووهع هعوووو ! - لا تبكِ ، أرجوك ! كن رجلاً يا إبن العم ! و لا تشمِّت بنا الظالمين ! - رحمة الله على البطن التي حملتك ، و حماك الله ! أنا من هو خادمك ، يا أيها الشريف ! يا إبن الشرفاء ! يتبع / لطفاً !
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجع الوجع / رواية بحلقات
-
كتاب الدرر البهية في حِكَمْ الإمبريالية الأمريكية
-
رسالة من طفل عراقي إلى الرئيس بوش
-
ملاحظات شخصية في الترجمة
-
الحدّاد و القوّاد
-
سيّد خوصة : المناضل سابقاً و المجاهد لاحقاً
-
آخر أحكام رب العالمين في أهل العراق
-
من أخبار شيخ الشط
-
قوانين التاريخ و جرائم الرأسمالية : أجوبة للأستاذ الفاضل رعد
...
-
قوانين التاريخ ، و جرائم الرأسمالية وقادة الأحزاب الإشتراكية
...
-
دفاعاً عن المفهوم المادي للتاريخ : الأستاذ نعيم إيليا متمنطق
...
-
موجز لقوانين التاريخ : جواب محدد لسؤال محدد للأستاذ الفاضل ر
...
-
الإمام العباس و أمين الصندوق صالح إبراهيم
-
علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات
...
-
علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات
...
-
علمية الماركسية و الآيديولوجيا و أشياء أخرى : رد على ملاحظات
...
-
خرافة دحض الماركسية العلمية / رد على الأخ الكبير الأستاذ يعق
...
-
الكلبة -سليمة كُرْفَتِچْ- و البغل -خوشْطَرِشْ-
-
النص الكامل لمسرحية -عرس واوية- : ذرة من وقائع كل إنتخابات ع
...
-
نص مسرحية -معمعة العميان-
المزيد.....
-
كأنها خرجت من أفلام الخيال العلمي.. ألق نظرة على مباني العصر
...
-
شاهد.. مشاركون دوليون يشيدون بالنسخة الثالثة من -أيام الجزير
...
-
وسط حفل موسيقي.. عضوان بفرقة غنائية يتشاجران فجأة على المسرح
...
-
مجددًا.. اعتقال مغني الراب شون كومز في مانهاتن والتهم الجديد
...
-
أفلام أجنبي طول اليوم .. ثبت جميع ترددات قنوات الأفلام وقضيه
...
-
وعود الساسة كوميديا سوداء.. احذر سرقة أسنانك في -جورجيا البا
...
-
عيون عربية تشاهد -الحسناء النائمة- في عرض مباشر من مسرح -الب
...
-
موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر
...
-
بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan
...
-
الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
المزيد.....
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
-
تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة
/ كاظم حسن سعيد
-
خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي
...
/ أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
المزيد.....
|