|
هل نحن بصدد عولمة جديدة ؟
نجيب الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 3496 - 2011 / 9 / 24 - 23:27
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
في ضوء تصاعد وامتداد التحركات والاحتجاجات الجماهيرية في العالم المناهضة للسياسات الرأسمالية وصيغتها الغابية المتمثلة بالليبرالية الجديدة، والتي شملت مراكزها الكبرى، التي باتت تعيش أزمة بنيوية خانقة ومتفاقمة تطال الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وعلى غرار ما حصل من احتجاجات في اليابان وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وإسبانيا وغيرها، واتخاذ تلك التحركات أبعادا شعبية واسعة، ناهيك عن البروز القوي للاقتصادات البازغة مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل ودورها المتزايد على صعيد العلاقات الدولية. كما نقف عند تداعيات ثورات الربيع العربي التي فرضت نفسها بقوة على الصعيد العالمي بحكم المكانة الاستراتيجية والنفطية الخاصة التي يمثلها العالم العربي، هنا يطرح التساؤل التالي: هل نحن بصدد تشكل وتبلور وضع عالمي جديد بأنساقه السياسية والاقتصادية والعسكرية عبر تصدر دول أو قوة نوعية شعبية جديدة في مواجهة العولمة وهيمنة المراكز الرأسمالية التقليدية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي ورثت زعامة الامبراطورية البريطانية، وبسوقها الغابية التي تخترق الحدود والدول والمجتمعات كافة وتعمل على زيادة حدة الاستقطاب على مستوى العالم بين حفنة صغيرة تضم الدول الغنية التي تمثل 20 % من سكان العالم وبين الأغلبية الساحقة من البلدان النامية والفقيرة التي تشكل 80 % من سكان المعمورة؟ من السابق لأوانه تحديد سمات هذه الظاهرة الجديدة ووجهتها النهائية، وهل هي ظاهرة عابرة (صيحة في برية) سيتم احتواؤها وتجاوزها أو على الأقل التعايش معها عبر تقديم بعض التنازلات الجزئية إذا تطلب الأمر؟ أم أنها تعبير عن بداية تحول نوعي وتأهيل للوعي الإنساني ليس ضد الذيول والنتائج والآثار المدمرة في العولمة الرأسمالية المتغولة فقط وإنما هي دعوة ضد مضمونها ومحتواها إلا إنساني التي تحول كل شيء بما في ذلك الإنسان ووجوده المادي والروحي وأحلامه وآماله إلى سلعة تباع وتشترى وفقا لقانون السوق الغابية وبالتالي فهي تطمح إلى تجاوز هذا التنميط والتسليع للبشر والإنسان؟. المفارقة اللافتة هي الشعور والهاجس المشترك المتمثل في التشاؤم وفقدان اليقين والإحباط والاغتراب والتهميش المسيطر على قطاعات واسعة ومتزايدة من الناس بغض النظر عن تباين المجتمعات واختلاف مناطق تواجدهم (جغرافيا) أو منحدراتهم العرقية والإثنية والثقافية أو مكانتهم الاجتماعية ومستوى معيشتهم الهم الإنساني المشترك هو نتاج هذا التداخل والتشابك لكافة القضايا المصيرية التي تواجهها البشرية فالعولمة هي المرآة المقعرة التي تكشف كافة القضايا ومناحي الحياة البشرية في رؤية واحدة تطفو على السطح بقوة وعمق أكثر من أي وقت مضى مثل مفردات وقضايا الحرب والسلام والإرهاب والمخاطر البيئية (تلوث واحتباس حراري) والفقر والمرض والإرهاب والمجاعة والبطالة والمديونية والتخلف واتساع الهوة والاستقطاب بين الأغنياء والفقراء على مستوى العالم وفي داخل كل بلد على حدة، ووحدانية تحكم القوة وانعدام التكافؤ والمساواة في عالم لا يزال يفتقر إلى العدالة والحرية وحق تقرير المصير وسيادة القانون وحقوق الإنسان والديمقراطية 2 القضايا والتحديات التي دشنها القرن المنصرم لا تزال تتمتع بحضورها وراهنيتها، ربما أكثر من أي وقت مضى. صحيح أن القرن العشرين هو أكثر القرون حسما في تدشين انتقال البشرية إلى مرحلة جديدة من حيث التطور الحضاري والتقدم العلمي والتكنولوجي العاصف، غير أنه في الوقت نفسه من أكثر القرون التي مرت في تاريخ الإنسان من حيث حجم الدمار والخراب والدماء التي سالت من أجل تحقيق المطامح والمطامع الأنانية المفرطة للقوى المتسلطة، استطاعت خلالها الرأسمالية الظافرة توحيد العالم وفقا لمصالحها وعلى شاكلتها والانتقال به والتكيف معه ابتداء من المرحلة الكولونيالية (الاستعمار القديم) ومرورا بالإمبريالية (الاستعمار الجديد) وأخيرا عبر العولمة (المرحلة الراهنة في تطور سيطرة رأس المال) التي نعيش إيقاعها اليوم والتي يعتبرها منظرو العولمة والليبرالية الجديدة أنها تمثل نهاية التاريخ وخاتمة البشر. لقد شهدت البشرية منذ أواسط القرن التاسع عشر محاولات وتجارب مهمة (مسرحها الغرب في الغالب) على المستويات السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية للتحرر من سلطة رأس المال وهيمنته الغاشمة. وتمثل ذلك في التجديد الفكري والاستنارة والعقلانية والجهد المعرفي والكفاح الذي قاده المفكرون والمناضلون والنقابات العمالية والأحزاب السياسية ومختلف تكوينات المجتمع المدني، وما نجم عنها من ثورات ومواجهات طبقية وصدامات بين العمل ورأس المال، وبلغت ذروتها في ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا بقيادة البلاشفة، وما أعقبها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية من انقسام أوروبا والعالم إلى معسكرين متضادين، المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي والمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، واستمرت المواجهة بينهما (الحرب الباردة) لعدة عقود، حتى سقوط جدار برلين وانفراط المعسكر الاشتراكي وسقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي. ومن الواضح أن الثورة الروسية كانت تمثل أول رد عملي في تحدي تسلط رأس المال بغض النظر عن المآل التاريخي والفشل والطريق المسدود الذي آلت إليه لأسباب وعوامل موضوعية وذاتية مختلفة. ومع أن معظم شعوب العالم الثالث التي تم إخضاعها من قبل نظام السيطرة الاستعمارية الغربية بشكلها المباشر (الاستعماري) وغير المباشر (الإمبريالي) استطاعت تحقيق استقلالها السياسي وإنجاز خطوات ملموسة على صعيد التنمية والتطور الاقتصادي المستقل، غير أن ذلك سرعان ما تبخر، بل تعمقت تبعيتها للمراكز الرأسمالية على نحو أشد. ومع مطلع القرن الواحد والعشرين كانت هناك قناعة راسخة في الولايات المتحدة والغرب وبقية العالم بأنه سيكون قرنا أمريكيا بامتياز. 3 تمدد واتساع بل وتفرد الهيمنة الرأسمالية في العالم، يعود في المقام الأول إلى مرونتها المدهشة على التكيف مع المتغيرات وقدرتها على إدارة أزماتها الهيكلية والدورية بقدر كبير من النجاح، ومستفيدة من التطور العاصف للتكنولوجيا والعلوم والاتصالات واستخدامها وتوظيفها في الصناعة والزراعة والخدمات وغيرها من الميادين والقطاعات الحيوية. كما أقدمت تحت وطأة الصراعات الاجتماعية والطبقية التي لازمتها على تقديم التنازلات الضرورية في الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، على صعيد العلاقة بين الرأسمال والعمل من جهة، وكذلك الصعود القوي لما يعرف بالطبقة الوسطى المقترنة بدولة الرفاه التي تصدرت حتى فترة السبعينات من القرن المنصرم مراكز النظام الرأسمالي العالمي تحت قيادة الولايات المتحدة ومعها اليابان والاتحاد الأوروبي، وذلك إبان احتدام المواجهة مع الاشتراكية وحركات التحرر الوطني في العالم، الأمر مكنها من استعادة زمام المبادرة على الرغم من أزماتها الهيكلية والدورية ( إلى ما قبل اندلاع الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة التي تفجرت في أغسطس 2008م)، وفرض الهيمنة الكونية الأحادية للولايات المتحدة. وبالطبع فإن هذا يعود إلى حد كبير إلى الاخفاقات والممارسات والتجارب المحبطة التي أدت إلى سقوط الاشتراكية الرسمية المتمثلة في الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي السابق، والتي تمثلت في هيمنة الدولة وأجهزتها البيروقراطية ونزعة المركزية الشديدة على الصعيد الاقتصادي، ومصادرة الحريات العامة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وغياب المشاركة الشعبية والتداول السلمي للسلطة، وذلك على الرغم من الإنجازات التاريخية الملموسة التي حققتها، وخصوصا في العقود الأولى على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الثقافة، العلم، الفن، التعليم، الرياضة ... إلخ. أما في البلدان النامية التي خرجت من هيمنة الاستعمار فإن قصور وفشل التنمية المستعارة وسيادة النظم الاستبدادية التي ينخرها الفساد وتغول الأجهزة الأمنية، ومصادرة الحريات والحقوق الأساسية للإنسان سرعان ما بدد الإنجازات المحدودة التي تحققت إثر الاستقلال، وأوقع تلك البلدان من جديد في أحضان التبعية والإلحاق للخارج، كما استعادت المجاميع الطفيلية (الكمبرادورية) المتحالفة والمرتبطة عضويا بالاستبداد الداخلي وبمراكز السيطرة العالمية لهيمنتها الاقتصادية والسياسية من جديد .. لقد تطورت وتنوعت أساليب وأدوات الهيمنة والسيطرة الرأسمالية في ظل العولمة التي تقودها الشركات متعددة الجنسية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ونادي السبعة الكبار الذي أصبح بمثابة الحكومة الخفية التي تدبر شؤون العالم وتسعى إلى فرض إرادتها ووصايتها على كافة مناحي الحياة فيه مستهدفة تطويق اقتصاديات وثقافات وأسلوب حياة البشر والإنسان في جميع البلدان و القارات وفقا لهيمنة نمط اقتصادي / اجتماعي / ثقافي أحادي، عمل على تعميق اغترابهم وتنميطهم وتسليعهم. غير أن الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية ضد العولمة الرأسمالية وقوانينها الغابية المدمرة لم تتوقف مطلقا، بل هي مرشحة للتصاعد في ضوء تفاقم أزمة الرأسمالية العالمية في طورها الراهن، وامتدادها، لتشمل قلب ومراكز المنظومة الرأسمالية العالمية، والبلدان النامية (الأطراف) على حد سواء، وذلك بهدف إقامة بيئة عالمية بديلة تستند إلى معايير الحق والعدالة والمساواة بين الدول والشعوب والجماعات والأعراق والأفراد على حد سواء، وهو لن يتحقق بالتأكيد عبر بيئة ونظام العولمة الجائر السائد حاليا.
#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة الديون الأمريكية وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي
-
معوقات التغيير في العالم العربي
-
رحيل المثقف و الإنسان .. شاكر الشيخ
-
دور البطالة والفقر في إشعال الثورات العربية
-
تساؤلات حول الفقر المدقع والفقر المطلق
-
المثقف العربي وربيع الثورات والانتفاضات العربية ؟
-
أوباما ونتنياهو .. اختلاف في الشكل وتطابق في الجوهر
-
هل تدشن ذكرى النكبة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة؟
-
أبعاد ودلالات المصالحة الفلسطينية
-
رحيل خلدون النقيب
-
سؤال الهوية في زمن التغيير؟
-
جريمة بشعة مجللة بالعار!
-
استعادة الوعي .. ووهم الخصوصية
-
المسار المتعرج للتغيير في العالم العربي 2-2
-
المسار المتعرج للتغير في العالم العربي
-
المخاض الليبي العسير!
-
حقوق المرأة في يومها العالمي
-
المخلص المنتظر؟
-
نجيب الخنيزي في حوار استثنائي مفتوح حول: الحراك الاجتماعي وا
...
-
الجيش والسلطة في البلدان العربية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|