جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3495 - 2011 / 9 / 23 - 17:03
المحور:
كتابات ساخرة
أتمنى لو تصبح داري هادئة وصامتةً كأغلب مجالس البرلمانات العربية التي لا يتكلمُ فيها أحد, وأتمنى أن يصبح منزلي صامتا دون أن يتكلم فيه أحد ودون أن يزعجني فيه أحد ودون أن يعترض على تصرفاتي فيه أحد كما هي أغلب الوزارات والحكومات العربية التي لا يجرأ أحد على التكلم في حضرتها حين يكون حضورها مثل حضور الموت أو الفيلم السينمائي المرعب كما هي الحكومات العربية الهادئة جدا , وبالمناسبة, لماذا لا توجد عندنا كوميديا سياسية صامتة ؟ أوكوميديا اجتماعية صامتة؟ولماذا لا نشاهد أبطال المسرح الصامت والسينما الصامتة إلا في مجالس النواب والمؤسسات الحكومية الحاكمة التي لا تفعل أي شيء سوى المحافظة على الهدوء وعلى الصمت تلك الحكومات وتلك البرلمانات التي تبيع وتشتري فينا على الصامت لدرجة أننا نُباع في كل سنة لأكثر من جهة دون أن نعرف من الذي باع ومن الذي اشترى, والكوميديا الصامتة لا تحتاج إلى سيناريوهات, ونحن معتادون منذ الطفولة أن نكون صامتين في كل شيء فإن حضر الطعام وتكلم أحد أفراد العائلة فورا نقول له (أأكل وأنت ساكت) وإذا قام من مكانه نقول له قم وأنت ساكت وإن أراد أن يشرب الماء نقول له اشرب وأنت ساكت, وإذا استمع أحدنا إلى خطبة دينية وأراد أحد الحضور أن يتكلم فورا يقول له الجميع استمع وأنت ساكت,وإذا بث التلفزيون برنامجا دينيا أو ساسيا نستمع له ونحن سكوت وأفواهنا مُطبقة على بعضها وكل حياتنا عبارة عن سكوت ورضوخ لكل شيء, وإذا ناقشت أي صاحب محل في بضاعته إن كانت خضاراً أو فواكه أو ملابس فورا يقول لي التاجر:إذا بدك تشتري اشتري وأنت ساكت,وأنا واحد من الناس الذي يمشي وهو ساكت دون أن يتكلم حتى أنني قبل يومين فكرت في بيع لساني على عادة الذين يبيعون الكلى فما هي حاجتي إلى لساني إذا كان المطلوب منه سجنه بين الفكين رغم أنني أكثر إنسان في هذا الكون يهذي ويتكلم ويتحرك ولكن للأسف فقط على الإنترنت... ويفتخر الإنسان العاقل بأنه هو المخلوق الوحيد الذي يتكلم عن دون سائر المخلوقات البحرية والبرية والبرمائية بلغات مختلفة الأشكال والألوان وخصوصا في مجالس النواب فنسمع ضجيج مجلس النواب الفرنسي من هنا ونحن نبعد عنه آلاف الكيلو مترات في الوقت الذي نقف فيه صامتون.. و هنالك في كافة أنحاء العالم فنا يطلق عليه اسم الفن الصامت الذي يقول لك ولي كل شيء من دون أن يحتاج إلى إخراج لسانه من فمه طبعا هذا لا يمكن أن تجده إلا في مجالس الشورى والبرلمانات والحكومات العربية الإسلامية,أما بخصوص تواجده في السينما والتلفزيون فلا يمكن البتة أن تجد فنانا يضحكك أو يبكيك دون أن يحرك لسانه والإنسان العربي المسلم هو الوحيد من بين جميع سكان العالم الذي يفتخر بسكوته وبصمته على الحاضر والماضي بنفس الوقت الذي يكون فيه من الضروري جدا أن يتكلم وأن يحرك شفتيه من أسفل إلى أعلى, فنحن شعب نخفي حقدنا في داخلنا إذا حقدنا ونخفي حقدنا على ارتفاع الأسعار إذا ارتفع معها ضغط دمنا ونسكت على أشياء لا يمكن السكوتُ عنها ونقف صامتون على أشياء لا يقبل كان من كان أن يبقى عليها صامتاً ونخجل من عشقنا ونحن نعشقُ على الصامت ونكبتُ بداخلنا أحزاننا على الصامت ولا نسمح لأنفسنا في أن ننفس عن الحالة الصعبة التي وصلنا إليها ونستمرُ في صمتنا فنخفي قصص الحب والغرام تحت الحسيرة أو تحت الوسادة وإذا عُرف عن أي مسلمة بأنها عاشقة ومتيمة فورا تفقد حقها بالحياة الطبيعية وحتى تتجنب العزلة والموت على البطيء تقسم على كل الكتب السماوية بأنها لم تعشق ولم تحب وكل ما يقال إشاعات وتبقى أبد الدهر عاشقة على الصامت لا يغزوها عاشقٌ في الليل ولا في وضح النهار وكذلك أغلبية الرجال لا يتشدقون بأسماء معشوقاتهم خوفا عليهن من الأذى ويبقى الإنسان العربي المسلم يفعل كل شيء على الصامت... دون أن يعلم أحد بأنه عاشق ومتيم ويسب ويشتم أيضا السلطان والحكومة على السكت يعني على الصامت ويهاجم الدين إذا اعتدى على حقوقنا الشخصية على السكت وعلى الصامت ويزور التاريخ على الصمت وفوق كل هذا يدعي العربي المسلم بأنه يقوم بتوزيع زكاة أمواله خفيةً على الصامت طبعا ويقول خفية على السُكيت لأنه أصلا لا يتصدق ولا يتزكى, والإنسان العربي المسلم ينتقد بعض التصرفات الدينية على الصامت ويدخل مجلس النواب كما خرج منه وكل ذلك على الصامت ويضع موبايله على الصامت لأنه لا يريد أن ينطق بأي كلمة تهوي به في قاع جهنم, وكل شيء نفعله على السكت, فالذي يحبك يحبك على الصامت والذي يكرهك يكرهك على الصامت دون أن يقول لك ودون أن يعبر لك عن إحساسه تجاهك لذلك نحن لا نعرف عدونا من صديقنا وحبيبنا من مبغضنا ورئيسنا من خادمنا ونخاف من بعضنا البعض وبدل أن نكون جيراناً لبعضنا نصبح ذئابا لا يؤمن جانبها.
وبما أننا شعب ساكت وصامت فما هو رأيكم لو أخذنا جائزة نوبل على الصمت الذي نبديه وكأننا لوري وهاردي في الكوميديا الصامتة أو مثل تشارلي شابلن الذي كان يبكي ويضحك على الصامت... وأذكر أنني كنتُ وأنا في المدرسة أشاهد المعلم وهو يختار من بين طلاب الصف طالبا يقفُ عريفاً يسجل على اللوح اسم أي طالب يتكلم أو يزعج زملاءه, واليوم بالذات تذكرتُ ذلك التصرف وخرجت باقتراح على منظمي الجوائز العالمية للفكر وللإبداع بأن يخصصوا جائزة الإنسان الصامت لتعطى هذه الجائزة للعرب لكثرة صمتهم على الطغاة وعلى المندسين بيننا, وعلى المسكوت عنه دينيا وسياسيا وجنسياً, وما رأيكم بأن نختار عريفا لسكان العالم يراقبُ أكثر شعب هادئ على مستوى العالم لنعطيه جائزة الصمت العالمية,طبعاً من المؤكد جدا أن يحصل عليها العرب لأنهم شعوب صامتة ترى الكلام وكثرته انحطاطا بقيمة العبد المسلم إلى الأسفل وشعارها (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)... وأن تكون الجائزة للشعب وليس لرجلٍ أو امرأة وفي العام الذي يليه نعطي جائزة نوبل أيضا لأكثر إنسان عربي صامت على ظلم الحكام وعلى أنشطة المخابرات المخفية بحرب خفية ضد العقل والتنوير..ولأكثر إنسان أسعد الناس وأضحكهم دون أن يكتب سطرا واحدا ودون أن ينطق بكلمة واحدة في مجال التلفزيون والسينما... والجائزة من الممكن تقسيمها على اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو على مائة مواطن عربي أو على عدد الدول العربية الإسلامية بقدر ما فيها من صمت ومن بلاء ومن كوارث طبيعية, تكون من نصيب أكثر إنسان صامت على وجه الأرض العربية ومؤثرة في الناس ومع ذلك لأكثر إنسان أضحك الناس وخفف عنهم أحزانهم دون أن يتكلم وتكون شخصيته مثل شخصية أي تمثال واقف لا يتكلم, وما أقوله لكم ليس تخريفا بل هو واقعي جدا فكثيرون هم المبدعون الذين تألقوا في إبداعاتهم وأضحكونا دون أن يكتبوا سطرا واحدا ودون أن نسمع أصواتهم, أنا أقصد بذلك الكوميديا الصامتة مثل (شارلي شابلن) و(لوري وهاردي) و(مستر بين) وهذا بحد ذاته عملا عظيما لأن كل الثرثارين الذين يعتقدون بأنهم أسعدونا كانوا على العكس يؤذوننا في كلامهم وتعبيراتهم وأتمنى أن أجد أنسانا عربيا يضحكنا دون أن ينطق بأي كلمة فكل الذين يلعبون أدوارا كوميدية أغلبيتهم لهم ضجيج عالي دون أن يضحكونا وبعض الممثلين على خشبة المسرح لا نسمع منهم إلا ضجيجا وصراخا وعويلا ومع كل الجهود التي يبذلونها إلا أنهم لا يدخلون الفرح إلى قلوبنا, إنهم فقط أتعبونا وقتلونا وتسببوا لنا بالأذى مثلهم مثل أبطال الحروب والدمار الشامل في أنحاء العالم , أولئك الذينً أساؤوا للإنسان وللحيوان وللجماد حين غزو التجمعات السكنية بالمدن وبالأرياف بالقنابل وبالصواريخ وبالطائرات ولم يفرقوا بين رجلٍ وامرأة أو بين طفل صغير وبرميل زبالة وبين الشجر والحجر.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟