|
الرجل المسافر: قصة قصيرة
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3494 - 2011 / 9 / 22 - 02:01
المحور:
الادب والفن
الرجل المسافر: قصة قصيرة نشرت في منتصف السبعينات من القرن الماضي في الملحق الثقافي لجريدة الثورة
- ياسيّدي! -.......... - ياسيّدي المبجل..تكرّم عليّ بكلمتين. - أمر...؟!! قدم الرجل المسافر للموظف رقم (7) ورقة، كتب عليها أشياء كثيرة، ولصق في أسفلها طوابع، نظر الموظف رقم (7) لحظة في الورقة التي بقيت في يد المسافر، ثم التفت إلى صاحبها قائلاً: - سَلْ موظفاً آخر. - أي موظف؟ - أي موظف أذعن الرجل المسافر للأمر، لأنَّ الموظف رقم (7) كان قد أدار له ظهره ومضى..قبل أن يفسح المجال لأي تطور في الحوار. ذهب الرجل المسافر إلى الموظف رقم (317): ناداه مرتين أو ثلاثاً، التفت الموظف المعنيّ نحو الرجل المسافر لثوانٍ معدودات، قرأ في وجهه ويده التي تحمل الورقة سؤالاً عن شيءٍ ما، فتهرّب منه بهزةٍ من رأسه، وإشارةٍ من يده تأمره بالتريث قليلاً، انتظر الرجل المسافر طويلاً دون فائدة، فالموظف رقم (317) لم يظهر ثانية، بعد أن حجبته أروقة وغرف البناء التي لا تحصى. لجأ الرجل المسافر إلى الموظف رقم (68)، فنظر الموظف رقم (68) إليه، دون أن يقترب منه، ابتسم له، بعد أن اكتشف بحدسه المدرّب، حاجة الرجل إلى الاستفسار عن شيء ما، تحركت يد الموظف رقم (68) بما يفيد أنه لا يدري، ولكنه استطرد: - ولكن... سلْ آخَرَ. ودوت كلمة "سَلْ" في رأس الرجل المسافر كالصدى: "سل...سـ..لْ...سـَ" لم يهدأ الصدى... حتى ابتلعت أمعاء المبنى ذلك الموظف، بينما راحت دهشة الرجل المسافر تعرش في كل الأنحاء..وعادت لفظة "سلْ" تدور وتطنّ في دماغه كالنحلة..واختطفه الطنين إلى حين.بعدها استفاق من شروده مع مرور موظف آخر قربه، كان الموظف رقم (4251)، صاح الرجل المسافر: - سيدي..اعمل معروف توقف الموظف رقم (4251) وعلت فمه ابتسامة رقيقة، شجعت الرجل المسافر على المتابعة: - سيدي...أرجوك.. قاطعه الموظف (4251) : أظنك تعاني...وتلعن "البيروقراطية"... هه؟! ومدّ الموظف يده آخذاً الورقة من يد الرجل المسافر، وانكمش هذا الأخير مترقباً وهو يبلع ريقه ويدعو في سرّه، أن ينجو من الورطة التي يقع فيها، تفحّص الموظف الورقة، ثم نظر إلى الرجل المسافر، وهو يتمتم "بسيطة" تهلل وجه الرجل المسافر وهو يهمس "مازل العالم بخير" تنحنح الموظف رقم (4251)، وطلب من صاحب الورقة الانتظار قليلاً، ومضى مبتعداً عنه. وصل الموظف إياه إلى الموظف رقم (713). لاحظ الرجل المسافر شفاههما وهي تتحرك. لم يتمكن من ترجمة مايدور بينهما من حديث. كان الضجيج يلتهم أحشاء المبنى، وكان قلب الرجل المسافر يخفق ويضطرب، تحت تأثير أفكار متعارضة، وعيناه لا تفارقان حركة الموظف رقم (4251)، الذي ابتعد عن الموظف (713). واتجه نحو الموظف رقم (2740) تكرر المشهد نفسه. دخل الموظف (4251) غرفة. خرج منها. والورقة ماتزال بيده، تلاشى في رواق، ظهر من رواق آخر، وقف إلى الموظف رقم (918). صافحه.. تكلما.. تفارقا.. سار.. انعطف غاب..؟ ظهر..يصافح.يبتسم.يتكلم.يودّع.يتصل... ينفصل.. يدخل.يخرج.يتبعه.يقترب. زاغت عينا الرجل المسافر، وهما تتابعان حركته، عاد الموظف رقم (4251) إلى الرجل المسافر، الذي داهمه شعور غامض بالارتياح، الموظف متفائل.. مبتسم: "هل استطاع حلّ المشكلة؟” قال الرجل في نفسه: مدّ الموظف الورقة إلى المسافر وهو مايزال يبتسم، قال: - هذه لا تصلح. - لماذ؟! - لأنها لا تصلح.. فيه خطأ. - ماهو هذا الخطأ. - الخطأ هو الخطأ.. الخطأ عكس الصحيح - لم أفهم ياسيدي. - أنت تضيّع وقتي. - ولكن؟!.... - تعليمات من - تعليمات المسؤولين - أرشدني من فضلك إلى أحدهم. - هذه ليست وظيفتي.. أكمل الموظف جملته، واتبعها ابتسامة مزهوّة، لكأنه أنجز مهمة خارقة، ثم انسحب مبتعداً عن المسافر، ودون أن يصغي إلى الكلمات والعبارات المتلاحقة والمتدفقة من فمه. عادت النحلة إلى الدوران والطنين في رأس الرجل المسافر، تلح عليه بالسؤال والاستفسار عن المسؤول. بالبحث عمّن يمكن توجيه السؤال إليه، تصاعد الطنين كالأبخرة: "المسؤولون.. مسؤولون.. مسـ..ؤو...لو..ن..لون..لون...ن...ن..." تسارعت حركة الكلمات كالدوامة.. دار رأس الرجل..كاد يقع. استراح قليلاً ثم جرى، وبسرعة كاريكاتيرية آلية، سأل جميع موظفي المبنى عبثاً، خرج منه، دخل مبنىً آخر، خرج، دخل ثالث. رابع سابع. مائة.. ألف....فـ... الرجل المسافر للموظف رقم صفر: - من هم المسؤولون؟! - المسؤولون هم المسؤولون... هم المسؤولون... المسـ... - شكراً... - الرجل المسافر للموظف رقم (9487539867)3 - هل تدلني على مكان أحد المسؤولين؟ - ليس لهم مكان محدد. الرجل المسافر للموظف رقم (؟): - هل تعرف اسم أحد المسؤولين؟ - أعرف أسماء المسؤولين التي حفظتها من كتب التاريخ.. - متى أستطيع أن أقابل أحدهم؟ - ؟؟!!؟ - أرجوك.. أرشدني.... - ربما بعد قرن - هل سأبقى كل هذه المّدة دون سفر.. -........... هزّ الرجل المسافر رأسه حزيناً، وهو يتخيل المسؤولين أشباحاً بلا شكل ولا لون، يصولون... يجولون... يسيّرون المصالح العامة... يديرون شؤون البلاد والخلق. يضعون التشريعات والأنظمة. يتخذون القرارات. يعاقبون.. يكافئون.. "ولكن كيف يتم ذلك؟! ولماذا؟!" لو يحالفه الحظ، ويظفر بأحدهم!! "حينئذ يمنحونني ما أشتهي.. يحلّون مشاكلي... ليتني واحد منهم، مؤكد أنهم يعتمرون "طاقية الإخفاء".. لو أصبحت منهم أستطيع أن أسافر وأعود.. وأفعل مايطيب لي، دون حاجة لمراجعة موظف ولا مسؤول. وراح الرجل يضحك... ويقهقه بصوت ارتفع... وارتفع.. ثم هبط فجأة كالزئبق في مقياس حرارة، وضع في قالب من الثلج.
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصندوق : قصة قصيرة
-
خطبة على الهاتف : قصة قصيرة
-
خاتم السوليتير
-
المؤامرة: قصة قصيرة
-
المرآة: قصة قصيرة
-
حادثة أبي طاهر التي لاتصدق
-
الخناس: شعر
-
المسافة: قصة قصيرة
-
رجل تحت الأنقاض
-
إنها سيدة محترمة : قصة قصيرة
-
كوني فأكون: شعر
-
سوسن وعيد الأم
-
القرش والأسماك
-
ابتسامات دعد
-
المفترسان
-
الولادة الأخيرة : قصة قصيرة
-
موجة عابرة في سطح صقيل
-
ولكن غدا لم يأت
-
جريمة في ملف النمرود: قصة قصيرة
-
الولادة: قصة قصيرة
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|