|
النباتات والطقوس السحرية بجبال الأطلس الكبير الشرقي المغربية
لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)
الحوار المتمدن-العدد: 3491 - 2011 / 9 / 19 - 17:03
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يستخدم سكان جبال الأطلس الكبير الشرقي النباتات في كثير من الطقوس بما هي محلولات أو مواد ضرورية لإنشاء العقد السحرية وإنجاحها. فالطقوس السحرية قد تكون فردية، وقد تمارسها جماعة معينة الأسرة والعشيرة والقبيلة بأكملها، لاشتراك أفرادها في مستقبل واحد، ومصير واحد، وحظ واحد. ونود أن نسجل أن السحر الفردي والجماعي بالمنطقة الجبلية مشروط نجاحه باعتماد النبات كمحولات أو كمساحيق أساسية في الخلطات، أو كمادة ضرورية في دخان البخور. وقد تشكل النبات مكونا متمما لفعل الكتابات السحرية المغلفة في أحراز، أو مدونة في أوان تمحا بالماء، بعد جفاف صمغها، فيشرب من سحر له خليط الصمغ والماء، وهو خليط ذو تأثير فعال. وفي بعض الأحيان تعد الخلطات السحرية في شكل شراب مختلف ألوانه ومتنوع وقعه السحري. وبشكل عام، فالطقوس السحرية المرتبطة بالنبات يطبعها البياض في الغالب، حيث ندر توظيف النبات أوراقها بذورها دخانها في سحر أسود، يرجى منه التفريق بين المرء وزوجه على سبيل المثال. ولئن كان السحر الفردي مباح في كل أيام السنة، فإن السحر الجماعي مرتبط أشد الارتباط باليومية الزراعية التي تناسب السنة الشمسية وفق التقويم الأمازيغي الذي يوافق التقويم الجولياني القديم. فالسحر القائمة عقده على النباتات في طريق النسيان والزوال بفعل التحولات القروية التي شهدتها القرى الجبلية، ابتداء من منتصف السبعينات من القرن الماضي، والتي تعمقت بانتشار الدخل غير الزراعي في الوسط والنزوع نحو الهجرة، الذي عمقه جفاف الثمانينات. 01- النباتات والطقوس السحرية الفردية معظم الطقوس السحرية الفردية المرتبطة بالنباتات تمارس في الغالب في المساء، أوفي ليلة مقمرة في بداية الشهر القمري أو نهايته. ويمكن أن تمارس في الصباح الباكر قبل طلوع الشمس بقليل. وفي جميع الأحوال فالعمل السحري الفردي خاصة،لا يفلح في الأوساط المشمسة، وأما الطقوس السحرية الجماعية المرتبطة بالخصوبة بما فيها الأعراس، وإن كانت تخشى السطوح المشمسة، فموعدها في منتصف الشهر القمري حيث تسود البذر طيلة الليل. ومن بين الطقوس المرتبطة بالنباتات نسجل ما يلي: - الزهور الحمراء: توظف الزهور الحمراء في استرجاع المحبوب مثل زهرة شقائق النعمان (بنعمان)، والورود. ومن الزهور الحمراء التي تشكل مادة أساسية في تحنيط الجثث (momification) كالورد على سبيل المثال لعلاقة التحنيط بالحفاظ على الفقيد أملا في عودته إلى الحياة ثانية. - اللفت: خضرة اللفت والبيض من المواد المكونة للسحر الأسود الذي يفرق بين الأحباء وينشر الكراهية بينهم. توظف اللفت كسطح لكتابة الطلاسم قبل أن تقدم ضمن مواد غذائية في طبق سحري يقدم للمسحور له. وأما البيضة فتدفن في الغالب في مفترق ثلاث طرق، وقد توظف البيض في تعقيم النساء وتعطيل خصوبتهن. - الريحانMyrte : يقوي الريحان المقاومة الجسدية وصمود الذات لذلك يشكل مكونا رئيسيا في تحنيط الجثث. - الدفلى: الدفلى (Laurier rose) أو (أليلي) بالأمازيغية حاضرة في كل الطقوس السحرية كمادة البخور، أو كشراب مر، أو كعصا سحرية تلطخ بالدم البهائمي لخدمة أغراض سحرية. ومن العشائر التي تعتقد أن عصا النبي موسى من الدفلى، ومنهم من يطلق على النبتة ورق سيدنا موسى. ولئن كانت صلاحيتها السحرية ضمان النجاح في كل المهمات فإن الدفلى نبات الخصوبة بامتياز. يعالج دخان الدفلى أمراض العين. - السدر: يعالج مرض المعدة والحمى وذلك بطبخ أوراقه لاستخلاص شراب للغاية، كما يساعد على تثبيت عقد السحر. - الصلاع: توظف النبتة في إزالة السحر، وذلك بتظهير النبتة من التراب وطبخها لاستخلاص شراب يساعد المسحور على إخراج المادة الغذائية السحرية من بطنه بالقيء أو عن طريق التبرز. - النبات التي يسكنها الجن غلى جانب الدفلى: الحرملPeganum harmalal، إيورمي Iwrmi (بالأمازيغية)، أفساس Afessasse (بالأمازيغية)warionaiae saharae . - النعناع Menthe : يعتقد سكان الأطلس الكبير الشرقي بأن النعناع نبت في أرض أفرغ فيه كرش كبش النبي إبراهيم الذي كان فدية للنبي إسماعيل لذلك تفيح منه رائحة من روائح الجنة. ولأن للنعناع علاقة بالكبش وللكبش علاقة بالخصوبة لدى الأمازيغ فإن هذه النبتة توظف في كل الطقوس السحرية التي تدعم النشاط الجنسي لدى الرجل. لكن قبيلة أيت يزدك نشا لديها اعتقاد مخالف في السنوات الأخيرة فانتشر لديها ما يفيد أن النعناع يسبب البرود الجنسي. وتظهر القوة السحرية لنبات النعناع في الأغنية الأمازيغية التالية: Mc ur swigh A Tag s naanagh A wa ighawt ca g ighf inu Mc ur tcigh Imiq n imarghan Nnegh d ayt taddart inu تفسيره: إذا لم أشرب الشاي المطعم بالنعناع يعاني رأسي من الصداع وإذا لم أكل المرق يقع شجار وشنآن بيني وبين أهلي كل هذه الطقوس الفردية تتخذ الكتابية مرجعا لها فتحترم الطلاسم كاملة ولا تفتأ تعتمد من النباتات سوى ما هو محلي ولا يستورد إلا الريحان والحناء. وفوق ذلك ترتبط هذه الطقوس باليهود الأمازيغ الذين هاجروا المنطقة كلية. 02- المنظور القبلي والعشائري للطقوس السحرية المرتبطة بالنبات لا تزال الذاكرة الجماعية لسكان الأطلس الكبير الشرقي تحافظ على الطقوس السحرية الجماعية والشعائر المرتبطة بالنباتات، منها ما لا يزال قائما، ومنها ما اختفى بفعل التحولات القروية. ونميز في الميدان الشعائر والطقوس التالية: أ – جماعة الحطابين «إنزدامن» اشتهرت جماعة الحطابين في جبال الأطلس الكبير الشرقي وفي منطقة الأوراس بالجزائر، لكنها اختفت، الآن، تحت المراقبة المستمرة والمنظمة لحراس الغابة ابتداء من الثمانينات من القرن الماضي. فأثناء الإعلان عن موعد الأعراس الجماعية، في شهر شتنبر بعد الاعتدال الخريفي، يتطوع أفراد القبيلة للبحث عن الحطب، الأعواد اليابسة، بالمحيط المجاور يكفي للتدفئة وطهي الطعام طيلة أيام العرس التي كانت تدوم في الغالب ثلاثة أيام. ينقسم المنخرطون في الحطب الجماعي إلى فرق يناسب عددها عدد الأسر المحتضنة للأعراس. وأما النساء فينقطعن لترديد الأشعار والصلوات طيلة المدة التي يقضيها الحطابون في المحطب المجاور. وفي المساء تستقبل النساء جماعة «إنزدامن» بالغناء والزغاريد. تعد شعيرة «إنزدامن». تعد شعيرة «إنزدامن» واحدة من شعائر التضامن المرتبطة بالنباتات بجبال الأطلس الكبير الشرقي. ب – حفلة يناير الأمازيغية حفلة نباتية بامتياز يحتفل بحفلة يناير الأمازيغية السكان المستقرون، وهي حفلة تعرف ب(حاكوز). يهيأ لهذه الحفلة طبق من الطعام الكسكس أو العصيد، أساسه سبعة أنواع من الخضر الجافة، يتم انتقاؤها حسب المتوافر من الخضر التالية، العدس، الفول، الذرة، القمح، الفاصوليا، الحمض، اللفت، الجزر، الجوز، اللوز، الخوخ الجاف، نواة التمر،...الخ. وأما الأسر الميسورة فلا تتردد في نحر الديك احتفالا بالمناسبة. يعرض الطبق في وجبة العشاء التي يحضرها كل أفراد الأسرة. ومن العشائر التي تحتفظ بنصيب الغائبين في أكياس خاصة الفتيات المتزوجات، السجناء من أفراد الأسرة. ج- حفلة فاتح غشت يحتفل الرحل بحفلة فاتح غشت وهي حفلة تشبه إلى حد بعيد حفلة (حاكوز) المستقرين. تصادف هذه الحفلة فاتح غشت بالتقويم الأمازيغي الذي يوافق التقويم الجولياني. وتختلف حفلة الرحل في كون الطبق المخصص لها يحوي كل النباتات التي يتغذى منها الإنسان والحيوان أيضا (ألزاز بالأمازيغيةDaphne gnidium، الشيحArmoise(artimissia herba alba) ، أزيرRomarin ...)، لكن بكميات قليلة، ويضاف لهذا الطبق قليل من روث الحيوان (تبروكت)، ونواة التمر. وكل من عثر على النواة في الطبق يعد ذا حظ سعيد (أزوهري). تمارس في هذه المناسبة عملية التنجيم الزراعي للتنبؤ بمصير السنة الرعوية التي تبدأ من فاتح غشت. بيان العملية أن الرحل يضعون كمية من الصوف في سطح الخيمة مدة ليلة فاتح غشت. وفي الصباح الباكر يحضرون لتمييزها فإن كانت مبللة بالندى فالسنة الرعوية المقبلة رطبة، وإن لمسوا بها الجفاف، فعليهم بالاستعداد للترحال بحثا عن مواطن الكلأ التي تحتوي على غذاء ينقد الماشية. د- شعيرة (تفسوت - تيفسا) تصادف شعيرة تفسوت الاعتدال الربيع 10 مارس بالتقويم الفلاحي. وهناك عشائر تفضل أن تحتفل يوم 07 مارس. تعد للمناسبة رغائف من الخبز تحوي سبع ثقب، يناسب عددها عدد أفراد أسر الجيران. ويتم تبادل هذه الرغائف لضمان التعاضد والتآزر. وتعد كذلك حريرة مطعمة بالفصة تعبيرا عن دخول موسم الاخضرار، ونواة الخوخ. تأثرت شعيرة تيفسا كثيرا بالفصح اليهودي. هـ – حفلة العنصرة تاريخ الاحتفال بالعنصرة الأمازيغية (la pentecôte) متأخر بأكثر من شهر عن العنصرة المسيحية، حيث تصادف يوم 24 يونيو بالتقويم الأمازيغي (الجولياني)Le calendrier julien . وأما موعدها فثلاثة. فالرحل يفضلون الاحتفال بالمناسبة ليلا، وأما المستقرون فمنهم من يبتغي الاحتفال بها قبيل طلوع الشمس ومنهم من يود وقت العصر. ويبدو أن أفضل المواعد وخيرها عصر يوم 23 يونيو بالتقويم الأمازيغي. ذلك أن اليوم القمري يبدأ مع مغرب الشمس بعد مغرب الشمس، وينطلق اليوم المدني مع الساعة الثانية عشرة ليلا، وأما اليوم الأمازيغي فيبدأ بعد العصر الذي كان يحدد، قبل ظهور الساعة الميكانيكية بقياس طول ظل قامة الإنسان، فإن كان مساويا سبعة أقدام فوقت العصر قد دخل. تصادف العنصرة الأمازيغية مناسبة ميلاد النبي يحيى المعروف بيوحنا المعمدان (John Babtiste). كان سكان جبال الأطلس الكبير الشرقي يحتفلون بالعنصرة بإيقاد نار قوية كبير لهبها، فيشرعون في القفز على اللهب، وبعد ذلك يتجهون نحو النهر لممارسة السباحة (أي التعميد). ومن العشائر المستقرة التي تعلن العنصرة موعدا للأطفال لممارسة السباحة بالأودية زيز، غريس. تشكل العنصرة مناسبة لممارسة شعيرة سحرية مشهورة تقوم على البخور بالنباتات المتواجدة في الميدان. فالرحل يقدمون على حرق كميات قليلة من كل النباتات التي تتغذى بها الماشية والنحل، الحرمل، الشيح armoise (إزري)، ألزاز بالأمازيغية daphne gnidium ، إزيكنوبالأمازيغية، Thym sariette du Maroc الرطم ( ألكو)، الدفلى (أليلي) Laurier rose، لشم دخان العنصرة من لدن البشر والحيوان، ومن العشائر التي تحرق سبع أنواع من النبات دون إغفال اختيار الحرمل والدفلى. ويرى الرحل من قبيلة ايت مرغاد وأيت سغروشن أن دخان العنصرة يقوي الشهية لدى الماعز والغنم. وبمعنى آخر، فكل نبتة لم تشم الماشية دخانها يوم العنصرة، تعزم عن تناولها في المرعى طيلة السنة. وأما المستقرون فيقتصرون على تطعيم موقد العنصرة في الصباح الباكر، بالرطم والحرمل والدفلى، ومنهم من يضيف أغصان الزيتون، وفلييو بالأمازيغية menthe pouliot، وتيمرصاد menthe sauvage (Mentha rendifolia) . والهدف من دخان العنصرة تخفيض أعداد الذباب بالمنازل. وللحرمل مدلولات رمزية أخرى سنبينها في الفقرات الآتية. وباختصار تختلف مكونات دخان العنصرة حسب المواقع، لكن الغاية واحدة فبالدخان يتم الاتصال بالعالم الماورائي، وبالدخان يعلن عن موسم حصاد القمح وجني المشمش، وفتح خلايا النحل لاستخلاص العسل. و - شعائر الحناء الحناء نبتة تكاد تحضر– ولو في الحسبان– في كل طقوس الفرح والقرح بجبال الأطلس الكبير الشرقي، فضلا عن استعمالها في علاج الجروح. يتحنا جبال الأطلس الكبير الشرقي تحنؤا كاملا في مناسبة الأعراس وحفلات الختان، والعقيقة، والأعياد. ويعد الحناء فضلا عن ذلك لخضب نساء الضيوف تكريما لهن وتعقيم أجسادهن من الأرواح الشريرة، جريا على التقاليد الأمازيغية عامة. والحناء لغة التواصل مع الماورائي عبر شعائر متنوعة ذات بعد رمزي. ويختلف شكل التخضب لدى الإناث من الأطفال عن الذكور في مناسبات الأعياد. فهو شامل لدى البنات، لشموله الأطراف العليا والسفلى، وجزئي لدى البنين لاقتصاره على اليدين فقط. وفي حفلات الأعراس والختان فإن التخضب يكون شاملا للمعنيين بالمناسبة العريس أو الطفل الذي ستجرى عليه عملية الختان. ويعد ميدان تخضيب العرائس ميدانا سحريا بامتياز، حيث ينتر فيه الحرمل والملح، لإطفاء مواقع الجن. يتخذ التخضب الجزئي لدى الأطفال أشكالا رمزية ذات أصول ثقافية قديمة. فالتخضب لدى البنين منتظم في رسمين اثنين، رسم يرمز إلى الشمس «تفويت» في اليد اليمنى، وهو رمز أمازيغي مقدر، ورسوم متنوعة في اليد اليسرى يطلق عليها «أيور» أي القمر بالأمازيغية. فأما رسم الشمس فهو قرص من الحناء، يكاد يغطي راحة الكف، وأما رسوم القمر فيمكن أن تتخذ أشكالا متعددة، أو نقطا متناثرة، أو خطوطا منعرجة، أو مربعات، أو رسوم طيور وحيوانات..، لأن الهلال شكل من بين الأشكال المعتاد رسمها بالحناء باليد اليسرى. ومن أشكال الهلال: - الدائرة: ترمز لدى الأمازيغ إلى المطلق. - الدوامة أو الإهليليج: ترمز إلى الماء والقمر والخصوبة، والعنصر الأنثوي. - المربع يرمز إلى القمر. - الصليب (+): يرمز إلى النجوم الزاهرة. والغريب أن سكان جبال الأطلس الكبير الشرقي يحبون أن تخطب حيواناتهم بالحناء كالبقر، والغنم، والقطط، والكلاب، مما يبين أن الحناء لا يقتصر على التكريم، بل هو خلطة سحرية يجب الوقوف عند مكوناتها وأهدافها. يشترط في خلطة الحناء الملح والحرمل لأنهما يطفئان مواقع الجن. ولا غرو، فخلطة الحناء المملحة تكفي لتعقيم أجساد النساء وإبعاد كل شر آت عبرهن. وفي حفلة الحناء التي تدرج في برامج الأعراس في الليلة الثانية من الحفل، تقام طقوس مقوية للحناء بما هي خلطة سحرية محضة. ومن العشائر التي تنفرد بجبال الأطلس الكبير الشرقي- بممارسة طقوس الانتصار في حفلة الحناء. فلما يجلس العريس في ميدان الحفلة مستقبلا القبلة، لابسا البرنس الأبيض وأما حفلة تحنؤ العروس فتجري بعد الانتهاء من تحنؤ العريس بقليل، وهي حفلة النساء وحدهن، لدى بعض العشائر، أو حفلة يشترك فيها الرجال والنساء، تتلى فيها بعض الصلوات الصوفية، إلى جانب أهازيج أمازيغية. 03- النباتات والطقوس الجنائزية تحنيط الجثث شعيرة أمازيغية مرتبطة بالنباتات تتم بخلطة تعد للغاية. تتكون خلطة التحنيط من مسحوق المواد النباتية التالية، الورد، والريحان، و40 حبة من القرنفل girofle (Syzygium aromaticum) (النوار)، والجاوي، والمسكة الحرة، والخزامة، والزعفران. تمزج الخلطة بماء الزهور فيخطب بها 11 قطعة من الصوف إن كانت الجثة امرأة و10 قطع إن كانت ذكر. توضع قطع الصوف المخطبة بخلطة التحنيط في فجوات جسم الإنسان، الفرج، المخرج، الفم، العينان، الأذنين، الإبطين. وبعد ذلك، تكفن الجثة لتنقل بواسطة النعش إلى القبر. ومن العشائر التي تتلو بعض الصلوات أثناء إعداد مساحيق خلطة التحنيط. وإذا استثنينا الورد والخزامة فإن كل المواد النباتية مستوردة من خارج المنطقة. 04- نماذج من النباتات الرائدة في السحر والشعوذة سنقتصر هنا على ثلاث نماذج، الحرمل، والصفصافLe peuplier ، والحلفاء. أ- الحرمل الحرمل، نبتة جبال الأطلس الكبير الشرقي، التي لا تنمو إلا في البيئات المتدهورة بفعل تدخل الإنسان. والمقصود بها، هنا، تلك الأوساط التي كانت من قبل موضع الدور والقصور والخيام أو الأسواق والمزارع المهجورة. تفسير ذلك، أن كل رحاب يخضع للاستغلال اللازراعي يجرد من الغطاء النباتي الطبيعي، وقد يغطى ويجرد من عوامل الإنبات كالتربة والتشميس والتهوية والرطوبة مثال مواضع الدور والخيام والقصور. وبمعنى آخر، فالمجال المعمر متدهور بيئيا، قد يتغير بالتدريج حين تندرس العمارة وتزال الخيام ويهجر بساط التسويق لسبب ما فيصبح المجال المستغل معرضا للتهوية والتشميس والأمطار فتغزوه بعض الأعشاب الطبيعية يتقدمها الحرمل. ولئن كان الحرمل أول الغزاة، لوسط انتزع بالأمس من المحيط البيئي، فإنه لا يفرض الصراع على الأعشاب، بل يوفر لها بيئة للبقاء والنمو والتكاثر. وباختصار شديد، يخضر الحرمل في أول الربيع أمام الكهوف والمغاور وفي أنقاض القرى القديمة ، والأماكن المهجورة التي كانت من قبل موضعا لانتصاب الخيام (أمازير) أو مأوى قطعان الماشية. ويمكن القول، إن الحرمل دليل المواقع دليل المواقع الآثارية، أو على الأقل حيثما يوجد الحرمل توجد بقايا الإنسان. ولما كانت هذه النبتة تتقفى دوما آثار الإنسان في النطاق البيومناخي الجاف فقد تحولت إلى رمز التبرك ذي الدلالة الخاصة المرتبطة بالثقافة الزراعية، ولها دورها في السحر والشعوذة. وبعيدا عن المعتقدات فالحرمل يخلق وسطا بيئيا أخضر ويدمل جرح بيئة متدهورة بفعل تدخل الإنسان. وقبل ذلك، فهو فحقوله ملاذ النحل ومادة غذائية له، وقد تتحول إلى محمية غير محروسة للديدان والفئران والخنافيس والزواحف والأرانب والذئاب والحجل. إنه وسط حي، وإن شئت وحدة متجانسة في وسط متدهور بفعل تدخل الإنسان. وتعد زهرة الحرمل مادة غذائية للنحل لأنه تحوي رحيقا متميزا. ولما كان العسل الذي يخرج من بطون النحل يحافظ على خصوصيات الزهور المهيمنة في المنتجع فإن لعسل الحرمل ميزة خاصة. فمن جهة، يعد شفافا كالماء أو الزيت أو الزجاج، ومن جهة ثانية يعالج الكثير من الأمراض. يكثر عسل الحرمل في الموسم الرطب، ويندر كلما ساد الجفاف وانخفضت نسبة التساقطات، وتلك مفارقة تسترعي الانتباه، وتستدعي التوضيح: ففي الموسم الرطب ينتج النحل ثلاثة منتوجات: - منتوج نبتة (أزير)(Romarin) ويتوفر في الخلايا ابتداء من اواخر شهر أبريل. ومعلوم أن نبتة (أزير) تشرع في الإزهار مع حلول شهر فيراير، إن تلقت السفوح الجنوبية الشرقية لجبال الأطلس الكبير الشرقي المشمسة، كمية هامة من التساقطات خلال شهري دجنبر ويناير، حيث تشرع النحل في التردد، في وقت مبكر، من الفصل الساخن، لتملأ بطونها بالرحيق الذي تحوله إلى شراب أصفر، يدعى عسل (أزير)، وهو عسل يجمد في القارورات والأواني وكأنه يتخثر كالدم. - منتوج مختلط يتكون من رحيق زهور مختلفة كزهور الأشجار والأعشاب ويتوفرفي الخلايا مع حلول منزلة العنصرة المذكورة. - منتوج الحرمل وهو المنتوج الأخير الذي يملأ الخلايا في فصل الصيف. وفي حال ندرة المطر وضعف ميزانية التساقطات يندر الزهر فينتج النحل منتوجا واحد، في أحسن الأحول، مكونا من مختلف أنواع الزهر، وبالتالي فزهور الحرمل تشكل مكونا أساسيا من المكونات الزهرية التي يحويها منتوج العسل، في الموسم الجاف. وبعبارة أخرى، إن كان الحرمل لا يتأثر بالجفاف، فإن تأخر إزهاره يجعل منه غذاء مضمونا أساسيا، أو داعما النحل في دفعه شبح الانقراض أو الهجرة القسرية. وما أكثر اللحظات التي لعب فيه الحرمل دورا غير منكور في إنقاذ الخلايا بالأطلس الكبير الشرقي. وإلى جانب دور عسل الحرمل في التطبيب وفي وصفات الطب الشعبي فإن للنبتة حضورا لدى الساحر والمشعوذ. ولقد قيل عنه إنه يعالج جميع الأمراض الروماتيزمية التي تسبب أوجاع الظهر والركبتين والساقين، كما يعالج السعال الناتج عن نزوات البرد القارس المفاجئة. ويروى أنه يعالج كذلك أمراض العقم لدى النساء كما يعالج توقف الحيض. وتقضي الوصفة إعداد خلطة من الحرمل والعسل وتناولها في الصباح قبل الفطور. ولا غرو، فنبتة الحرمل مطلوبة بإلحاح في الأسواق المحلية. وهناك معتقدات مرتبطة بالحرمل قائمة على أساس أن الحرمل يتقفى دوما آثار الإنسان، كالجن، وينمو بجوار المنازل وفي كل مكان وطئته أقدام البشر. وأنه ينمو في موعد محدد كيفما كانت طبيعة الموسم الزراعي، وتلك خاصية قل وجودها في النباتات المعمرة السهب. ومن جانب آخر، فالحرمل من النباتات التي تعرف البيات في الفصل البارد، ولها أسلوب خاص في ذلك، فلا تبيت بإسقاط الأوراق كما هو حال النفضيات (caduc) ولا تبيت بتجميد والحفاظ على الاخضرار، كما هو شأن الفصة والأعشاب الأخرى، إنها تبيت بإسقاط الورق والجدع والفروع، أي أن هيكلها الخارجي يصفر ويموت ويختفي. ومما لا شك فيه، أن هذه الخاصيات هي التي رسخت اعتقاد يفيد أن النبتة – يسكنها الجن- نبتة سحرية بصريح العبارة، بل إنها تطفئ مواقع الجن كما تشير بعض الكتب الصفراء. وتعالج نبتة الحرمل مرض الحمى حسب الاعتقاد المحلي، إذ يكفي أن يتردد المريض على شجيرة الحرمل ليغتسل فوقها في الصباح الباكر، ثم يعود إلى مرقده، ولما يحس بالشفاء، يقوم يجزي الشجيرة جزاء وذلك بسقيها بجرة الماء (أقليل) بالأمازيغية. ونسجل أن الجنة حاضرة في اعتقاد الإنسان الذي يعيش في بيئة الحرمل، لأنها بيئة متدهورة ومهمشة ومنسية بالإطلاق. ولا غرو، فحين تغيب التنمية يسود التخلف وتتعشش الميتافيزيقا والميتولوجيا في الأدهان، ويتسع مجال الرمز والمقدس ويندر الملموس المدنس. إنها خاصية مجتمعات الحرمل المهمشة. وللحرمل موسمه الذي لم يهتد إلى إحيائه الجهات الرسمية، أو على الأقل يفتقر إلى ملكات الجمال كما هو شأن التفاح والورود، وحب الملوك. ففي يوم 24 يونيو بالتقويم الأمازيغي، يستقبل الكانون والمجمر نبتة الحرمل فيغمر دخانها كل البيوت والخيام والإسطبلات، كم تعلق النبتة في اعتاب المنازل وفي سقوف الدور، ومن لم يفعل ذلك فهو مجنون. واللافت للانتباه أن سكان الأطلس الكبير الشرقي لا يفتأون ينعتون كل من يرتكب الأخطاء ويركن للعبت أنه (لم يعنصر)، وكأن الاحتفال بالعنصرة تجديد الرجول والرشد والصواب والرزانة، وعدم الاحتفال بها فقدان الصواب والزيغ والانحراف. وفي السياق ذاته توضع نبتة الحرمل على محصول الحبوب بعد عزله عن التبن لإضفاء التبرك عليه. ويروج في اعتقاد سكان جبال الأطلس الكبير الشرقي أن للجنة نصيبها في مخزون الحبوب وركازات الذهب والفضة، وأن نبتة الحرمل تستطيع إطفاء مواقعها وتبعدها بالمرة عن أماكن الخزن والادخار. لأجل ذلك، يلجأ الفلاحون إلى وضع الحرمل في جميع الفجوات والثقوب التي مكن أن تتسرب منها الجنة إلى المنازل. وباختصار، فالنبتة حاضرة في وصفات المشعوذ، إلى جانب طلاسم الساحر وفي التمائم والبخور، التي ترهب الجن وتحمي الإنس، وهي وسيلة الاتصال بعالم الغيب الذي تغمره الشياطين والجنة. ب- الصفصاف الصفصاف شجرة مقدرة لدى الناس أجمعين في كل زمان ومكان. تنمو قرب مناهل الماء وفي جنبات المجاري السطحية كالخطارات والوديان والسواقي وتتكاثر بالترقيد أو الافتسال. دخل الصفصاف عالم الطب منذ عهد الإغريق حيث استعمله الطبيب أبقراط في تخفيف آلام الوضع لدى النساء. وفي الأطلس الكبير الشرقي، تعد أعشاش الصفصاف ميدانا لممارسة الشعوذة. ذلك أن أشجار الصفصاف الأبيض تحتوي في جذوعها على مغارات أو أوعية تملأ عادة بسائل أسود تصمغه الشجرة، يوظف في الكتابات السحرية. يجفف السائل الأسود في الأماكن المشمسة فيملأ محابر السحرة حبرا أسود. ولأن الصفصاف يحتوي على مادة الأسبيرين كما أثبت أحد العلماء (فيليكس هوفمان)، فإن الشراب المستخلص من الكتابات السحرية بصمغ الشجرة مسكن لا مثيل له. فالساحر يكتب الطلاسم في إناء خزفي طاهر ثم يأمر المريض أن يمحو تلك الكتابة بالماء النقي فيشرب ذلك الخليط ليحس بالهدوء والسكينة. ج- الحلفاء الحلفاء من فصيلة الشوكيات تنتشر في الميدان على شكل غابات. إنها مادة غذائية لجميع الثدييات العاشبة التي تربى في الاسطبلات أو ترعى في المراعي، وهي مادة حطبية كذلك، كانت تستعمل في الإنارة قبل عصر البترول، ومادة أولية لصناعة الحصائر وأوعية عصر الزيتون بالمعاصر. تحضر الحلفاء كثيرا في الطقوس الجنائزية، ففي بعض القرى يفضل السكان استعمال النعش المصنوع من الحلفاء على النعش الخشبي في حمل الموتى إلى المقبرة. وللنعش المصنوع من الحلفاء بعض الإيجابيات الرمزية. فمن جهة، لم يرفع الميت فوق رؤوس الأحياء كما هو الحال في النعش الخشبي، وفي ذلك انتصار الحياة على رموز الموت، ومن جهة ثانية يسمح نعش الحلفاء باشتراك عدة حمالة، ثمانية أشخاص مقابل أربعة في النعش الخشبي. ولا شك أن لكثرة الحمالة دلالة خاصة، سيما إذا كان بساط القبر بعيدا عن المجال المعمر. ومن جهة ثالثة يسمح نعش الحلفاء بإدراك وضعية الميت، رأسه، يمينه، شماله، ليسهل وضعه في القبر مستقبلا القبلة. وفي النعش الخشبي يحدث الارتباك في الغالب، أو يفتح مجال للتداول على وضع الجثة في القبر. ولزهور الحلفاء (أطاف) دور في إزالة السحر كما يرى المشعوذون المحليون، وله دور فعال في التخفيف من نسبة السكر في الدم.
#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)
Ait_-elfakih_Lahcen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صيف حقوق الإنسان الساخن بجهة مكناس تافيلالت المغربية في الصح
...
-
التربية على حقوق الإنسان بالمدرسة المغربية وحرية الموقف
-
حصيلة الاستعمار الفرنسي في المغرب
-
الرشوة في المغرب والذاكرة الجماعية بالجنوب الشرقي المغربي في
...
-
متحف الريف، بداية حسنة لمستقبل ممارسة المتحف والحفظ الإيجابي
...
-
النباتات والأعشاب بالأطلس الكبير الشرقي بين الغذاء والطب الت
...
-
ذاكرة الاعتقال السياسي الحية بالجنوب الشرقي المغربي
-
حقوق الإنسان بجهة مكناس تافيلالت في الصحافة المغربية المكتوب
...
-
قافلة جمعية إعادة تأهيل ضحايا التعذيب الطبية بين العلاج وجبر
...
-
إملشيل: التواصل والتنادي لتسوية الخلاف على حقوق جماعية كانت
...
-
خريطة فقر إيميلشيل أم خريطة الضرر الجماعي؟ – قراءة في كتاب (
...
-
سد الحسن الداخل والحقوق الجماعية بضاحية الرشيدية بالمغرب
-
حفل مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث في قراءة كتاب «إملشي
...
-
الأرض السلالية والحقوق الجماعية بإملشيل الشرقية- المغرب
-
الجهوية المغربية المتقدمة بين الوظيفة والانسجام - حالة الأطل
...
-
العمل الجمعوي وإكراهات الرموز الثقافية بالجنوب الشرقي المغرب
...
-
مائدة مستديرة حول وضعية المرأة، الإكراهات والرهانات - الرشيد
...
-
شبكة تفويت للدفاع عن المرأة بالجنوب الشرقي المغربي الأهداف و
...
-
التقرير التركيبي العام حول الندوة الوطنية حول الحقوق الثقافي
...
-
أية مكانة للمرأة المغربية في الجهوية الموسعة؟
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|