|
ماهو أدب الثورة في مصر ؟
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 3491 - 2011 / 9 / 19 - 13:53
المحور:
الادب والفن
أسئلة كثيرة تحتاج إلي تفكير وتأمل طرحتها علينا " 25 يناير " ، منها : أيمكن أن تكون هناك ثورة حقيقية في مصر بعيدا عن أن يكون الفقر والبؤس في مقدمة شعاراتها ؟ . أيمكن أن تكون هناك ثورة حقيقية بدون نظرية واضحة ؟ أيمكن أن تكون هناك ثورة حقيقية تحصر مطالبها في حدود الإصلاح السياسي ( إقالة الرئيس – تعديل الدستور- انتخابات نزيهة – محاكمة رموز الفساد – توسيع نطاق الحريات بمفاهيم ذات النظام الاقتصادي والاجتماعي ) ؟ . أما في المجال الثقافي فإن أسئلة أخرى تنبعث وتطرح نفسها بقوة بين المثقفين ، فقد انشغل فريق بأهمية وضع ما أسموه ب" الدستور الثقافي " ، واهتم البعض بما يسمى " أدب الثورة " وبتوثيق ماجرى . فما هو أدب الثورة ؟ . في معظم ما يكتب يتصور الجميع بحسن نية أن أدب الثورة هو تلك الأغنيات والصفحات الشعرية والنثرية والمسرحية التي رافقت وأعقبت " 25 يناير " ، هو تلك القصائد التي اندلعت في الميدان ، وخارجه ، والقصص التي كتبت على عجل وهي أقرب ما تكون إلي المشاهد والخواطر الأدبية ، وأيضا الأغنيات التي تناثرت هنا وهناك بأصوات شابة وكلمات غاضبة ، ثم هي العروض المسرحية التي تنتسب إلي ما يعرف ب " الكباريه السياسي " . وقد بدا للبعض أن طابع المفاجأة الذي دمغ " 25 يناير " ، قد يصلح لينطبق على الأدب، فكما ولدت ثورة لم تكن في حسبان معظم القوى السياسية ، فإن من الممكن أيضا أن يولد أدب لم يكن في حسبان أحد . لكن الأمر مختلف تماما ، فبينما تتصدى الانتفاضات والثورات لتغيير الواقع ، فإن الأدب يتصدى لرصد الروح والتغيرات التي تطرأ عليها واحتمالات انفتاحها على المستقبل ، وهي مهمة بحاجة لاختمار من نوع آخر، وتتم بصورة أكثر بطئا . لهذا لا يعرف الأدب " أدب الثورة " ، وقد نلاحظ أنه حتى الآن لم يكتب بعد عمل أدبي كبير يلم بكل أبعاد نكسة 67 ، ولا عمل أدبي كبير يلم بأبعاد حرب أكتوبر ، بل ولم يكتب عمل أدبي ضخم يعكس حتى ثورة يوليو . وقد احتاجت ثورة 19 نحو ثلاثين عاما لكي تختمر وتبرز على يدي نجيب محفوظ في " الثلاثية " . وليس معنى كل ذلك أننا نطالب بوقف الأعمال الأدبية التي تحاول مواكبة ماحدث في 25 يناير ، بالعكس نحن نطالب بالمزيد من تلك الأعمال ، لكن علينا ونحن نرحب بتلك القصائد وعروض الكباريه السياسي المسرحية والانطباعات أن ندرك أن ذلك كله يندرج في باب " الاحتفال الأدبي بالثورة " ، وهو احتفال له دوره وتأثيره الإيجابي . والآن .. هل يعني ما سبق أنه ليس لدينا " أدب الثورة " ؟ . بل لدينا . ولدينا الكثير من " أدب الثورة " ، لكنه ليس ذلك الذي ظهر بعد " 25 يناير " بل ذلك الذي ظهر قبلها ، أعني الأدب الذي واجه بشجاعة ودأب ظلمة ومظالم ثلاثين عاما من حكم مبارك ، وعرى الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي رسخه نظام الحكم . أدب الثورة هو أدب ما قبل الثورة . الأدب الذي مهد للثورة ، وشحن الشعور نحو الفجر ، وأرق الفكر ، وطرح التساؤلات ، والعذابات الروحية ، والضياع ، وأيضا الأمل . وحينما يقولون " أدب الثورة " أتذكر على الفور رائعة بهاء طاهر " واحة الغروب " وفيها يدق بهاء طاهر ناقوس الخطر محذرا من الخطر الذي يطبق على مستقبل مصر في ظل الأوضاع التي كانت قائمة حين صدرت الرواية عام 2006 ، يرصد بهاء طاهر التناقض الذي يمثل شرخا في شخصية المثقف المصري ، الثوري ، الضعيف ، الذي يقف دائما " في منتصف شيء ما " ، المثقف الذي يكره الحكومة لكن إذا أوفدته الحكومة مأمورا حاكما لواحة سيوة فإنه مستعد لجلد أهالي الواحة وسجنهم كما فعل أسلافه لكي يستوفي للحكومة الضرائب المقررة ، إنه يشفق على سكان الواحة لكنه مستعد للعمل معهم بمبدأ مستر هارفي الإنجليزي " فرق تسد " وذلك بإلقاء بذور الفتنة بين القبيلتين اللتين تقطنان في الواحة بحيث تسهل عليه السيطرة . ومن ثم فإنه يلخص أزمته بعبارة واحدة : " لا ينفع في هذه الدنيا أن تكون نصف وطني ونصف خائن ، نصف شجاع ونصف جبان " . وفي روايته الجميلة يضع بهاء طاهر ثقله كله خلف شخصية " مليكة " ابنة الواحة ، رمز الفن والذكاء والنهم للعلم والجرأة على تحطيم التقاليد البالية ، لكن " مليكة " الطائر الحر الوحيد تموت بطعنة سكين ، وهي طعنة يحذرنا بها بهاء طاهر من مصير مؤلم ، يحذرنا بعنف ، لكي نفيق ، وننتبه ، ونتحرك . حين يقولون " أدب الثورة " أتذكر رواية " أوان القطاف " لمحمود الورداني ( 2002 ) والرؤوس التي بترت من مطلع التاريخ وانتهاء بشهدي عطية الشافعي ، أتذكر رواية " طريق النسر" لإدوار الخراط ( 2002) التي عاد فيها إلي الخمسينات ليقدم حلقة حزبية من طلبة وعمال يجرفها الشوق إلي الثورة والعدل . أتذكر رواية محمد ناجي " الأفندي " ( 2008 ) التي عرى فيها ناجي الواقع الاجتماعي والثقافي من خلال " حبيب الله " وهو شاب أنهى تعليمه بكلية العلوم قسم الفيزياء ، لكنه يرمى بعلمه وثقافته وراء ظهره ويندفع بحثا عن القيمة التي يقدسها المجتمع الفاسد ، أي إلي البحث عن المال ، فينطلق إلي عالم تغيير الدولارات ومنها إلي السياحة حيث يقدم خدماته للزبائن كمرشد سياحي بدءا من الشقق المفروشة إلي النساء والمخدرات ، ويقفز بعد ذلك إلي شراء الأراضي والعقارات ، وصولا إلي المشاركة في صناعة الثقافة وذلك حين يجد من يقول له : " سأدبر لك أمر من يكتب باسمك ، بألف أو بألفين تصبح مشهورا : مفكرا أوروائيا أو شاعرا .. ادفع وافعل ماتشاء " . يعرى ناجي أمامنا مجتمعا أصبح شعاره " إدفع وافعل ما تشاء " ، اقتل ركاب عبارة وادفع واهرب من الحكم ، ادفع الرشوة وقم بالاستيلاء على الأراضي في أفضل المناطق ، ادفع واهرب من المحاكمة إذا قتلت راقصة ، إنه مجتمع كامل ، قام الأدب الحقيقي بتعريته . نماذج " أدب الثورة " كثيرة ، إنه الأدب الذي أشعل القناديل في العتمة وكافح في غمرة الظلام من أجل الثورة . هذا هو " أدب الثورة " .
*** أحمد الخميسي – كاتب مصري [email protected]
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لوزير العدل المصري .. سجل أنا مع الشغب !
-
ثورة يقودها أعداؤها !
-
يوسف إدريس .. عشرون عاما على الرحيل
-
- أحب ساراماجو - - قصة قصيرة
-
الثورة العزيزة .. ثانية !
-
عزيزتي الثورة .. تحية وشوقا ..
-
عن كنيسة إمبابة وحكاية الثور والبقرة
-
خطاب لم يرسل
-
الروس يكتبون : عن الجيش والثورة المصرية
-
مع الانتفاضة والحرية
-
فلاحة عارية تحت جسر الموت ..
-
أقباط الحجارة !
-
في بيت عمي فوزي حبشي
-
حول الثقافة الشعبية القبطية
-
الحب والفولاذ - قصة قصيرة
-
هرش قفا برلماني
-
- غير محافظ - على القاهرة !
-
فتش في دمائك عن السلم الموسيقى
-
تاريخ فقاعة - قصة قصيرة
-
زهرة الخشخاش .. وزمن شعلان الفنان
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|