أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله صقر - جحود الآبناء














المزيد.....

جحود الآبناء


عبدالله صقر

الحوار المتمدن-العدد: 3491 - 2011 / 9 / 19 - 03:59
المحور: الادب والفن
    


نحن فى زمن الجحود , نعم إنها القلوب التى أصيبت بالعمى النفسى والحسى والروحى , نعم رأيت بعينى هذا الجحود على أشكال عديدة , رأيت منذ يام أم مريضة , مرض عضال , وكنت ساعتها فى المستشفى لزيارة مريضة , رأيت هذه المسكينة تئن من المرض , يحملها أولادها , والشيئ الغريب أنهم رموها على سرير وتركوها , وفروا مسرعين , أسرعنا لحضور الممرضات لآسعاف المسكينة , وفى زيارتى الثانية لقريبتنا المريضة , سألناها عن هذه السيدة المسنة التى ألقوا بها أولادها , أقسمت بأن لا أحد من أولادها قام بزيارتها أطلاقا , وكانت طيلة أيامها تبكى بكاءا مريرا .
هل قسوة الابناء وصلت لهذا الحد ؟ وتذكرت بأن هناك أبناء يقتلون أباءهم أو أمهاتهم , وهناك صور كثيرة لجحود الآبناء , لى جارة عجوزلا تقدر على الحراك , لا تقدر على مساعدة نفسها, إنها مسنة ومريضة وتأتيها نوبة السكرى , فيغمى عليها بالساعات , معتا مفتاح شقتها لخوفنا عليها , كثيرا ما ندخل عليها أنا وزوجتى فنجدها ملقاة على الآرضية فى حالة يرثى لها , إنها تفقد الوعى لساعات طوال , لكن حين نتفحصها نجد عرق الحياة لازال ينبض , إنها والحمد لله لازالت على قيد الحياة , نظل أنا وزوجتى نعمل على قدر ما نستطيع لآفاقتها ورجوعها مرة أخرى للحياة , نظل ساهرين بجوارها نقدم لها الدواء وفى بعض الاحيان نستدعى لها سيارة الآسعاف , وعندما نقوم بزيارتها بالمستشفى تحتضننا أنا وزوجتى وأولادى و تظل تبكى , لآن أولادها لم يزوروها ولم يعلموا عنها شيئا , أنهم سعداء مع زوجاتهم , ولكن نسوا أمهم سر وجودهم فى الحياة , أمهم حملتهم فى أحشائها وتألمت وعانت فى حملها , وعندما جاءها المخاض كانت بين الحياة والموت , وما أكثر الآمهات اللاتى متن خلال الوضع , إنها الآم التى تلم بين جناحيها أبنائها , الآم التى تناساها الابناء فى مرضها الآم التى سهرت وربت وحضنت وداوت ودمعت وحزنت على مرض إبن من أبنائها .
إنها الآم أعظم ما حبانا الله بها , عنما أرى أبنائى يحتضنون أمهم , أشعر حينها بأسعد لحظات حياتى , لآننى أشعر بأنى وضعت فيهم البذرة الطيبة , بذرة الحنان , أستطعت أن أبعدهم عن الجحود الذى كثيرا ما يدمر حياة إناس أبرياء , وأقول لنفسى حتى لو لم يحتضنونى فكفى أنهم أشعروا أمهم بحنانهم وعطفهم , الام هى رمز الحياة وهى الينبوع الصافى الذى لا ينضب , أنا شخصيا شربت من حنان أمى ما لا يشربه أحد مثلى على وجه الآرض , شربت من حنانها الفياض لدرجة أنى أعطف على كل أم وأب مسنين .
بكيت دمعا أنا وزوجتى وأولادى على جارتنا العجوز لآفتقادها أولادها فى مرضها ومحنتها , هذه صورة حية قد عايشتها بنفسى , وهناك رجل مسن يعيش بمفرده , يعيش نفس المعاناة , إنه لا حول له ولا قوة , الجيران يقدمون له يد المساعدة , الطعام والدواء , وهو لا يعلم عن أبنائه شيئا , وهناك مسن أخر توفى , منذ عدة أيام ولم يعلم عنه أولاده شيئا , إلا أن الجيران أشتموا رائحة كانت كريهة صادرة من شقته , أنا أعلم أن هذه الحياة بحلوها ومرها لا تقبل إلا الآصحاء والآيوياء , إنى أخاف على كل أب وأم من جحود الابناء , أخاف من غدر الزمن على الضعفاء المسنين , إنها معادلة صعبة , كيف نرضى أبناءنا وهم فى صغرهم , وهم لا يرضون علينا فى كبرنا ونحن فى أحوج المساعدة لهم ؟!
هناك أبناء يسبون أباءهم وأمهاتهم بأقذر الآلفاظ , حتى أن هناك بنات يفعلن ذلك أيضا , فأنا عندما أنهيت دراستى الجامعية , وأصبحت رجلا كنت ذات يوم أدخن سيجارة , وشعرت بأن شقيقى الآكبر دخل المنزل وسمعت صوته , كدت أرتعد خوفا من أن يرانى بالسيجارة , وذلك كان نابعا من أحترامى لشقيقى الآكبر , فما بالنا من الجحود الذى استشرى فى كثير من البيوت من الابناء لآبائهم , وهذا بسبب عدم الاحترام للأهل .
قابلتنى أم فى الطريق كانت تبكى بالدموع , فاسترعانى هذا الموقف المؤلم والمؤثر كثيرا , فسألتها عن سبب بكائها , قالت لى : أبنى طردنى من بيتى حتى يخلو له الجو فى البيت له ولزوجته , وهناك أبناء أخرين ألقوا بأمهم فى دار المسنين والعجزة, ولم يقوموا بزيارتها منذ سنين , الاباء فى الكبر يصبحون ضعفاء , إذن ما هو سر هذا الجحود الذى قتل عاطفة الآبناء نحو أباءهم .
الانسان حين يكبر فى العمر يكون فى أمس الحاجة لمن يساعده ويسانده ويمد له يد العون والعطف والحنان , لآن قلوبنا فى الكبر تشيخ وتكبر وقوانا تخور وتهرم ونحتاج لعطف الابناء , نحبهم وهم صغارا ويكرهونا ونحن كبارا , هذه المقولة المحزنة سمعتها من أم مسنة باكية , قطعت بها نياط قلبى ومزقت بها كياتى , شاكية أمرها لله , وقالت حين كانوا صغارا , كانت الفرحة تملآ قلبى , ولدرجة أنى كنت أظل بألام الوضع ساهرة أرضع فى طفلى , وأنا أتألم ويعترينى السرور لكونى أحتضن جزء من أحشائى بين ضلوعى وساعداى , أظل أتفانى فى خدمته وأعمل على راحته ليل نهار وأفضل عدم النوم وأظل ساهرة بجواره وهو يذاكر أو اذا كان مريضا , الى أن يكبر وتمر الآعوام , عام وراء عام , ساهرة , حائرة , خائفة عليه من تقلبات الزمن وغدره , فكلما أراه يكبر , تكبر معه فرحتى , وعندما يكبرون ويصبحون رجالا أو نساءا , ماذا نجنى من جراء تعبنا معهم ! نحن نجنى الآسى والتعب النفسى والحزن وعدم الراحة جراء عندهم لنا وكرههم لنا , إن قلوبهم أقسى وأشد قساوة من الصخر علينا ونحن كبار فى العمر , إنه الجحود بعينه الذى أفقد فرحتنا بهم , وأفقد الآبناء حاسة الاحساس بالوالدين .



#عبدالله_صقر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الآخوان فى الميدان
- عصاية المطوع
- الخوف وقبر أمى
- ليه يا أمى
- وضاع الحلم الجميل
- بكيت على قبر أمى


المزيد.....




- مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عب ...
- أضواء مليانة”: تظاهرة سينمائية تحتفي بالذاكرة
- إقبال على الكتاب الفلسطيني في المعرض الدولي للكتاب بالرباط
- قضية اتهام جديدة لحسين الجسمي في مصر
- ساندرا بولوك ونيكول كيدمان مجددًا في فيلم -Practical Magic 2 ...
- -الذراري الحمر- للطفي عاشور: فيلم مأخوذ عن قصة حقيقية هزت وج ...
- الفلسطيني مصعب أبو توهة يفوز بجائزة بوليتزر للتعليق الصحفي ع ...
- رسوم ترامب على الأفلام -غير الأميركية-.. هل تكتب نهاية هوليو ...
- السفير الفلسطيني.. بين التمثيل الرسمي وحمل الذاكرة الوطنية
- 72 فنانا يطالبون باستبعاد إسرائيل من -يوروفيجن 2025- بسبب جر ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله صقر - جحود الآبناء