أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عبد الغني سلامه - وأد البنات بالزواج المبكر














المزيد.....

وأد البنات بالزواج المبكر


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 3490 - 2011 / 9 / 18 - 09:48
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


مارس بعض العرب في جاهليتهم "وأد البنات" كإجراء وقائي ضد العار واحتمالات الغزو والسبي، أو للتخلص من هَمّ البنت قبل أن تكبر ويكبر همّها معها، وهذه الجريمة إن اختفت فعليا من حياتنا، فإن دوافعها ما زالت ماثلة في عقولنا، ونمارسها بشكل غير مباشر، من خلال الزواج المبكر، فالمجتمع ما زال ينظر الى المرأة على أنها عورة، جسدها عورة وصوتها عورة، وهي عبارة عن فضيحة متحركة يجب سترها بأسرع وقت ممكن وبأي شكل، هذه النظرة الدونية تسلب المرأة شخصيتها وتحرمها من حقها في الحياة والاختيار، وتدفع بالأسرة على الموافقة على تزويج الفتاة في سن مبكرة، قبل أن تكتمل أنوثتها وتنضج عاطفيا وعقليا، أي قبل أن ترى الحياة الحقيقية، وتستكشف أسرارها وخباياها، وتغوص في تعقيداتها، لتبلور لنفسها بعد ذلك شخصية وكيان.
وخطورة المسألة لا تكمن فقط في أن جسم الفتاة في هذا السن المبكر غير مهيأ للحمل والإنجاب، بل وإن عقلها أيضا لا يستوعب فكرة الزواج والبيت والأسرة وتربية الأطفال، وروحها البريئة التي ما زالت في طور الشرنقة، ولم تتحرر بعد لتطير في فضاءات الحياة، وفكرها لم يحلق بعد خارج حدود المطبخ، ولم يغادر دفاتر المدرسة، ونفسيتها غضة وطرية وعقلها لم يعي بعد معنى المسؤولية ومشقات الحياة، وتفكيرها السطحي سيقودها للموافقة على أول عريس يبهرها بشكله الزائف، أو حديثه المصطنع، فتسرع على استحياء وخجل وتومئ بالموافقة، وهي لا تدري تبعاتها وما سيترتب عليها، وبأن أحلى سنين طفولتها وشبابها ستُسرق منها.
المرأة ليست للمطبخ فقط، والزوجة ليست للفراش فقط، والأم لا يقتصر دورها على إطعام الطفل وإسكات جوعه، بل هي أكثر من ذلك، هي إنسانة كاملة، من حقها أن تجرب وتعيش، وتعرف معنى الحب وقداسة الحياة الزوجية، ومسؤوليات البيت وهموم الوطن، وأن تقتحم كل الأبواب والميادين، وتجمح بخيالها إلى ما لا نهاية، وتزور بأحلامها كل العواصم، وأن تفكر وتخطئ وتصيب.
والرجل الشرقي يرغب بالزواج من فتاة صغيرة قد يفصل بينهما عشرون سنة أو أكثر، لأنه يريدها "قطة مغمضة" يربّيها على يديه، ويصيغها كما يشاء، ويخضعها لمزاجه ونزقه، فهو حتما لا يريدها متعلمة واعية، حتى لا تشب عن الطوق وتتمرد، بل يريدها تابعة له، مُلكاً خاصا، يضربها إن عصت، ويردعها إذا أقدمت، ويقمعها إذا انتفضت، فتطيعه إذا أمر، وتسره إذا نظر، وتنام إذا تعب، وتسهر إذا أرق، وتداويه إذا مرض، وتذعن له إذا طالب، وتسكت إذا صرخ، وتنفذ إذا قرر، مطلوب منها فقط: أن تلبي حاجاته، وتسهر على راحته، حتى إذا ما عاد إلى البيت وجد كل شيء جاهز على طبق من الفضة.
في هذا البيت سيكون الأبناء امتدادا لأبيهم الطاغي المستبد الأناني، والإناث امتدادا لأمهم المستضعفة الذليلة المقهورة.
في هذا البيت، حيث الأم الجاهلة، التي لم تتح لها فرص التعلم والمعرفة، سيهمل الأطفال ويتركوا للشارع، ولن تعرف هذه الأم كيف تجيب على أسئلة الأبناء، أو معالجة مشاكلهم، وتشجيعهم على الاجتهاد والاعتماد على النفس، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
ويشير الكاتب "بو علي ياسين" في كتابه "الثالوث المحرم" إلى معضلات نفسية عديدة تنشأ من جراء الزواج المبكر، فيقول: "الفتاة التي أمضت سنين حياتها الأولى في منـزل أهلها، لا تعرف عن العالم الخارجي الشيء الكثير، وتعودت على نمط معين من الحياة، وتأقلمت مع ظروف وعلاقات محددة، عندما يأتيها العريس وتوافق عليه تحت ضغط العائلة، وهي تجهل عنه كل شيء، ولم تره من قبل، ستجد نفسها فجأة وبين ليلة وضحاها قد انتقلت إلى عالم جديد كليا، بالعلاقات والخصوصية والوجوه ونمط الحياة، قد تُصدم في بداية الأمر، ولكن أهلها الجدد سيطالبونها التأقلم مع الواقع الجديد، فتجد أن لا مفر من ذلك، فتلجأ إلى المسايرة وإلى دفن صرخاتها في داخلها، وكبت انفعالاتها وإظهار وجهها المبتسم، الذي يخفي وراءه المعاناة والقهر".
ومع تراكم هذه العملية الاخضاعية عبر قرون متواصلة، وتوارثها من جيل إلى جيل آخر، وترسخها في أعماق وعي المرأة العربية، اكتسبت هذه المرأة صفات إضافية من السلبية وقدرة عالية على المسايرة، ومقدرة على الظهور أمام الآخرين بشكل مغاير تماما لما في داخلها، أي أنها تعودت على القبول بالحلول الوسط، وانتظمت في عملها داخل البيت وخارجه على أساس إرضاء الآخرين، وتجنب مواجهتهم.
معضلة اجتماعية نفسية أخرى يضيفها "ياسين"، ستنشأ عن الزواج المبكر – أي الزواج الذي لم تكتمل شروطه الطبيعية – فيقول: "هذا الشكل من الزواج سيعزز من نمط الأسرة البطريركية، وسيجعل المرأة المقيدة بهذا الزواج تسهم في تقييد الرجل بالدرجة الأولى، فالمرأة التي حُرمت من العمل، ستتكيف مع الضمان الاقتصادي والاجتماعي الذي يوفره الرجل، وبالتالي ستتمسك أكثر بهذا الشكل من الأسرة البطريركية لأنها اطمأنت إلى وضعها وضمنت مصروفها" .
ومن هنا يأتي التقييد الثاني للرجل، فتطمح المرأة إلى ضمان هذه الرعاية وتحسينها وتطويرها، أي تدعيم مكانة زوجها الاجتماعية وزيادة دخله، وبذلك تدفعه لأن يكيف نفسه بحسب الظروف، فلا يعارض الأشكال السائدة، ولا يفكر بتغيير المجتمع للأفضل، بل يقوم بكل ما يؤمّن له زيادة في دخله، ويحفظ مكانته الاجتماعية، دون أي مجازفة، ضمن علاقات الملكية والسلطة القائمة. هذه الحرب النفسية التي تشنها المرأة على زوجها لتحسين دخله ستؤثر عاجلا أم آجلا على سلوكه ومبادئه، وقد تحرفه، والنتيجة هي أن تسلط الرجل على المرأة ينقلب إلى تسلط المرأة على الرجل، هذا إذا أراد الرجل لحياته الأسرية الاستمرار والدوام، وبما أنه لا يوجد لديه بديل – والرجل عادة يميل إلى المحافظة على أسرته – فإن الأمر لن يقتصر على تكيف المرأة مع الظروف السائدة، بل سيتعداه إلى إرغام الرجل كذلك على الخضوع للوضع الراهن والسلطة القائمة.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة المستلبة في المجتمع العربي
- المرأة بين العصر الجاهلي والعصر الإسلامي
- جرائم متسربلة برداء الشرف
- الكبت الجنسي
- مفهوم الشرف في الثقافة العربية
- الاحتباس الحراري ظاهرة خطيرة تهدد مصير الكوكب - وجهات نظر مت ...
- ملاحظات على هامش تقرير التنمية البشرية العربية
- تركيا تضع الهوية الأوروربية على المحك
- رغم حملات الإدانة والإستنكار - إسرائيل تفلت من العقاب الدولي ...
- الجزيرة وقطر .. تبادل الأدوار الخطير
- من الهواء المقنع إلى القوقعة - يوميات سجين عربي
- التحليل النفسي للزعماء العرب
- في العراق .. من يقتل من ؟!
- ليل العراق طويل .. طويل
- العراق .. ذاكرة حاضرة .. وصورة تتداعى
- مواصلة التنقيب في أعماق الإنسان
- أسئلة تُنقِّب في أعماق الإنسان
- محاولة في فهم سيكولوجية الإنسان ..
- النهايات .. هلاك الإنسان، دمار الأرض .. فناء الكون
- مستقبل الإنسانية


المزيد.....




- الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن ...
- ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
- مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
- بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية ...
- استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا ...
- الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
- ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية ...
- الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي ...
- تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
- فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عبد الغني سلامه - وأد البنات بالزواج المبكر