محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 3487 - 2011 / 9 / 15 - 14:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا قلت لك إن المعرفة هى كل مانشتريه ونبيعه ونفعله، فلا أحسبك فى حاجة للتوضيح، فقط عليك أن تعيد النظر إلى جدول حياتك اليومية ومنذ مغادرة فراشك مبكراً، وما تفعله لتحميص خبزك فى الصباح وتشغيل الكوفى ماشين لتجهيز القهوة ومراجعة الأنسرماشين على تليفونك أو رسائل ال SMS على جهاز المحمول، ومشاهدة موجز أهم الأخبار فى الفضائيات أوتصفح جريدتك المفضلة على الإنترنت قبل وصول نسختك المطبوعة، ثم ركوب سيارتك بعد أن تفتح أبوابها من ضغطة على مفتاحها المشفر، وتشغيل جهاز ال MP3 أو مشغل الأقراص المدمجة لتسمع موسيقاك المفضلة، وصولاً إلى مكتبك ومتابعة بريدك الإلكترونى على اللاب توب، وغيرها من مستحدثات العلم والتكنولوجيا من الصراف الإلكترونى والفيزا كارد وكل معطيات الأتمتة Automation التى ملأت حياتنا. وهى كما ترى نواتج الإبداع والإبتكار والبحث العلمى وتكنولوجياته، إنها المعرفة.
والمعرفة ياصديقى مثل ملابس النساء، يمكن أن تكون بسيطة أومتكلفة، محتشمة أو متبرجة، ضيقة أو فضفاضة، وإدارة المعرفة أشبه ماتكون " بالمقصدار" المحترف والذى يستطيع أن يختار الثوب المناسب لكل مقاس ولكل مناسبة. وإدارة المعرفة ليست هى الخطوة الأولى نحو إدارة مؤسسة علمية ناجحة ، بل هى الأخيرة. فالإدارة الجيدة لاستراتيجية سيئة أو غير موجودة فكرة عبثية، إذ لا جدوى فى مجال المعرفة من إدارة مؤسسة ليس لديها عمل تقوم به أو عمل لم تقم بتعريفه وتوصيفه وتحديد أهدافه بشكل جيد. يتفق معنا فى هذا زميل هارفارد " توماس ستيوارت"، الذى يضيف أن إدارة المعرفة كانت هى الأساس الذى بنت عليه الشركات والمؤسسات الدولية نجاحاتها فى ظل الاقتصاد العالمى الجديد، إقتصاد المعرفة، حيث قامت ببناء قواعد بيانات، وتنمية وتطوير رأس المال الفكرى للمؤسسات، بناء شبكات معلومات داخلية، قيادة برامج تدريبية وتغيير النمط الثقافى للمؤسسات والعاملين، وإنشاء منظمات إفتراضية ومجموعات عمل وقوة تنظيمية تعمل فى إطار الآليات الحديثة فى الإدارة، من جودة شاملة وإعادة الهندسة، ووضع برامج تنفيذية لمخططات استراتيجية.
إن التخطيط الاستراتيجى، وكما يقول " بيتر دراكر" المؤسس الأول لعلم الإدارة، ليس بصندوق ملىء بالحيل أو مجموعة من الأساليب الفنية. إنه تفكير تحليلى والتزام بتفعيل كل الموارد. وهو تطبيق للفكر والتحليل والخيال والقرار السليم. إنه مسئولية وليس أسلوبا فنيا. التخطيط الاستراتيجى ليس تنبؤاً ولا عقلاً مسيطراً على المستقبل، ونحن لانصدق إلا ما ننجزه من عمل وما نؤديه من مهام. والاستراتيجيات التى غالباً ما تنجح هى التى تضع فى اعتبارها المشكلات والتحديات والفرص، وتعتمد على أفكار ووسائل غير تقليدية تقوم على الإبداع والابتكار، فتحرز التقدم المرغوب ثم تساعد على التحرك نحو شيء جديد تتبناه وتقدمه.
فى دراسة أجراها معهد ماكينزى عن الأمم الصناعية أوضحت بصورة قاطعة أن إنتاج العمال الأمريكيين يزيد عن انتاج العمال الألمان والفرنسيين بحوالى20%، ويزيد على انتاج العمال البريطانيين بأكثر من30%، و ويزيد على انتاج العمال اليابانيين بأكثر من 60% .وكما يقول خبير الإدارة العلمية الأمريكى " روبرت ووترمان"، فقد بلغت الدهشة بالباحثين فى معهد ماكينزى العالمى من هذه النتائج حداً جعلهم يريدون معرفة السبب، فأجروا دراساتهم بمساعدة " روبرت سولو " من معهد مساتشوستس للتكنولوجيا والحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد 1987 حيث توصلوا إلى أنه لايمكن إرجاع التفوق الامريكى إلى الفروق فى التكنولوجيا، أو اتساع السوق، أو عمليات الإنتاج الاقتصادية الكبرى، أو كثافة وتركيز رأس المال، أو مهارة العاملين. فهذه العوامل واحدة بصورة أو بأخرى فى الأمم الصناعية الكبرى، وإذا ماكانت هناك فروق فعلية فهى سرعان ما تتوازن لأن رأس المال والتكنولوجيا والأفكار، تنساب هذه الأيام بكل يسر وبساطة عبر الحدود بين الدول. وقد انتهى الباحثون إلى استنتاج أن السبب الرئيس وراء تفوق أمريكا على الآخرين يكمن فى الإدارة الرشيدة للمعرفة واستراتيجياتها التنافسية التى تعمل فى ظل عدد أقل من اللوائح الحكومية ونسبة أقل من الملكية العامة، وقدر أكبر من المرونة فى طريقة إدارة الشركات والعاملين فى الولايات المتحدة الأمريكية.
الاستراتيجية فى الاصطلاح العسكرى هى أهداف بعيدة ومخططات قريبة وتكتيكات حالة وطارئة تهدف بالأساس إلى التغلب على الخصوم والمنافسين، وهى شكل من أشكال صراع الإرادة ووسيلة فاعلة لتحقيق أهداف ومصالح وطنية عجزت السياسية عن تحقيقها، أما استراتيجيات إنتاج وإدارة المعرفة فهى شئ مختلف يصنع التميز كما يصنع القيمة ، وهى ميزة تنافسية مضطردة ومتجددة، تحمل قوة الدفع الذاتى بالإبداع والتجديد والتنظيم والابتكار.
فى ظل اقتصاد المعرفة ذلك الغول الذى ابتلع السوق والبيئة ونواتج البحث والعلم والناس وتقيأهم سلعاً ومنتجات تكنولوجيا وحداثة، تعمل استراتيجيات إنتاج وإدارة المعرفة على محورين، أحدهما إشباع السوق Market Satisfaction وإرضاء تطلعاته بضخ تكنولوجيات جديدة لم تكن معروفة من قبل، قام البحث العلمى على ابتكارها وإنتاجها وخلق طلب متنامى عليها. مثال ذلك التليفون المحمول وأجيال تكنولوجيا الاتصالات الحديثة. المحور الثانى هو سد احتياجات السوق وتلبية متطلباته Market Driven من منتجات أساسية وسلع معمرة ووسائل حياتية يتزايد الطلب عليها، فتقوم الصناعة بتمويل البحث العلمى من أجل تطويرها أوابتكارها وإنتاجها.
إن المعرفة يمكن أن تباع بشكل ظاهر وصريح كمنتج أو سلعة، ويمكن تضمينها فى قدرات مبدعة تقدم خدمات مهنية فى الطب والهندسة والعمارة والاستشارات أو مثل مهارة الميكانيكى وهو يفحص عطل سيارتك بدقة. وهناك الكثير من الشركات التى تعلن عن منتجاتها من الأجهزة والمعدات الكهربائية تحت عنوان " نحن نبنى المعرفة". فى الغلاف الداخلى لمجلة "فورتشن" Fortune الأمريكية هناك عبارة تقول "سوف تصلح المجلة بالمعرفة ما أفسدته الخمر فى العقول"، وشركة فورد العالمية لانتاج السيارات بدلاً من أن تقول فى اعلانها إركب سيارة جديدة فانما تقول "إركب أفكاراً جديدة"، وتضع شركة إيلى ليلى للصناعات الدوائية إعلانها تحت عنوان " إن المعرفة دواء فعال"، أما شركات تكنولوجيا المعلومات مثل IBM وميكروسوفت والتى شهدت تراجعاً فى هيمنتها على سوق اللاب توب فقد نصحها خبراء إدارة المعرفة باقتحام مجال بيع الأصول المعرفية مثل النظم المعلوماتية المتكاملة، الاستشارات، الصيانة، تصميم الشبكات، حيث هذه المنتجات والخدمات المعرفية تمثل فرصتها للخروج من أزمتها الاقتصادية. وفى هذا يقول "لويس جرستنر" الرئيس التنفيذى لشركة IBM فى سياق إعلانه عن تحقيق الشركة لنتائج جيدة بعد أن طبقت هذه النصيحة " إن ما يحرك السوق بصورة متزايدة هو الخدمات العلمية والحلول المعرفية وليس المنتجات التكنولوجية وحدها، وتلك هى استراتيجيتنا الجديدة فى إدارة المعرفة. والسؤال، هل مؤسساتنا العلمية والقائمة على إنتاج وإدارة المعرفة قادرة على هذا التحدى؟
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟