|
عواصف كونية على العرب
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3487 - 2011 / 9 / 15 - 12:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تعد الفئاتُ الصغيرةُ قادرةً على حمل مضامين التحولات الاجتماعية في عصر الثورة الصناعية التقنية وثورة الاتصالات، فهذه تريد رافعات اقتصادية كبيرة، وهذا ما يواجه فئاتٍ عديدةً وصلت إلى الحكم أو تناضل من أجله وهي تطرح صراخاً وليس برامج اقتصادية توظف الحشود الهائلة من العمال، وتغير طبيعة أعمالهم اليدوية إلى التقنية المتطورة. من هنا نجد الشعارات السياسية الفاقعة بدلاً من برامج عملية للتوظيف وتوسيع حضور المصانع وتغيير حياة السكان من بيوتهم الصغيرة الضيقة ومن أسرهم الكبيرة العدد وتشكل مدناً صناعية عصرية. الرأسمال الكبير يقدر أن يقوم بذلك لكنه يخاف من الحكومات ومن الثورية الحادة، ويريد حرية اقتصادية مطلقة وترحيل الفوائض الاقتصادية وعدم تحديد الأجور. الرأسمال الكبير لا يريد أن يوسع أعماله في بلدان قلقة ومضطربة، والحكومات من خلال رأسمالياتها الحكومية البطيئة الحركة، المحدودة التنمية، لا توجه الصناعة نحو الجماهير الواسعة المحرومة لتشكيل صناعات شعبية تغير وضع العائلات المحدودة الدخول. بل تضع خططاً اقتصادية صغيرة وليس على طريقة التنمية لجنوب شرقي آسيا حيث المصانع العملاقة والثورة الصناعية التقنية رغم أن تلك البلدان محدودة في رساميلها. التنمية الثورية الشعبية الواسعة العربية التي تغير وضع بلداننا تتطلب توافقاً بين الرأسمالية الحكومية والرأسمالية الخاصة الوطنية والعمال. أي أن تصل هذه القوى الأساسية إلى تجذير الثورة الصناعية التقنية في الإنتاج وفي العلوم والمدارس والبيوت من دون خلافات تعصف بالبناء الاقتصادي. استطاعت بلدانُ جنوب شرقي آسيا أن تصل إلى هدنة سياسية حتى ان الصراعات فيها لا تصل إلى وقف عجلات التنمية المتسارعة المتطورة. ليست لحظات الثورات العربية سوى بسبب عراقيل تطور الإنتاج الجديد الرفيع. إن علاقات الإنتاجِ القديمة تعرقلُ تطورَ قوى الإنتاج. إن الثورات لا تحدث إلا بسبب عراقيل تضعُها علاقاتُ إنتاجٍ قديمة لقوى إنتاج جديدة، والثورةُ تقومُ بتغيير كامل البنية الاجتماعية فتحل بنيةٌ جديدة. هيمنة الحكومات على الإنتاج الواسع القديم بنمط تصنيع المواد الخام وتسرب أكثر فوائضه، وعدم إتاحة الفرص للإنتاج الخاص للنمو المزدهر وللإنتاج الجديد العلمي التقني الواسع التشغيل، وضعف تكوين العائلات القديمة بنمط حياتها وتعليمها، وتضخم الأجهزة الحكومية والبيوت بالبطالة الظاهرة والمقنعة، وعدم وجود خطط مشتركة اقتصادية اجتماعية بين قوى الإنتاج، ومحدودية الثورة العلمية بين الجماهير العربية، هذه كلها سببتْ الثورات العربية لكن مع غياب الوعي بجذورِها، فما البرلمانات الحرة سوى شكل الوعي الباحثِ عن الحلول لتلك المشكلات، لكن سيادة الوعي المذهبي المحافظ يَحرفُ المسائلَ نحو جوانب دينية وأخلاقية وبيروقراطية هي شكلٌ لوعي قديم، أو للصراع بين المسلمين، وهو وعي هيمنةِ القوى الإدارية والبرجوازية الصغيرة الطائفية هذه المرة التي توجهُ المقاعدَ والثمار لنفوذها. فلم تحدث ثوراتُ البلدان (الاشتراكية) إلا لمسائل عرقلة الأشكال الإدارية والحكومية المالكة لوسائل الإنتاج لتطورِ الإنتاج. فوائضُ الإنتاجِ يجب أن تذهب لتثوير عالم الشباب العلمي التقني العملي، وأن تظهر ملايينٌ جديدة من قوى العمال تشتغل على وسائل الإنتاج الحديثة، وأن يظهر تصنيعٌ واسعٌ للسلع المتطورة. لكن ذلك لن يحدث بسبب أشكال الوعي، فالثوراتُ تقدمُ الأرضيةَ للحلول لكنها لا تقدمُ بذاتها الحلول، أي من الضرورة أن يرتفع الوعي العربي لمهام التغيير التاريخي، وأن يفهم المتقدمون للمناصب والبرلمانات والسلطات أن المسألة هي تغييرٌ اقتصادي اجتماعي ثقافي جذري للشعوب العربية. بمعنى أن يسهم السياسيون الجدد في فهم كيفية إزاحة البنية القديمة، لكنهم قد لا يزيحونها، قد يزيحون أشياءَ فوقية منها، وقد يغيرون وجوهاً، لكن المسألة أكبر من تغيير وجوه، المسألة هي تغييرُ بُنيةٍ إنتاجية - سياسية - اجتماعية متخلفة. إن المدى الرأسمالي الغربي الياباني الذي عصف بالبشرية عبر الثورة الصناعية التقنية المعلوماتية، فكّكَ الدولَ الرأسمالية الحكومية الكبرى، الاشتراكية، والدول الأمريكية اللاتينية ذات المقاربة الكبرى للرأسمالية مع دول جنوب شرقي آسيا والهند، ثم واصلَ إعصارَهُ نحو الدول الأصغر والأقل تطوراً، التي تعتبر المؤسسات الحكومية والعائلات الزواجية الخاصة مركزي الشمولية فيهما، ومركزي بقايا الإقطاع، والثورة التقنية السياسية الديمقراطية تعصفُ بهما، نثراً للتضخم الهيكلي والفساد وعدم التخطيط، وتصغيراً للعائلات وتطويراً لأجيالها العاملة المثقفة الجديدة. وقد جاء العرب والمسلمون والافريقيون في آخر القائمة نظراً للحجم الهائل من الموروثات المعرقلة والتخلف الاقتصادي والصراعات الداخلية السياسية وعدم الارتفاع لمستويات العصر.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسارُ العراقي يناضلُ بوطنيةٍ ديمقراطية
-
مشروعان لا ثالثَ لهما في البحرين
-
الأنواعُ الأدبية والفنية والديمقراطية
-
سمة الثقافة الايرانية الرسمية
-
الثورة السورية وغروب ولاية الفقيه
-
المذهبيون بلا جذور طبقية
-
الرأسمالية الحكومية والعلمانية
-
الجمهورُ و(الغوغاء)
-
منعطفٌ تاريخي للعرب
-
الوعي البحريني وإشكاليات التقدم
-
العمالُ أكبرُ الخاسرين
-
التطورُ الاجتماعي السياسي في سوريا
-
تقلبات غريبة لسياسيين
-
حراكُ المذاهبِ والثورات
-
الخسارة للجميع
-
إشكالياتُ تحركات فبراير 2011
-
أسبابُ الحراكِ العربي
-
إصلاحات ضرورية
-
إشكاليات فكرية لما بعد الثورة
-
ديمقراطية غير علمانية .. أهي ممكنة؟
المزيد.....
-
الشرع: الرياض ستدعم سوريا لبناء مستقبلها
-
الاتحاد الأوروبي والرد على واشنطن
-
واشنطن تجمد ملياري دولار من أموال روسيا المخصصة لمحطة -أكويو
...
-
- الجدعان الرجالة-.. مشهد بطولي لشباب ينقذون أطفالا بشجاعة م
...
-
مفاجأة غير سارة تنتظر أوكرانيا من أحد حلفائها
-
زيلينسكي لا يعرف أين ذهبت الـ200 مليار دولار التي خصصتها أمر
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في ثماني مقاطعات أوكرانية
-
قطر: مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق غزة يفترض أن تبدأ غدا
...
-
مصر والكويت توقعان اتفاقية عسكرية
-
نائبة رئيس الوزراء الكندية السابقة تتهم الولايات المتحدة بال
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|