رمزي عودة
الحوار المتمدن-العدد: 3486 - 2011 / 9 / 14 - 20:41
المحور:
القضية الفلسطينية
لقد بدأ العد التنازلي للذهاب الى الامم المتحدة و طلب الفلسطينين الاعتراف من الامم المتحدة بالدولة الفلسطينية , المسألة ستتحدد خلال ايام قليلة و لا احد يستطيع التنبؤ بشكل دقيق بالنتائج المحتملة لهذا التحرك الفلسطيني ، و برغم انني لم اقرأ او اسمع حتى الان استراتيجية واضحة من قبل الادارة الفلسطينية حول ادارة هذه المسألة في الامم المتحدة فحتى الان الصورة عندنا غير واضحة هل سيتم التوجه بداية الى مجلس الامن ام الجمعية العامة لان كلا الطريقيتين مختلفتين و لهما تبعات قانونية و طريقة ادارة و نتائج مختلفة ايضا، على اية حال برغم هذا الغموض الا انه بدا للجميع بما فيها الادارة الامريكية بان القيادة الفلسطينية ستتوجه حتما للامم المتحدة و ما خطاب الرئيس ابو مازن المنتظر يوم الجمعة القادم الا تاكيد لهذا التوجه و اصرار على مواصلته .
في الواقع لم يعد الرئيس ابو مازن بمقدوره التنازل عن هذه الخطوة او حتى قبول اي تسوية او صفقة بالتنسيق مع الادارة الامريكية او حتى بوساطة عربية لا ترتقى و مستوى الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية لان الوضع السياسي في المنطقة الان شبيه بما يسمى بكرة الثلج و التي كبرت على مدى الاشهر السابقة و من الصعب الان بعدما كبرت ان يسيطر عليها احد و بالضرورة فان الرئيس محمود عباس سيفكر مليون مرة قبل ان يقدم على خطوة من شانها الغاء التوجه للامم المتحدة او حتى قبول الدخول في مفاوضات غير مضمونة كتلك التي افصحت عنها صحيفة نيويورك تايمز الامريكية حول اطلاق مفاوضات بين الجانبين الفلسطيني و الاسرائيلي برعاية امريكية من اجل ان تثنى الفلسطينين عن عزمهم التوجه للامم المتحدة في ايلول . و السبب في ذلك بسيط , وهو عدم قدرة ابومازن على اقناع الجماهير, التي عبئت لصالح حملة اعلان الدولة, بصعوبة الوصول لهذا الهدف او التنازل عنه , المسالة ليست بهذه البساطة فالجماهير يمكن تجييشها بسهولة و لكن من الصعب السيطرة عليها بعد ذلك .
الفلسطينيون كما الاسرائيليون منقسمون حول ماذا يخبئ ايلول . البعض مؤيد بقوة و خاصة من الجانب الفلسطيني و هم يبنون حجتهم حول انعدام الثقة بالجانب الاسرائيلي و عدم جديته في الوصول الى اي اتفاق سلام مع الفلسطينين و في الواقع فان الادارة الامريكية برغم انها تهدد الفلسطينين باستمرار اذا ما ذهبوا للامم المتحدة بان تفرض عقوبات عليها , فانها مقتنعة بهذه المسالة ايضا و هي تقف عاجزة امام تعنت الادارة اليمينية الاسرائيلية المتطرفة في الوصول الى اي اتفاق بل حتى في الدخول في مفاوضات جدية . حتى جانب مهم من المثقفين و الاكاديمين الاسرائيلين يعتقدون بنفس المسألة , بل انهم يطالبون الجانب الاسرائيلي يتقديم( تنازلات) حقيقية للفلسطينين بدلا من احراج اسرائيل في المحافل الدولية . جانب اخر من الفلسطينين يرى بحتمية التوجه للامم المتحدة او حل السلطة و في الواقع فقد اعربت في مواقع سابقة بان هذا الخيار غير سياسي لانه يعني انهيار السلطة و هذا القرار ليس حتى بيد القيادة الفلسطينية و انما بيد الشعب الفلسطيني فالسلطة الان - تماما مثل الدولة - تعبر عن ارادة شعبية و لايمكن الحديث بسهولة ان القيادة ستحل هذه السلطة و ان تتعدى على الارادة الشعبية. من الجانب المقابل فان هنالك اصواتا لا يستهان بها ايضا اعترضت او تحفظت على الذهاب للامم المتحدة اما بحجة التكلفة العالية التي سيدفعها الفلسطينيون في حال الذهاب للامم المتحدة مقابل مخاطر كثيرة و ضمانات اقل و فوائد غير مؤكدة , كما دافع البعض الاخر من المعترضين عن حجتهم بالخوف على قضية اللاجئين و العودة او ضعف شرعية منظمة التحرير الفلسطينية في حال التوجه للجمعية العامة و نيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية .
برغم كل هذه التجاذبات السياسية و الفكرية بين مؤيد و معارض الا انه من المتوقع ان يتوحد الشارع الفلسطيني في صف واحد في معركة ايلول حتى و ان اعتقد البعض بان المد الجماهيري الداعم لتوجه القيادة الفلسطينية للامم المتحددة ضعيف او على الاقل لا يرتقى الى المستوى المطلوب , برغم هذا فان وحدة الفلسطينين في ايلول متوقعة لان معركة ايلول هي معركة خارجية ضد الاعداء المحتملين بمن فيهم اسرائيل و بالتالي سيكون من السهولة ان تزول الانقسامات الداخلية في حالة التهديد و العدو الخارجي, و هذا بالضبط سيقوى الجانب الفلسطيني في قيادته لهذه الازمة و سيعطي مصداقية اكبر و ثقة للرئيس ابو مازن في تحركه للامم المتحدة . بالمقابل فان القيادة الاسرائيلية ستواجه مشكلة اكبر في الشارع الاسرائيلي المعرض لانقسامات اكثر فيما لو نجح الفلسطينيون في معركة الاعتراف بالدولة بما يفرض ضغوطا شعبية هائلة على ادارة نتانياهو .
و في الواقع فان السؤال المهم للقيادة الفلسطينية في ظل هذه التجاذبات و التناقضات السياسية هو: ماذا سيحصل فيما لو خسر الفلسطينيون معركة ايلول ؟ بالتأكيد المسالة ليست بسيطة و سهلة كما تصورتها بعض القيادات الفلسطينية هنا و هنالك , فقد يتم اصدار حق النقض الفيتو ضد مشروع القرار فيما لو عرض على مجلس الامن , و في حالة توجه الفلسطينين للجمعية العامة مباشرة سينزعج الامريكيون من هذا التصرف و يتصرفون على انه عمل عدائي من قبل الفلسطينين و يحرج المصالح الامريكية في المنطقة بما يستدعي قيام الادارة الامريكية بفرض عقوبات شديدة على الجانب الفلسطيني قد تصل الى قطع المساعدات او الحصار او قطع العلاقات . بالمقابل قد لا يحصل الفلسطينيون على اغلبية الثلثين في الجمعية العامة و برغم ان الفارق قد يكون صوت او صوتين على كسر حاجز الثلثين الا ان خسارة التصويت سوف تكون لها تبعات سياسية و قانونية واسعة النطاق على الفلسطينين . اما اسرائيل فمن المؤكد انها ستتخذ خطوات تصعيدية في المنطقة في حال نجاح الفلسطينين في ايلول , قد تشمل هذه الخطوات قطع تحويلات الضرائب او منع العمال الفلسطينين من التوجه للعمل داخل الخط الاخضر او حتى اعمال عسكرية محدودة او واسعة خاصة في ظل تداعيات الجبهة الجنوبية و الشمالية و احتقانهما في ظل تهاوى النظام السوري . من هنا فان ما بعد ايلول يحمل في طياته احداث دراماتيكية قد تكون اهم و اخطر بكثير من ماذا سيحصل في ايلول.
التحدي الابرز الذي سيواجه القيادة الفلسطينينة فيما لو خسرت معركة ايلول هو تصاعد الاصوات الشعبية المنادية باستقالة الرئيس و النخبة الحاكمة المحيطة به , ان الخسائر التي يمكن ان يدفعها الفلسطينيون ستكون كبيرة و ربما غيرمحتملة من قبل الكثير من القوى السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية في فلسطين و خاصة فيما لو جاءت المكاسب باقل من المتوقع , و هذا بالضبط ما سيدفع هذه القوى لتحميل المسؤولية على القيادة الفلسطينية, وخاصة حماس التى ترفض التوجه للامم المتحدة و تتحين الفرص لتحميل مسؤولية اي اخفاق على الرئيس ابومازن - و ستبرز اصوات عديدة تنادى باستقالة هذه القيادة و خاصة في ظل تنامي رياح الربيع العربي و لهيب الاجواء في كل من سوريا و مصر بما سيعطى زخما جماهيريا واسعا لاي حراك اجتماعي يصب في هذا السياق . و بالضرورة يمكن توقع تصدع في الجبهة الداخلية الفلسطينية اذا ما حدث هذا السيناريو على غرار ما حدث في لبنان اثر العدوان الاسرائيلي عليها في تموز 2007 . من هنا فان الرئيس ابو مازن وضع ادارته في اختبار صعب و الايام القليلة القادمة ستحدد نتيجة هذا الاختبار .
#رمزي_عودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟