نضال بيطاري
الحوار المتمدن-العدد: 3485 - 2011 / 9 / 13 - 16:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"لا يمكن لأي مشروع سياسي أن يكون حاملاً حقيقياً لطموحات وآمال المجتمعات إن لم يكن مبنياً على خصوصية هذه المجتمعات"، هذه بديهية في علم الاجتماع السياسي.
في الوقت الذي تمر فيه الدول العربية بتغييرات عاصفة، من شأنها أن تغير معالم الحاضر والمستقبل وتعيد قراءة التاريخ بوجه آخر، برزت أزمة الضعف العربي في قراءة وتشخيص المجتمعات، فبدا فيما عدا الثورة المصرية وبشكل نسبي، الطلاق بين السياسة والمجتمع، فالعمل السياسي في معظم الدول العربية مفارق لما هو عليه المجتمع من خصائص وتوازنات، وكثيراً ما نرى عملاً سياسياً مخالفاً ومعاكساً لتوجهات المجتمع ومسالكه.
في هذا الإطار تأتي هذه الدراسة، التي تختص بالواقع الفلسطيني، وهي جزء من أطروحة الماجستير التي تقدمت بها إلى جامعة دمشق في العام 2010، بعنوان إشكالية وحدة المشروع السياسي الفلسطيني، سيتم نشر الجزء المتعلق بالواقع الاجتماعي الفلسطيني، والواقع الاجتماعي – السياسي، مع تعديلات لضرورة النشر، وسيتم نشرها على ثلاثة أجزاء، فيما يلي الجزء الأول منها.
- مقدمة:
تعد السنوات الثلاثون للانتداب البريطاني الفلسطيني، مرحلة التأسيس البنيوي لإقامة مجتمع جديد فيها ، فقد شهدت هذه الفترة تغيرا ديموغرافياً وسياسياً واقتصادياً جذرياً للمجتمع الفلسطيني الناشئ.
إذ قبل العام 1948 عام النكبة لم تكتمل عملية تشكيٍل الشعب العربي الفلسطيني لمجتمع موحد(1)، فمن ناحية لم يستطع الانتداب البريطاني للمجتمع الفلسطيني ببلورة كيانية مستقلة ،و من ناحية اخرى ادت عملية الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وانخراط المهاجرين في أطر سياسية واقتصادية واجتماعية يهودية مغلقة إلى تشكيل علاقات اجتماعية يهودية منظمة متمايزة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً عن العرب الفلسطينيين الذين تحولوا إلى جماعة هامشية ملحقة لذا قسم المجتمع الفلسطيني في عهد الانتداب البريطاني إلى جماعتين
- يهودية منظمة.
- عربية هامشية ملحقة.
و قد أدى هذا التمايز إلى تحويل المجتمع العربي الفلسطيني إلى مجتمع إثني ، قائم على عدم المساواة الاجتماعية ، والتي كانت واضحة الدلالة في الفروق الموجودة بين العرب واليهود في الأوضاع الاجتماعية وخاصة على مستويي الاقتصاد والنفوذ السياسي.(2)
و لم تكن هذه التغيرات الاجتماعية عفوية أو إرادية تخضع لإرادة الفلسطينيين, بل كانت تغيرات قسرية فرضتها سياسة الانتداب البريطاني, والتي عملت وفقاً لصك الانتداب على تهيئة البلاد لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين لذا فإن النكبة عام 1948 هي تتويج لسياسة الانتداب, وبلورة لعمليات التغيير الاجتماعي القسري, والذي تمثلت قسريته بشكل جلي في تهجير معظم أبناء الشعب العربي الفلسطيني من أراضيهم بقوة السلاح وبارتكاب المجازر بحقهم. وأدت عملية التشريد هذه إلى طرد نحو مليون فلسطيني من أراضيهم ليعيشوا كلاجئين في الدول العربية المجاورة, أو فيما تبقى من فلسطين الانتدابية, أو في حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
أدى هذا التغير إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني، وتحويل الشعب الفلسطيني إلى جماعات خضعت لظروف سياسية واقتصادية وقانونية وبالتالي اجتماعية متباينة.
و بشكل عام يمكن حصر الجماعات الفلسطينية المتشكلة إثر النكبة في ثلاث جماعات رئيسية هي:
1- جماعات العرب الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
2- جماعات العرب الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المتبقية وهي الضفة الغربية وقطاع غزة.
3- جماعة اللاجئين الفلسطينيين والذين توزعوا بشكل رئيسي في سوريا, لبنان, الأردن, مصر, والعراق.
و قد خضعت هذه الجماعات إلى شكلين من التغيرات الاجتماعية يمكن تصنيفها في فئتين عريضتين:
أ- التغيرات داخل الجماعات.
ب- التغيرات المفروضة من خارج الجماعات.
أ- التغيرات داخل الجماعات:
تشترك جماعات الشعب العربي الفلسطيني في مجموعة التغيرات التي جرت في داخلها والتي بلورت وجودها كجماعات متمايزة عن المحيط الاجتماعي الجديد.حيث فقد الفلسطينيون جميعاً المجال الاجتماعي الحيوي لهم كشعب واحد, وأدى انقسامهم القسري إلى تشكيل مجالات حيوية جديدة في أماكن استقرارهم بعد النكبة.
و أدى فقدان هذا المجال إلى تغيرات في الحراك الاجتماعي داخل الجماعات, حيث أدى انهيار منظومة الدور والمكانة التي كانت قائمة قبل عام 1948 إلى إعادة بناء أدوار ومكانات جديدة لأفراد الشعب العربي الفلسطيني وفقاً للظروف والشروط الموضوعية الجديدة.
إذ فقد أفراد الشعب الفلسطيني مراكزهم ومكاناتهم التي كانت تحدد أدوارهم وأشكال العلاقات الاجتماعية وأنماطهم المحددة لسلوكياتهم في إطار مجتمع ما قبل النكبة.(3) وبالتالي فقدان النسق القيمي الموحد المحدد لأنماط هذه العلاقات. وبفقدان النسق القيمي الموحد وانهيار النظام السياسي والنظام الاقتصادي دخلت الجماعات الفلسطينية في مرحلة الهدم الاجتماعي (4) والتي لم تتوقف عند حدود المظهر الهدام لعملية التمثيل الاجتماعي ، واضمحلال الأجزاء المكونة للبنيان الاجتماعي, بل رافقتها عملية تغيير اجتماعي كبير طال البنى الاجتماعية الجديدة.
كما ظهر فقدان الهوية كمتغير اجتماعي بارز في الوضع الاجتماعي الفلسطيني بعد النكبة, حيث أدى فقدان الوطن والانتماء إليه ومن ثم التشتت إلى توقف عملية انتاج الهوية الوطنية الفلسطينية المستقلة التي كانت تجري في المجتمع الفلسطيني قبل النكبة(5).
يرى الدكتور عزمي بشارة أن "المفارقة الكبرى تكمن في أن هذه العملية بدات تكتمل في الشتات ذاته, وكانت حركة التحرر الوطني الفلسطيني بشكلها المعاصر في منظمة التحرير الفلسطينية "دينامو " هذه العملية, أي أنه تمت الاستعاضة من الواقع المادي الفلسطيني الذي سحب من تحت الأرجل برافعة سياسية هي التحرر الوطني.(6)
ب- التغيرات الاجتماعية المفروضة من خارج الجماعة:
أدت عملية التشتيت إلى خضوع جماعات الفلسطينيين إلى ظروف وشروط موضوعية متباينة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً, وقد لعب هذا التباين الدور الأبرز في إنتاج أنماط الجماعات الفلسطينية وفقاً لمكان الوجود الفلسطيني.
حيث حددت هذه الظروف شروط الاندماج الجزئي لهذه الجماعات في المحيط الاجتماعي الجديد, وبالتالي شروط إعادة الإنتاج الاجتماعي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لهذه الجماعات في بنى متمايزة عن المحيط الجديد, ومن ناحية أخرى متمايزة عن بعضها البعض.
التغيرات الاجتماعية التي تعرضت لها الجماعات الفلسطينية:
1- العرب الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1948:
بالنسبة لكثير من " الاسرائيليين" كان من تبقى من الشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة يشكل تهديدا بالنسبة لهم, فكان وجودهم غير مريح بالنسبة لهم, وعومل هؤلاء العرب الفلسطينيون على أنهم غرباء عن أرضهم.(7)
شكل العرب في الكيان الصهيوني بقايا المجتمع العربي الفلسطيني, إلا أنهم خضعوا لمعايير جديدة كان أبرزها تغيير الهوية التاريخية للمجتمع ، ومحاولة إنشاء هوية بديلة في إطار كيان جديد هو الكيان الصهيوني والذي أعطى لنفسه سمة "الاسرائيلية "كمحدد لهويته في "دولة اسرائيل ".
حيث تم تحويل العرب الفلسطينيين إلى مواطنين في هذا الكيان في محاولة لبناء "دولة المواطنة " وأصبح العرب أقلية في المجتمع الجديد وتباينت ردود فعلهم تجاه المواطنة بين حدين:
أولهما: الرفض المطلق للكيانية الفلسطينية المندمجة في " الهوية الاسرائيلية ".
و الثاني: القبول النسبي للاندماج الجزئي للحصول على حقوق الأقلية كمشروع سياسي يعيد صياغة الوضع الاجتماعي لحقوق الأقلية العربية في دولة المواطنة.
و رغم أن ظروف هذه الأقلية بدأت تتغير بعد عام 1967 عبر تحسين ظروفهم المعيشية والاجتماعية(8),إلا أن هذا التغيير لم يساعد الفلسطينيين للوصول إلى المواطنة الكاملة.
و يعود السبب في هذه المعادلة إلى التعارض المبدئي بين يهودية الدولة التي يسعى الكيان إلى بلورتها كهوية وطنية وبين العرب كمواطنين في الدولة اليهودية المرجوة صهيونياً.
لذا لم تفلح محاولات أسرلة العرب بالأدوات السياسية عبر تمثيلهم برلمانيا, واقتصادياً عبر تحسين في ظروفهم المعيشية, كما لم تفلح هذه المحاولات في بلورة هوية بديلة للعرب في الكيان الصهيوني.
إذ أن عملية التغيير الاجتماعي للعرب الفلسطينيين تتم على أسس تمييزية حافظت منذ النكبة وحتى اليوم على البنية الاجتماعية للكيان الصهيوني كجماعتين متمايزتين يهودية مسيطرة وعربية هامشية ملحقة.
فما يبدو على أنه عملية تطوير للبنية الاجتماعية العربية في إطار المجتمع الكلي, ليس سوى تطور مواز للبنية اليهودية, مع الحفاظ على نفس المسافة التي تبقي على التمايز بين الجماعتين لصالح هيمنة اليهودية كأغلبية في مواجهة الأقلية العربية كجماعات هامشية.
و أياً كانت سمات الأقلية العربية داخلياً ، فإن توجهها خارجا في إطار المجتمع الكلي ينزع نحو رفض الاندماج في "الهوية الاسرائيلية" وان كان التعبير عن هذا الرفض يتخذ أنماطا سلوكية اجتماعية مختلفة.
فقد شكل يوم الأرض حراكا اجتماعياً عربياً في إطار المجتمع الكلي موجها نحو الداخل ( أي داخل المجتمع) كسلوك سياسي يعبر عن تمسكه بالهوية العربية ورفضه الهوية "الاسرائيلية".
بينما شكلت الأقلية العربية في مساندتها الانتفاضتين الفلسطينيين عامي 1987و 2000, فعلا اجتماعياً ذو بعدين, يتحه الأول نحو الخارج باتجاه الشعب العربي الفلسطيني بأكمله, ليعبر عن التكامل مع الشعب العربي الفلسطيني وكجزء أساسي من مكوناته.
كما عبر من جهة ثانية عبر توجهه داخل المجتمع الصهيوني, عن تمايز حاد مع جماعة اليهود في إطار المجتمع الكلي.
وقد أدى هذا الحراك للعرب الفلسطينيين في الكيان الصهيوني إلى زيادة حدة ووتيرة القوانين التي تحد من الاندماج العربي في فلسطين الانتدابية وكان من هذه الاجراءات ان منعت حكومة الكيان لم شمل العائلات الفلسطينية التي يقطن أفرادها بين الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة وبين الأراضي المحتلة عام 1948 من جهة أخرى.(9)
و أياً تكن محفزات الحراك الاجتماعي – السياسي للعرب الفلسطينيين في الكيان الصهيوني أي سواء أكانت إرادية أو لا أرادية, فإنها تعبر بشكل مباشر, عن التمايز بين العرب واليهود وعدم تكاملها كمكونات لمجتمع مستقر في الإطار الصهيوني.
2- جماعات اللاجئين الفلسطينيين:
خضع اللاجئون الفلسطينون منذ بداية لجوئهم لمعايير قانونية في أماكن اللجوء, إلا أن هذه المعايير لم تكن المحدد الاجتماعي الوحيد كجماعات متمايزة عن المجتمع المضيف فقد تكتل الفلسطينيون في وحدات اجتماعية محددة بأطر جغرافية وقيمية أطلق عليها اسم مخيمات اللاجئين.
حيث شكل المخيم بالنسبة للاجئين الحاضن الاجتماعي كوحدات متجانسة داخلياً ومتمايزة نسبياً عن المحيط المضيف, لذلك فإن المخيم كوحدة اجتماعية فلسطينية شكل التمايز الاجتماعي عن المجتمع المحيط بينما حددت قوانين الدولة الضيفة معايير الاندماج الفلسطيني فيه.
و كون هذه القوانين لم تتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين كمواطنين كاملي المواطنة في الدولة المضيفة فإن المعايير المنبثقة عنها أدت إلى اندماج الفلسطينيين يشكل جزئي في هذه المجتمعات.
ما جعل الميزة الأبرز التي امتازت بها جماعات اللاجئين هي الاندماج الجزئي والتمايز الاجتماعي عن المحيط الاجتماعي الكلي في كل دولة من الدول المضيفة لهم, وقد شكلت هاتان الميزتان محددات الحراك الاجتماعي للفلسطينيين على مستويي:
- الحراك الاجتماعي الداخلي.
- الحراك الاجتماعي خارج الجماعة ـ داخل المجتمع المحيط.
ولعبت قوانين الدول المضيفة دورين في عملية انتاج الجماعات الفلسطينية للاجئين الفلسطينيين:
- الأول على مستوى انتاج الجماعة الفلسطينية.
- الثاني على مستوى الشعب الفلسطيني ككل.
إذ لم تشكل هذه القوانين جماعات متمايزة عن المحيط الاجتماعي فحسب, بل شكلت جماعات متمايزة عن بعضها في نفس الوقت, لذلك فإن التكوين الاجتماعي للشعب الفلسطيني اللاجئ, يفهم على أنه جماعات متمايزة فيما بينها سياسياً واقتصادياً وقانونياً.
إلا ان تمايز هذه الجماعات عن بعضها مر بعدة مراحل جعلت منه تمايزاً نسبياً, لذلك سنقسم دراسة التمايز بين هذه الجماعات إلى مراحل هي:
- منذ النكبة وحتى تأسيس منظمة التحرير.
- منذ تأسيس منظمة التحرير وحتى اتفاقية اوسلو.
- ما بعد اتفاقية أوسلو.
أ- منذ النكبة وحتى تأسيس منظمة التحرير:
شكل اللجوء بالنسبة للفلسطينيين انتقالا من مجال اجتماعي حيوي, إلى حالة انعدام لهذا المجال, إذ فقد أفراد الشعب الفلسطيني المكانة والدور اللذين كانا يشغلوهما في إطارهم الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني.
لذلك فإن إعادة بناء للظرف الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين بدأت تبرز بعد النكبة وقد ارتكزت إعادة البناء إلى:(10)
1- تحديد الوجود الجغرافي للاجئين الفلسطينيين:
توزع اللاجئون في الدول المضيفة داخل المخيمات وخارجها, وقد شكل المخيم منذ البدء الوحدة الفلسطينة الاجتماعية المتجانسة والتي استطاعت الحفاظ على القيم والعادات والتقاليد الفلسطينية.
و قد برزت هذه الحالة في تسمية شوارع المخيمات وحواريها باسماء المدن الفلسطينية وقراها.
و لم يكن القاطنون خارج المخيمات مفصولين عن المخيم إذ عانى الللاجئون داخل وخارج المخيمات من احتياجات متشابهة وإن كانت هذه الاحتياجات نسبية.
2- تلبية الاحتياجات الحياتية:
شكل تأسيس المخيمات بداية استعادة التوازن الحياتي, إذ استطاع المخيم تأمين السكن المؤقت للاجئ فلسطيني.
و من ثم فقد عملت المساعدات المقدمة من الدول المضيفة على تعزيز هذا التوازن بشكل أولي.
3- بناء العلاقات الاجتماعية:
بعد بناء المخيمات وتلبية الاحتياجات الحياتية الرئيسية, خرج اللاجئون من صدمة اللجوء, وبدؤوا يستوعبون حتمية التكيف مع واقعهم الجديد ونمط العلاقات الاجتماعية الاقتصادية الجديدة في إطار الدولة المضيفة وبناها الاجتماعية ونظمها السياسية والاقتصادية.
ب- منذ تأسيس منظمة التحرير وحتى اتفاقية اوسلو:
للمرة الأولى منذ النكبة تتشكل كيانية خاصة للشعب العربي الفلسطيني تمثلت في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني وموحد لقواه السياسية بناء على الميثاق الوطني الفلسطيني الحامل الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
و إذ كانت النكبة هي المتغير الاجتماعي الأبرز في المجتمع الفلسطيني, فإن تأسيس منظمة التحرير هو التغيير الأبرز في التكوين الاجتماعي لشتات الشعب العربي الفلسطيني بشكل رئيسي.
فقد أعادت المنظمة صياغة المفاهيم الاجتماعية للهوية الفلسطينية وأعطتها دورها الوظيفي في تشكيل مجتمع فلسطيني افتراضي وحد الجماعات الفلسطينية تحت مظلة المنظمة.
حيث حدد ميثاق المنظمة الهوية الفلسطينية بتأكيده على عروبة الشعب الفلسطيني وانتماءه إلى فلسطين المحتلة, ما جعل من التحرير والعودة اهدافا وواجبات استمدت قيمتها الاجتماعية من العلاقة الاجتماعية الجدلية التي حددتها المنظمة بين الجماهير واهدافها.
إذ شكلت الجماهير أداة تحقيق الأهداف الفلسطينية وحددت وسيلة الجماهير بالكفاح المسلح كخيار استراتيجي.
و قد اكتسبت هذه المقولات السياسية بعدها الاجتماعي من مأسسة العمل الفلسطيني سياسياً واجتماعياً.
و بهذه المزاوجة بين الجماهير والكفاح المسلح, اصبح العمل العسكري قيمة اجتماعية ميزت الشعب الفلسطيني واقعياً ورمزياً, وبهذه الصيغة أصبح التمايز الاقتصادي والقانوني للجماعات الفلسطينية تمايزا ثانوياً وهامشياً إذ شكلت المنظمة بمقولاتها السياسية حوامل اجتماعية قيمية وحدت هذه الجماعات حولها وحولتها إلى جماعات فاعلة في العمل السياسي والعسكري.
ج- ما بعد أوسلو:
بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام 1983 وتوجهها إلى تونس, بدأت تنهار فكرة التحرير من خلف الحدود, وأخذ العمل الفلسطيني السياسي والعسكري يتركز نحو الداخل الفلسطيني وتحديدا في الضفة الغربية وقطاع غزة الذي أفرز الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام1987, والتي عبرت عن حراك اجتماعي فلسطيني ذاتي, ينزع نحو الاستقلال وكان اللاجئون يقفون موقف المساند المعنوي لإخوانهم في الداخل والداعم المادي لاستمرار صمودهم.
ثم أتت عملية السلام في مدريد عام 1991 لتنتج مفاهيم سياسية جديدة في القضية الفلسطينية في إطار الحل السلمي الساعي نحو السلام بين دولتين "إسرائيلية " وفلسطينية تعيشان جنبا إلى جنب.
و كان من مستلزمات هذا الحل تغيير أدوات النضال الوطني الفلسطيني, والتي كان من أبرزها التوقف عن الكفاح المسلح كخيار استراتيجي.
و كان يعني توقف الكفاح المسلح, تعطيل الدور الوظيفي للاجئين الفلسطينيين خصوصاً ولجماهير الشعب العربي الفلسطيني عامة, ونزع صفة الكفاح المسلح وحصر الحل في العملية السياسية وبيد قيادة منظمة التحرير.
بالتالي فإن الشعب الفلسطيني دخل في إعادة إنتاج لمجمل البنى القيمية التي كانت سائدة قبل مؤتمر مدريد والتي شكل الكفاح المسلح محورها والتفت حوله القيم الأخلاقية الفلسطينية من التحرير إلى العودة.
و مع اتفاق أوسلو انهار الإجماع الفلسطيني على المشروع الوطني الذي رسمته منظمة التحرير الفلسطينية, وفرض المشروع السياسي الجديد في أوسلو إنتاجاً قسرياً للبنى الاجتماعية للجماعات الفلسطينية.
و ترجع سمة القسرية في الانتاج الاجتماعي الجديد إلى محددين رئيسين:
1- انهيار التوافق على المشروع السياسي
2- الخضوع المباشر لجماعات الفلسطينيين لأنظمة سياسية واجتماعية متباينة تختلف وجهات نظرها وميولها نحو أوسلو.
لذلك فإن التمايز شبه التام بين جماعات الشعب العربي الفلسطيني ميز مرحلة ما بعد أوسلو, وأدى هذا التمايز لدى اللاجئين خاصة إلى انحسار الدور الذاتي في إنتاجهم الاجتماعي الذي خضع لإرادات الدول المضيفة والتغيرات الاجتماعية في نظمها وبناها, كما أدت أوسلو إلى إعادة تشكيل أنماط الجماعات المكونة للشعب العربي الفلسطيني حيث دخلت السلطة كمتغير سياسي ذو بعد اجتماعي للشعب العربي الفلسطيني, إذ أصبحت جماعة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة الجماعة الوحيدة التي نخضع لسلطة سياسية فلسطينية وطنية بشكل مباشر.
المصادر والمراجع المستخدمة:
(1) بشارة, عزمي, العرب في إسرائيل رؤية من الداخل, ط2, بيروت, مركز دراسات الوحدة العربية, 2000, ص105.
(2) المرجع السابق نفسه, ص105.
(3) المرجع السابق نفسه, ص106.
(4) المرجع السابق نفسه, ص107.
(5) المرجع السابق نفسه, ص113.
(6) العلي,محمود داوود, الواقع الاجتماعي للفلسطينيين في لبنان, بيروت, باحث للدراسات, 2009, ص90.
(7) Mohammed Saleh,D.Mohsen, History of Palestine A Methodical Study of the palestinian Struggle, Egybt, Islamic Printing, P92
(8) بشارة, سبق ذكره, ص 113.
(9) السهلي, نبيل, الفلسطينيون داخل الخط الأخضر, سوريا دمشق, دار صفحات, 2008,ص41.
(10) العلي, سبق ذكره, ص90.
#نضال_بيطاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟