|
في ذكرى الثلاثاء الأسود
عمر دخان
الحوار المتمدن-العدد: 3485 - 2011 / 9 / 13 - 07:52
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يأتي هذا المقال متأخرا لأسباب شخصية قاهره، و بعد أن مرت الذكرى العاشرة لإحدى أضخم العمليات الإرهابية على الإطلاق، و التي ذهب ضحيتها آلاف المدنيين الأبرياء و الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم قصدوا وجهة عملهم في صبيحة ذلك اليوم المشؤوم، غير مدركين أنه في نفس الوقت الذي كانوا يتوجهون فيه لأعمالهم و حاجياتهم، كانت مجموعة من الإرهابيين المجرمين تستعد لتنفيذ عملية إرهابية جبانه خالية من أي إنسانيه أو ضمير.
من المؤسف فعلا أن يكون كافة منفذي ذلك العمل الإجرامي من الشباب العربي المسلم، و الذي تم تغذيته أفكارا دموية متطرفة حولته إلى آلة دمار حاقدة على كل مالم يكن نسخه منه، و جعلته يؤمن يقينا أن مثل ذلك العمل الإرهابي الجبان هو عمل بطولي، بل و جهاد في سبيل الله. قتل الأبرياء العزل أصبح بطوله، و روح الانتقام البغيضة أصبحت عزة و كرامه، و تدمير معلم تجاري كان يوفر الآلاف من الوظائف لأناس بسطاء و أثرياء، و نشر الهلع في مدينه آمنه مطمئنه أصبح “بطولة” إسلاميه. بل شبه الكثيرون من المغرر بهم تلك العمليات الإجرامية بالغزوات الإسلامية الأولى، مشوهين بذلك ليس صورة الإسلام فحسب، بل تاريخ الإسلام ككل، و جاعلين القتل و الإرهاب رمزا لنسختهم من الدين الإسلامي، و التي يريدون فرضها ليس على بقية المسلمين فحسب، و إنما على العالم أجمع.
تلك الحادثة التي اعتقد المتطرفون أنها ستؤثر على الولايات المتحدة، كان لها إيجابيات للولايات المتحدة أكثر من سلبياتها، فهي وحدت الشعب الأمريكي تحت الراية الأمريكية، و زادت من مشاعر الوطنية و حب الوطن في الولايات المتحدة، و توحدت كافة القوى السياسية ضد الخطر الخارجي، فأصبح لا فرق بين الديمقراطي و الجمهوري، و بين الليبرالي و المحافظ، و التحق الكثير من الأمريكيين بصفوف القوات المسلحة الأمريكية فيما اعتقدوا أنه واجبهم للدفاع على وطنهم الذي هوجم بعملية إرهابية هي الأكبر على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
أظهرت تلك العمليات الإجرامية مدى تلاحم الشعب الأمريكي بينه البين، فهم و إن اختلفت آرائهم السياسية و الدينية و العقائدية، يبقون مواطنين أمريكيين يدركون أن مصلحة بلدهم تأتي قبل كل شيء، و هي ما يحفظ لهم العيش الكريم، و لذلك فهم يختلفون داخليا من أجل بلدهم، و يتحدون خارجيا من أجل الدفاع عنها، و لعل هذا ما لم يعمل منفذو ذلك العمل الإجرامي حسابه، فهم وحدوا الشعب الأمريكي ضد كافة الأخطار الخارجية بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، على الرغم من أن هدفهم كان إشاعة الفوضى و الرعب في صفوف الشعب الأمريكي، و هو ما لم ينجحوا في القيام به، على الرغم من أن الجمهوريين يحاولون الآن القيام بدور القاعدة في نشر الذعر في صفوف الشعب الأمريكي بأجنداتهم اليمينية المتطرفة.
الرد الأمريكي على تلك العمليات كان سريعا و حازما، و كان ردا أذهل العالم بأجمعه، و هو العالم الذي حبس أنفاسه بعد العملية الإرهابية، غير مدرك لماهية الرد السريع الذي وعد به جورج دبليو بوش منفذي ذلك العمل الإجرامي. و بالفعل، لم ترى فترة طويلة قبل أن تبدأ الولايات المتحدة في عملية تطهير لأفغانستان من طالبان التي كانت تؤوي تنظيم القاعدة، و الذي كان المدبر و المنفذ لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، ممثلا في زعيمه بن لادن و الذي قتل قبل فترة ليست بالبعيدة.
يمكن لنا أن نختلف حول مبررات الحملة العسكرية على العراق، و لكن الحملة العسكرية على أفغانستان كانت مبررة تماما، خاصة بعد أن ظهر بن لادن في شريط فيديو يتباهى بدوره في العمليات الإرهابية، و إصرار طالبان على حمايته و توفير الملجأ الآمن له، بينما هو يخطط لدمار العالم.
و الآن، و بعد عشر سنوات من ذلك العمل الإجرامي، لا يزال العالم يواجه خطر الإرهاب و الهجمات الإرهابية، و لازالت الولايات المتحدة تخوض حربا طال مداها ضد قوى الشر في أفغانستان، و لكنه أيضا – أي العالم – أصبح أكثر أمنا باختفاء العديد من رؤوس الإرهاب العالمي، و أكثر أمنا باستيقاظ الشباب العربي الذي سحب البساط من تحت أقدام الإرهابيين الذين كانوا دوما يدعون الحديث باسم الإسلام و الشباب المسلم، على الرغم من أن ذلك لا ينفي كون التطرف الفكري و الديني لا يزال منتشرا في عالم اليوم، عالم يستحق بجدارة أن يتم تسميته “عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر” لما كان لذك العمل الإجرامي من أثر على التاريخ المعاصر و على الولايات المتحدة الأمريكية و شعبها.
أخيرا، دعاؤنا بالرحمة لأرواح جميع ضحايا ذلك العمل الإرهابي الجبان، و الرحمة لضحايا الإرهاب في كل مكان، في الجزائر و العراق و مصر و كل مكان حول العالم، و أتمنى أن تمر علينا الذكرى المقبلة لهذا الحادث الأليم و نحن نعيش في عالم أكثر أمنا، عالم خال من الإرهابيين القتلة الذين يستهدفون أرواح المدنيين الأبرياء و ينشرون الرعب و الهلع في مدن الآمنين.
#عمر_دخان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعوب مُستَبِده
-
الشقاء المقدس
-
ليبيا الحره
-
وكالين رمضان
-
و تريدون دولة أخرى؟
-
أنا شرير إذا أنا موجود!
-
تحريضٌ ممنهج
-
رضي الله عنه!!
-
الإلحاد المتطرف
-
كرات اللهب البشريه
-
بريطانستان
-
جمعية إنتهاك حقوق الإنسان
-
إنفصام الشخصيه
-
العلمانيه الثيوقراطيه في الجزائر
-
الوطن أولا
-
الولاء المزدوج
-
حس الفكاهة المفقود
-
كلام فارغ
-
الأسطوره
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|