|
أرض الله ضيقة
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 3485 - 2011 / 9 / 13 - 01:59
المحور:
كتابات ساخرة
تنبهر أحيانا بمجر ان تتموجد بأوربا، الحياة فيها جميلة جدا، متعبة بعض الأحيان، ويبدوا المهاجر فيها سعيدا بمجرد الوطأ في الساحل الغربي، لقد تخلص الآن من ضيق الوطن وشحنته المعرفية عن أوربا هي أنها وديعة وخلاقة، مليئة بالقيم الإنسانية،لكن ما أن يتوغل حتى تبدأ هذه القيم متفسخة تماما، بل إن أغلبنا يوثر في نفسه قناعة رائعة جدا: نحن في بلاد الآخر فيها شرط التوغل هو أن تحترم القيم التي بناها شعبه، حساسية مفرطة في التوغل، يجب أن تندمج، يجب أن تبحث عن كسب، يجب أن تظهر للبشر هنا انك بشر مثلهم، تشرب قهوتهم، تأكل أكلهم، تتطهر بمائهم، تتعلم لغتهم التي هي المفتاح الضروري للعيش بينهم وتبدي كل طيب فيك وباختصار بليغ: تبتسم لكل حشرة أوربية، وطبيعي جدا أن تبدي أول ملاحظة في أول خطوة، كأن تكتشف بالصدفة العجيبة أن ذبابهم أصغر حجما من ذبابنا وأكثر لسعا أيضا، وربما تسترسل في الإنطباع الذي هو لك حول أوربا منذ زمن الإنبهار : أوربا جميلة ومتقدمة ومحال أن يكون فيها ذباب بالمرة، على أي، أنت الآن تتفاجأ بذباب لاسع، حجمه صغير وهذا او هذه أول ردة معرفية في انطباعك الأولي: في أوربا أيضا ذباب. هناك أيضا أشياء بليغة جدا وصافعة في نفس الوقت، لكن مبررة تماما بمعرفتك، فنحن الكائنات المهاجرة نعرف بالتمام المفجع أن قيمهم ليست كمثل قيمنا، بل إن اجمل خرافة لنا حولهم هي أنهم حضاريون إلى أقصى الحدود، وربما الكثير منا هجر بلده الأصلي لسبب بسيط للغاية على الرغم من أنه يصعب تصديق مثل هذه السماجة، ان تنسجم مع طبائعك الفطرية، الحيوانية إذا أردنا أن نحتكم إلى منطق أخلاقي قيمي، بعض شيوخنا الأعزاء، يرفضون في طبائعنا الفطرية أن تكون غريزية بشكل صارخ، كأن تنظر إلى المراة مثلا كأنها شيء آخر غير كائن انثوي، أن تحجب عينيك بشكل شوفريزيني هائل، وبشكل اناني جدا، كان عوض ان يحجب الذكور عيونهم كحمير مجفلة لاتسيطر على غرائزها، اوجد الفقهاء حلا متميزا هو ان تخفي المرأة كنهها. قلت قد تعشق اوربا لهذا السبب فقط ان ترى الناس بدون احجبة ولا أقنعة أن تفطر مثلا في رمضان دون حسيب،، فأنت مثلا لاتجد مبررا لصومه،ومحال أن يعذب الله عز وجل شخصا أكولا بهيميا مثلك، فهو غني بالمطلق وليس له في الأمر ما يثير استمتاعا غريزيا كأن يرى جلاله أناسا تجوع نفسها مرضاة له: كم هو مضحك الأمر في عيون الآلهة... كما هو محال أن يكون جل قدره ساديا إلى هذا الحد اوذاك. هذا في الميتافيزيقا العادية والبسيطة جدا، وإلا فإنه أخرق، لكن أيضا، جميل أن نخرج من حيز الميتافيزيقا هذه التي لايشبع منها منطق تجليات الأشياء، فحب الله ليس بالضرورة ان تقيم مثل هذا القداس من تعنيف الذات، لان الله خلق الحياة للمرح، للإستمتاع وليس للتألم، ومحال أيضا بلغة ابن رشد أن يكون الله يستمتع حين تجوع نفسك، لان الأمر هو نقيض المرح، لكن في أوربا شيء آخر غير هذه الميتافيزقا، قيم أخرى ارضية، سياسية بالطبع، فنحن نهاجر عادة، وبكل الإيمان الخالص، للتخلص من ضيق الوطن: بما أن القيم هي هكذا عندنا:« شا أذكان، شا اذتوهوال» (البعض ينام هنيا والبعض الآخر يتهول، مقطع من بيت شعري امازيغي)، ومن دون نضال ولا هم يحزنون في سبيل تغيير الأوضاع، تبدو الهجرة خيارا استسلاميا قحا، في كنه المهاجر المعرفي، ليس استسلاما، بلكنة لبرالية مجيدة هي: مبادرة حرة، تلك المبادرة التي أذهلت العالم، وحار حولها الفلاسفة،أوطاننا الجميلة ضاقت بهذه المبادرات، ضاقت بالمشاريع بشكل لم تعد هناك مساحة للآخرين، وبما اننا في عقد السلم الإجتماعي، فنحن سنبحث عن فرص أخرى ونترك لكم الوطن سليما: ارض الله واسعة. حين تعود إلى الوطن تكون كمن اصيب بالمس الجنوني، فأحقر نادل فيه يعرف فيك هذه المتعة الإنفصامية، ويؤسس خدمته بناءا عليها، فهو يعرف فيك هذا الجموح التافه بانك لن ترضى ان تكون أصغر من مواطن عادي، انت كبير بتفاهة الهجرة، والحصيلة الشوفريزية انك تتحول من مواطن اوربي يعيش على القمامة في بلاد الملامح الشقراء إلى مواطن متكبر ببذلة أوربية في الموطن الأصلي. والحقيقة المرة أكثر هي أن أرض الله غير واسعة، بل هي تستلزم وضعا آخر هو أن أرض الله ضيقة بما يكفي من فرض واقع آخر هو: إما أن نعيش او لا نعيش، هي الحرب إذن ولنكن صادقين مع أنفسنا، هي ضمير الثورة في ربيع دول الجنوب ولن أقول ربيع العرب بل أستطيع القول بأنه ربيع الجنوب السياسي النقيض للرأسمالية، وحين ينضم الربيع الآخر سنكون على بينة من أمرنا، بصدق قاتل أقول لرفاقي العرب:كرهت ثورة التراويح عندنا. فهي تعبر عن “أنا” مبجلة إلى أقصى الحدود، وكل ماصنعته الثورة عندنا، وباليقين الصادق هو ان شعوبنا تخلصت من شبح الخوف القاتل، ويجب صراحة ان نعترف بأننا لم ننضج بعد. اعترف أني انجررت في متاهة القول، فأنا أتكلم عن موضوع صغير جدا فإذا هو تجلياته أكبر مما اعتقدت، وعمليا نعرف أنه بالشيء تذكر الأشياء الأخرى، ومحنة المهاجر، هذا الكائن المسالم حتى النخاع، هي هذا التشيء نفسه، نحن نهاجر إنسانيا، نيتنا المبدئية هي أن نخفف من ضيق الوطن، مبدأنا هو التشيع في أرض الله، لكن، نكتشف منذ البدايات القصوى، في أول توغل في أرض الآخر بأن ذبابه لاسع بشكل مفرط. حتى لا اتسبب في سوء فهم، فالأرض بما كسبت جغرافيا هي ارض الإنسان، وهذا موقف اناني حتى النخاع، وهنا يمكن الحديث عن اشياء أخرى، من هنا نستطيع القول بان الأرض هي ارض كل الكائنات الحية، بهذا التعميم الجميل والكريم في نفس الوقت نكون لا ننفي حق عيش المخلوقات الأخرى. فأنا شخصيا أرحب بعودة الدناصير، لكن ليس بعودة دناصير من طينة جورج بوش أو شارون أو غيرهم او القذافي أو حسني أو حيونات أخرى، أرحب بديناصورات حساسة جدا، ديناصورات تنتقد وضعها القاضم لحياة الآخرين. في ربيع الثورات العربية يبدوا هذا الكائن المسالم، المهاجر كما يحلو لنا نعته، وحشا آخر، ديناصورا آخر، وهذا بالتحديد ما أريد التنبيه إليه: أن تكون في أوربا أحد الديناصورات العاشبة، ناخر في القمامة بلغة اكثر تدرجا في الحقارة، وبلغة مسالمة لا تقتل الآخرين ممن يأنسون وداعة هذه القطط الجميلة، لكنها تمتص بما به هم يعيشون، لقد رأينا كيف تحول العراق من سيطرة ديناصور لاحم (من اللحم) إلى ديناصور متشيع يعيش على القمامة: بخلاصة بليغة أصبح العراق دولة شيع: ديناصورات عشبية او قمامية، فياويل للعراق وياويل لشعوب تستسيد عليها حشرات قمامية مزبلية.
ولن ندخل في هذه التفاصيل لأنها كريهة جدا ولان أغلب القراء يعرفونها جيدا، لكن سأدخل صلب الموضوع: نحن المهاجرون أكبر حثالة تاريخية صنعتها الدناصير العاشبة، وانا أتكلم من موقعي كمهاجر، وهو نقد ذاتي إذا شئتم، وأعرف كما جاء في تعليق لرفيق حميم اني أبالغ في جلد الذات، نحن المهاجرون حثالة على اوطاننا، وربما، وهو استنتاج شخصي، نشكل أكبر خطورة على ثورات شعوبنا. وصحيح جدا أن يشفع لنا مناضلوا الوطن في غربتنا، نحن كائنات عادية قد لا تحصل على اكلها في مناسبات عديدة لولا الجمعيات الخيرية، نحن أيضا قد يصبح لنا شأن فقط إذا أسسنا جمعيات بالشعارات المعلومة، وقد نصبح بالشعارات ذاتها خبراء في الثورات، لكن دعوني أقول لكم حقيقة أيتها الشعوب التي تشتاق إلى دعمنا حقا، نحن مهمشون في كل شيء إلا في أن نناقض حكومات أرانب هي اصلا مدعمة من قبل الدول التي نعيش فيها: مأساتنا جميعا هي أمريكا الشمالية وأوربا، من هنا استطيع القول بان الثورة الحقيقية هي قلب النظم الإقتصادية وليس تغيير حكام بآخرين، لقد بلغنا من الوعي ما يفي باننا لسنا في حاجة أصلا لحاكم، بل نحن في حاجة إلى عيش كريم. هذا هو النضج المفتقد في الثورات العربية. يستطيع كل امريء في أوربا تأسيس معهد، وياله من قول ضخم، في أوربا نستطيع ان نؤسس خرافة بكل المقاييس الموضوعية، جمعية خرافية تتكلم باسم كل المهاجرين كما لو كانت قوة حقيقية، فثلاثة أشخاص يستطيعون تأسيس جمعية، شعاراتها فائقة لتكون ممثلة لكل الطحالب المهاجرة، مضخمة إعلاميا في عيون الأهالي في الوطن، مضخمة بنية صادقة من اوربا المحتاجة موضوعيا إلى تبرير تدخلاتها الفاجرة، تبدوا أسماؤنا في الوطن على غير ما يعرفك الجار، الصديق الحميم الذي كنت وإياه تمارسان العادة السرية: الإستمناء في أحسن الحالات. أقول هذا لاني أعجب لزملاء ظهروا في الشاشات العربية بمظهر خبراء في الإستراتيجيات، وأنا شخصيا أعرفهم خبراء في الإستمناء.
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إذا كنت في المغرب فلا تستغرب
-
المغرب وسياسة تدبير الملهاة
-
ليبيا وثورة التراويح: بالأحضان أيتها الإمبريالية المجيدة
-
يوميات مغارة الموت (4): تحية لروح الشهيد أوجديد قسو
-
20 فبراير هي الضمير الوطني لجميع المغاربة
-
القديس آمو
-
الماركسية في تفكيك أمير الغندور، الغندور منتحلا شخثص الفاهم
...
-
الماركسية في تفكيك امير الغندور: عودة إلى القياس الفقهي
-
الماركسية في تفكيك الأستاذ أمير الغندور: في غياب السؤال المع
...
-
الماركسية في تفكيك ألأستاذ امير الغندور: النزعة التلفيقية
-
الماركسية في فقه الأستاذ أمير الغندور
-
من حكايا العبور: سعيد الميركرودي
-
عودة إلى الصراع الطبقي والماركسية
-
لقاء مع بيكاسو: حي الجيتو
-
حول الصراع الطبقي والماركسية
-
حول الصراع الطبقي، رد على الزميلة مكارم
-
مغرب الإجماع البليد
-
نحو آلية عالمية للتنسيق بين ثورات الشباب في كل العالم
-
حول الدستور المغربي الجديد.. لتستمر الثورة
-
كلمة حق في استشهاد مهدي عامل
المزيد.....
-
وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث
...
-
وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه
...
-
تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل
...
-
تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون
...
-
محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا
...
-
الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا
...
-
روى النضال الفلسطيني في -أزواد-.. أحمد أبو سليم: أدب المقاوم
...
-
كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا
...
-
مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م
...
-
“نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|