|
مضيق الحناء.. البنية الغرائبية... دلالة جمالية للتعبير عن مستوى القهر والتشوه الانساني.
هديل عبد الرزاق أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 3484 - 2011 / 9 / 12 - 21:45
المحور:
الادب والفن
مضيق الحناء.. هي التجربة الإبداعية الأولى للشاعر حسين القاصد في المجال السردي، الذي تتسم نصوصه بانفتاحها على قراءات وتأويلات لا نهائية لكونها مشحونة بشفرات ورسائل لا نهاية لها. وتبدو الرواية مسكونة بعرض جوانب الاضطهاد السلطوي بكل اتجاهاته، سياسية كانت أم اجتماعية، بل وثقافية أيضاً، مما يجعلها أسيرة التعبير عن واقع الفرد العراقي طيلة عقود من الزمن، لترصد عمق مأساته وعذاباته، فيشكل الهاجس السياسي فيها جوهر الفعل الروائي، إذ تخضع معظم الشخصيات فيها لضغوطات المؤسسة السياسية بكل أنواعها، فترى البعض يتمرد عليها مثل (سلام)، أو يكون تابعاً لها مثل (مهموش) الذي ربطته علاقات بالعثمانيين والإنكليز من بعدهم، وأولاده (مهاوش) الموالي للحزب الحاكم، و(فرمان) الذي ظل يطارد (سلام) الشيوعي باسم المصلحة الوطنية، و(مخلف). وبقدر انفتاح الرواية على ثنائية التاريخي/الواقعي، إلا إنها تتضمن أيضاً أبعاد العنصر الغرائبي/الفنتازي ومظاهره، والذي لا يخترق البنية السردية بشكل كلي، وإنما يبرز بجانب المظهر الواقعي، أي أن البعدين الواقعي والغرائبي يتفاعلان مع بعضهما ليشكلان عالم الرواية وفضائها، وكما يبدو في الفصلين اللذين يحملان عنوان (غروب الخميس) و(أضغاث سلام) تحديدا، إذ تتجلى مظاهر الغرائبية في حوادث الغروب الخميسية "أصبحت حوادث غروب الخميس أكثر حضوراً من رعب صفارات الإنذار ... ففي الصباح يرفع العلم وفي الغروب على موعد مع حادث سيارة في المكان المحدد" الرواية: ص66. وهو ما يجعل الرواية تخرج من إطارها الواقعي الذي ابتدأت به لتتخذ بنية غرائبية كابوسية تتحرك في عوالم لا يمكن لها أن تكون واقعية. لاسيّما أنّ (مظلوم) يمر بدراجته في الموعد المشؤوم دون أن يصيبه شيء لتبرز مظاهر الغرائبية بشكل أكبر في فصل (أضغاث سلام) حين تتضح الأسباب التي تؤدي إلى الحادث، فيفك اللغز الذي حار فيه أهل المضيق، حين تفوح رائحة البخور من مكان الحادث الخميسي فيتجه نحوه أهالي المضيق ليجدوا "رجل ملثم ذو هالة تحيطه... وصل... إلى المكان الفخ وجلس وافرغ كيساً كان فيه دمى وبعض الطعام وقضى ما يقارب الساعة في حديث مع طفلة... وفي نهاية اللقاء سمعته قال: إلى اللقاء يا فرح... إذن لم يكن المكان قبراً لشخص تقي... بل كل ما كان هو فرح التي سقطت بالحفرة اثناء نومي وغياب سلام الذي دخل المستشفى وقتها وهي كل خميس تمد يديها في الغروب لكي يصطحبها ابوها الى اليابانيين، فيشاهدها اصحاب المركبات فيصيبهم الرعب والذعر فيفقدون التوازن فتنقلب السيارات بهم أما مظلوم فهي لا ترفع يدها حين تشاهده لانها تعلم مدى حب ابيها له ولا تريد ان تكون ظالمة كالاخرين" الرواية:ص78. ويبدو أن لجوء الكاتب الى هذه المشاهد الغرائبية التي يدمجها بالواقع الانساني لها دلالات جمالية تتبنى فعل التعبير عن مستوى القهر والاستلاب والتشوه الذي يتعرض له الانسان في هذا العالم، من ازمة مصير وتهميش للذات وللوجود وشل افكاره ووعيه وتطلعاته من قبل السلطات جميعها فتبدو بمثابة ردة فعل تجاه قوى القهر والاستلاب، رغبة في ادانة الواقع الخارجي ومحاولة تعريته للكشف عن المعاناة الانسانية. وهو ايضاً ما دعاه إلى خلق لعبة فنية من خلال اسماء الشخصيات، لتصبح التسمية بمثابة الإطار الذي يقود الفعل السردي في الرواية ويوجه حضور الشخصيات في صفاتها وخصائصها، فمنح (سلام) سمة الاختفاء، ولـ (فرح) الوأد، ولـ (أمنيات) الذبول، وكذا الحال مع باقي الشخصيات، مثل (خريبط) الذي يتسم بعدم الاتزان والفوضى في كل جوانب حياته، و(مظلوم) الذي ظل يكدح طيلة حياته من اجل بقاء مجد اخيه (مهاوش) الانتهازي...الخ. ومن الناحية الفنية تتسم الرواية بايقاعها السريع عموماً، إذ ان زمن الحكاية يغطي عقوداً طويلة، تمتد من بدء مغادرة الجنوبيين لأهوارهم ونزوحهم الى بغداد، وحتى نشوب الحرب الأهلية في العراق، والذي لا يتوازى مع زمن القص في النص الروائي والذي لا يستغرق سوى (98 صفحة)، إذ عمد الكاتب إلى استخدام تقنيتي الحذف والاختصار، أي عدم ذكر أحداث يفترض وقوعها بين الأحداث المذكورة، لكنه لا يشير إليها، أو قد يختزل أحداثاً كثيرة في سطور قليلة، ما يوحي بالتكثيف وسرعة إيقاع القص. لقد حكت الرواية قصة شعب أثقلت كاهله مطاردات السلطات لأفراده، معبرة عن علاقة الفرد بالسلطة، حين ينسحب اثر السلطة على جميع جوانب الحياة الإنسانية، وحين تغدو جميع القيم والمقدسات مجرد صور مشوهة، فيكون التعبير عن كل ذلك باللجوء إلى عوالم ميتافيزيقية تعبر عن مستويات تشوه الواقع الإنساني بفعل القهر السلطوي.
#هديل_عبد_الرزاق_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل الأشياء - قصة قصيرة
المزيد.....
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|