|
هل عادت الأغنية الوطنية من إجازتها؟!
نادن ميرزا
الحوار المتمدن-العدد: 3484 - 2011 / 9 / 12 - 21:45
المحور:
الادب والفن
حالة وطنية نقية صرفة .. أدخلتنا فيها تلك التحركات التي جرت في مختلف البلدان العربية ابتداءً من تونس، مصر .. وصولاً إلى الأزمة التي ألمّت ببلدنا العزيز سورية. حالة وطنية تجلت بأحلى صورها .. انتماءٌ كبير للأرض .. التفافٌ حول لحمة متراصة بين كل أطياف المجتمع السوري .. اعتزاز عظيم بعلم الوطن الذي رُفع عالياً مرفرفاً يسابق الريح على أسطح المباني .. على شرفات المنازل .. على أبواب المحال التجارية .. على السيارات العامة والخاصة .. في أيادي الأطفال .. وشاحاً حول أعناق الصبايا. لكن من أحلى مظاهر تلك الحالة الوطنية هي صدح الأغاني الوطنية من كل الأماكن .. من البيوت .. من المقاهي .. من وسائل الإعلام .. حتى من نغمات رنين الهواتف النقالة. أغان للمقاومة .. أغان للوطن .. أغان للشهادة والاستبسال .. أغان غابت طويلاً من أسماعنا في إجازة مفتوحة حتى كدنا أن ننساها، نحن هذا الجيل الذي طالما رافقتنا في أوقات لهونا وجدنا، في رحلاتنا، ودراستنا.. هل كان يلزم كل هذه الزلازل والهزات لإخراجنا ــ ولاسيما الجيل الشاب (وهو الأهم) ــ من غياهب الأغاني الهابطة التي أدخلته فيها الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة؟ .. هذه الأغاني التي اعتمدت على حركات الجسد مشهداً والضجيج والضوضاء نغمة والسخافة كلمة .. فحركت الغرائز وعملت على تشويش الفكر وتسطيح الوعي. قال عنها أحد الفنانين ومن على أحد منابرها (العربية) متمنياً أن يسمعه المسؤولون: (إن الفضائيات العربية تمكنت من فعل ما فشل السياسيون به، فقد وحدت المشاهد العربي على التفاهة). فالأغنية الوطنية هي انعكاسٌ حقيقي للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجماهير الشعبية. وبالرجوع إلى تاريخ الأغنية الوطنية في دنيا العرب، نرى أنها خرجت من مهدها على يد رائد الغناء وفنان الشعب (سيد درويش) الذي يعتبر بحق صانع ومفجر ثورة على المستوى الفني (الغنائي والموسيقي) فضلاً عن أنه صوت الشعب الهادر قبل وإبّان ثورة /1919/ الوطنية، فهو الذي وضع نشيد (بلادي بلادي) الذي رددته الملايين العربية وما زالت من المحيط إلى الخليج، وأغنية (قوم يا مصري)، هذه الأغاني التي شحذت الشعب بالحماس ورفعت من روحه الوطنية وشهدت على حال الشعب وأفصحت عن قضاياه الحقيقية التي كانت تشغله ولاسيما التحرر من الاستعمار ونيل الاستقلال. وبوفاة سيد درويش المبكر خَبَا ضوء الأغنية الوطنية إلى أن توهج ثانية في فترة الخمسينات مع موجة المد الوطني التي اكتسحت الساحة العربية وإقامة الكيان المصطنع الصهيوني في قلب فلسطين، حيث هدرت الجماهير الشعبية معلنة رفضها ومحاربتها للمستعمرين وانتقادها للأوضاع الفاسدة في المجتمع، ولذلك اعتبرت الفترة الذهبية للغناء الوطني والمقاوم، حيث صدحت حناجر فنانين كبار مثل محمد عبد الوهاب في أغنية (أخي جاوز الظالمون المدى) وأم كلثوم (والله زمان يا سلاحي، أصبح عندي الآن بندقية) تلاهم عبد الحليم بصوته الشجي فغنى (خلّ السلاح صاح، الله أكبر فوق كيد المعتدي) حقاً جاءت هذه الأغاني لتعلن كفاحاً مسلحاً ضد العدو الصهيوني. ثم طغت على الساحة الفنية الوطنية ظاهرة (إمام ونجم) فكانت انعطافة في مسيرة الأغنية الوطنية والملتزمة، بل كانت نموذجاً جديداً يجمع بين السخرية والتهكم على سياسات الانفتاح ما جعل السادات يأمر بسجنهما عدة مرات. كون الاثنان (الشاعر أحمد فؤاد نجم والملحن الشيخ إمام عيسى) ثنائية رائعة متكاملة اندمج ما امتلكه الشاعر نجم من مقدرة على النقد بالكلمة وما امتلكه إمام من مقدرة على تلحين هذا الشعر وأدائه فكان امتزاجاً ما بين الغناء والسياسة، عبرا عن كلمة الشعب وصوته ومحنه وآلامه وآماله، فكانت لهما الكثير من الأغاني (مصر يا بهية، شيد قصورك عالمزارع، حاحا، رجعوا التلامذة).. ومع انطلاق المقاومة الوطنية الفلسطينية وأعمالها البطولية التي سطرت ملامح فداء، التفت الفنانون ثانية إلى هذا النمط من الأغاني وأبرز من غرد على الساحة الفنية جمعتهم ملحمة اسمها القدس، زهرة المدائن.. ثم جاءت حرب تشرين التحريرية فكانت مصدر إلهام للفنانين فتغنوا بهذا النصر الكبير، حيث رددت الملايين مع شريفة فاضل أغنيتها (أنا أم البطل) وتصدرت الشاشات والإذاعات أغنية (خطة قدمكن عالأرض هدارة) بصوت فيروز الهادر، وتألق الثلاثي الجميل محمد سلطان ونجاح سلام من لبنان ومحمد جمال من سورية في أجمل صورة للتآخي والحس الوطني العروبي في أغنية (سورية يا حبيبتي). وبعد ذلك وفي فترة النكسات والخيبات والتي ترافقت مع المقاومات البطولية، كان للبعض مساحات مضيئة في الغناء الراقي والمعبر فمنهم من غنى للفقراء ومنهم من تغنى بالمقاومة ومجد الشهداء، أمثال زياد الرحباني وجوليا بطرس وخالد الهبر ومحمد منير وآخرين .. واستمرت المدرسة الرحبانية بزيادة رصيدها من الأغاني الوطنية وبصوت العظيمة فيروز.. ولكن في الفترة ذاتها ومع الانهيارات الكبيرة، دخل الميدان الفني تيار هجين اعتمدت أغانيه على الجمال وركزت على تمايل الجسد أكثر من عذوبة الحنجرة (يا طبطب ودلع، بوس الواوا، عتريس) هذه الأغاني الرائجة التي حصدت أرباحاً خيالية في الشارع العربي.. مع ذلك لابد من الإشارة إلى أحد أشكال الغناء الجماعي وهي الفرق الفنية التي لاقت صدىً كبيراً في الشارع العربي .. مثل فرقة الميادين اللبنانية وفرقة الطريق العراقية وفرقة نيسان ــ السنابل ــ حنين ــ الكوفية وغيرها من الفرق الفلسطينية.. ومن اللافت للنظر هو تلك المحاولات الجادة لوحدة عربية فنية (إن صح التعبير) في أوبريت غنائي جميل وهادف قام بأدائه فنانون من معظم البلدان العربية سمي (الحلم العربي) وآخر سمي (الضمير العربي) وبالفعل كانا حلماً عربياً فعلى الرغم من النجاح الفني والتقني إلا أن قطار الموضة دهسهما وفضائيات العمالة قمعتهما في مهدهما.. قال أحدهم مرة: (إذا أردت التعرف إلى شعب فاستمع إلى موسيقاه). وأنا أدعوكم لنستمع سوية لترنيمة أميمة الخليل بصوتها الرخيم دون أن ترافقه موسيقا: ومررت أمسي على الديار أنفض الحزن المعشش في الجدار وأقبل الأرض التي وطأ الصغار وجثوت عند قبور أحبابي وأعينهم مصابيح القبور ما أطفأتها الريح عبر موانئ الليل الضرير وشممتا ريح القمح والعرق المخثر والبيادر ومعالف البقرات والصيف المهاجر وعلى مدى الطرقات رعيان وأشواق دفينة وحناجر تلهو بأغنية حزينة.
#نادن_ميرزا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|