|
ضوء- بيار سلّوم والنهاية المفجعة التي تشيع اليأس لدى المتلقين
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1037 - 2004 / 12 / 4 - 09:56
المحور:
الادب والفن
على رغم الجانب الجمالي الذي يتوافر عليه فيلم ( الضوء ) " 26 دقيقة " إلا أن المخرج اللبناني بيار سلّوم يعوّل على سينما الموضوع، أو السينما الواقعية بتعبير أدّق، لأن همّه الأساسي هو إيصال " رسالة ما " إلى المتلقي، علَّ هذا الأخير يستفيد من مضمونها، ويُسهم مع المخرج في التغيير، والإصلاح، وترميم الذات الجريحة أو المنكسرة. ومن السمات الحسنة التي تميزّ رؤية بيار سلّوم، وتعكس ثقافته الجدّية هو اعترافه بوجود خلل ما في الذهنية، وعطب في طريقة تفكير المواطن العربي إذا ما تعلّق الأمر بالقانون، وضرورة الالتزام بالضوابط الحضارية التي تحكم المجتمعات المتقدمة، أو تلك التي تمضي في طريقها إلى التقدم، والحياة المدنية المتحضرة. ومَكمن اعتراف المخرج سلّوم يتجلى في تصريحاته الدائمة بأن " أرواحنا قد تشوّهت بفعل الحروب المتلاحقة " وبالتالي فإنها تحتاج إلى علاج حقيقي كي تتماثل للشفاء، وتستأنف حياتها من جديد. من جوهر هذه الفكرة " الخطيرة " ينطلق فيلم " الضوء " بما ينطوي عليه من محمولات رمزية شديدة الدلالة. الفيلم يسرد قصة واقعية لم تُحسم بعد في البلدان العربية، أو أغلب بلدان " العالم الثالث " فحتى المواطن المتسلح بثقافة غربية، والذي يقف عند إشارة المرور، سواء أكان راجلاً أو راكباً، ينتابه وسواس الرغبة في تجاوز هذه الإشارة. بمعنى أن هناك مساحة ملوّثة في لا وعيه الفردي لم تعتد على الانضباط، واحترام القوانين التي سنّها المتخصصون من أبناء المجتمع المديني المتحضر. يا تُرى، ما الذي فعلته الحرب الأهلية اللبنانية بعقول الشعب اللبناني وبأرواحهم؟ وما هو حجم الخراب الذي لحق بالذهنية الجمعية لهم؟ وهل أن إعادة الإعمار يجب أن تبدأ بالإنسان أم بالبنيان؟ وهل أن الرصاص الذي نهش واجهات البيوت، والمدارس، والجوامع، والكنائس، والعمارات الشاهقة التي رمّمها الإنسان، لكنه نسي أن يرمّم نفسه من الداخل؟ هل استطاع المواطن اللبناني أن يتصالح مع نفسه بعد هذه القطيعة المرة التي دامت خمسة عشر عاماً؟ وهل وصل الإنسان اللبناني إلى مرحلة الصفاء الذهني والروحي بعد مرور خمس عشرة سنة أخرى؟ زمنياً، يبدأ الفيلم بعد ثمانية أشهر من توقف الفوّهات المجنونة للبندقية والمدفع، كما ذهبت الحراب إلى أغمادها. وهذا يعني أن المسافة الزمنية مازالت قصيرة، وبالتالي فإن الجروح لم تندمل بعد، بل أن الأنقاض، والبنايات المتهدمة، وبقايا المتاريس، واليافطات السود ما تزال ماثلة أمام أعين اللبنانيين. فكيف يريد " حنّا خوري " هذا الإنسان المتحضر، والمحب للحياة الطبيعية المسالمة أن يكون أنموذجاً للمواطن اللبناني الملتزم بالقوانين المدنية المتحضرة؟ لنفترض أنه ينطلق من حلمه الشخصي، ومن ذاكرته الفردية، ومن انضباطه الوظيفي حيث قضى جل حياته في خدمة هذا الوطن، بحيث أنه يعرف عدد الإشارات الضوئية في كل أنحاء بيروت. تبدأ القصة بفرح شديد ينتابه وهو يرى بأم عينيه أن بلدية بيروت، ومديرية المرور فيها، قد انتهيا للتو من نصب " الإشارات الضوئية "، فيقرر في لحظة خاطفة أن يصحب أفراد عائلته كلهم من دون استثناء، ويأخذهم جولة يندمج فيها هاجس الفخر، بتعليم الأولاد على ضرورة الالتزام بالضوابط المرورية. الفيلم لا يخلو من عناصر الشد، والتشويق، وإثارة المتلقي. فعند الإشارة الأولى حيث يشتعل الضوء الأحمر يتوقف هذا الأب المتحضر، الذي لم تقوّض الحرب روحه، وعقله، وذاكرته، لكننا نفاجأ بشخص مستهتر، وخارج على القانون يترجل من سيارته، ثم ينهال ضرباً على الرجل الملتزم بالإشارة الضوئية. هنا يبرز السؤال الأكثر أهمية في الفيلم وهو: إذا كان الأب المبتهج بهذه الظاهرة الحضارية التي شاعت في لبنان من جهة، ويريد أن يعلّم أبناءه احترام القوانين وإطاعتها من جهة أخرى، ترى ماذا سيقول الأبناء وهم يرون أباهم يُقرّع ، ويوسَع ضرباً بحيث مكث في المستشفى أسبوعاً كاملاً؟ وحينما يتماثل للشفاء نفاجأ بالموقف ذاته، فعندما يقف أمام الإشارة الحمراء تُعاد الكَرّة، فما كان منه تحت الضغط الشديد إلا أن يتجاوز الإشارة المرورية، لكن الجرّة لم تًسْلم هذه المرة، فلقد صدَم سيارة أخرى، وكان هو المخطيء، والمتجاوز على القانون، فتحمّل سُباب كل من كان موجوداً في السيارة. وحينما يعود إلى منزله يظل يراقب السيارات التي تقف عند الإشارات المرورية الكائنة قرب شقته مُسجلاً أرقام السيارات المخالفة، وصابّاً جام غضبه على سائقيها، بينما يثني على الملتزمين منهم. فجأة، ينشب خلاف حاد بين سائقَين فتتكدس السيارات عند تقاطع الطريق، وصادف أن تكون هناك عربة محملة بالفاكهة والخضار، فما كان من السائقين الحمقى إلا أن يهجموا على هذه العربة، ويتراشقوا بالفاكهة التي تبعثرت على الأرض، وصار البعض منهم يرمي الشقق المجاورة بحيث تمكّن أحدهم من إصابة ابن " حنا خوري " وأسقطه أرضاً. وفي لحظة الغضب المستطير تناول " حنا " بندقية الصيد، ونزل من شقته، وبينما كان الاشتباك مستمراً سدّد فوهة بندقيته وحطم الإشارات الضوئية تباعاً وسط دهشة السائقين الموتورين، وحيرة سكان الحي الذين يعرفون مدى حب حنا للعلامات الضوئية، واحترامه بالقوانين التي تحكم البلد الذي أحبَه أكثر من نفسه. لا شك في أن هذا الفيلم يحمل العديد من " الرسائل " والتحذيرات، فهذه الإشارة الضوئية أوشكت أن توقد فتيل " حرب أهلية " مُصغرّة، كما أفضت إلى مشاكل أوشكت أن تودي بحياة " حنا خوري " المحب لوطنه، والملتزم بقوانينه، لكن تظل نهاية الفيلم غير مقنعة إذا ما احتكمنا للخلفية الثقافية لبطل الفيلم، والشخصية المحورية فيه. فالنهاية أحبطت فينا الأمل، وهشمته كما هشّمت رصاصات البندقية زجاج المصابيح الضوئية، وأطفأت ألوانها الجميلة. أخرج بيار سلّوم عدداً من الأفلام المميزة من بينها " 15 مليوناً وبعد " 2000، و " عا بالي " 2002، و " صور ليلى " 2003، و " الضوء " 2003 أيضاً. وقد نال هذا الفيلم عدداً من الجوائز المهمة في مهرجانات عالمية كان أخرها جائزة الصقر الفضي في مهرجان روتردام للفيلم العربي، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم القصير في الدورة العشرين لأيام قرطاج السينمائية.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيلم - رشيدة - للمخرجة الجزائرية يامينا شويخ وآلية التعاطي م
...
-
فاقد الصلاحية - للمخرج العراقي رسول الصغير ثيمة غربية ساخنة
...
-
فوز الكاتبة، وعضوة البرلمان الهولندي أيان هيرسي علي - من أصل
...
-
زنّار النار - لبهيج حجيج: هذيان، وقلق، ولهاث خلف حلمٍ متوارٍ
...
-
فيلم - خضوع - يفضي إلى اغتيال مخرجه الهولندي ثيّو فان خوخ عل
...
-
طيّارة من ورق - لرندة الشهّال جماليات الخطاب البصري، وتفكيك
...
-
فيلم - زائر - لبسام الذوادي بين بنية التخاطر والنهاية الرمزي
...
-
باب العرش - لمختار العجيمي- الشريط الذي ترقّبه الجمهور التون
...
-
فوق كفِّ امرأة - لفاطمة ناعوت: خدع فنية، ومتاهات نصِّية حافل
...
-
مَنْ قال إن - الملائكة لا تحلّق فوق الدار البيضاء - ؟:محمد ا
...
-
- بحب السيما - لأسامة فوزي الفيلم الذي انتزع إعجاب النقاد وا
...
-
الشاعرة الكردية فينوس فائق : اشعر بالضيق حينما أقرأ قصيدة مش
...
-
في الدورة العشرين لأيام قرطاج السينمائية: تكريم الفنانة يسرا
...
-
غير خدوني - لتامر السعيد ينتزع جائزة أفضل فيلم في مهرجان الإ
...
-
أمستردام تستضيف مهرجان روتردام للفيلم العربي في - دورة المدن
...
-
مؤسسة -آل مكتوم- الخيرية تتورط في دعم مشروع لليمين الهولندي
...
-
قرية - شايامالان مشوّقة، لكنها تخلو من الرعب والنهاية المفاج
...
-
النصر الأخير - للمخرج الهولندي جون أبل يحصد الجائزة الكبرى ف
...
-
مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة في دو
...
-
يوم القدر - لطارق هاشم: فيلم يجمع بين الجريمة والرعب والإثار
...
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|