جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3482 - 2011 / 9 / 10 - 16:08
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ليس ضروريا أن تكون القوانين عادلة ومنصفة بين الناس وهذه مفاجأة يفاجأ بها كل من يقع في مشكلة صغيرة أو كبيرة ويذهب إلى المحكمة ليقف بين يدي قاضي أو مدعي عام أو كل من يقرأ القوانين أو يستمع من المساجين لهمومهم ولمشاكلهم وهم خلف القضبان الحديدية حتى يندى جبينه ويتنفس الصُعداء ويقول مثلا دارجا بين الناس(ياما في بالحبس ناس مظاليم)فالعدل ليس هدفا رئيسيا للقوانين أو للشرائع التي تُعلق الإنسان في السماء بعيدا عن الأرض فالقوانين أصلا سُنت وحددت وكتبت من أجل التفرقة بين الناس ومن أجل استعلاء شِلل من الحثالات على أصحاب العقول النيرة وليس من أجل تحقيق العدالة المطلقة بين الناس فلولا الظلم والرق والاستعباد والظلم لَما نهضت البشرية ولَما بنا اللصوص قصورهم على قاعدة عريضة من الجماجم البشرية التي يقهرها برد الشتاء وحر الصيف, لا أريد من أحد أن يجادلني في هذا الموضوع وإنما أريده أن يقف في ساحة أي محكمة ليستمع للناس وهي تتذمر من القوانين التي تحدد شكل العلاقة بينهم وبين المجتمع والأرض التي يقفون عليها وهذا بحد ذاته أسمه(الكود-القانون) أما عن شكل العلاقة بين الإنسان والرب فلم يكن في أي يوم من الأيام قانونا وإنما شريعة وطريقة حياة تصوفية وتأملات تنقل الإنسان من عالم الأرض الواقعي إلى عالم السماء الفانتازي الخيالي وبهذا ينسى الإنسان المتعلق بالسماء بأنه مظلوم ويبقى ينتظر موت الظالم حتى يأخذ أللهُ منه حقه بالصاع الوافي ويبدأ يفكر بتجديد العلاقة بينه وبين الله في الوقت الذي يستفيد من سذاجته كل الظالمين.. ولأن القانون علاقة طبيعية بين الفرد والمجتمع والأرض والشريعة هي علاقة الفرد بالسماء وبالله ...فلم يأت القانون لحفظ حقوق الناس بل ليأكل حقوق الناس بالباطل على مبدأ(القانون لا يحمي المغفلين) وهنا نقول إذا كان القانون لا يحمي حقوق المغفلين والضعفاء فإنه حتما يكون قد جاء ليحمي الأقوياء من الضعفاء إذا اجتمع الضعفاء مع بعضهم وأصبحوا قوة واحدة ,ولم يأت القانون لحماية حقوق كل الناس وإنما لحفظ حقوق بعض الناس ولكي لا يكون الناس متساوون أمام الدولة والرب في الواجبات أو ليس من الضروري أيضا أن تكون القوانين أو الشريعة رءوفة ورحيمة بالناس فالحضارات تقوم على الظلم والتجني والقتل والذبح,وليس من اختصاص القوانين(الكود) أن يشعر المواطن بالمساواة بينه وبين غيره من الناس فهذه الشريعة اختص بها الله لوحده فالكل سيقف أمام الله سواء أكان عبدا أو ملكا ولكن أمام القوانين هنالك فئات تعلوا على بعض الفئات بالباطل... ولكن من الضروري جدا أن تكون القوانين حالة تعبيرية عن المجتمع حيث تكون القوانين عبارة عن صورة طبق الأصل لحياة الناس, فإن كانت القوانين قاسية فإن الحياة تكون أيضا قاسية لأن مخرجات الحياة المجتمعية القاسية تكون عبارة عن قوانين قاسية وهذه هي المُخرجات الطبيعية, وإن كانت القوانين غليظة وبذيئة تكون بنفس الوقت تعبيرا عن بذاءة الروح التي أوجدتها,وهنالك عقوبات غريبة وقاسية فقد كانت بعض العقوبات تحرق المجرم حيا على الأشواك وعلى كومة كبيرة من الحطب وهذا العقاب يكون للابن الذي يقتل الأب,أما في حالة قتل الأب للابن فقد كان يجبر الأب على احتضان جثة ابنه ثلاثة أيام ليلا ونهارا ولم يكن ينجو الأب من الموت فأغلبهم كانوا يموتون وهم في الساعات الأولى ومنهم من كان يثبت يوما كاملا وكان من المستحيل أن يثبت الأب على حالته لأكثر من ثلاثة أيام لأنه كان يموت من شدة التعذيب النفسي,وكانت مصر الفرعونية لا تقبل في المحكمة شهادة العبد أو الأسير ولم تكن المرأة مساوية للرجل فقد كانت ترسم صورتها بشكل أصغر حجما من حجم الزوج وكانت دائما ما تلون باللون الأصفر لتمييز الرجل عنها باللون الأحمر وحتى سنة 2040ق.م أصبح المواطن المصري العادي يتردد على المعابد وأصبح من حقه أن يدفن في مقابر عامة أسوة بمقابر الفراعنة والملوك, وهذا النوع برز عندما تراجع النظام الإقطاعي وتقدم عليه النظام الفردي.
وفي شريعة (أور-نمو) السابقة على شريعة حمورابي كان يحق للزوج قتل زوجته إذا ثبت عليها خيانته كما هو الحال في الإسلام حيث ترجم الزوجة بالحجارة حتى الموت, والخائن الذي خانت معه كان يرجم أيضا معها في النظام الإسلامي وكان في النظام البابلي يترك بحال سبيله وأحيانا كان يدفع غرامة مالية وهذه هي أسس مشى عليها الفقهاء المسلمون حتى اليوم إذ يدفع الخائن للزوج تعويضا عن إفساد العلاقة الزوجية مبلغا ليس له قيمة محددة وكان السقف الأعلى له هو تكلفة الزواج من امرأة حرة بدل التي ماتت بسبب الخيانة.
وكان الواجب يُحتم على المرأة العاقر أن تبحث لزوجها عن عروس وهذا ما زال يحدث في المجتمعات الإسلامية وأنا شخصيا شاهدت أمام عيني أكثر من عشر حالات كلهن من هذا النوع فنحن ما زلنا نمشي على شريعة وقوانين عمرها 4000آلاف عام وأكثر.
وكانت المرأة الخائنة في شريعة حمورابي(1703-1662ق.م) تعاقب المرأة الخائنة في النهر فإن غرقت فهذا عقابها وإن نجت من الغرق تكون بريئة من الجُنحة الأخلاقية, وحمورابي هو أول من منع (استيفاء الحق بفعل اليد) وقال :العقوبة من حق الدولة وليس من حق المظلوم, ومن غرائب حمورابي بأنه كان يقطع يد الطبيب إذا مات تحت يديه أي مريض.
وبعض الحضارات كانت مثل الإسلام تضرب المجرم بالمقارع على رأسه حتى يموت ويسقط أرضا وهذا النوع من التعذيب والقتل أوقفه الظاهر بيبرس المتوفى (1277م) وفي الدول العربية الإسلامية ما زالت أجهزة المخابرات في كل بلد عربي تضرب الشخص الملاحق وتعذبه عذابا نفسيا حتى يموت قهرا وهذه العقوبة لا تختلف عن الصلب أو الجلد أو تقطيع الجسد قطعةً بعد أخرى وهي تنزل فقط في حق المثقفين, ومثلهم في ذلك مثل العقوبة الصينية القديمة التي كانت تقطع قطعا صغيرة من جسد المُذنب حتى يموت ولو كانت عدد القطع ألف قطعة, وهذا لا يختلف عن تعذيب المثقفين والسياسيين نفسيا داخل المجتمعات العربية الإسلامية, ومن غرائب القوانين أن النمسا وسويسرا وأمراء الألمان,كانوا يقبضون على الذئاب والفئران ويحكموا عليهم بالموت شنقا أو رميا بالحجارة, وكان الملك(ويليام الثالث الإنجليزي 1027-1087م) هو أول من ألغى عقوبة الإعدام وعادت لتمارس بعد وفاته.
وأعجبني مرة ما قرأته عن أستاذ بروفيسور في جامعة نيويورك قوله(لا نستطيع دائما أن نطبق شريعة العين بالعين والسن بالسن, فليس من المعقول أن تسمح الدولة بحرق منزل من حرق منزل مواطن آخر), ولكن أنا شاهدت في الأردن أكثر من عشرة منازل أحرقت أمام عيني على خلفية التسبب بموت أحد الأشخاص أو حتى القتل العمد أو غير العمد ومن هذا النوع الثاني شاهدت منازل تحترق ليس لها علاقة بالمجرم إلا قرابة في الدم وكانت الشرطة الأردنية واقفة تتفرج وتشاهد الحريق مثل (نيرون) الذي استمتع بمنظر روما وهي تحترق.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟