مجدى خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3482 - 2011 / 9 / 10 - 08:33
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
11 سبتمبر: يوم لا ينسى
مجدى خليل
عشر سنوات مرت على اسوأ عمل إرهابى فى تاريخ أمريكا وربما فى تاريخ العالم، منظر الطائرات وهى تقتحم برجى مركز التجارة العالمى والرمز الأبرز للعولمة لن تمحى من ذاكرة من عاصروها، صورة الرجال وهم يقفزون متشابكى الأيادى من الدور المائة وما بعد المائة تجنبا للحريق الهائل الذى اندلع فى المبنى تذكر البشرية بقساوة الإنسان على أخيه الإنسان، هول المفاجأة الجمت الناس واوقفت العقول عن التفكير لبعض الوقت، منظر مدينة منهاتن العظيمة وهى مغطأة بالأتربة تصور لقطة من لقطات يوم القيامة.
بالنسبة لى فأن هذا اليوم له ذكريات خاصة لن تمحى من حياتى، كنت أعيش فى نيويورك وقتها وكنت دائم التردد على هذا المبنى لاجلس فى الدور الأرضى فى مكتبة بارنزاند نوبل للقراءة واحتساء القهوة على مقهى ستارباكس داخل المكتبة حيث كنت احب هذا المكان جدا،ولكن يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 كنت فى مكان آخر وفى قارة أخرى،حيث دعانى الاستاذ فيصل القاسم إلى لندن لمناظرة حول الإعلام الأمريكى والإعلام العربى فى برنامجه الشهير" الأتجاه المعاكس".كنت غرقان فى التحضير للبرنامج ولم افتح التليفزيون فى الفندق، وفجأة اتصل بى فيصل فرحا ومهللا وقال لى أنت فين، معرفتش اللى حصل فى أمريكا احنا لغينا البرنامج وسوف ارسل لك سيارة للحضور إلى الاستوديو للدردشة حول هذا الموضوع ( لم تكن فرحة فيصل والجزيرة وحدها بهذه الأحداث فقد تناقلت تليفزيونات العالم صور الفلسطينيين وهم يوزعون الحلوى والشربات ابتهاجا، ومنذ أيام قرأت مقالا للدكتور بهجت قرنى يقول فيه أن تلاميذه فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة كانوا فرحين جدا يومها بما حدث فى أمريكا!!!!!).
فى استوديو الجزيرة فى لندن دخلت أنا وزميلى فى المناظرة الاستاذ محمد عاصى ،رئيس أحدى المنظمات الإسلامية فى واشنطن وقتها، ووجدت حالة أشبه بالفرح والشماتة هناك. بعد دردشة مع الموجودين طلب فيصل من كل منا أن نعلق على الموضوع فى الجزيرة حيث خصصت كل بثها لهذا الحدث، تحدث محمد عاصى وازبد وارغد فى الهجوم على أمريكا وعلى أنها تستحق ما جرى لها ثم تحدث الكاتب المعروف خالد الحروب بلغة أكثر رصانة ولكنها تصب فى إدانة أمريكا ثم جاء دورى فرفضت تماما أى تعليق وقلت لهم من المبكر جدا الحديث فى هذا الموضوع ويكفينى متابعة الحدث لمعرفة المزيد من التفاصيل عنه. بعد جلسة طويلة فى الاستوديو عدت إلى الفندق وتسمرت أمام شاشة السى أن أن، وجاءتنا الأخبار أن أمريكا معزولة عن العالم وأن المجال الجوى كله مغلق تماما أمام الطائرات، اربعة أيام مسترخى فى الفندق الجميل بشارع أكسفورد الشهير بلندن نأكل ونشرب ونقرأ الجرائد ونشاهد المحطات التليفزيونية المختلفة، إلى أن جاء لى صوت فيصل القاسم قائلا بأن السفر إلى أمريكا منتهى الصعوبة حاليا ولكننا يمكننا السفر إلى الدوحة وأن تكون المناظرة يوم الثلاثاء عن أنفجارات أمريكا إذا كنت أنا ارغب فى هذا، على الفور وافقت وبسرعة أنتقلنا إلى المطار ثم إلى الدوحة لنجد كل شئ مرتب لنا هناك فى فندق شيراتون الهرمى وهو أحد معالم الدوحة. يوم الثلاثاء 18 سبتمبر 2001 كان استوديو قناة الجزيرة فى الدوحة على أهبة الاستعداد لبث أول حوار تليفزيونى فى المنطقة العربية على الهواء مباشرة عن أحداث أمريكا، كان زميلى فى المناظرة أيضا هو الأستاذ محمد العاصى ، وعلى مدى ساعتين لم يقدم سوى الشماتة وتكرار أن أمريكا تستحق ما جرى لها، وقدمت أنا تحليلا موثقا أثبت فيه بالوقائع والارقام أن المتطرفين الإسلاميين هم أكثر من مارس الإرهاب ضد أمريكا والغرب فى السنوات العشر التى سبقت 11 سبتمبر، وأننى اتوقع أنهم توجوا هذا الإرهاب بهذ العمل الكبير الذى يحمل بصمات القاعدة وبن لادن، وأعتقد أن هذا كان أول اتهام على الهواء مباشرة لتنظيم القاعدة. بعد البرنامج قال لى فيصل القاسم بأننى قدمت أقوى عرض يمكن أن يقال دفاعا عن أمريكا واتهاما للإسلاميين، وقال لى هل تتذكر الكويتى الذى قدم مداخلة فى البرنامج؟، قلت له نعم هو من تنظيم القاعدة، قال لى كيف عرفت؟ قلت له يا سيدى أن احفظ مفردات الإسلاميين الجهاديين من كثرة تكرارها على مسامعنا وفى أدبياتهم المختلفة، علاوة على أننى أتمتع بحس أمنى عالى يسبب لى المشاكل فى كثير من الأحيان. قال لى نعم هو من تنظيم القاعدة وهو مساعد بن لادن ويتحدث من أفغانستان وليس الكويت، وهو الشخص الذى تبرأت منه الكويت لاحقا ونزعت عنه الجنسية. ووقتها أدركت أن الجزيرة لها خطوط مفتوحة مع تنظيم القاعدة وهو ما جعل شهرتها تصل إلى أرجاء المسكونة فيما بعد.
عدت إلى نيويورك يوم 19 سبتمبر لأجد أن روح نيويورك قد تغيرت، وأن الناس مازالت فى حالة صدمة وغضب وغليان، وأن جورج بوش وعد بالرد بقوة على من يقف وراء هذه الهجمات، كما علمت أن اجزاء مطولة من البرنامج قد أذيعت على قناة اى بى سى الشهيرة.
بدأت الجاليات الإسلامية فى أمريكا فى حالة قلق وترقب، واختفى الاستاذ محمد عاصى من وقتها ولم أسمع عنه أو عن منظمته الإسلامية شيئا، وربما ترك الولاية ليختفى عن الأنظار فى ولاية أخرى، توقفت عشرات الجرائد العربية المحلية التى كانت تلعن أمريكا وتدعو إلى الجهاد والعنف لمقاومة العدو الأمريكى حليف العدو الإسرائيلى ليل نهار وهرب أصحابها إلى ولايات أخرى، تغيرت تماما لغة المنظمات الإسلامية ومن كان يتابع منظمة كير مثلا يستطيع أن يجد تغيرا جوهريا فى اللغة بعد 11 سبتمبر، هدأت اللعنات التى كان يمطرنا بها شيوخ المساجد بعد أن اصبح ال اف بى آى ضيفا دائما على هذه المساجد. لقد تغيرت روح أمريكا وبدأت العين الحمرا تتصدر المشهد بديلا عن الحرية المفرطة.
على مدى سنوات جمعت الكثير مما كتب عن هذه الهجمات حتى تكون لدى أرشيف ضخم مطبوع من آلاف المقالات بالعربية والإنجليزية التى كتبت فى السنوات التى أعقبت الأحداث.
بعد عشر سنوات أتصل بى الاستاذ عبد الرحيم فقرا، مدير مكتب الجزيرة فى واشنطن، ليطلب منى المشاركة فى برنامجه " من واشنطن" بمناسبة مرور عشر سنوات على الهجمات، رحبت بذلك مفتخرا أننى أول من تناول هذه الأحداث فى الجزيرة وأيضا من علق عليها بعد عشر سنوات.
ولكن تبقى الأسئلة،ماذا تبقى من 11 سبتمبر؟، وهل أنتهى تنظيم القاعدة؟، وهل تراجعت أمريكا منذ ذلك الحين؟، وهل أنتهى ما يسمى بالإرهاب الإسلامى؟،وهل هناك علاقة بين الربيع العربى وبين هذه الأحداث؟، وهل أنتهت الحرب الدولية على الإرهاب؟، وهل اخطأت أمريكا فى أستهداف العراق كجزء من الحرب على الإرهاب؟، وهل هناك أمكانية لتكرار أحداث إرهابية بقوة 11 سبتمبر مرة أخرى؟، وهل ختمت 11 سبتمبر الصراع التاريخى بين الغرب والإسلام؟،وهل استوعب الغرب دروس 11 سبتمبر؟... هذه الأسئلة وغيرها سوف نتناولها فى المقال القادم إن شاء الله.
#مجدى_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟