|
معذرةً أبا فياض لقد قصَّرنا بحقك وحق حزبنا كثيراً
دانيال نعمة
الحوار المتمدن-العدد: 3482 - 2011 / 9 / 10 - 02:30
المحور:
مقابلات و حوارات
(مقالة متأخرة بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين لاستشهاد الرفيق فرج الله الحلو في دمشق يوم الخامس والعشرين من شهر حزيران لعام 1959). الرفيق فرج الله الحلو واحد من أبرز القادة التاريخيين للحزب الشيوعي السوري - اللبناني، بل ربما كان استشهاده بالشكل الذي حصل فيه، قد جعل منه الأبرز بين هؤلاء القادة دون استثناء. ومع ذلك فالذين لا يعرفون إلا القليل القليل عن هذا القائد الشيوعي العظيم يزداد عددهم في صفوف الشيوعيين السوريين، وحتى اللبنانيين أيضاً، والذين يعرفون عنه أشياء وأشياء ولا يتحدثون بها، ولا أدري لأية أسباب، يتناقص عددهم يوماً بعد يوم، ويرحلون واحداً بعد الآخر. وقد يتساءل البعض: ترى لماذا مثل هذه المقدمة الآن؟! وكي لا يبقى هذا التساؤل قائماً وملحاً أقول، في فترة الإعداد النهائي لإخراج العدد الأخير من (نضال الشعب)، وأعني العدد رقم 529، عاتبني أحد الرفاق القدماء والمخلصين جداً قائلاً: بأي حق تنسون الكتابة عن الرفيق فرج الله، في يوم الذكرى السابعة والثلاثين لاستشهاده في دمشق؟ ثم أضاف بشيء من الحدة: وهل نسيتم أن المؤتمر السادس للحزب كان قد أقر يوم 25 حزيران من كل عام، وهو يوم استشهاد الرفيق فرج، يوماً للشهيد الشيوعي؟! وإذا كان هذا العتاب المر قد فاجأني أول الأمر، وأذهلني، إلا أنه جعلني أتذكر بوضوح ما بعده وضوح، أننا كنا في المكتب السياسي قد قررنا الكتابة حول هذه الذكرى، لكن القرار بقي مع الأسف دون تنفيذ، ولم تجر حول ذلك أية مساءلة، وإلا كنا تلافينا وقوعنا في مثل هذا المأزق أو الحرج. وكان الرفيق، دون شك، محقاً في جانب المعاتبة والنقد، وإن كان قد فاته الصواب في الجوانب الأخرى، كما سيتضح لاحقاً. وكانت الآنسة ندى فرج الله الحلو بنت القائد الشهيد الحلو قد نشرت في جريدة (النهار) البيروتية في أوائل تموز المنصرم، وربما في الرابع منه أو قبله أو بعده - لم أعد أدري - مقالة حول هذا الموضوع، تعدت فيها حدود المعاتبة إلى الانهيال بسياط النقد اللاذع والمحق على جميع أولئك الذين كانوا على معرفة بدور والدها الشهيد، وتناسوا هذا الدور أو نسوه، وكان الأكثر إثارة والأكثر خطورة في هذه المقالة، التي تنضح بالكثير من الألم والإحباط، ومن الغضب المشروع أحياناً، أنها تتهم، هكذا بكل صراحة، الرفيق خالد بكداش بأنه كان وراء إرسال والدها إلى دمشق، وبالتالي كان المسؤول الأول والأخير عما حدث له، وعن مأساته ومأساة عائلته المروعة. وكان طبيعياً أن يدفع بي عتاب الرفيق القديم المخلص، ومقالة ندى ابنة سيد شهدائنا، للتفكير بشيء ما أقوم به، ويكون من جهة اعترافاً بالتقصير بحق فرج وغيره من شهداء الحزب ومناضليه، بل وبحق الحزب، ويكون من جهة ثانية وضعاً للنقاط على بعض الحروف وفاتحة لمقالات وأبحاث يساهم فيها الكثيرون، وتسلط الأضواء، أو بعضها، على الكثير من الجوانب النضالية في تاريخ الحزب، والتي لا بد من الكشف عنها قبل أن تضيع نهائياً، ويصبح التعرف إليها من المستحيلات. ويزيد في مثل هذه الحاجة أنه لم تجر حتى الآن، لأسباب مختلفة، كتابة تاريخ الحزب، ولو بالحدود الدنيا من الصدق والمبدئية والموضوعية، ومن البعد عن عقلية عبادة الفرد ومنهجه من جهة، والذاتية من جهة ثانية. وقد كان لي، بالانطلاق من هذا كله، بعض الآراء والاجتهادات التي أود طرحها على مسؤوليتي، ومسؤوليتي الخاصة وحدها، غير راغب في تحميل أي جزء منها لأي كان. التقصير بحق فرج حقيقة واضحة لا ريب في أن هنالك تقصيراً واضحاً لدى جميع الشيوعيين السوريين، على اختلاف مواقعهم الحالية، في التعريف بتاريخ حزبهم النضالي، وبنضال منظماتهم، وبنضال الكثيرين من أعضاء هذا الحزب وأصدقائه سواء أكانوا بسطاء أم قياديين، ويصبح هذا التقصير فادحاً وفاضحاً عندما يتعلق الأمر بشهداء الحزب: شهدائه في النضال الوطني والقومي ضد الاستعمار والصهيونية، وشهدائه في النضال الطبقي والتقدمي من أجل الأرض وحقوق العمال، والحرية، والديمقراطية... إلخ، ويبرز هذا التقصير بكل حدته في الموقف من سيد شهدائنا، ونعني به القائد التاريخي البارز الرفيق فرج الله الحلو أبا فياض. ففرج كان، وما زال، وسيبقى مدرسة خاصة ومتميزة في العمل الفكري والسياسي والاجتماعي وفي مجال البناء الحزبي، وكان ينبغي للموقف من فرج أن يكون، لدى كل من يقول بالشيوعية، شيئاً آخر تماماً، وليس المقصود هنا أبداً أن نكتب أو لا نكتب عنه مقالة كل عام في ذكرى استشهاده المأسوي والبطولي في آنٍ معاً، بل المقصود أن نجعل من الكتابة ومن الحديث عنه مدرسةً للتثقيف، والتصليب، والتهذيب، وللإبداع، وحسن الاستماع إلى الآخر والتعامل معه، وفي محاورته، ولا أعتقد أن في مثل هذا الموقف لو اتخذناه أي انتقاص من دور أحد، أو تخفيض من قيمته، فالنماذج الإنسانية الرائعة والملهمة لا يمكن أن تنحصر بفرد، مهما كانت الذروة التي بلغها الفرد، أو مهما كان تصورنا الخاص عنه. لكن هذا لم يحدث لا تاريخياً، ولا خلال مسيرة الحزب الموحدة، ولا في أعقاب الانقسامات التي تعرض لها الحزب، وذلك رغم العديد من المحاولات الجادة لتجاوز مثل هذا الوضع، ويستدعي هذا منا، فيما أعتقد استعراض بعض من المفاصل التاريخية في هذا المجال. في المفصل الأول تكون شيوعياً في سورية وتستشهد على أرضها من المعتقد أن تكوين فرج الله الحلو كشيوعي إنما كان في الكلية الإنجيلية في حمص في أوائل الثلاثينيات، وربما كان مجيئه إلى الحزب على يد قائد تاريخي آخر هو ناصر حدة من يبرود، وقد بقي فرج ونقولا، إضافةً إلى خالد، يحفظون الود، أو بعضه، لهذا القائد، وإن لم يكن أحد منهم قد كتب عنه ما يروي الغليل، وكأن هذا كان قراراً ضمنياً لجعل بداية مسيرة الحزب من يوم دخول خالد إليه. ومن هنا، كان الذي نعرفه عن سنوات التأسيس وما تلاها في سورية قليلاً جداً، بل نادراً أيضاً، وكأن في التعرف إلى هذه المرحلة ما يمكن أن يسيء إلى الفكرة التي تقول بدور (البعض) في هذا التأسيس، وفي استمرار عملية البناء أيضاً. والمثير فعلاً أن فرج الله الحلو هذا الإنسان الذي بدأ تكوينه الشيوعي في سورية، وهذا المناضل الذي خاض النضال في جميع مجالاته وميادينه فيها وفي لبنان لعقود متتالية، قد انتهت حياته الجسدية كقائد فذ وبطل حقيقي في أحد أقبية الأمن في دمشق يوم الخامس والعشرين من شهر حزيران لعام 1959، ولا نعتقد أن أحداً في الدنيا تجرأ على إنكار هذه الواقعة إلا الأستاذ الصحفي محمد حسنين هيكل، وذلك رغم كل الأدلة والوقائع والاعترافات، ورغم قرار محكمة الجنايات في دمشق بالحكم على المجرم وجيه الأنطاكي، أحد قتلة الرفيق فرج الله، بالسجن مدة خمسة عشر عاماً، وهذا ما كان ينبغي للأستاذ هيكل أن يكون مطلعاً عليه، وهذا ما ينبغي عليه لاحقاً أن يأخذه بالحسبان، كي لا تتزعزع المصداقية ببعض الوثائق والاستشهادات والوقائع التي يشير إليها في أبحاثه وكتاباته المختلفة. ويومذاك، وبعد أن أعلن عن استشهاد الرفيق فرج الله الحلو، أبرق الرفيق خالد بكداش من منفاه الاختياري في أوربا الشرقية إلى الرفيقة فيرجيني الحلو وبنات فرج معزياً ومتعهداً باسم الحزب أن يقام للرفيق الشهيد تمثال في إحدى أكبر ساحات دمشق، وكان جواب الرفيقة فيرجيني جواباً مؤثراً وجديراً بزوجة شهيد مناضل، وقائد وطني وإنساني كبير كفرج الله الحلو، جواباً جديراً بمناضلة شيوعية تعرف أن النضال له ثمن، وأن الثمن الذي يدفعه القادة من أمثال فرج لا يمكن أن يذهب هباءً، وتنتقل آثاره الإيجابية من جيل إلى جيل. وبالفعل أ لم يمسح استشهاد فرج كل الآثار السلبية لخيانة الخائن رفيق رضا؟! ومرت الأيام، وحدث ما حدث من انقسام بين الحزبين التوءمين، ومن خلافات مع الرفاق اللبنانيين، وكاد اسم الرفيق فرج الله يُنسى، إلى أن جاء التحضير للمؤتمر الثالث للحزب في الأشهر الأولى من العام 1969، فما الذي جرى في هذه الفترة؟! في المفصل الثاني أو المؤتمر الثالث للحزب وذكرى فرج الله الحلو طبعاً ليس المطلوب، في هذه المناسبة، التعرض لكل المسائل التي كانت موضع بحث ونقاش وتحليل، وموضع نقد وانتقاد، عشية التحضير للمؤتمر الثالث، فما يعنينا الآن هو الموقف من الرفيق فرج الله الحلو، هذا الموقف الذي كان قد تأثر سلباً، لدى البعض، بالعلاقة المتوترة مع الحزب الشيوعي اللبناني، فمن المعروف أن هذا الحزب كان قد أعلن انفصاله النهائي عن الحزب الشيوعي السوري عموماً، وعن قيادة الرفيق خالد بكداش خصوصاً، منذ أواخر العام 1964. يضاف إلى هذا أن هذا الحزب كان قد عقد مؤتمره الثاني، وأدان أساليب عبادة الفرد، وأدان الوثيقة المعروفة بوثيقة سالم وقرر إلغاءها، وأشاد بدور فرج الله الحلو الفكري والسياسي، وبدوره التنظيمي. ومن هنا، كان البحث في قضية فرج عندنا واحدة من القضايا الشائكة. ومع ذلك، أمكن تخطي هذه الصعوبة، وأُخذ بالاقتراح القاضي بأن ترتفع في قاعة المؤتمر صورة الرفيق الشهيد القائد فرج الله الحلو، وبأن يوجه المؤتمر بمناسبة انعقاده رسالة تحية من القلب إلى زوجة الرفيق الشهيد وعائلته، وبالفعل أرسلت اللجنة المركزية الجديدة بتكليف من المؤتمر رسالة جاء فيها: (إلى الرفيقة العزيزة فيرجيني الحلو زوجة الرفيق القائد والشهيد فرج الله الحلو. إلى الصغيرات الحبيبات بنات فرج الله الحلو. إليكن أيتها العزيزات الغاليات من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري تحيات حب واحترام عميقين، تحيات وفاء وإخلاص، تحيات رفاقية نابعة من صميم القلوب). كما جاء فيها: (إن المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي السوري، الذي انعقد في قاعة متواضعة تطل منها على المندوبين من رفاق وتلامذة فرج الله القدامى والجدد صور قادة ومعلمي الشغيلة العظام ماركس وإنجلز ولينين... إن مؤتمر حزبنا هذا لم يكن فرج الله الحبيب العزيز غائباً عنه، فقد كان هو أيضاً يطل على مندوبيه بوجهه الجميل الهادئ المضيء والحازم في آنٍ واحد، وقد كانت روحه ترفرف عليه وتلهم الرفاق المندوبين بروح الصلابة المبدئية والتضحية ونكران الذات والدفاع عن قضية الحزب). وجاء فيها: (لقد كان الرفيق الشهيد قائداً سياسياً كبيراً، وزعيماً شيوعياً محنكاً، ساهم في قيادة حزبنا على أساس مبدئي في مختلف معارك النضال الوطني والطبقي ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية، وفي مختلف الظروف السياسية التي مرت بها البلاد). كما جاء فيها: (المثل الذي قدمه الرفيق الشهيد في حياته وفي استشهاده، ضد الإرهاب والديكتاتورية ومن أجل قضية الحزب وصيانة وحدته، قد كان وما زال بالنسبة إلى أعضاء حزبنا وبالنسبة إلى كادراته وقياداته نموذجاً وقدوة). وجاء فيها: (لقد ضرب الرفيق الشهيد أبو فياض المثل للقائد الشيوعي، الذي يعيش حياته البسيطة المتواضعة، والذي يتقبل بكل إخاء ملاحظات رفاقه في القاعدة والقيادة، والذي كانت حياته ملكاً للحزب وواضحة للجماهير. إن هذا المثل الحي والنموذج الثوري، ألهم ويلهم جماهير حزبنا وجماهير كادراته، كي تكون حياتهم ملكاً للحزب، ملكاً للجماهير ككل حياة الثوريين العظام). (وثائق المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي السوري، حزيران عام 1969، الصفحة 299 - 301). أجل، هذا بعض ما جاء في هذه الرسالة التاريخية. ومع ذلك، ورغم أن مؤتمرات حزبنا قد ارتفعت فيها دائماً صور القائد الشهيد، ورغم أن عددنا الخاص من (نضال الشعب) المكرس للذكرى الخمسين للجلاء قد برزت فيه مساهمات فرج وإخوانه من أمثال نقولا شاوي وأنطون ثابت وغيرهما في النضال من أجل الجلاء، أجل، رغم هذا كله يبقى السؤال المطروح: ترى لماذا غاب أو يغيب الرفيق فرج الله الحلو كمثال ونموذج للقائد الشيوعي، وكمدرسة للمناضلين من أبناء الشعب والعاملين من أجل قضاياه؟! ويلح عليَّ الآن سؤال تضمنته المداخلة التي ألقيتها في اجتماع للجنة المركزية عقد برئاسة الرفيق خالد بكداش قبيل المؤتمر الثالث بأيام، وفيما يلي نصه: (وبالمناسبة ماذا أقول: فكم من مرة كلف الرفيق خالد بكداش رسمياً بأن يكتب عن الرفيق فرج الله الحلو، لكنه رغم ذلك كله لم يكتب، ولم ينفذ ما طلبته منه الهيئات الحزبية في هذا المجال). (دراسات اشتراكية، العدد 100 كانون الثاني عام 1990، الصفحة 175). لقد كان هذا قبل 27 عاماً، وهو ليس بالوقت القصير فخلاله كان يمكن لأي كان أن يعيد النظر في الكثير من مواقفه ومما فعل، ومع ذلك لم يتلق أحد جواباً عن مثل هذا السؤال الذي سيظل مطروحاً إلى الأبد. ولقد رحل الرفيق خالد بكداش، ولم يكتب شيئاً عن فرج الله الحلو، ولا هو كلف أحداً من مريديه الخلص، ممن ألفوا العمل على جميع وثائقه، أو من ورثته السياسيين، بأن يفعل ذلك أو شيئاً منه. ويحار الناس في تفسير ذلك، ويذهبون مذاهب شتى. وبالفعل، هل في الحديث عن سمات فرج ومآثره ما يعني أن نقيضها موجود في الآخرين؟ أم هل في موقف فرج من قرار التقسيم ما يسيء إلى الآخرين؟ أم أن السبب يكمن في عقدة الذنب إزاء رسالة سالم؟ وبالفعل، فمن يعد إلى هذه الرسالة، وإلى ما اتهم به فرج من تساهل مع المثقفين من أمثال رئيف خوري، يجد أن فرجاً كان محقاً في الكثير من مواقفه، وما عودة خالد في أخريات أيامه إلى التغني العلني بشعر رئيف خوري ومواقفه إلا أحد أبلغ الأدلة على ذلك. وعلى كل حال، فهذه قضية أخرى. والمهم، أن المؤتمر الثالث لحزبنا الشيوعي السوري قد مجَّد فرجاً، وأشار إلى دوره، وأشاد بمآثره. ومن ثم أتى المؤتمر السابع الموحد للحزب والمجلس الوطني، فأشادا هما أيضاً بهذا الدور، وأكدا أهميته، وهذا ما ينبغي أن يصل رسمياً إلى عائلة فرج الله الحلو وإلى بناته، وهذا ما ينبغي أن يؤكده سلوكنا العملي. ويبقى هناك قضايا لا بد من تأكيدها في نهاية هذه المقالة، وهي التي تشكل المفصل الثالث، فما هي هذه القضايا؟ في القضية الأولى أو في يوم الشهيد الشيوعي لقد قرر المؤتمر السادس للحزب عدَّ الخامس والعشرين من شهر حزيران كل عام يوماً للشهيد الشيوعي، نحتفل فيه بكل شهداء الحزب، وكنا نعتقد يومذاك أننا باتخاذ مثل هذا القرار نكون قد كفـَّرنا عن ذنوبنا، وعوَّضنا عن التقصير الذي أظهره البعض في الموقف من الشهيد الكبير، ونكون قد حفـَّزنا أكثر فأكثر روح التضحية لدى أجيال الشيوعيين المتلاحقة، وما كنا نظن أن مثل هذا الموقف على أهميته قد يخلق لنا بعض الإشكالات داخل الحزب، وربما خارجه أيضاً، وأن الأفضل هو إعادة النظر فيه، وهذا ما حققه المؤتمر السابع الموحد، فهو قد اتخذ قراراً يؤكد أن يوم السادس من أيار هو أيضاً يوم الشهيد الشيوعي، وأن احتفالنا بالشهداء الشيوعيين ينبغي أن يجري في هذا اليوم أيضاً، أي في اليوم الذي نحتفل فيه مع كل أبناء شعبنا بكل شهداء الوطن. وبالفعل، أ ليس شرفاً كبيراً لنا أن بعض شهدائنا استشهدوا في النضال ضد الاستعمار والصهيونية ومن أجل الجلاء؟ وأن بعضهم الآخر استشهد وهو يناضل ضد المشاريع الإمبريالية، والاحتلال الأمريكي للبنان، وضد العدوان الإسرائيلي عليه، أو استشهد وهو يناضل في سبيل الأرض والحرية والكرامة؟ إذن، فشهداؤنا هم شهداء للوطن، ومع الاحتفال بذكرى شهداء الوطن نحتفل بذكراهم الخالدة! ولا ينفي هذا أننا كنا قد قررنا جمع أسماء جميع شهداء الحزب، وكتابة موجز لحياة كل واحد منهم، ولظروف استشهاده، وزمن هذا الاستشهاد، كل ذلك كي نخلد ذكراهم، ونثقف الحزب بمآثرهم، ونقوم برد شيء من الجميل إزاءهم وإزاء أهاليهم ورفاقهم الأقربين، ومثل هذا القرار ما زال مطلوباً تنفيذه، وبتنفيذه نساهم في رد الهجمات المغرضة على الحزب، وفي توطيد مواقعه، فهل نفعل، وهل تساعدنا اللجان المنطقية في ذلك؟ في القضية الثانية أو في المسؤولية عن استشهاد فرج الله إن المسؤولية القانونية والفعلية في استشهاد فرج الله الحلو في دمشق إنما تقع بالكامل على أجهزة الأمن والسياسة المطبقة ضد الشيوعيين يومذاك، أما المسؤولية الأدبية عن ذهاب فرج الله إلى دمشق وتصفيته جسدياً فيها فهي مسؤولية كان ينبغي أن تكون قد حددت قبل زمن طويل، وفي ظل القيادات التاريخية المسؤولة، أما لماذا لم يحدث ذلك، فإنني غير قادر على إعطاء الجواب القاطع المانع حوله. ومع ذلك، فما يمكن قوله الآن بكل ثقة هو أن الرفيق خالد بكداش، خلافاً لما ورد في مقالات للرفيق الراحل يوسف خطار الحلو، وما جاء في مقالة الآنسة ندى، كان قد طالب بوصفه أميناً عاماً للحزب باستدعاء الرفيق فرج من دمشق، إن كان موجوداً فيها، أو بوقف ذهابه إليها إن كان في بيروت، وهذا ما كان قد كُلف الرفيقان يوسف الفيصل وحسن قريطم عشية عودتهما من موسكو إلى الوطن في أواخر أيار من عام 1959 بإبلاغه إلى القيادة في بيروت، وهذا ما قام به الرفيقان فور وصولهما إليها. ومثل هذه الواقعة وضحها الرفيق يوسف الفيصل في اجتماع أخير لمكتبنا السياسي، وكان قد رواها بكل تفصيلاتها للرفاق اللبنانيين: فاروق دحروج وكريم مروة وجورج بطل في أعقاب إحدى مقالات الرفيق المرحوم أبي وضاح. وبهذا نأمل أن يكون الشك قد قطع باليقين بالنسبة إلى هذه المسألة، ولا يعني هذا البتة أنه ليس من المطلوب، ونحن على أعتاب المؤتمر الثامن للحزب، أن نعيد البحث في مرحلة الخلافات مع عبد الناصر والحركات القومية الأخرى وفي آثارها حتى الآن علينا وعلى غيرنا، وفي تحديد مسؤولية كل طرف في هذه الخلافات، وفيما إذا كانت إدارتها قد تمت بحكمة وتبصر أم من منطلق: ألا لا يجهَلَنْ أحدٌ علينا فنجهَلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا فهنا، وفي هذا المجال، قد تكون المسؤوليات غير قليلة، وقد تكون الخسائر أكبر مما كان ينبغي، أو يمكن أن تكون، ثم هل يعتقدنَّ أحدٌ أن النضال يمكن أن يكون دون ثمن؟ وأن القيادات كي تكون قيادات معفية من دفع مثل هذا الثمن؟ وإلى أن نجد الوقت لنبحث في كل الأمور المفصلية، أعود فأقول مرة أخرى: معذرةً أبا فياض، لقد قصرنا بحقك وحق حزبنا كثيراً. نشرت هذه المقالة في جريدة (نضال الشعب) العدد 530 تاريخ 25 آب 1996، ويعاد نشرها في (النور) لأهميتها في إلقاء الضوء على جوانب مهمة تتعلق بالرفيق فرج، وفي توضيح حقائق من الضروري أن يعرفها كل شيوعي، ولأن مهمات محددة تتعلق بتاريخ الحزب لم تنفذ حتى الآن. دانيال نعمة
#دانيال_نعمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر تعلن عن التعاون مع قطر في -مشروع مهم للغاية-
-
مصادر في الاستخبارات الأمريكية: استخدام روسيا للنووي غير مرج
...
-
بايدن يستعد لتقديم مساعدات عسكرية بقيمة 725 مليون دولار لأوك
...
-
الحكم على كاتب جزائري بالسجن المؤقت بتهمة التخابر
-
وقف إطلاق النار في لبنان هو هدنة، وليس حلاً للشرق الأوسط
-
رفع دعويين قضائيتين في فرنسا بتهمة -التواطؤ في الإبادة- ضد ج
...
-
مظاهرات بالقدس للمطالبة بصفقة غزة بعد اتفاق لبنان
-
إعلام إسرائيلي: نتنياهو يريد صفقة جزئية مع حماس
-
مستشار ترامب المستقبلي للأمن القومي يستكشف مقترحات وقف إطلاق
...
-
الإمارات تعلن وفاة جندي متأثرا بإصابة حرجة تعرض لها قبل 9 سن
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|