الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 3479 - 2011 / 9 / 7 - 09:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشعبت الدنيا وتعددت الفهوم والآراء ، وكثر الكتاب المخربشون في كل الشؤون وأنا واحد منهم ، وحضيت ثورة ليبيا بنصيب وافر من الآراء ، بين معاد للثورة ومناصر لها ، وما أكثر المناصرين بحكم طبيعة البشر الميالة إلى مناصرة المظلوم ، أو تحت طائل الوازع الأخلاقي والديني الذي يجعل فعل الثورة محمودا ومستساغا من أجل خلع المستبد ، وإن كان الفعل ينضوي تحت ما يسمى (الحرابة ) باعتبارها ( فتنة ) بين المسلمين أنفسهم ، غرضها الحفاظ على السلطة ، أو إنزال منها رغبة في التغيير السلس ، غير أن مطالب الشعب في التغيير وإرادة الحكام في البقاء ولد تصارعا دمويا بين أهل الملة الواحدة ، أنهي بخراب البلاد وقتل العباد .
***الإستقواء بالأجنبي الكافر ... الرأي والضد .
تباينت المواقف بين مؤيد ومعارض في الإستنجاد والإستقواء بحلف الناتو ، فالقذافي و نظامه يتمنى أن يخلو له الجو في إخماد التمردات بما يملكه من إمكانات عسكرية ولوجيستية وإمداد سلاحي من الصين وروسيا وبريطانيا وحتى فرنسا لقتل أبنائه وشعبه ، لأن القذافي يرى بأن سلطته لاتتزعزع ، وهي مقدسة غير قابلة للتغيير أو الإزاحة والتنحي والرحيل ، فهو داخل جبة ليبيا ، وليبيا داخل جبته ... فهولا يختلف عن (الحلاج) المتصوف الذي سُئل عما في جبته فرد بقوله : ( ما في جبتي إلا الله ) ، في حين أن الشعب تواق إلى التغيير وعازم على إنزال المارد من قمقمه ، ليدرك ذلك المارد المتجبر بأن تواجده في هذا المنصب هي منحة الشعب له ، والشعب هو الوحيد القادر على حجب الثقة عن حاكمه إن رأى فيه تجاوزا وزللا ، ولكن كيف السبيل إلى تحقيق ذلك ؟؟وكل السلطات والإمكانات في يد الخصم الذي فيه الخصام وهو الخصم والحكم ؟ وهو الذي راهن على قوته وجاهه وأمواله في قتال ذو يه ، وفعل بشعبه ما لم يفعله العدو بعدوه ، فكان لزاما على المتضرر المظلوم أن يبحث لنفسه عن مخرج يقيه ضربات الخصم الذي تنكر للعقد الإجتماعي الذي يفرض عليه التنحي بسلاسة تاركا الفرصة لغيره للتد اول السلمي ، بعد إجراء تغييرات في نمطية النظام وأساليبه بجعله أكثر ديمقراطية وعدلا . غير أن السيف سبق العذل ، فلا القذافي انصاع ، ولا الثوار رضخوا للآلة العسكرية الجهنمية لمرتزقة القذافي بطغمتها العسكرية الإنكشارية ، فلولا رهان الناتو لدك بنغازي على رؤوس أهاليها ، فكان أهل (البراء ) أرحم من أهل (الولاء ) في زمن أنظمة الفساد العربية الإسلامية .
***الناتو الد واعي والمبررات ...
قليلون هم من استهجن تدخل الناتو في الصراع ؟ فمقارعتهم في حقيقتها مبنية على مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول ، وأن الاستقواء بالخارج الكافر مضاره أكثر من نفعه ، وما جرى في أفغانستان والعراق خير دليل على ذلك ، كما أن الأنظمة التي لازمت السكوت بشأن مناصرة ثورة الشعب لها رغبة في وأد الثورات قبل استفحالها ووصول خطرها إليهم ، وطبيعي أن يستنجد الثوار بغيرهم ، فكانت القبلة بداية بالجامعة العربية التي حولت الطلب إلى مجلس الأمن ، حيث لعبت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة أدوارا مهمة في إخراج القرار الأممي 19/73 بشأن ليبيا ، الذي ينص على إغلاق المجال الجوي الليبي ، وحماية المدنيين من ضرر القذافي ، وهي الضربة الموجعة التي قضت على نظام القذافي تدريجيا ، وسهلت للثوار السيطرة الميد انية على الأرض ، فلولا (الناتو ) لما نجحت ثورة ليبيا كما عبر عن ذلك ( أمير قطر ) في تصريحه أثناء انعقاد مؤتمر أصدقاء ليبيا بباريس .
*** الناتو ... هو انتصار للثورة .
بعيدا عن الديماغوجية ، والتفسير الديني ، والوطنية الضيقة ، فإن القذافي ما كان له أن ينهزم بهذه الدرجة المذ لة ، وما كان لطرابلس أن تسقط بهذه السهولة ، وما أهينت دار العزيزية ، وما عبث الثوار بمحتويات دار ملك ملوك إفريقيا ، وما تحولت الساحة الخضراء إلى ميدان الشهداء ..... لكن قدر الله ما شاء فعل ، والحلف الأطلسي ( الناتو ) ما هو سوى يد للثوار استقوو به لضرب عدوهم الطاغي الاستبدادي ، الذي صرح بأنه سيخرب ليبيا إن لم يرضخ الشعب لإرادته ، وهو مستعد لإنزال رقم عدد سكانها من ست إلى اثنين من الملايين فتكا وقتلا وترويعا ، فكل شيء يهون من أجل تاج لييبيا وريوعها التي تستهوي كل جبار حالم .
*(الناتو) ودول الغرب لهم استراتيجيتهم النفعية ، فمساعدتهم للشعب الليبي ليس حبا لهذا الشعب، وإنما رغبة في حصاد أكبر عدد ممكن من الإمتيازات عدا ونقدا ، ومشاركتهم في حلب أموال ليبيا عن طريق إعادة إعمارها بعد خرابها ، بواسطة الشركات الغربية التي ستؤهل للعمل في ليبيا الجديدة ، ولكل دول الجوار نصيب من المغنم إلا الجزائر التي سيحصدُ نظامها الكراهية ! ، وهي الوحيدة التي بقيت نشاز ضد إرادة الشعب الليبي مستلهمة ترددها من قول مأثور عندنا ( معزة ولو طارت ) ، وهو ما يوضح مدى عمق الهوة بين إرادة الشعوب في التغيير ومبتغى الحكام في الديمومة والخلود .
* الإستقواء بالأجنبي القوي ظاهرة ملفتة للإنتباه في ثورات الربيع العربي ، فقد ُتستنسخ التجربة الليبية مجددا في (سوريا ) إذا استمر الشبل السوري في عناده وتقتيل شعبه ، وهذا الإستقواء مجتر من الماضي فعلى تراب المغرب ( وادي المخازن 1578) سقط ثلاثة ملوك جراء صراع على السلطة بين المتوكل و عبد الملك ، فإذا كان عبد الملك قد استعان بالعثمانيين ، فإن المتوكل قد استعان بالبرتغال وملكهم سيباستيان ؟ حيث انتهت المعركة بمصرعهم لثلاثة ، حيت سميت المعركة بواقعة ( الملوك الثلاثة ) ، وقبلها استعان ملك اشبيليا العربي (المعتمد بن عباد ) ، بالملك النصراني ( الفونسو السادس) لقتال جيوش الأمازيغ بقيادة يوسف بن تاشفين ، انتهى الأمر بانتصار المرابطين و سجن المعتمد في ( أغمات ) قريبا من مراكش حتى توفي وهو خاضع للإقامة الجبرية فيها .
*** لولا القذافي لما كان (الناتو) .
السبب الأساس في استقدام (الناتو ) هو تعنت القذافي ، وعدم قبوله الانصياع لإرادة الشعب الليبي المطالب بالتغيير بعد جفاء مع السلطة دامت أزيد من أربعة عقود ، هذا الحلف الأطلسي الغربي الذي جلبته المنفعة ألحق أضرارا بالبنية التحتية للوطن ، قصف المنشآت العسكرية بمدارسها ، وسحق البشر عمدا وخطأ ، وشدد الخناق على كتائب القذافي في غدوها ورواحها ، و هو ما عجل سقوط قلاع الدكتاتور تباعا بالرغم من بروبوغندا المسلطة على الثورة ،من قبيل أنهم خونة ، وعملاء الإستعمار الصليبي ، وهم جرذان وأجناد للقاعدة ...... وهو ما ينبيء بأن قوالب التخوين جاهزة لضرب كل مغاير ومعارض للنظام . فلو تنازل القذافي عن حكم البلاد لما كانت الحاجة إلى استقدام أجنبي صليبي ، وما كان التدمير الذاتي لمقومات البلاد ، ولما سقطت أرواح لا نعرف إن كانت على حقيقة وصواب أو ضالة مضللة حسب ترانيم أبواق النظام الذي استقوى بالصين والروس والغرب شراء للأسلحة ليس لتحرير فلسطين ، وإنما لقتل شعبه الذي تجرأ على الصدع بقوله كفانا أربعين سنة من الدكتاتورية والخبل يا قذافي ؟ !!! .
صفوة القول أن وزر ما وقع ويقعُ في ليبيا من دمار وقتل يتحمله القذافي وأبناؤه ، فحبهم الزائد للسلطة فتح لهم مجال التفنن في قتال ذويهم بالدم البارد ، فعميد حكام العرب بجبروته وساديته المفرطة أخطر من سادية جهابذة الدكتاتوريين من أمثال ستالين وهتلر ومسوليني ، فهو بحق شبيه ب(الحكم بن هشام الربضي ) الذي تفنن في الفتك بالمسلمين الأندلسيين في طليطلة وتهجيرهم قسرا ، ومأساة (وقعة الحفرة )ما ثلة للعيان سجلها المؤرخون بحروف حمراء من دماء أزيد من خمسة الآف رجل أعزل من السلاح ... ، فشعار الطاغية الدائم ( أنا وإلا فالجحيم مثواكم )......ويبدوا أن حصار الثوار [لسرت ،وبن وليد ،وسبها ] هذه الأيام ستثمر بالقبض على أخطر إرهابي حاكم في شمال افريقيا ، قد يكون في رأينا صواب يحتمل الخطأ ، وقد يكون في رأي غيرنا المخالف خطأ يحتمل الصواب ، فلا تبخلوا علينا بتذكيرنا بالأسلوب (الأصوب ،و الأسلم ، والأنجع ) في تغيير النظم الدكتاتورية دون القيام بالثورة التي فيها دماء وخراب ، ودون اللجوء للإستقواء بالغير الذي فيه إهدار لمقدرات البلاد البشرية والمادية .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟