فارس علي ذينات
الحوار المتمدن-العدد: 3478 - 2011 / 9 / 6 - 16:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إقتباس:"من تقرير ويكليكس عن مقابلة السفير الأمريكي مع رئيس الوزراء السابق عبدالكريم الكباريتي في عمان والمنشور على موقعهم يوم 30/8/2011م يقول الكباريتي : "يمكن للمرء عقد صفقات في السياسة , حتى مع الإخوان المسلمين والذين حصل على دعمهم لتمرير إتفاقية السلام مع إسرائيل 1994م".. إنتهى الإقتباس .
الإخوان المسلمون يقومون بتأدية دورهم وقد تفهموا حاجة المرحلة من دروس الثورات المصرية والليبية , واكتشفوا أن الإعلام هو بوابة العبور إلى الثورة سواء داخلياً أو خارجياً , وهم يعلمون بأنهم كقوة سياسية تحيط بها المحاذير والتحفظات في الداخل والخارج لعدم وضوحهم في الرؤية للمرحلة القادمة في حالة حدوث التغيير الذي يصبون إليه سواء في حالة تنازل النظام عن سلطاته أو في حالة ما هو أبعد من ذلك وهو التغيير .. فهم يطرحون أنفسهم كبديل أو كطرف رئيس على الحد الأدنى في تقاسم السلطة مع النظام .
لقد إستدرك الإخوان أن اللحظة المرحلية هي تاريخية لا يمكن أن تتكرر فلا بد من إغتنام الفرصة والصعود من خلالها إلى ممارسة السلطة , فانتقلوا من حزب النظام المعارض إلى الحزب المعارض البديل , ويمارس الإخوان الخطاب والتعبير الاعلامي الدعائي المضخم وقد خدمهم في ذلك صعود الإخوان في مصر وليبيا بالتحديد (السلمي والعسكري) وما كان لهم من دور بعد سقوط نظام حسني مبارك , وقراءتهم للحدث بعدم الرفض أو التخوف الغربي منهم (وخاصة بعد الحوار مع سفراء أمريكا وفرنسا) , والتوقف عن التشويه الذي مورس لفترة طويلة من الغرب ضد التوجه الإسلامي بأنه مرتبط بالإرهاب , فقد سبق ذلك صعود النظام السياسي الإسلامي المعتدل والعلماني في تركيا , وأن هذا النهج وهذه الصيغة التي يقبل بها الغرب , حيث كان للأمريكان الدور الكبير في نجاح النموذج التركي لإقناع الإخوان وخاصة في الدول العربية المحيطة بإسرائيل , والسبب أن أمريكا وإسرائيل لا تريد للتغيير القادم أن يكون بيد الجموع الشعبية غير المؤطرة التي لا زالت صامتة , فلا أحد يعلم أين تتجه بوصلتها , أو الفئات ذات التوجهات الوطنية والتحررية التي تقود الحراك الشعبي وبالتالي عدم تكرار مرحلة الإستقلال عن الإستعمار الغربي في منتصف القرن الماضي , التي قادتها القوى الوطنية اليسارية والقومية التحررية (وهي قوى رافضة للوجود الإسرائيلي معتبره إياه عدواً , ووجودها مانعاً للوحدة ) .
النموذج التركي قدم شكل آخر للنهج الإسلامي المعتدل في المنطقة مـُظهراً أن الإسلام السياسي المعتدل غير متطرف ويقبل بالآخر من خلال الحوار , ويتعامل مع الخارج من منطلق المصلحة , والذي كان على حساب الوطنية والقومية التركية .
نعود إلى إخوان الأردن , بعض قيادات الإخوان شكلوا تجمع حول فكرة الملكية الدستورية واستطاعوا إستقطاب أعداد كبيرة حولها وهي في ظاهرها ليست إسقاطاً للنظام وبالتالي لا تضعهم في مواجهة مباشرة مع الموالين , وحتى يتم دعم هذه الفكرة قاموا بتشكيل الجبهة الوطنية للإصلاح بقيادة دولة أحمد عبيدات , التي لم تتطرق إلى فكرة الملكية الدستورية بشكل مباشر أثناء طرح نهج ومطالب الجبهة الإصلاحية , من خلال التسويق الذي مورس من قيادتها في المحاضرات التي ألقيت في عموم الوطن , لما يتوفر لهذا الرجل من حيز بين الأردنيين سواء على الصعيد الشعبي أو القيادات والقوى السياسية , إضافة إلى البعد العشائري ( كشرق أردني ) , ونجد أن المضمون في طرح الجبهة متوافق مع الملكية الدستورية , فكان تسويقاً لفكرة الإخوان (الملكية الدستورية ) .
لم يغفل الإخوان أن الشباب هم المحرك للثورات أو التغيير , لإمتلاكهم القدرة على الإستمرار في الساحات والشوارع , فكان من الإخوان أن زجـّّوا بشبيبتهم وبعض القيادات الشابة في الحراك الشبابي والشعبي , فشكلوا التجمع الشعبي للإصلاح وتنسيقية الحراك الشبابي ومن مناطق مختلفة ولو صورياً , وهذه المسميات تمتاز بعدم وضوح الرؤية أو عدم تحديد التغيير المطلوب فلا نجد شعاراً محدداً مرتبط بالمرحلة القادمة من الإصلاح والتغيير , بل العكس هناك تعدد في الطروحات والعناوين وهذا كان مقصوداً بعينه من الإخوان , لإبقاء الحراك الشبابي مفتوحاً على كل الإحتمالات والظروف , بالإضافة إلى عدم إعطاء الناشطين المنخرطين في الحراك القدرة على التجمع حول فكرة أو رؤية واضحة , والذي إن حدث , سيشكل قوة شعبية قد تتحول إلى قوة سياسية كبيرة لها تواجدها في كل مناطق الوطن وهي القوة التي لا يريد الإخوان تشكلها لشعورهم بأنها ستكون أكثر تمثيلاً للوطن بفئاته وأطيافه وأكثر قوة في الشارع , والإستدلال على ذلك , ما تم في شهر رمضان وحتى قبله بفترة قصيرة من ممارستهم لنشاطات بعيداً عن باقي جسم الحراك الشعبي في الوطن , سواء في موعد التنفيذ للفعالية الشعبية أو مكان تنفيذها مترافقاً مع استمرار النشاط الحزبي لجبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان .
يظهر الذكاء الإخواني في عدم طرحهم بعض المواضيع أو الملفات ذات الحساسية العالية لإدراكهم بأنها ستؤدي إلى انقسامات في الشارع وبالتالي ستكون من عوامل إجهاض الحراك ولا ندري إن كان إدراكاً من الإخوان بأن العمل الثوري الذي يؤدي إلى التغيير هو الفعل التاريخي للفكر الجمعي للثورة الذي يتجاوز الحواجز والموانع والعقبات التي قد تعترض نجاح الثورة - ونحن نعلم بأن الإخوان يعتمدون على إستغلال الإضطرابات والقفز عليها واقتناص الفرص ومن ثم اللجوء إلى مفاوضة السلطة لنيل المكاسب والمحاصصة بعيداً عن أهداف الثورة ومقاصدها وهذا ما شاهدناه في الثورة المصرية- مع إطلاقهم بعض الشعارات الجانبية – والتي لا يسعون لتحقيقها فعلياً- لإستقطاب أكبر عدد من الشباب المندفع والفعاليات الشعبية غير المؤطرة , فيكون الإخوان هم قادة المرحلة بل وقادة الثورة وخاصة بعد زوال المانع ( النظام ) وبالتالي تحديد شكل الدولة وإطارها وملامحها , حيث يعلم الإخوان أن جزءاً كبيراً من الشارع لا يتوافق معهم سياسياً وأن الغالبية تريد الدولة المدنية الحديثة العلمانية الراعية لمواطنيها , فمن هنا جاء قبولهم الحوار مع الأمريكان والفرنسيين للتوافق على أسس الكيان القادم الذي لا يمكن قبوله بشكل أكثر من النموذج التركي العلماني المتوافق مع الرؤية الأمريكية - الصهيونية .
إذن الإخوان المسلمين قوة سياسية فاعلة وذكية ولكن ليست الوحيدة في الساحة الأردنية , وخاصة بعد إنكشافهم وتوافقهم مع المخطط الأمريكي – الصهيوني(التوطين) , فلم تعد قادرة على الإستحواذ المطلق على أنظار المراقبين والمهتمين باتجاههم واتجاه مطالبهم , فالبوصلة لا زالت لدى الحراك الشعبي البعيد عن الإسلاميين وهو الأقرب إلى لعب الدور الرئيس في رسم ملامح المرحلة القادمة مع جميع المؤثرات على التغيير في الأردن سواء داخلياً أو خارجياً .
الأمريكان هم الأكثر تأثيراً وما يريدون في المرحلة القادمة من الدولة الأردنية بعد التغيير واضح , وهو الإبقاء على الإعتراف بالدولة العبرية والمحافظة على إتفاقية وادي عربة , وهذا يتطلب السيطرة أو إحتواء فئة الشباب المندفع باتجاه التغيير التي تحمل كرهاً كبيراً لأمريكا وإسرائيل , بالإضافة إلى التوجه التحرري التصعيدي مع العدو الصهيوني , فكانت الرسالة الإخوانية في هذا الجانب ومن خلال الإعلام بأن صوروا للجميع بأنهم يقودون الحراك الشبابي والشعبي في الأردن وهم القادرون على تحريك بعض الكتل البشرية الراكدة ( المخيمات – إعتصام الوحدات في رمضان) أو وقف الهدير في المحافظات بافتعال الخلل .
في ضوء ما تقدم فإن باقي الحراك الشعبي والشبابي والذي ينخرط فيه القوى اليسارية والقومية والوطنية والمستقلين والبعيدين عن الإسلاميين إيديولوجياً لا يكفيهم ما هم عليه , فليس أمامهم سوى التوحد في جبهة واحدة وبالتالي تشكيل قوة سياسية ستكون على الحد الأدنى موازية للإخوان ليس للندية والمناكفة وإنما شركاء , بعيداً عن التبعية , وقادرين على وضع بصماتهم على السناريوهات في تشكيل هوية المرحلة القادمة .
#فارس_علي_ذينات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟