|
بصدد نقاش حزب العمال الشيوعي التونسي حول تغيير اسمه
أمين صبري
الحوار المتمدن-العدد: 3478 - 2011 / 9 / 6 - 09:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما اطلعت يوم 11 غشت 2011على هذا الذي كتبه الأخ أديب عبد السلام بخصوص تغيير اسم حزب العمال الشيوعي التونسي عبر حذف كلمة "الشيوعي" والمنشور عبر الأنترنيت على لائحة بريس-ماروك،وقفت مذهولا لمستوى قلب الحقائق والتسرع والقسوة والعنف اللفظي الذي يميزه.والحقيقة فان ما يصوره الأخ أديب على انه قرار ليس كذلك لأن مؤتمر الحزب المنعقد أيام 22 و 23 و 24 يوليوز 2011 بعد مناقشة حول تغيير اسم الحزب قرر الحفاظ على نفس الاسم.والحقيقة كذلك أن حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الحزب لم يصرح أبدا-في حدود علمي-بما ينسبه له أديب عبد السلام، ذلك أنه جوابا على سؤال ملغوم من احد مراسلي قناة الجزيرة(وما أدراك ما الجزيرة) خلال أطوار المؤتمر حول ما إذا كان للنقاش حول تغيير اسم الحزب علاقة بانتهاء عهد الشيوعية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وبلدان أوروبا الشرقية رد بكل وضوح-ويمكن الرجوع إلى هذا التصريح الذي شاهدته وسمعته بالصدفة- أن "المهم ليس هو الاسم ونحن نناضل من أجل العدالة الاجتماعية ومن أجل القضاء على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان".هذا هو مضمون التصريح.فيما كان المؤتمر يعرف بخصوص هذه النقطة نقاشا مفتوحا بين وجهتي نظر داخل المؤتمر ويمكن اتخاذ قرار في هذا الاتجاه أو ذاك ولكن ليس هناك من هو مستعد داخل الحزب للتخلي عن النضال من أجل إقامة المجتمع الاشتراكي كمرحلة انتقالية نحو الشيوعية التي ينتفي فيها استغلال الإنسان للإنسان وكل أنواع الاستيلاب والاضطهاد.ومؤاخذتي على الأخ أديب انه كان عليه أن يتريث ويستقصي ويدلي بمصادره:متى صرح حمة الهمامي بهذا التصريح كما ينسبه إليه خاصة أن ما كتبه أديب مؤرخ بتاريخ 25 يوليوز أي بعد انتهاء المؤتمر مما يوحي للقارئ الغير متتبع بأن الأمر يتعلق بقرار رسمي فعلا وليس مجرد نقاش واخذ ورد؟أين يوجد هذا القرار المزعوم الذي بمقتضاه يكون اتجاه بورجوازي صغير مفترض قد كرس هيمنته على اتجاه بروليتاري عمالي كادح؟وهل في الحزب أصلا وجود واقعي ملموس لمثل هذين الاتجاهين؟ وكيف تم اتخاذه وبغرض ماذا؟ إن المرء-خاصة المناضل اليساري-يلزمه الموضوعية والصدق والأمانة العلمية عند كل تحليل أو تصريح أو حديث.أما الملاحظة الأخرى فتتعلق بالقسوة والعنف اللفظي تتجسد في التطاول على الحزب وناطقه الرسمي.فهل يعقل وصف حمة الهمامي بالتحريفي والمرتد وخائن يستحق الإدانة والاستنكار،هو الذي قضى حياته في النضال العلني والسري والشبه السري ولازال،هو الذي ذاق ويلات الاعتقال والتعذيب؟حرف ماذا وارتد عن ماذا؟هل يصبح المناضل مرتدا وتحريفيا فقط لكون له رأي بعدم استعمال كلمة الشيوعي مع الحفاظ عليها وعلى مضمونها ضمن هويته وخطه السياسي؟ هل نصدق على افتراض أن الحزب أسقط كلمة الشيوعي من اسمه أنه أصبح هكذا بسرعة البرق كما تدعي"مصمما على الانحياز للمستغلين والمجوعين والناهبين للبروليتارية التونسية وبالتالي الالتفاف على الثورة مع الملتفين الظلاميين والمافيات من مخلفات بنعلي في تطلع للاستحواذ على جزء من الكعكة التونسية"؟كيف تسنى لهذا الحزب أن يلعب أدوارا مشهودة تعترف بها القوى التقدمية عبر العالم في انجاز الثورة في تونس بفضل تاكتيكاته وتحالفاته السديدة وتصريحات حمة الهمامي الذكية رغم ضعف إمكانياته المادية واللوجيستيكية والبشرية،كيف تسنى له ذلك وهو يحمل كل هذه الطموحات الانتهازية التي يمطره بها أديب عبد السلام بهذه الطريقة اللامسؤولة أم أنها لعنة الآلهة تسلطت عليه بعد تحقيق هذا الانجاز العظيم؟هل كل تنظيم لا يسمى بالحزب الشيوعي أو حتى غير شيوعي من حيث الهوية والبرنامج هو بالضرورة ضد الكادحين ومع المستغلين وانتهازي وكذا؟هل ننسى أن الأحزاب الشيوعية التقليدية في العالم العربي ومنها الحزب الشيوعي التونسي هي من سقطت في التحريفية وتفسخت ولم يبق من الشيوعية لديها سوى الاسم؟ إننا هنا بصدد نظرة متعالية سكونية جامدة لا روح جدلية فيها بحيث من ليس معي فهو ضدي،من ليس مع فكرتي المسبقة فهو كافر مرتد تحريفي خائن،وبالتالي نظرة تلغي من قاموسها السياسي كل ما يرتبط بالتحالفات بما في ذلك التحالفات الظرفية.والنتيجة إذا سلمنا بما يقوله أديب عن حزب العمال الشيوعي التونسي فماذا سنقول عن باقي القوى التي ساهمت في صنع الثورة السياسية في تونس هي التي لم يسبق لها أن كانت شيوعية أصلا،وبأية أوصاف سيصفها أديب وماذا يتبقى لدى الشعب التونسي من أدوات النضال سوى العدم والفراغ؟هل يسلم أديب بهذه الخلاصة المأساوية وهذا المأزق الدرامي حيث شعب أسقط طاغيته في يناير وفي يوليوز من نفس السنة أصبح يتيما مسخت كل قواه الديمقراطية وتحولت فأصبح همها هو الاستفادة من الكعكة؟ربما ينطبق على أديب المثل المغربي المعروف بان "اللسان ما فيه عظام". لنبسط الآن أمام القراء حتى يكون هذا النقاش أكثر إفادة بتركيز مرتكزات وجهتي نظر كل "فريق" داخل المؤتمر حول مسألة تغيير الحزب كما تبرزها الوثيقتين المرتبطتين بالموضوع التي توصلت بها. بالنسبة لأنصار تغيير الاسم عبر حذف كلمة "الشيوعي" يرتكز هذا الرأي على: - كل حزب عمالي هو بالضرورة شيوعي وكل حزب شيوعي لا يمكن آن يكون سوى عماليا إذا نظرنا إلى المسألة من الزاوية الايديولوجية الصرفة. - الشيوعية تعرضت ولا تزال إلى هجومات عنيفة ومنظمة من طرف مختلف أعدائها بهدف تشويهها وإبعاد الناس عنها. - إن فشل التجارب الاشتراكية المطبقة وانحرافات معظم الأحزاب الشيوعية والأخطاء المرتكبة سهل الهجوم المشار إليه. - إن مثل هذه الأخطاء والانحرافات الخطيرة لازلت مستمرة إلى يومنا هذا حيث بعض الأنظمة تحكم شعوبها بالحديد والنار وتنتهك أبسط حقوق الإنسان. - إن واقع الشيوعية في بلدان العالم العربي والإسلامي وضمنه البلدان المغاربية هو الأسوأ في العالم. - إن الشيوعية ارتبطت في أذهان عامة الناس في تونس بالكفر والإلحاد والتسيب الأخلاقي والارتباط بالغرب وضرب الهوية العربية والإسلامية. - إن وجود كلمة "الشيوعي" في أسماء الأحزاب أو عدم وجودها ليس مقياسا أو دليلا على مدى تمسك هذا الحزب أو ذاك بالشيوعية كما أن التمسك بالشيوعية وبالدفاع عنها لا يتطلب بالضرورة وجود هذه الكلمة في اسم الحزب. - إن الدفاع عن الشيوعية قد يقتضي في بعض الحالات التي يفرضها الواقع الموضوعي حذفها ليس من أسماء الأحزاب فحسب بل وكذلك من البيانات والمواقف السياسية. - إن وجود كلمة"الشيوعي" في اسم الحزب(حزب العمال الشيوعي التونسي) لا يساعد على الدعاية والتواصل مع الجمهور الواسع وبالتالي الانغراس في صفوف الطبقة العاملة بل يشكل حاجزا وعائقا أمام عملية الاستقطاب والترويج لبرامج وسياسات الحزب وتقريبها من الناس - إن وجود هذه الكلمة في اسم الحزب يجره كل مرة للدفاع عن الشيوعية ويكون هذا المجهود على حساب الدعاية لبرنامج الحزب وسياساته. - إن الحزب مقبل على واحدة من أكبر المعارك خطورة وهي انتخابات المجلس التأسيسي الذي يمثل محطة قابلة لكي تتحول إلى لحظة ثورية لا تقل أهمية عن الانتفاضة في الشارع غير أن الاحتفاظ بالاسم الحالي للحزب يعد من العوامل التي لا تسهل عليه كسب الجماهير. وتؤكد وجهة نظر هاته أن تغيير الاسم وحذف كلمة "الشيوعي" لا تعني التخلي عن الشيوعية ولا تعني تغيير ومراجعة مرجعيته الإيديولوجية أو أهدافه المرحلية والاستراتجية ومواقفه السياسية.إنها قضية إجراء تكتيكي الهدف منه تسهيل التواصل مع الجمهور والطبقة العاملة بشكل خاص.وتضيف بان حزبا يريد تحمل مسؤوليته التاريخية للدفع بالثورة إلى الأمام عليه أن يتعامل بكل دقة ودراية مع الحالة المعنوية لجماهير شعبه لا من منطلق درجة الوعي الفكري والسياسي الخاصة بإطاراته ومناضليه وأن حزبا يظل الطريق إلى كسب المعارك الجزئية والمرحلية لا يستطيع أن يراكم للثورة. تتفق وجهة نظر المدافعة عن بقاء الاسم كما هو على العديد من الحيثيات أعلاه ومنها الهجوم الامبريالي-الرجعي على الشيوعية والأخطاء المرتكبة وواقع الشيوعية في العالمين العربي والإسلامي وان الدفاع عن الشيوعية لا يستلزم بالضرورة ذكرها ورفع شعار المطرقة والمنجل وصور ماركس وانجلز ولينين وستالين... ولكنها لا تعتبر كل هذا كافيا لتغيير اسم الحزب مؤكدة بالخصوص على ما يلي: - إن حذف كلمة "الشيوعي"من اسم الحزب سوف لن تعفيه من تهمة الشيوعية بل ستضيف إليه تهمة المراوغة على اعتبار أن الحزب سوف لن يخفي تمسكه بالشيوعية. - إن المراوغة مع المتلقي لا يمكن حصرها فقط في مسالة الاسم. - إن القبول بالشيوعية إما أن يكون عن دراية أو لا يكون. - إن من يريد الانتماء إلى حزبنا يجب أن يكون لديه فهما سليما للشيوعية وقبول بها. - إن اتخاذ قرار بحذف "الشيوعي" من اسم الحزب في الظرف الراهن سوف يؤدي إلى صعوبات داخلية وإضعاف مصداقية الحزب. تصارع الرأيان خلال أطوار المؤتمر ولكن ليس بطريقة الأخ أديب وتم الاتفاق بالإجماع بالحفاظ على اسم الحزب بعدما تدخل حمة الهمامي الذي ربما لاحظ أن الموضوع يحتاج إلى المزيد من الوقت والنقاش وان حسمه في هذا الاتجاه أو ذاك قد يضر بوحدة الحزب.أعتقد من جهتي أن النقاش حول الموضوع يثير نقطة هامة لم يتم تداولها بشكل واضح وهي طبيعة التنظيم الشيوعي المراد بناؤه:هل يتعلق الأمر بمنظمة للأطر الشيوعية أم تنظيم مفتوح لكل الطاقات المناضلة في الساحة يتم استقطابهم على أساس البرنامج ولكن لم يتحولوا بعد إلى شيوعيين؟ تحتاج هذه الإشكالية إلى نقاش خاص لا أخوض فيه الآن تجنبا للإطالة. غير أني اعتقد أن الساحة النضالية والأوساط اليسارية في بلادنا هي في أمس الحاجة إلى نقاش جماعي ووثيقة حول ما يسمى بتدبير الاختلاف وأسميه المعالجة الديمقراطية للتناقضات لأن الأمور تتم في العديد من الأحيان بطريقة كارثية تعطل حركة النضال.وأكتفى الآن بالتشديد على أن طريقة توجيه اللوم والانتقاد جد هامة بل قد تكون محددة لمستقبل تطور الأمور لذا يجب دائما الإعداد والتفكير القبلي ليس فقط فيما يجب قوله ولكن أيضا في كيفية قوله.وكثيرا ما يكون مناضلون على حق من حيث الجوهر ولكن توجيه الانتقاد بنوع من الصراخ أو بعنف لفظي غير مقبول يحولهم إلى مذنبين.ولكن إذا وجه اللوم والعتاب والنقد بلطف وطبعا بصراحة وبدون نفاق فدلك يجعله نافدا وقد يتقبله المعني بالآمر وفضلا عن دلك يساهم في توفير أجواء سليمة تساعد على الاشتغال وتشجع الجميع وتبعث على الارتياح وتجدد روح الأمل في التغيير الجدري وتنمي روح المبادرة والإبداع.
#أمين_صبري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بهدف جذب السياح.. الصين تمدد فترة الإقامة للعبور من دون تأشي
...
-
رئيس حكومة الإئتلاف السورية: ما قامت به -هيئة تحرير الشام- م
...
-
مصاد عسكرية تكشف: حماس جندت آلاف المقاتلين الجدد في غزة
-
عملية إنقاذ محفوفة بالمخاطر في إيطاليا.. 75 ساعة من الجهد لإ
...
-
-لبنان لنا- .. إسرائيليون يدخلون لأول مرة جنوب لبنان وينصبون
...
-
من ماهر الأسد إلى ماهر الشرع.. تعيين شقيق الجولاني وزيرا للص
...
-
بالصور.. دمشق بعد سقوط الأسد
-
من اتفاق السائقين إلى البطاقة الذكية.. ماذا تغير في العشر ال
...
-
زعيم حزب -الناس الجدد- في الدوما الروسي رئيسا للمجلس الإشراف
...
-
الخارجية الروسية: الولايات المتحدة تحاول تغيير السلطة في كوب
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|