أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إنعام الهاشمي - الُثلاثية المقدّسة لفائز الحداد















المزيد.....



الُثلاثية المقدّسة لفائز الحداد


إنعام الهاشمي

الحوار المتمدن-العدد: 3477 - 2011 / 9 / 5 - 10:30
المحور: الادب والفن
    


الُثلاثية المقدّسة لفائز الحداد – مقدمة / إنعام الهاشمي
ا. د. إنعام الهاشمي
اختياري لقصائد فائز الحداد للترجمة إلى اللغة الإنجليزية لم يأتِ اعتباطاً أو عبثا، كما لم تأتِ تسميتي لهذه الثلاثيةِ "الثلاثية المقدسة " مجرد تسمية تطلق دون ما مبرر، كما أن فائز الحداد لا يطلق التعابير اعتباطاً في قصائده، كما سآتي إليه فيما بعد في هذه المقدِّمة.



والقدسيةُ التي أتحدَّثُ عنها هنا ليست بالمعنى الكلاسيكيّ، فلستُ أعني بمحتواها ما يأتي في الكثيرِ من الشعر، والعموديِّ منه على الأخصّ، من مدحٍ لشخصياتٍ أو مناسباتٍ دينيَّةٍ أو ما شابهَ من اقتباساتٍ دينيَّة المرجع، رغمَ أنَّ فائزَ الحداد قد كتَبَ هذا النوعِ من الشِعرِ كما في قصيدتِه العموديَّةِ "الحسين"، فتلك أفضِّلُ أن أطلقَ عليها تسميةِ "القصائد ِالدينيَّة" كما ويمكنُ القولُ أنَّها لا جديدَ فيها. القدسيَّةُ التي أشيرُ إليها هي الطريقةُ التي يستعملُ فيها فائز الحداد الرموزَ الدينيَّةَ الموحِيةَ بالقدسيَّة بمجازيَّةٍ عِلمانيَّة.



حين قمتُ بترجَمةِ أوَّلَ قصيدةٍ من قصائِدِ فائز الحداد "الجنرالة" (The She General)*، تركتُها قبلَ نشرِها بضعةَ شهورٍ ترقُدُ في صومعةِ الترجمةِ في ما أسميه بالتعبير العراقي الدارج "البستوﮔﺔ" مع عددٍ آخرَ من ترجَماتِي حتى يحينُ أوانُ ظهورِها للنورِ ونشرِها. ولا أحد يعرِفُ محتوياتِ هذه "البستوﮔﺔ"، كما أنِّي نفسي لا أتذكَّرُ ما فيها حتى أعودُ إليها و "أتفرّجُ" على ما في جوفِها من النوادِر. ومن يقرأ لفائز الحداد أمامَه أحدَ أمرين: إما أن يَعلَقَ بتتبُّعِ و قراءةِ ما يكتبُه هذا الشاعرُ المتفرِّدُ بلغَتِهِ وأسلوبِه وتعابيرِه ومفرداتِهِ ومرامِي معانِيه، ويبحثُ عن المزيدِ منه، وإما أن يعجزَ عن فهمِ تراكيبِ جُمَلِهِ وترابُطِها فيتركُها عاجِزاً ومتبرِّماً؛ فمن يريدُ فهمَ ما يكتبُه فائز الحداد عليه أن يفهَمَ المرجِعِيّاتِ الثقافيَّةَ التي تستنِدُ إليها أفكارُه العميقةُ التي يصبُّها في شِعرِه. وجدتُني في الصنفِ الأوَّلَ من قرّائِه. ولا أودُّ هنا أن أدَّعي أنَّ لي من الثقافةِ ما يفوقُ الآخرين، ولكنِّي أعلمُ أنَّ ما يصعبُ عليَّ فهمُه لابدَّ أن يكونَ له تفسيرٌ واضِحٌ لدى الشاعرِ، لذا هيَّأتُ نفسي للبحثِ في مرجِعِيَّةِ ما يعصى عليَّ أو ما أشكُّ في فهمِي له. فمِن أوَّلَ الضروريّات للترجَمَةِ الرصينةِ هو الفهمُ العميقُ لما يعنيهِ الشاعرُ، لا من الظواهِرِ الواضِحة وإنَّما من البَواطِنِ التي يسبِرُ غورَها بالبصيرةِ لا بالبَصَرِ وحسب، وبالبحثِ إن قصرت معلوماتُه عن إعانتِه. قرأتُ عدداً لا يُستهانُ به من قصائدِ فائز الحداد ودرستُ ديوانِه "مدان في مدن" وكتبتُ عنه ووجدتُ الكثير مما يستحِقُّ الالتفاتَ إليهِ بل وتقديمِه للعالم كنموذجٍ متفرد وفاتحٍ لمرحلةٍ جديدةٍ في الشعرِ الحداثِيّ العربيّ “Contemporary Arabic Poetry”



منذُ أوَّلِ قصيدةٍ ترجمتُها لفائز الحدّاد وجدتُ أنَّ القدسيَّةَ والمرأةَ والوطنَ والذاتَ عناصَر تمتزِجُ في قصائدِهِ لتكوِّنَ مُركَّباً له نكهةُ تختلِفُ تماماً عمّا تجِدُه لدى غيرِه من الشعراء؛ كما وجدتُ لديهِ الجرأةَ لتغييرِ مقاديرَ المكوِّناتِ لتذهَبَ بعيداً أحياناً في القدسيَّةِ أو الخروجِ عنها بمنحِها لبَشَرٍ لا يُعَدّونَ مِن الأنبياء، مماّ قد يوحِي للقارِئ أنَّه تجاوُزٌ على المبادئِ الموروثةِ، اللغَويَّةِ منها والعقائِدِيَّة، في حينِ أنَّها قد تمثَّلُ فهماً يفوقُ في عمقِهِ وفلسفتِهِ ما يتبلورُ في ذهنِ غيرِه. وهو حينَ يضعُ المرأةَ التي يشيرُ إليها في القصيدةِ كحبيبةٍ بمنزلةٍ تتجاوزُ مرتبةَ البَشَرِ، فذلك يأتِي دليلاً على قُدسيَّةِ المرأةِ لديهِ وعلوِّ منزلتِها وشأنِها في مقاييسِهِ، فهي الجنرالةُ، وهي زيرةُ الجَمالِ، وهي آخرَ المريَمات إشارة للطهر، وهي (المجدلية)، وهي خُرافةُ الطينِ تشكيكاً بكونِها مخلوقة من طينٍ مِن قِبَلِ إلهٍ آخرَ، حتى أنّه يُعلِنُها آخِرَ الآلهة!

وهو حين يتلو عليها ما "تيسَّرَ من تنزيل الهوى" كما جاءَ في" الجنرالة" بقوله:

‏(أستميحك عشقا ياجنرالة الحب..

وامنحيني إجازة القول:

ببعض ما تيسّر من تنزيل الهوى.)‏



وباستعمالِ تعابيرَ مُتَعارفٍ على أنَّها إشارةً إلى التنزيلِ الإلهي، هل هوَ يقللُّ مِن قيمَةِ ما هوَ إلهيّ؟ أم هو يصعَدُ بالهوى إلى منزِلَةِ الإلوهيَّة؟ لا شكَّ أنَّ في ذلك إشارةً إلى قدسِيَّةِ الهوى وللتعبيرِ عن ذلك فقد استعملَ مجازيَّة التعبيرِ المقدَّسِ "التنزيل"؛ وهذا الأسلوبُ الذي يستعملُه فائز الحداد بجرأةٍ ومهارةٍ ليوحِي للقارئِ العابرِ أنَّه قد تجاوَزَ على العقائِدِ، هو من خصائِص شعرهِ فائز الحداد التي تَمَيَّزَ بِها على غيرِه من الشعراء. ومِن هنا جاءَ اهتمامِي بترجَمَةِ المزيدِ من قصائِدِه المتمَيِّزةِ بالقُدسِيَّة.



أين بدأت الثلاثية؟ وكيف نقشَت أثرَها في ذهني؟

‏"يوسُف" كانت البداية، وليست البدايةُ المطلقةُ، للغَورِ في المقدَّسِ الذي يقدِّمُهُ على طبَقٍ ‏يمزِجُ بينه وبين الذاتِ الدنيويّة؛ ففي قصائدَ أخرى يُضفِي الحدّاد بعضاً من مسوحٍ ‏سماويَّةٍ على روحِ الحبيبةِ الدنيويّة ليوشِّحَها بوشاحِ القدسيّة، كما ذكرتُ في مقدِّمة "الجنرالة"؛ والقدسيِّةُ لدى فائز الحداد لا تقتصِرُ على رموزِ الأديانِ السماوِيَّةِ وتعابيرِها بل تتعدّاها إلى رموزٍ أخرى كالنار الزرادِشتيِّةِ، والبوذِيَّة، كما في "آخر المريمات":

‏(إمرأة .. قبّلـت بسحر المريمات بابي

فشرينتني كخيط قز بشيلتها..‏

وطرزتني أغانٍ لأمنيات المرافيء

صرت كالجنح الحالم بريح جذبها

أبتهل للضوء لتنالني نارها

نارها المصطفاة، لأبلغ شأوها ..‏

ولهيبها المجوسي، الذي بهيبته

ستهيل الجمر على جسدي جنات

تجري من تحتها القوارير

ستكبر لي بوحيها:‏

‏"حيا على فاكهتي "‏

وأسجد لها دون وضوء، بوذيا عنيد الرجاء!!)‏



و في "المجدَليّة" يضَعُ فائز الحداد الذاتَ والحبيبةَ في كفَّتَي مِيزانِ القدسيَّةِ وهو يقول:‏

‏(مجدلية..‏

تبصمين بروح الإله على صدر القناعة..‏

بأن الحبَّ رقيمكِ الأوحد

وإن لكِ مسيحا يشبه مسيحي بعلامته الفارقة‏

لكنّه.. أخ رضاعة عنيد!)‏



فهو "المتحدث" يشبِّه مسيح المجدليَّة بمسيحِه بل ويجعلُه قريباً منه قُرْبَ الأخوَّة بالرضاعة، وواضِحٌ أنّه يشيرُ إلى نفسِهِ كأحدِ المسيحَينِ ما دامت الحبيبةُ هي المجدلِيَّةُ بما تمثِّلُه تلِك الشخصِيَّةُ في دِينِ المسيحِ مِن قدسِيَّةٍ في قربِها الروحِيِّ من المسيحِ "يسوع" عليهِ السلام.



ثمَّ، يؤكِّد قدسِيَّة الحبيبةِ في مقطَعٍ يتسامى بمغزاه ويتهادى بعذوبَتِهِ، إضافةً إلى المفرداتِ التي يتلاعَبُ بِها و يطوِّعُها لتُعطِي ما يُريدُه لها مِن مَعانٍ ممّا لا تجودُ به القواميسُ، غيرَ أنَّها، أي المفرداتِ هذه، قد شَقَّت طريقَها بينَ مفرداتِ الشِعرِ لأنَّ فائز الحداد قد وَضعَها هناك، ولنا أن نُفسِّرَها بما توحِي بهِ قدسيَّةُ الاسمِ "المجدليَّة" الذي اشتَقَّ منه الفعلَ بقولِه "تمجدَلتُ" و "مجدليني"!

‏(ولأنكِ وتر النبوّات في عزف التراتيل‏..‏

سجدت للغيب، وتمجدلت بكِ

فمجدليني بما أوتيتِ من مجدّلات الحواري)‏



وفي "كأني أقبلك في الصلاة" تصبحُ شَفَتَي الحبيبةِ "القِبلة" التي يعقِد إليها الحبيبُ "المتحَدِّث" الحَجَّ ويُقَبِّلُها في صَلاتِه:

(أشرقي بالشهد على شفتي

لأبسمل الصباح، بحرفك الشمسي

آية الندى .. فاتحة وجهك الأوحد

وقبلة النحل.. رحيقك المبين

أقيمي الصلآة ..

لأعقد الحج إلى شفتيك

موسم الحجيج..

مابين عيدين .. بشفتين

وزمزم ماء العناق

لنصلّي بلا وضوء

فالقبلة ..

تتوضأ في الرضاب)



أمّا قصيدة "يوسُف"، وهي أولى الخياراتِ في " الثلاثيةِ المُقدَّسةِ لفائز الحداد" فهو يبتَعِدُ فيها عن شخصِ الحَبيبَةِ وقُدسِيَّتِها، فهي قصيدةٌ تحفلُ بالرموزِ التي تنتقلُ بين الذاتِ والتاريخِ وأحداثِه فيما يتعلَّقُ بالشخصِيَّةِ الدينيَّة المُتمَثِّلةِ بيوسُف، كما في قولِه:‏

‏(لم تر يوسف.. سواد ما رأيتُ:‏

أحد عشر عقربا وأحداقا تأكل الوجوه

ودماء لا توضئ المخالب!!‏

حين ابتدروك غاموا.. فأكلوا ألسنتهم

ثم ابتدروني فغاروا وساوموا نياتهم!!‏

وراودتك الأجساد والدراهم، فاستعصمتَ..‏

وحججتُ بك، فتحاججتَ بسكاكينهن، سجين الغيب

ما شاءك " قطفير ".. رسول غنى، فائزا بزليخته)‏



والحديثُ عن قصيدةِ "يوسُف" له من التشَعُّباتِ والتفاصيلِ ما سوفَ أتي إلى ذكرِه فيما بعد.

فما هي الأثافي الثلاث التي تقف عليها الثلاثية المقدسة لفائز الحداد؟



القصيدة الأولى: "يوسف"

القصيدةُ الأولى ولاشكَّ هي قصيدةُ "يوسُف" التي شعرتُ أنَّها تستحِقَّ أن تكونَ مِحورَ دِراسَةِ خاصَّةً بها منذُ أن وقَعَ نَظَرِي عليها، ذلك لِما فيها مِن انتقالاتٍ بينَ الذاتِ والشخصِيَّة الدِينِيَّةِ الرمزِ "يوسُف" ولِما لهذه الشخصِيَّةِ مِن تَرمِيزاتٍ في العالَمِ العربِيِّ المسلم، تلكَ التي جاءت مستوحاةً مما جاءَ في التنزيلِ في " سورةِ يوسُف" والتي تختلَفُ في نِقاطِ تركيزِها عّما ترمِزُ له ُهذه الشخصيَّةُ مِن وُجهَةِ نَظَرِ العالَمِ الغربِيِّ المتأثِّرَةِ بالتأثِيراتِ الدينِيَّةِ المتوارَثَةِ عنِ العهدِ القدِيمِ والعَهدِ الجدِيد. ففي حين أنَّ الشرقَ يركِّزُ على الغَدرِ المُتَمَثِّلِ بأخوَةِ يوسُف الذين دَفَعَتهم الغيرةُ إلى اصطِحابِ أخيهِم المُدَلَّلِ من قِبَلِ أبيهِ ومن ثم َّ رَميِهِ في البِئرِ وادعِّائِهم أنَّ الذِئبَ قد أكَلَهُ مما تسبَّبَ بالعَمى لوالِدهم المفجوعِ نتيجةً لكثرِ بكائِه على وَلَدِهِ يوسُف؛ ومِن الناحِيَةِ الأخرى يهتَمُّ الشرقُ أيضاً بحُسنِ يوسُف ورغبةِ النِساءِ فيه، وبالأخصِّ حكايتَه مع "زليخا" امرأةِ العزيز التي حاكَت له التُهَمَ لأنَّه تمَنَّعَ عن الاستِجابَة لإغوائِها، إكراماً منه لزوجها ورَبِّ نِعمَتِهِ، ولم يُبَرِّئهُ إلا كونُ قميصِه قد "قُدَّ مِن دُبُرٍ". أمّا في الغربِ، فيتَرَكَّزُ الاهتمام ُبيوسُف لعِلاقَتِه التاريخيَّة بِبَنِي إسرائيل. فيعقوبُ، والدُ يوسف، هو "إسرائيل" بن اسحق بن إبراهيم عليه السلام، كما يُذكَرُ في العهدِ القديمِ والجديدِ، ويوسُف هو من جاءَ بِبَنِي إسرائيلَ إلى مِصر حين أرسَلَ في طَلَبِ والِدِه الذي جاءَ مِصرَ مِن أرضِ كَنعانَ بمالِه وأهلِ بَيتِه البالغ عددهم السبعينَ فرداً آنذاك، ليتكاثروا فيما بعد في مِصرَ حتّى مغادَرَتِهِم معَ النبِي موسى عليهِ السلام الذي عادَ بِهم إلى أرضِ كنعانَ معَ رفاتِ يوسُف.



يفتَتِحُ فائز الحداد قصيدتَه " يوسُف" بمقارنة ٍ حادَّةٍ تُنبِئُ عمّا يكوِّنُ الثيِمَةَ الأساسِيّةَ للقصيدةِ، فهي مقارنةُ بينَ السوادِ والبياض، (وجهك الحليبَ، وسواد دمائهم ..)، بينَ النقاءِ و سوءِ الضَمائِرِ، بينَ حُسنِ النِيَّةِ والغَدِر، ثمَّ التركيزِ على الرُؤيا لَدى "يوسُف" تقابِلُها المعرِفَةُ لدى" صنوّه" كما يرِدُ على لسانِ المُتَحَدَّثِ، في القصيدةِ، وما تجرُّه على صاحِبِها من سوءٍ نتيجةُ لغَدرِ مَن يُحيطُ بِهِ ويحسِدُهُ على ما آتاهُ اللهُ من عِلمٍ وحِكمَةٍ معَ بهاءِ المُحيّا...

(وجهك الحليب، وسواد دمائهم ..

يا ذا البياض الأغر .. يوسف

ما اصطفى مثلك في حسن الخلائق ربٌ:

"كالأملود الريان طراوة"

كنت ..

في بيان الحلم .. حلمة البيان

المختلف .. المتفق عليه بغيهب الغيرة،

غريما مالكا قرن الشمس ..

وفيض البحر .. في مدٍّ ومدّ)



الباذخ النور..

والعالق رسما بأهداب حور الحسان

الطالع من فك الفاقة لجناح العرش

الفائز بجلال الحسن .. ملكا ملاكا

يا الأخضر المشع خصبا في يبوسهم

المصباح الرائي، الساحر الأعين..

ودليل الركبان، وبصائر " السيارة " ثكلى)



ثمَّ يمضِي في وَصفِ يوسُف والرؤيا ليشيرَ بوضوحٍ إلى أنَّه "يوسُف" ذو الرؤى والحكمَةِ، والمعتَصِمِ عن الارتِشاءِ، والمُتَسامِي عن مَصادِرِ الإغواء، وهو "المختلفُ"؛ فهل انتقلَ فائز الحداد إلى الذاتِ هنا؟ وهل امتَزَجَ وَصْفُ يوسُف بِوَصفِ الذات؟ هذه الانتقالةُ تظهرُ بوضوحٍ حين يشرَعُ بالمقارنةِ الصريحَةِ مع الذاتِ، وتبقى هي المقارنةُ الأبرَزُ والأهَمُّ في القصيدةِ، ومِنها تُستَشَفُّ الإشارةُ إلى التشابهِ والامتزاجِ بينَ الشَخصيَّتَين كما في المَقطَعِ الذي ذكرتُه مُسبقاً:

‏(لم تر يوسف.. سواد ما رأيتُ:‏

أحد عشر عقربا وأحداقا تأكل الوجوه

ودماء لا توضئ المخالب!!‏

حين ابتدروك غاموا.. فأكلوا ألسنتهم

ثم ابتدروني فغاروا وساوموا نياتهم!!‏

وراودتك الأجساد والدراهم، فاستعصمتَ..‏

وحججتُ بك، فتحاججتَ بسكاكينهن، سجين الغيب

ما شاءك " قطفير ".. رسول غنى، فائزا بزليخته)‏



في قصيدةِ "يوسُف" لم يرَدِّد فائِز الأقوالَ الشائِعةَ والمعروفَةَ للعامَّةِ بِشَكلِها السًطحِيِّ، وإنَّما دوّنَ بإتقانً ما يدلُّ على أنَّه قد اطَّلَع على تَفاصِيلَ تارِيخِيَّةٍ ودينِيَّةٍ تُمَكِّنُه مِن رَسمِ المقارناتِ والخُروجِ عَن الفَترَةِ الزمنِيَّةِ المُتَعَلِّقةِ بها إلى يومِنا هذا. فهو يرسُمُ المقارَنَةَ تِلوَ المقارَنَةِ مِن شَبَهٍ أو تَناقُضٍ كالإشارات إلى مقارنة قابيلَ بالذئب، يوسُف بإخوته، الحلاّجِ ودَمِه بربطِ ما أصابَهُ مِن ظُلمٍ بِما أصابَ المسيحَ، ثمَّ ينتقلُ لِما يَحدثُ في يومِنا هذا مِن الحروبِ وما خلَّفَتهُ مِن وَيلاتٍ في إشارَةٍ خَفِيَّةٍ إلى ما أصابَ العِراق، ولا ينسى في ذلِكَ مقارنةَ الإخوةِ العرب بإخوةِ يوسُف أو مقارنةَ هدايا يوسُف لأبِيهِ وإخوَتِهِ بهدايا "الجليلِ" المُسيطِرِ على العالمِ اليومُ التي قَدّمها للأرضِ المفجوعَة:

(لك آهتي بخالدة واحدة الجوى،

كهاجس أحلام شرنقتها المقاصل ..

أشلاء جياع وأساطير دمى ..؟!

تقتضهم قصص الملوك بالعمى

هدية " الأخوة " للأب المنهوب .. يعقوب

فهدايا الجليل المتكبّر بعدك:

حروب تسترزق، وأرامل تخضر، وحدائق موتى

هامشنا.. أعراب خراف شرنقتهم المكائد

ومصائد أخوة، يجيدون الآبار والغانيات)



ثمَّ يُعَرِّجُ على المكائدِ التي مِن شَأنِها أن تُشَوِّهَ الجمالَ، أو الآراءِ التي تُرمَى جُزافاً تَحتَ رِداءِ المَعرِفَةِ، أي النَوايا السَيِّئةَ باسمِ الموضوعِيَّة المِهَنِيَّةِ، وأظُنُّه يُشِيرُ في هذا إلى الحِقدِ الذي يُقَدَّمُ باسمِ النَقد!

كم من لائمةٍ على وجه جميل ينحتها الخنجر؟

وكم من غل يتسوّد في الرأي "متعالما"؟؟)



ومِن الجَدِيرِ بالذِكرِ أنَّه، في آخر القصِيدةِ، و أيضاً في مَعرِضِ المُتناقِضاتِ، يَرمِي بِمَفهومِ "الماءِ المَهِينِ " الذي هو أساسُ الخَلقِ كما جاءَ في الآياتِ الكَرِيمَة في سورة (السجدة: أية 7-9)، ثمَّ في سورة ‏(‏ المرسلات‏:20‏ ـ‏24).



"الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ(٨) ثُمَّ سَوَّٮٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦ‌ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَ‌ۚ قَلِيلاً۬ مَّا تَشۡڪُرُونَ (٩) " (السجدة: 7-9)



أَلَمۡ نَخۡلُقكُّم مِّن مَّآءٍ۬ مَّهِينٍ۬ (٢٠) فَجَعَلۡنَـٰهُ فِى قَرَارٍ۬ مَّكِينٍ (٢١) إِلَىٰ قَدَرٍ۬ مَّعۡلُومٍ۬ (٢٢) فَقَدَرۡنَا فَنِعۡمَ ٱلۡقَـٰدِرُونَ (٢٣) وَيۡلٌ۬ يَوۡمَٮِٕذٍ۬ لِّلۡمُكَذِّبِينَ (٢٤)‏" المرسلات‏:20‏ـ‏24).‏

(لماذا ..

لا ندرك مهين مائنا في الأنبياء..

يا يوسف.؟؟

أكلُّ أبوة ناقصة الخصب ..؟

أكلُّ أنوثة هاجسها الإغواء؟؟

لكننا، من ماء " قابيل " باذر الجناة

والماء سيدة الشهادة ..

مهما أنكر البئر دماء التراب.)



فهو في قولِهِ: (لماذا لا ندرك مهين مائنا في الأنبياء) يُشيرُ إلى أنَّ هذا "الماءَ المَهين" كما هوَ في الأنبياءِ، كذلكَ هوَ في ("قابيل" باذر الجناة )



والسؤالُ الذي يتَبادَرُ إلى الذِهنِ هوَ:

هل يَضَعُ المُتَحَدِّثُ نفسَهُ مع يوسُف في مَجموعَةِ مَهِينِ ماءِ الأنبياء؟ رغمَ أنَّهُ قد يكونُ من مَهِينِ ماءِ "قاابيل"؟ وإن كانَ ماءُ الأنبِياءِ وماءُ قابيلَ فينا كُلّنا "بّنِي البَشَر"، فهل ذلكَ يعني أنَّهُ خَيارُ نَتَّخِذُهُ نحنُ؟ أن نكونَ مِن الأنبِياءِ أو نكونَ مِن الجُناة، لأنَّنا مِن هذا الماءِ وذاك؟ و أفضَلُ مِثالٍ على ذلِكَ يوسُف وإخوتُه الذين جاءوا من ذاتِ الماءِ المَهين ولكّنَّ الخَيرَ والشرَّ تَقاسَماهم؛ سؤالٌ فلسَفِيّ يطرَحُهُ فائز الحداد فِي هذا الَمقطَعِ الخاتِمة.



وفي هذا مثالٌ بَسِيطٌ على أنَّ فائز الحداد لا يَرمِي الكَلامَ على عَواهِنِه في قَصائِدِه ولا يَرمِي كَلِمَةً في غيرِ مَكانِها المُناسبِ، وما على القارِئِ إلا أن يكونَ مُطلِّعاً أو مُستَعِدَّاً لِلبَحثِ فيما يجِدُهُ غامِضاً أو ما يبدو عابِراً مِن تعابيرِه مِمّا يَستَعصِي عَليهِ فهمَه.



القصيدة الثانية: "المجدلية"

القَصِيدَةُ الثانِيَةُ التي تدخُلُ الثلاثِيَّةَ من أبوابِها العريضةِ هي، َبلا شكٍّ، "المَجدَلِيّة"، و سأتَحَدَّثُ عَنها ببعض ِالتفصِيلٍ هنا وقد أضيفُ فيما بَعد وعندَ نَشرِ التَرجَمَةِ ما فاتَني ذِكرُه عَنها هنا.



في مَدخَلِ النصِ يعرِّفُ الشاعِرُ المَجدَلِيّةّ بقوله:

(مريم المجدلية:

من أهم الشخصيات المسيحية المذكورة في العهد الجديد ومن أهم النساء من تلاميذ المسيح والشاهدة على قيامته وأول الذاهبين لقبره حسب ما ذكره الإنجيل.

- "لكنني أجزم.. أنها زوجته التي أحب")



وأعتَقِدُ أنَّ كَلِمَةَ "أكادُ" قد سَقطَت سَهواً مِن الجُملَةِ الأخيرَةِ، فأرى أنَّ مِن الأصَحّ أن يقولَ:(أكادُ أجزمُ أنّها زوجته التي أحَبَّ) كتَعبِيرٍ عن اعتِقادٍ شخصيٍّ راسِخٍ حيث لا يمكِنُ الجَزمُ القاطِعُ إلاّ في حالةِ الإثباتِ أو الإجماع، ولا يوجَدُ هنا توثيقٌ لهكذا إثبات أو إجماع..



ثم َّ، بدءاً بفاتِحةُ القصيدة يدخلنا فائز الحداد أجواءَ القدسِيَّة مباشرةً فلا يترك مجالاً للتساؤل أو الشك: في ماهيّة العلاقة بين المجدليَّةِ هذه والحبيب ومدى التماهي بينها وبينَ علاقةِ المجدليَّة التاريخِيَّة مع المسيح:

(شاهدكِ المقدّس في الربوبة..

ما تألـّه بذات يمينكِ.. الشفاعةُ والكتابُ

وما تبارك جسداً.. في جلالة الصليب

مجدلية..

تبصمين بروح الإله على صدر القناعة..

بأن الحبَّ رقيمكِ الأوحد

وإن لكِ مسيحا يشبه مسيحي بعلامته الفارقة

لكنّه.. أخ رضاعة عنيد!!

ارفعي يدكِ مدلاّة كالهيكل.. بعينين ثاكلتين تنشدان الرؤيا..

"فأنتِ أوّل شاهدة على قيامتي.. وأوّل زائرة لقبري الحي".)



والقصيدة ُهذه تختَلِفُ عن سابِقَتِها في أنّ فائز الحداد يضَعُ الحَبيبةَ في مَنزِلَةِ مريم المَجدَلِيَّةِ، ويضع الحبيبَ المُحِبَّ مَوضِعَ الَمسِيحِ مِنها، ثمَّ يُمطِرُها بِوابِلِ الوَجدِ بما يضَعُها في مرتَبَةِ وقُدسِيَّةِ القِدِّيساتِ ولا عجب في ذلِكَ وهي مجدَلِيَّتثهُ التي "يتَمَجدَلُُ " بها! وما مِن أحَدٍ يعلَمُ كَيفِيَّةِ "التَمَجدُلِ" هذه إلاّ الشاعرُ الذي يترُكُ للقارئِ حُرِيَّةَ الخَيالِ وفَضاءاتِهِ الواسِعة..



الفعلُ الذي أشَتقَّه فائز الحداد من اسمِ الحَبيبَةِ المَجدَلِيَّةِ يعيدُه وينغِّمُه بأشكالٍ عَديدَةٍ وكأنَّه قد عَشِقَ الاسمَ في شَخصِ الحَبيبَةِ، . فهو يكرِّرُ الاسمَ أو الفِعلَ المُشتَقَّ مِنه عَشرَ مرّاتٍ عدا العنوان:



مجدلية/ وتمجدلت بكِ/ فمجدليني / مجدّلات الحواري/ سأتمجدل في ليلك المبتغى / مجدليتي.. سأمسك بك كرتاج القدس/ رحمااااااااااااااااك يا مجدليتي../ ثم .... جدّلت يومي بغدكِ/



(سأتمجدل في ليلك المبتغى قساً،

لا ينضو ثيابه.. ولا تقدُّ قميصه امرأة من دُبرٍ

لكنـّي.. أخشى عليك سحري في الراهبات..

سيبحثـنَّ عن ظلك طيّ جدائلهن‎ َّ‎

وقد جدّلت يومي بغدكِ..

وما تركت عطري عند راهبة حسناء

ربما ألفيتني كطعم حلاوة العيد

وألفيتُ عرسنا برمض الخريف

وصمتُ.. وأرهقني الإمساك‎..‎

منتظرا كعكة الميلاد على طبق ذهب

فألف يسوع في جيبي ينتظرني مسيحا

وألف مقصلة لكِ في معصيتي

ما حاجتي لكل هذه المنابر الجانية

وسهم طرفك الشازر.. يكفي لأنال جزائي؟؟)



فهوَ يعِدُها ألاّ يقربَ غَيرَها، فكيفَ لهُ ذلكَ وسَهمُ طَرفِها الشازِرِ يَكفِي لينالَ جزاءَه؟ كما يُنبئها أنَّ ما لَحِقَ بِهِ مِن تُهَمٍ قَبلَها كانَ بِجَرِيرَةِ الشِعرِ، وأنَّه بِالشِعرِ أرادَ أن يوهِمَ ويُغيضَ، غيرَ أنَّه برِيءٌ وما ارتَوى إلاّ بِها وَلَها، فأسبابُها استحالَت "وحياً لجَسَدِ ما يَعبُدُ":

كما جاءَ في قولِه:

(أكنت منبوذا، بتهمة الشعر والقوارير..

وبعض غوى الطفولة ونذور الصحراء

فاستحالت أسبابك.. وحيا لجسد ما أعبد؟!)



وما جاءَ فيما بعد بقولِه:

(اعرف أني قد تجنـّيت بريئا، وتبرّأت جانيا‏

وحملت جناية الشعر حجة

لأغيض الماء والجنات..

‏والنساء اللواتي جرين بين كفي‏، كخرز المسابح

وسبّحتُ بهن َّ دون شهادة..

‏فطلقتُ صلاتهن َّ.. بعيون الحدائق العطشة‏

وأرتويتك، وارتويت!!)



ثمَّ يُعلِنُ تَمسِّكَهُ بها (كرتاج القدس)، وهوَ بهذا يُدخِلُ القُدسِيَّةَ والرَمزَ الدينِيَّ الذي يرتَبِطُ مُباشَرَةً بالمَجدَلِيَّةِ ومَسيحِها وعَودَتِهِ المُنتَظَرَةِ عُبوراً مِن (رَتاج القُدس) كما هوَ المُعتَقَدُ في اليهوديَّةِ والمسيحِيَّةِ، ولكنُّه يعودُ لدُنيَوِيَّتِهِ معَ مَجدَلِيَّتِهِ والشِعر:

(مجدليتي.. سأمسك بك كرتاج القدس

لينهال الشعر على خدكِ سلسل شهد..

وتأخذني القبلة للخفايا والمجاهيييييييييييييييييل

سأدوّن عشقكِ بدم الحبر والبياض..

وأفرط خرز مسبحتك على جسدي)



القصيدةُ تتصاعَدُ بإدخالِ الرموزِ القُدسِيَةِ من افتتاحِيَّتها حتى النهاية بدءاً بالشاهِدِ المقدس:



///الشاهد المقدس/ الشفاعة والكتاب/ جلالة الصليب/ روح الإله/ المسيح الذي يجعله أخَ رِضاعةٍ له/الأناجيل/ التعميد/ المعراج/ آدم/ حواء/العبادة/ آيات أسمائك الحسنى/ التطهر/ المحراب/ التيمم/ الصلاة/ الحجة/ التسبيح/ الحلاج/ الطواسين/ النبوات/ التراتيل/ السجود/ الفراديس/ القس/ الراهبات/ يسوع/ المسابح/ الشهادة/ الوضوء/ سر النبوءة/ نبية التعاويذ/// .

هذهِ الرموزُ ترتَبِطُ بالحَبيبَةِ المَجدَلِيَّةِ وتُضفِي هالاتِ قُدسِيَّتِها على طُقوسِ الحُبِّ بينَ الحَبِيبَين:

(لك أن تطهرّي محرابك برماد دمي..

لأكمل طقسك بالتيمُّم

أنا مريدك المتيَّم.. لا أفقه الصلاة بغير حجتك،

ولن أسبّح بعدكِ لطبولٍ لا تقرعها السماء)



حتّى يُعلِن الحَبيبُ بِثِقَةٍ أنَّهُ قد مَلَكَ الوَدَعَ والخَرَزَ والمَساماتِ وسِرَّ النبوءةِ واصطفاها مَجدَلِيَّتَهُ دونَ غَيرِها حَبيبَةً، مُقسِماً " برَبِّ عِشقِها المُبينِ وآلِهِةِ القُبَل":

(قد ملكتُ ودعكِ والخرز والمسامات..

وما تبقّى من سرِّ النبوءة والملاذ

واصطفيتك نبيذاً، كرضاب الكتاب

يا نبيّة التعاويذ المتأخَّرة)

وفي ختام القصيدة:

(وربّ عشقك المبين، وآلهة القبل..

من شفاهك، سبرتُ نسغ الشهد ملحا

وعرفت النحل عمّالكِ في اقتناص الرحيق

فهل تقانصنا في القبلة القاتلة..؟؟؟

رحمااااااااااااااااك يا مجدليتي..

فقد شئتُ الحبَّ.. خلودا)

نَجِدُه في النِهايَةِ يتَساءَلُ عَن القُبلَةِ القاتِلَةِ وهوَ الذي يبتَغِي الخلودَ في الحُبِّ! فكيفَ يَجِدُ التَوافُقَ بينَ القُبلَةِ القاتِلَةِ والخُلود؟ هَل ستذهَبُ المَجدَلِيَّةُ كأوَّلِ زائِرَةٍ لقَبرِهِ وتَشهَدُ قِيامَتَهُ ومِن ثمَّ خُلودَه؟ أليسَ هذا ما جاءَ في أوَّلِ القَصِيدة؟



القصيدة الثالثة: "كأني أقبلك في الصلاة"

أمّا القصيدةُ الثالِثَةُ فقد احترتُ فيها بينَ "آخر المريمات" و "كأني أقبلك في الصلاة". وقد اسَتَقَّر القَرارُ أخيراً على "كأني أقبلك في الصلاة."، ففيها تنتَقِلُ القُدسِيَّةُ إلى شَفَتَي الحَبِيبِة لتتحَوَّلَ إلى قِبلتِه التي يحج ُّإليها بعدَ وَصفِها بأنَّها قِبلةَ النَحلِ لما فيها مِن رَحيقٍ. وفي هذه القصيدة يُدخل الشاعِرُ الحداد، إضافَةً إلى القِبلةِ والحَجيجِ، تعابيرَ لها قُدسِيَّتها وأذكرُ منها الصلاةَ والوضوءَ وماءَ زمزم والعيدينِ والمِحرابَ، ثمَّ إعلانَ الحبيبةَ خاتِمِةِ الآلهةِ؛. وهوَ بكُلِّ الإشاراتِ إلى الرموزِ القُدسِيَّةِ، التي قد توحي بمُسَمَّياتِها الدِينِيَّةِ، يستَعمِلُ المَجازَ فيها لا المبُاشَرةَ التي مِن شَأنِها الإساءِةُ إلى الرُموزِ الدِينِيَّةِ. فرحِيقُ شَفَتيها هوَ " قِبلة" النَحلِ، وهوَ سيِحجُّ إلى شَفَتَيها كالنَحلِ؛ ورغمَ أنَّهُ استَعمَلَ رمزَ العيدَينِ، إلاّ أنّه لم يُسَمِّهِما بمُسَمَّياتٍ دِينِيَّة وإنَّما جَعَلَ كُلَّ شَفَةٍ مِن شَفَتَيها عِيداً مِمّا يُبعِدُ عَنهُ ما قد يؤدِّي مِن بَعِيدً أو قَرِيبً إلى تَوجِيهِ تُهمَةِ الهَرطَقَةِ أو الزندَقَةِ إلى كِتاباتِه. وكَذلكَ في قَولِهِ "لأرتديك خاتمة الآلهة" فالجَمعُ في الآلِهةِ يُبعِدُها عَن مَعنى الإله المُوحَّد فِي الأديانِ السَماوِيَّةِ، والآلِهَةُ في الأديانِ أو المُعتَقَداتِ أو الحَضاراتِ التي سَبَقَت الأديانَ السَماوِيَّة غير مُعتَرَفٍ بِها في أديانِ التَوحِيدِ، إذاً لا ضَيرَ أن تكونَ المَحبوبَةُ خاتِمةً الآلِهَةِ تلكَ أو واحِدَةً مِنها.



وفي الختام:

سوفَ يَتِمُّ نَشرُ التَرجَمَةِ إلى الإنجليزيَّةِ لكُلٍّ مِن القَصائِدِ الثلاثَ تِباعا.



حرير و ذهب (إنعام)

الولايات المتحدة

September 2, 2011



#إنعام_الهاشمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاورة شعرية إرتجالية ( بين إنعام الهاشمي وعبد الوهاب المطلب ...


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إنعام الهاشمي - الُثلاثية المقدّسة لفائز الحداد