|
الواقعية و دراما المشهد في السينما العربية
سمير الازغبي
الحوار المتمدن-العدد: 3476 - 2011 / 9 / 3 - 19:03
المحور:
الادب والفن
الواقعية و دراما المشهد في السينما العربية /د. سميرالزغبي
تاريخيا المدرسة الواقعية الجديدة نشأت من خلال تأثير السينما السوفيتية ، وخاصة "السينما العين " لفارتوف والمدرسة الفرنسية الإنشائية الواقعية لسنوات 1930-1940. هذا التيار السينمائي أصوله تمتد إلى الثلاثينات ، إنطلاقا من إرادة بعض السينمائيين الإيطاليين والذين كان طموحهم إنجاز أفلام بدون مركبات تقنية وبدون سيناريو بحسب الإمكان، لقد إقترحوا حمل الكاميرا في الشوارع . إلا أن جماليات الواقعية الجديدة الإيطالية تختلف عن جماليات المدرسة الواقعية القديمة . يتمحور هذا الاختلاف بالأساس في مستوى مفهوم الواقع ذاته ، و في كيفية معالجته سينمائيا ، فعلى عكس الواقعية السوفيتية القديمة التي تخضع الواقع على وجهة نظر محددة ، و تنظمه وفقا لمونتاج محدد ، فإن الواقعية الجديدة الإيطالية متحررة من كل أساليب المونتاج ، فهي متمسكة بالمحايثة. المدرسة الواقعية الإيطالية الجديدة برزت مع نهاية الحكم الفاشي، حيث تم إنشاء مفهوم "الواقعية الجديدة" مع أمبرتو بربارا Umberto Barbara ، سنة1942 ثم تأسيس المدرسة الثانية مع روسيليني الذي إقترح إستعمال ممثلين غير محترفين وديكور طبيعي. وقد شهدت المدرسة الواقعية الجديدة تيارين داخلها وهما روسيليني ودي سيكا . و يعتبر فيسكونتي وانطونيوني وفيلليني وفرانشيسكو روزي من أقطاب التيار. روسيليني في فيلمه المشهور "روما مدينة مفتوحة" 1945 جسّد دقته وتصوراته الواقعية حيث رفض الأستديو ،الماكياج و الممثلين المحترفين، ويمكن إعتبار فلم " سارق الدراجة " لدي سيكا من أهم أفلام المدرسة الواقعية الجديدة . إن الواقعية سينما للنقد الإجتماعي ووصف للواقع، فالمضمون متماثل مع وقائع الحياة اليومية، إن أهم ما يميز فلسفة هذه المدرسة، هو تمسكها بالحقيقة التي يتضمنها الواقع، وبالتحديد الواقع الإجتماعي والسياسي ، فالجماليات الواقعية هي أقرب للتوثيق وهي سينما الراهنية، فالصور هي بمثابة الوثائق ، حيث تكون البنية السردية للدراما محدودة، وهنالك تغييب كلي لمؤثرات المونتاج.و مثلما الشأن لدى المدرسة الإيطالية والموجة لجديدة الفرنسية ، فان السينما العربية ، شهدت محاولات هامة في اتجاه تكريس توجه واقعي يعالج القضايا الراهنة ، و يتخذ أسلوبا جماليا واقعيا في التصوير السينمائي . هنالك أقطاب تاريخيون ضمن هذا التوجه السينمائي مثل المخرج خيري بشارة الذي قدم أفلاما ذات هم اجتماعي ، و برز ذلك بشكل واضح في أول أفلامه "العوامة 70"، وهو عمل مزيج بين التسجيلية و الواقعية الجديدة التي أعطت للسينما المصرية خلال العشرين سنة الماضية أجمل وأروع أفلامها. المخرج صلاح أبو سيف مما لا شك فيه أن المخرج صلاح أبو سيف يعد من أهم مخرجي السينما المصرية علي مدي تاريخها الطويل .وقد اعتبر أبو سيف دائماً امتداداً لمذهب الواقعية ومن بين كل ما أخرج أبو سيف ، يمكننا أن نعتبر فيلم "الزوجة الثانية" و كذلك " حمام الملاطيلي" ، أهم الإبداعات التي تتجلي ضمنها مفردات واقعية أبو سيف كأوضح ما يكون. هنالك قرابة رهيبة ما بين فيلم "حمام الملاطيلي" -بطولة الممثلة المعتزلة منذ زمن شمس البارودي و محمد العربي.و الذي جسّد نمطية خاصة في السينما المصرية من حيث التقنيات المستعملة - و فيلم "حلفاوين" . الأول يجسّد مشهدا دراميا داخل حمام للرجال ، بينما دراما المشهد لدى فريد بوغدير تجسد في حمام للنساء،هنالك قرابة جمالية ما بين واقعية صلاح أبو سيف وواقعية السينما التونسية، و التي انكشفت في أكثر من مشهد يعانق الواقع في عمق تجلياته سواء في فيلم "حلفاوين" أو في فيلم" عرس الذيب" للمخرج جيلاني السعدي. فيلم حمام الملاطيلى هو فيلم قديم ، و لكنه يجسد تمشيا غير المسلك الذي اتخذته السينما المصرية عموما، فهو يتميز بنوعية هي في الواقع خاصية تتميز بها أدبيات الإخراج لدى صلاح أبو سيف، حيث تحفل الدراما بمشهد لواقع هو الأقرب للتجربة الجمالية في السينما ، حيث احتفلت الدراما بالجسد كأحسن ما يكون ، و تخلصت من تقنيات الضوء و السرد و انفتحت على الواقع في بعده الإنفعالي و السيكولوجي .هذا الفيلم يستعيد ذاكرة الأدب المشحون بواقعية درامية كما تصورها أعظم الأدباء العرب كإحسان عبد القدوس و نجيب محفوظ.إن انتماء صلاح أبو سيف إلى هذه المدرسة هو الذي ميز أعماله السينمائية و مكنه من الرد على الانتقادات ذات التوجه الأخلاقي، و التي لا علاقة لها بأسس جماليات السينما ."حمام الملاطيلى" هو فيلم متحرر من الكرونولوجيا ، يتغلب فيه الظلام على النهار، وتتداخل فيه صورة المحظور و المشروع ، حركات الجسد تغلبت على ثرثرة الكلام ، سكون الليل كان هو الأكثر ترشحا لاحتواء سيناريو الدراما. تبدو أفلام مثل" حلفاوين" و" عرس الذيب" لكأنها استعادة " لحمام الملاطيلى" و لكن في شكل جديد ،أو هي بمثابة استئناف للتوجه الواقعي من حيث المصالحة مع الرغبة و الإنفعال ، و انكشاف "مستطاع الجسد" ، و تبرئة المحظور و إظهار "المسكوت عنه" . فيلم "عرس الذيب" يؤسس لمشهد ظلامه أكثر من نهاره ، أحداثه في الليل . قد تبدو جماليات الظلام لكأنها الأجدر سينمائيا في التعبير عن الدراما الواقعية. ان التوجه الواقعي في السينما العربية رغم قيمة العديد من الإبداعات في هذا الاتجاه إلا أنه يظل في حاجة ألى تجذير أكثر ، لمواجهة كل محاولات تهميشية ، لا تنبع من رؤية واضحة ودقيقة لجماليات السينما .
#سمير_الازغبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|