جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3476 - 2011 / 9 / 3 - 19:03
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
عزيزي القارئ:
أحيانا تستمع لألف كلمة وتمر من بين مليون كلمة مر الكرام , وأحيانا تستمع لكلمات دون أن تركز عليهن وأحيانا كلمة واحدة تتوقف عندها لتفهم معناها وتبذل جهدا كبيرا للتعرف على إيحائها أو بما تحويه...وفي أي لغة من لغات العالم المتخلفة نجد كلمات تطرد الأرواح الشريرة من البيت ومن الجسم بأكمله, وكذلك نجد كلماتٍ تجلب الأرواح الطاهرة, ونجد كلمات تسيطر على العقل وعلى المجتمع بأكمله وهذا يتوقف كله على مدى ما تسمح به ثقافتنا واستعدادنا لفهم الكلمة وإيحاءاتها...وسنلاحظ بعد أقل من عشرة أسطر بأن كلمة نجاسة منتشرة في مجتمعنا وفي الجامعات العلمية أو التي من المفترض بها أن تكون علمية غير أنها متخلفة تصنع التخلف داخل قاعات الدرس وأروقتها وساحاتها أو حرمها الجامعي وأي كلمة نسمعها ندركها ونفهمها من خلال ما توحيه لنا من معنى أو من معاني , وكثير من الكلمات تتغير دلالاتها وإيحاءاتها التعبيرية من عصرٍ إلى عصر ومن منطقة إلى منطقة أو من فئة اجتماعية إلى فئة اجتماعية أخرى, فلو قلنا(المحافظة على التراث) أو كلمة التراث فإن معناها عندي شيء للزينة أو قصة أو أداة زراعية مثلا كان يستعملها أسلافنا, ولكن عند شخص آخر يكون للكلمة معاني أخرى وهي المحافظة على العادات والتقاليد ورفض العصرنة بكل أطيافها و..و...و....إلخ ونستعمل الكلمة أحيانا لنستدل منها على عاداتنا وتقاليدنا الحالية وتكون للكلمة معنى مرادف للعادات والتقاليد فإذا ذهبت عاداتنا وتقاليدنا فورا يذهب عن الكلمة تأثيرها فينا وإيحاءها, فأنا بالنسبة لي كلمة(إسلام) لا تعني ما تعنيه عند أغلبية الناس, فأنا أمر على الكلمة ويكون عندي مليون استعداد للتخلي عن العقيدة في الوقت الذي يهب به مليون شخص آخر لقتلي أو جرحي للدفاع عن العقيدة, وكلمة(نَجس) أو(نِجس) تدل على اليهودي وعلى الملحد وهي تثير الاشمئزاز عندي وتثير الحمية عند مليون شخص آخرين مختلفين عني في طبيعة استعدادهم لتفهم الكلمة, بينما في المجتمعات المتحضرة من المستحيل أن توحي كلمة(نجس) لليهودي ولا للمسلم ولا لأي شيء آخر وتكاد أن لا تسمعها بين الناس إلا ما ندر وهذا بخلافنا نحن الذين نسمعها 100مرة باليوم الواحد سواء في التلفزيون أو المسجد أو في الشارع أو في المقاهي والحارات(الحواري)... ولو قلنا كلمة(دم) عند المجتمعات المتخلفة يكون معناها الثأر والانتقام والعرض والشرف وارتباطها بالمرأة, ولكن لو قلناها مثلا في مجتمع مدني لا يمكن أن يأخذوا معناها بمعنى الدفاع عن الشرف والثأر فلن يعرفوا عنها بأكثر من (أ+) أو(ب-) , ولو قلنا كلمة سكرتير فمعناها بالغرب وزير ولكن إيحاء الكلمة عند الشعوب الديمقراطية يختلف عن إيحاءها عند الشعوب الواقعة تحت نار الاستبداد فعندنا معناها (وزير-سكرتير) والوزير تعني التكبر والتضخم والغرور بينما في أوروبا معناها التواضع وخدمة الجمهور, ولو قلنا كلمة مصنع ومصانع فلن يكون إيحاؤها عندي نفس إيحاءها عندك أنت أو عند ملة أو شريحة مجتمعية تؤمن بأحقية المرأة في العمل, فمعنى كلمة مصنع عند الأوروبيين مختلفة الإيحاء عند العرب الذين لا يعرفون لا حقوق الإنسان ولا حقوق المرأة.
إن إيحاء الكلمة وتطور الإيحاء مختلف من شعب إلى شعب آخر ومن شخص إلى شخص,ويقال بأن لغتنا العربية أصلها ثلاثي الأحرف, ولكن إذا دققنا فيها النظر نكتشف بأنها ثنائية والكلمة متكونة من حرفين والحرف الزائد إما أن يكون زائدا أي حشوا ليس له معنى أو للدلالة على إيحاء جديد للكلمة ونستطيع القول بأنه مع طول المدة وتغير المهن وطرائق العيش ينبت للحرفين حرف ثالث ومعنى ثالث أو معنى رابع يدل على إيحاءات جديدة وبالمثال على ذلك كلمة(نبأ) فالأصل فيها (نب) ثم ظهر على آخر الكلمة حرف (الحاء) فمثلا هذا الحرف أعطى الكلمة إيحاء جديد ومعنى مطابق ومشتق من المعنى الأصلي لكلمة(نب) فنقول الآن(نَبَحَ) أي أطلق صوته وقال شيئا أو حذر الكلب النابح من شيء مهم كما يتنبأ المُتنبئ...وكذلك حرف الألف إذا أضفناه إلى(نب) فيصبح(نبا) أو (نبأ) ثم تغير الحرف بحرف آخر مثل(نبش) فنبش تدل على نفس مدلول وإيحاء كلمة(نبح+نبأ), وأعيد وأكرر حتى لا يحدث أي لبس فيما أقوله فكلمة نبش نفس معنى(نَفَشَ+نبح+نبأ) أو توحي بنفس معنى كلمة نب أو (نبأ) وإذا وضعنا حرفا آخر إلى الكلمة تصبح الكلمة هكذا(نبح) أو (نبز,نَبغَ,نبعَ,نبَسَ,نَفَطَ,نفر..إلخ), وكلمة متنبي تدل في العصور الوسطى على التكهن والتخمين ولكن نفس الكلمة تدل على توقعات مؤكدة من دائرة الأرصاد الجوية التي تخبرنا بأن منخفضا جويا قادما,وكل تلك الكلمات تدل على نفس معنى نب أو نبا أو نبأ,نَتَحَ, فالأصل بأن لغتنا العربية ثنائية وقص على ذلك في كل الكلمات مثل كلمة(جبل) فكلمة جبل تدل على شيء ظاهر وكبير حتى أن بعض العرب قالوا عن الرجل بأنه (جبل) وبالأمثال الشعبية(جبل على جبل ما بلتقي بس بني آدم على بني آدم بلتقوا) وهنا المدلول واضح وهو أن الرجل ظهر للعيان كما يظهر الجبل وبالتالي الكلمة لم يتغير معناها بقدر تغير إيحائها ولو أخذنا كلمة جبل وحذفنا حرف اللام ووضعنا مكانه حرفا آخر لنقرأ الكلمة هكذا(جبل,جبع,) فأغلب الأحرف الزائدة تدل على نفس المعنى كما في كلمة(نبا) أي أن الأصل حرفيين صوتيين أضيف إليهما حرفا ثالثا للدلالة على معاني جديدة وهكذا تكسب اللغة نفسها, وهكذا تختلف المعاني من حارة إلى حارة ومن مجتمع إلى مجتمع آخر.
وكذلك لو نظرنا إلى كلمة(إحصاء) نكتشف أنها من عد الحصى حيث كان الإنسان الأول جاهلا بالأرقام فكان إذا عد خرافا أو محصولا يضع في جيبه عدة حجارة صغيرة من الحَصى,فإذا نقص واحدا أخرج حصوة وإذا زاد واحدا أدخل إلى جيبه حصوة أخرى ومن هنا جاء لفظ الإحصاء من كلمة حصى, ولو قلنا مثلا (حصى,حصا,حصد) نجد أن معنى حصد قريبا من معنى الإحصاء أي أنه أزال شيئا أو أضاف شيئا جديدا وكذلك (حسم,حَمَطَ) أي ضرب الشيء وأسقط منه شيئا أو بما معنى حمط الشجرة وأسقط منها ثمرا, وكل الكلمات هكذا تكون أصلا متكونة من حرفين اثنين فقط لا غير ويأت الحرف الثالث زائدا ليدلنا على معنى جديد أو على شيء صوتي جديد.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟