|
إسفلت وقصائد أخرى للشاعر السويدي آرتور لوندكفيست
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 1035 - 2004 / 12 / 2 - 08:08
المحور:
الادب والفن
إسفلت وقصائد أخرى للشاعر السويدي آرتور لوندكفيست (1906_ 1991) ترجمة: حميد كشكولي
إسفلت
حارّا ً ، ببشرة ٍ تتجشّأ الدخان، مُدِّدتُ على شوارع عارية في مدن العالم: إسفلت. لا تستخفّوا بي. أنا عبد أسود، طويل الأناة و خدوم.
المطر الأكثر حرارة ووحشية لا يغسلني ناصع البياض- لكن هل رأيتم جَمالي في المطر ليلا، ضوء ينعكس من مرآة ، شوق يسطع ( مثل زنجية في سباحة ليلية بجنب نور ِ فنار)-
الأضواء الخلفية الحمراء للمركبات تشع أردّ النور مثل أسراب طيور النار- فهل شاهدتموها في " كونجسجاتان" و " بلاص دي لا ريبوبليك" ؟
في أيام قيظ الصيف تتصبب بشرتي السوداء ريحتها الزنجية في مدن العالم. تلك السيدة الشابة في البارسول الأحمر لي معها سرّ.
سعادتي تكمن في ظلال جميلة تراقص بقع الشمس و تنّورات تروّح وجنتي الحامية.
ليلا، تحت تلك الغيوم الحارة، أشتعل في حمّى و مشاعل الشارع تومض بأخضر- أحمر لحظاتِها المضبوطة. لا يأتي الموت معتمرا قلنسوة خاكية ، بمِحَش و ساعات رملية- بريق معدن ، صخب وصليل ، شظايا زجاجية لامعة و دم يسيل على أجساد بشرية و وقطع حديد مغشية بالنيكل، بينما فنارات الشارع ، تمض وتمض أخضر – أحمر أخضر- أحمر- أعرف الموت السريع و العشق التعبان، أعلم الأفكار المتشردة، و أسمع ما يهمس به الشرائح العمالية في صباحات أيام العمل الزرقاء-
لا تستخفوا بي. أنا بشرة الشارع السوداء تحت دواليب سياراتكم، تحت أحذيتكم الجلدية الصقيلة. أنا الصبور، منتظر الظلمة تحت نهاراتكم الزاهية ذات الرنين-
حضن أرتاحُ في حضنك و أسمعُ قلبك يخفق ، إنّه سماع القلب ينبض في صدر الحياة؛ شَعرك غابة ربيعية أحلمُ فيها ، غابة سمراء، عبقة بالتراب و الورد و زخّات المطر: اسمعُ أزيز أشجار كبيرة، و حشائش عالية و ماء واسعا وسع العالم. إنّك ثملة من سكرة الشباب ، يفيض عليك العشق؛ تتأرجحين حواليّ كغصن كرمة، ثغرك مثل عنقود عنب ناضج دامي؛ تنسين الدنيا كلها و لست سوى إيقاع واحد، دمك يفور كبحر و الأنهار تفيض و تغنّين بفرح و شجو وكأن الصرار يغني في هذا العشب المستدفئ بحرارة الشمس العبقة بعطر الصيف.
قرى في البذور قرى مدفونة في البذور- بذور ارتفعت بشدة من الأرض السوداء. رجال ونساء مدفونون في البذور، ضاعوا في البذور. طوال اليوم أزيز البذور ، تلاطم الرياح الأبدي تحت شراع السماوات المضيء. طوال الليل فواح البذور، و أحلام بالخبز و نثر البذور في الأعماق النسائية-
قرى في بذور ترفرف حيث تشرب أذن الخشخاش الأحمر هذا الأزيز!
الصقيع
مثل شلالات فضية انفجرت من الأرض تقف الأشجار في الصقيع. خطوط الهاتف تمتد كحبل متهرئ . كل شئ متجمد و زائل، و كل شئ زمهرير ناصع ذو رنين. فأس أحد الخشّابين يعطي رنينا فضيّا يدويّ مثل أرغن قديم.
في الليل أحبّ امرأة لا يمكنني قط أن أراها في النهار. في عيونها النار، و في شعرها عواصف. ثوبها الرقيق مرصّع بالورد البري. تطوّق واديها بسبع تلال . تبتسم دوما لمرآة لا يراها غيرها. إنّها كالنرد بوسعها بيان عين واحدة أو ست عيون. إنّها حفرة حصى متزلجة في قمتها باقة خشخاش . إنّها " ليداLeda" تخوض في المستنقع باحثة عن بجعها. لها مصطبة في مواجهة البحر حيث أراها في ليالي عديدة في ثوب فسفوري متألق بينما الأشرعة الغارقة تتنفس في الأعماق. تقول: نادِني " الليل" ، فتلقى جذر الخير الذي يسمى في النهار الشرّ. إنّها تخوض بعيدا حيث المدّ لا يتوقف قط؟ إنها هي التي أحبّها في الليل لكن لا ألقاها قط في النهار. ********* ********* ******************
لا تأتِ بمزامير أو نساء حين يكون رجل ما مصابا بالغثيان! إنه يعاني من الجفاف ، و منابع الجسد مدفونة في الرمال ، العواصف وحدها قادرة على إنقاذها. وإنّ طير يطير في الفضاء التي أمامه يجعله يرمي ما بيديه. أيّ قلق عميق و غريب مثل روحه ، يعذّب الواقع حواليه . إنه يكره نفسه و الجميع، بشرا وحيوانات، و ليس عنده ما يقاسمه مع الأشياء. الرمال تلمع خلال العشب الذابل، الأنهار هجرت نفسها و إنّ الماء غدا أكثر صفرة من البول. ******* ******** ***********
دعنا نسحب رؤى ؛ لكن ليس للكثيرين ولنرحب بكل العراقيل. قوانا تكاد تحطّمنا؛ لكن أليس العالم إناء لقوتنا؟ نعلّق أحشاء حيوان على هذه الشجرة الوحيدة؛ و لتأت الطيور من كل الجهات. هذه الأحراش المزهرة جمال الأرض الوحيد في هذا الوقت من السنة؛ دعنا نزيّن جيادنا بأغصانها الصفراء و لنركب و كأننا في فواح الأسواق. ما الذي لا ينتظرنا بين البحر والصحراء لعل تلك المرتفعات توشّح أشياء لم تشاهدها عيوننا من قبل. من القمم يرى المرء من بعيد، و العين ترفع شعلتها إلى الأعلى ، الشمس تجدف كنسر فوق العالم ، و الريح تهب خلال الروح ، و الهواجس تموج كالعشب.
******** ******* ************** بعد الوحدة ، و السكون و الظمأ تستقبلنا الحياة الجديدة في الوديان الغنية بالمياه. نضحك بصوت واطئ حين تذبح الحيوانات على الأرض ، وتنزّ الدماء الحمراء بين أصابع أقدامنا. جسد امرأة مضئ ينهبنا الأنفاس أشدّ من العاصفة. و كأنّ المرء يحمل فيه مدينة كاملة ، وسوقا يفتتح مبكّرا في الصباح قبل أن تبدأ الأسعار في السقوط في قيظ الشمس. أيّ جمال هذا في علبة ، مقتطف مثل أجمل ورقة تتطاير في السماء! كيف يمسك هذا الصقر المهندم ذراعيه بمخالبه الذهبية! والمهرة ترتجف حين نتفقدها ، ونقرر إخراجها لممارسة الجماع. ينثر الماءُ من الأصص صفاءه ، و أن الأدخنة الخضراء كالفواكه فيها قيمة غذائية.
*** ************ ************* تنزل الجِمال من الجبل محمّلة بالصوف و خشب الأرز و أغصان يابسة تشبه السرخس. تتمرأى أسوار المدينة في السماء حول البرج في برك الماء الحمراء؛ عوائل ترتاح في ظلال النخل ، وتجمع فضلات جِمالها في سلال. الشحاذ الضرير جالس يضع أصابعه في حدقتي عينيه ، وبأعلى صوته ينادي: بوركَ الضياء! إحدى الصبايا في عنقها طوق مصنوع من جلد الثعابين ترقص حافية على شظايا الزجاج، و صبية أحرى تصفّر بكلمات شبقة مخفية في إحدى الجرّات. الخبّاز يخلط ورودا طازجة بالعجين؛ و زوجة الصباغ ، هذه الفطيرة، تغطس شعرها في القِدر .
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخليج، عربيّ أم فارسيّ؟..فتلك مشكلة القوميين العرب و الفرس
...
-
في الإنتخابات العراقية: ألا مِن ُممثّل يمثلّني؟
-
المدينة الصناعية وقصائد أخرى
-
دماء شيوعية
-
أرملة قائد الثورة ستقاتل في سبيل الثروة
-
بمناسبة ثورة أكتوبر العظمى
-
الليل في ثياب رومانية
-
ابن لادن باحثا عن أسياد جدد
-
اللبراليون الجدد والقدماء- لو خلتْ منهم لانقلبتْ
-
تشومسكي - المهاجم الذي لا يحسن الدفاع
-
المستفيدون من عدم قبول تركيا في الإتحاد الأوروبي
-
شتّان بين التعاليم الدينية و سلوكيات شعب العراق السمحاء
-
لماذا تراجعت الثقافة التقدمية و التحررية في العراق؟
-
شفاه الموت
-
بين المادة التاسعة من القانون الأساسي في العهد الملكي و الما
...
-
الأديب السويدي المنتحر ستيغ داغرمان و حفرياته في النفس الإنس
...
-
الحياة مثل العشب
-
صلاح الدين و صدام
-
أحلام خضراء تخضب خطواتي
-
الشرق و الغرب التقيا في اسطنبول قلبيا
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|