|
صديقتنا أمريكا
علي بداي
الحوار المتمدن-العدد: 3475 - 2011 / 9 / 2 - 17:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
علي بداي حين أرادت أمريكا غزو العراق ، كنت أنا ضمن الآف من المتظاهرين ضدها وكانت حجتي أن أمريكا لو أرادت حقاً إنقاذ العراق لفعلت ذلك قبل أو في أعقاب هزيمة النظام نتيجة غزوه الكويت . وكان أحد معارفي يُرهبني بتهديد مخيف: "سترى كيف تحّول أمريكا العراق الى جنة للديموقراطية في الشرق.. ساعتها عليك أن تلق بأفكارك اليسارية الى سلة المهملات وتتخلى الى غير رجعة عن تراثك المتراكم غير المبرر من الحقد على النظام الأمريكي !" دخلتُ بعد تهديد صاحبي مرحلة من الشك والخشية: تخيلت كيف ستأتينا أمريكا بجحافل مهندسيها ومراكز بحوثها لتجعل من مطاراتنا الأجمل في العالم ومدننا الأكثر نظافة وتنسيقاً من مدن أوربا ، تخيلت كيف سترشدنا صديقتنا أمريكا الى ماغفلنا عنه طيلة مئة عام فتقول لنا بلسان الصديق الناصح : الآن سنشيد أكبر مصانع البتروكيماويات في الأرض وسيكون العراق أول صانع لمئات المنتجات التي يستوردها الآن. الآن سنعيد بناء ماتخرّب ونشغّل ملايين العاطلين، نعلم شبابكم النانوتكنولوجي ونشرككم حتى ببرامج ناسا الفضائية. سنعيد هيكلة نظامكم التعليمي ، وقد جنح بي الخيال بعيداً فخشيت على تراثي المعادي للنظام الأمريكي من السقوط المخزي حين سيرى الجميع كيف أن أفضل جامعات العراق قد إنتقلت من موقعها الحالي المخزي (6097) عالمياً و (77) عربياً الى مكان ما ضمن أول (500) جامعة عالمية بفضل أمريكا. حاولت تخيّل إرتفاع ناطحات السحاب التي ستشيدها أمريكا لنا بفلوسنا في المشخاب والباب الشرقي والمعقل وبابل والدغارة والميمونة وكركوك ، ورسمت في ذهني صورة المساحات الخضراء اللامتناهية التي خلقتها صديقتنا أمريكا بعد أن إستصلحت لنا صحراء الرمادي ورأيتها والخجل يكتسحني تكرر لنا تجربة كاليفورنيا في إستغلال الطاقة الشمسية. كم حاولت أن أقنع نفسي بإمكانية تكرار أمريكا دورها في اليابان معنا نحن العراقيين ؟ كم جربت مع نفسي أن أحترم أمريكا؟ كم حاولت أن أضع تأريخي اليساري تحت عدسات مكبّرة لكي تكشف لي تفاصيل الأخطاء التي كنت أرتكبها طوال حياتي حين كنت أشترك بالمظاهرات المندّدة بأمريكا و حين كنت أحاول إقناع معارفي وأصدقائي بأن أمريكا وإسرائيل هما مخلوقان متماثلان تماماً وأعرّف أمريكا كما إسرائيل بأنهما مبنيان على عظام وجماجم من سبقوهما من البشر، إسرائيل مشيدة على أرض من جماجم الفلسطينيين وأمريكا على جثث ملايين الهنود الحمر وأن الفصل بينهما مستحيل؟ . كم توقعت من أمريكا أن تصرخ بإيران: هَي إيران ما الذي تفعليه بأعزائي العراقيين؟ أراك تحوّلين مياه البزل المالحة نحوهم..؟ أمامك يوم واحد لكي تتوقفي عن ذلك والا ستعرفين ماذا تعني حماية أمريكا للعراق! آنذاك سيتحتم عليّ أن أقرّع نفسي: تأمّل لو لم تكن أمريكا موجودة.. ستغرقنا إيران بالملح! بل أنني تحامقت على نفسي مرة وتصورت أمريكا تحاسب أية قذيفة أجنبية تسقط على أي شبر من العراق بإعتبارها سقطت على أراضيها فتتبع مسارها وتلقن قاذفيها درساً لن ينسى، لا أن تبارك القصف التركي وتعتبره دفاعاً عن النفس. كم تمنيت أن تبين أمريكا حماقة فكرتي التي صرحت بها ذات مرة حين قلت أن الكويت لن تجرؤ على طرح فكرة " ميناء مبارك" الا بعد إذن أمريكا ، وكم وددت أن تقوّم أمريكا من حدة سخطي عليها وهي ترى كيف أن تركيا زميلتها الأطلسية ومستعمر العراق الإقتصادي الحالي تحبس أكبر قدر من مياه دجلة لتحول النهر العظيم الى نهير ضحل والأراضي التي أنبتت الحضارات والعلم الى منبت للسبخ والجهل والخرافة. كل ذلك كان يتم ومازال يتم ويبدو أنة سيستمر تحت سمع وبصر صديقتنا أمريكا. كم أردت لأمريكا أن تبدو في عينيّ حسنة الأخلاق ، كم أردت أن أتناسى مخازي رؤساء أمريكا من كنيدي وعائلته الفاسقة وقصصهم مع المسكينة "مارلين مونرو" الى فضائح كلينتون مع "مونيكا" وزوجته مع آخرين وأقنع نفسي بأن كل الملوك والرؤساء مستعدين بالفطرة للسقوط في مستنقع الفساد المالي والأخلاقي بإعتبارة ممراً إجبارياً لابد أن يخوض به كل الساعين الى السلطة. شيد الأمريكيون في المنطقة الخضراء ببغداد أكبر وأضخم وأقوى سفارة في تاريخ البشرية. مساحتها (104) هكتارات وتعد أكبر بستة إضعاف من مجمع الأمم المتحدة في نيويورك، وبعشرة أضعاف من سفارة أميركا في بكين. كلفتها حوالي مليار دولار وتكلفة إدارتها السنوية مليار دولار. فيها (20) مبنى و (1000) موظف، و تعتبر مدينة مستقلة حيث تضم السكن والاسواق وكل وسائل الترفيه ومولدات الطاقة والتنقية والتصفية، حتى يمكنها العيش مستقلة تماماً لعدة اعوام! ماالفائدة من وجود أمريكا إذن؟ وبأي منطق يسميها قادة الوضع الحالي بالصديقة؟ أي صديق تكنولوجي عظيم جبار هذا الذي لايمد العون لصديقه لكي تتوفر الكهرباء في المستشفيات بعد ثمانية سنين من إعلان صداقته؟ أي صديق هذا الذي لايسلّح صديقه طيلة ثماني سنين، ثم يعيّره في النهاية بأنه ضعيف لايستطيع الدفاع عن نفسه؟ ما الداعي لكي نعط لأمريكا الحق في إستعمار (104) هكتار في قلب عاصمتنا ؟ وما هو مبرر وجود (1000) موظف أمريكي في سفارتها في العراق ؟ أي صديق هذا الذي بدلاً من توظيف خبراته في مكافحة التلوث ترى الآلاف من دباباته تحرك علينا الآف الأطنان من التراب الذي كان نائماً في صحارينا لتحول أيامنا الى كوابيس من تراب؟ سيدتي أمريكا ، لقد حاولت أن أرغم نفسي على إحترامك فلم تمدي لي يد العون ، لقد أمهلتك ثماني سنين كاملة كانت كافية لأن يتحول الملايين من معاديك التقليديين الى معجبين بك أو على الأقل الى مهزومين يتجنبون مسك بسوء ..لكنك خليط من الغرور والصلف والوقاحة والإستهتار . لقد جربتُ أن أتغاضى مؤقتاً عن فضائعك في ضرب الجيش العراقي المنسحب عام 1991 ، ولعبتك القذرة التي نفذتيها طوال 40 سنة مع صدام حسين ومكاييلك العجيبة التي تقيسين بها الإرهاب ،حاولت أن أنسى مافعله وحوشك في فيتنام، وذبحك سلفادور الليندي المنتخب ديموقراطياً ، قلت لنفسي ياأمريكا : قد يكون مافعلتي أحدى نتائج الحرب الباردة ، لكن الحرب الباردة إنتهت ، ودارت الكرة الأرضية كلها في فلكك فلم يعد يهددك أحد، حتى بن لادن الذي صنعتيه مات ياأمريكا ولم يتبق لك علينا حجة . أنا والملايين التي معي يا امريكا، لايمكن أن نحبك من طرف واحد، لسنا مسؤولين عمن أتى بك الينا ولايملك أحد في الأرض صلاحية بيعك (104) هكتار من أراضينا. لن نسمح لك في البقاء أكثر وإن كنا نعرف أن وحوش الأرض ستنقض علينا حين تخرجين لكنهم قد شبعوا من لحمنا بوجودك ، فما الفرق ؟ ولا ، لن نسمح أن يتجول في بغدادنا 1000 جاسوس من "دبلوماسييك" المشهود لهم بالتحكم بحكومات الدول من مكاتبهم في السفارة، سفارتك .. الأضخم في العالم دون أي مبرر! فخذي بنيك وإرحلي.
#علي_بداي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سياسة اللجوء الأوربية.. أسئلة حائرة
-
أخلاق اليساريين - بمناسبة محاولات بعث الروح في الصدام اليسا
...
-
مأزق الديموقراطية العراقية و الثورات العربية
-
هل جن دولته؟
-
وا طنطلاه
-
أصدقائي التوانسة ..إحذروا من أسوا العابدين بن....
-
ثلاثة أوهام لتبرير إستعباد الناس بإسم الدين
-
2011 عام العالم العراقي -عبد الجبار عبد الله- بمناسبة ذكراه
...
-
البحث عن أخبث رجل في العالم
-
رد السيد علي الدباغ على مقالة علي بداي
-
حقيقة تزوير المالكي لشهادة وزير التربية
-
لو اسس عراقيو الخارج حزبهم الخاص
-
الانتخابات عيد العراقيين الوحيد
-
هل تسعى جهة ما لتدمير العراق سرا بالسلاح الايكولوجي؟
-
الجعفري يبدا حملته الاتخابية بمعلقة عنصرية
-
اممية المشرفين على -الحوار المتمدن - في زمن الطوائف
-
-أيام بغداد- اجعلوني وزيرا بلا راتب ولاحماية!
-
عبد الكريم اسكن الفقراء وبقي هو بلا بيت
-
1000 دولار مساهمتي لتاسيس فضائية اليسار العراقي
-
عمائم.... وعشائر.... وشعر شعبي
المزيد.....
-
تونس: هجوم بسكين على عنصر أمن نفذه شقيق مشتبه به في قضايا إر
...
-
مقتل عنصري أمن في اشتباكات بحمص بين إدارة العمليات العسكرية
...
-
نتنياهو يضع عقبة جديدة أمام التوصل لصفقة تبادل للأسرى
-
زلزال عنيف يضرب جزيرة هونشو اليابانية
-
موزمبيق.. هروب آلاف السجناء وسط أعمال عنف
-
الحوثيون يصدرون بيانا عن الغارات الإسرائيلية: -لن تمر دون عق
...
-
البيت الأبيض يتألق باحتفالات عيد الميلاد لعام 2024
-
مصرع 6 أشخاص من عائلة مصرية في حريق شب بمنزلهم في الجيزة
-
المغرب.. إتلاف أكثر من 4 أطنان من المخدرات بمدينة سطات (صور)
...
-
ماسك يقرع مجددا جرس الإنذار عن احتمال إفلاس الولايات المتحدة
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|