|
ولكن غدا لم يأت
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3474 - 2011 / 9 / 1 - 17:32
المحور:
الادب والفن
ولكن غدا لم يأت قصة قصيرة من مجموعة:" الريح تقرع الباب" الصادرة عام 1976 بدمشق ، القصة السابعة ساهرة بانتظاره ، نهضت ، تمشت ، اقتربت من النافذة: لاشيء سوى السواد ، وصوت الريح اللاهثة . ارتدّت إلى الوراء . تحولت ابتسامتها إلى نقش شاحب . تنهّدت بحسرة . تحركت شفتاها بعصبية : " كذاب" . شيء ما يتحرك خارج الحجرة المحاصرة . أصاخت وبكل حواسها بحثا عن خبر: صفير ذو إيقاع خاص ومألوف .. إنه كلمة السر .. كلمة المفتاح المتعارف عليها بينها وبينه ، هتفت بصوت مسموع: " إنه هو .. هو بذاته " . أسرعت نحو الباب ، فتحته بلهفة ، لكنها سرعان مابدت الصدمة على وجهها الكئيب . فوجئت بأمها أمام الباب ، ارتبكت ، خافت ، بينما كانت الأم تدخل وتجول عيناها في أنحاء الحجرة بحثا عنه ، سألت أمها: " عمّ تبحثين؟ ، حدجتها الأم بنظرة شك شرسة وغاضبة ، سألتها: - أينه؟ - من؟ - من؟ الذي كنت تتحدثين معه ! سمعتكما ، لاتحاولي الإنكار - أمي ! لايوجد أحد هنا ، كنت أحلم بصوت مرتفع وحسب - كاذبة ، أين تخبئينه؟ - فتشي الحجرة راحت الأم تفتش عنه ، فيما ظلت ابنتها صامتة ، تتأمل شكوك أمها . ************************************* لاذت بفراشها . غابت عيناها في خضم أسود وأبيض ، تبحثان عن الألوان الأخرى .. عن شاطئ أخضر يعانق الماء الأزرق .. عن صيف دافئ جميل .. وليل آسرهادئ .. يلعب في سمائه قمر فضي ساهر . قامت بهدوء . مضت باتجاه الباب على رؤوس أصابع قدميها ، والغرفة مظلمة . فتحت الباب بحذر ، اتجهت إلى حجرة أمها . نظرت من ثقب الباب المخصص للمفتاح ، وجدتها نائمة ، اطمأنت ، تسللت خارجة من المنزل ... سارت ، وصلت إلى ناصية الشارع المسور بالأشجار العارية ، لاشيء سوى الليل وصوت الريح والسماء المزدحمة بالنجوم والأحلام المتعثرة ، أكثرت من الالتفات إلى كل الأنحاء بحثا عنه ، قلبها يلهث ، عيناها متوثبتان : " لاأثر له" . انتظرت ، اجترت أفكارها ، وتحول عقلها إلى فراشة هائمة في بحر الليل وجلبة الريح ومتاهة السماء: " وقحة ! كذابة! قمر .. أحلام مهربة .. وعود فارغة .. أحقا ستزهر الأشجار وتنبت أوراقها؟ وتكتظ بالخضرة؟ ويأتي القمر الهيمان على جواد أدهم ؟ آه .. كم تأخرت ياحبيبي ؟! " عبثت الريح بشعرها ، واعتصرت جسدها بشهية ، تأوهت ، استسلمت لأحاسيس افتقدتها . أيقظتها حركة مفاجئة ، ثم تناهى لسمعها صوت صفير موقع ومعروف : " إنه هو ..هو بذاته " جالت بناظريها سدى ، يأست ، أحست بأشياء غامضة تتحرك في جسدها ، استسلمت لنشوة عارمة ، لولا أنها فوجئت به قبالتها ، اندفعت إليه ، انهارت بين ذراعيه كطفل بفرح ، غاب كل شيء إلا هو . مضيا معا باتجاه ما ، تجمع الزمن على نفسه ، وتقلص متحولا إلى ذرة تكاد لاترى ، وجدا نفسيهما على شاطئ رمليّ ، اختلطت أنفاسهما بأنفاس البحر ، وصوتهما بأغاني وحكايات الأمواج ، باحا بكل مايسرانه ويخبئانه في قلبيهما من حكايا وقصص وأحلام متوثبة ، وسافرا معا .. أبحرا في خضم ممتع . رسما على صفحة الرمال قلبا يخترقه سهم " كيوبيد" ، فيما كان القمر يعانق زنجيته المفضلة ، وينثر قصائده السحرية نجوما لامعة في كل الأرجاء . صار الصمت حديثا مشوقا بينهما .. استيقظا .. نهضا ، علق وهو يشير إلى القلب الذي رسماه على صفحة الرمل والذي يخترقه سهم " كيوبيد" : " هنا لقاؤنا غدا " . تنامى الهديل في قلبها وهو يودعها ، كان مشوبا بأحاسيس مريبة ، قال وهو يبتعد عنها : " ياحمامتي" . ابتسمت ، فأردف:" غدا سأجلب لك معي باقة ورد" . تضاءلت صورته .. وغابت كنقطة سوداء في خضم الليل المقمر . همّت بالعودة ، غير أنها فوجئت برجلين اعترضاها ، وهدداها بالفضيحة ، إن لم توافق على ........ حاولت المقاومة ، وهزمت . كانت تمشي منكسرة .. متألمة .. ومصدومة ، استوقفها حارس : " ماذا تفعلين في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل؟ " . ارتبكت ، وفضح وجهها قصتها وهزيمتها ، استغل الحارس الفرصة ، واستطاع النيل منها ، وتواعدا الليلة التالية . مر الزمن ... ولكن غدا لم يأت ، الموج والريح ابتلعا مارسمته وحبيبها على صفحة الرمل الذهبية ، ولم تكف عن البحث عن القلب الذي يخترقه سهم " كيوبيد" بين حبات الرمل القاسية : " أيتها الرمال .. أين خبأت غدا؟ ". تعاقبت الأيام ، وتوالت لقاءاتها بالحارس ، والأشجار مازالت عارية ، وصوت الريح لايكف عن الحزن ، وأخذ الهديل الذي في صدرها يتخافت . لعبت الشكوك في نفس الأم ، حينما لاحظت تغيرا واضحا على وجه وبطن وتصرفات ابنتها ، وراح ارتيابها يزداد يوما تلو الآخر . حاولت أن تعرف السرّ ، أن تدرك مايقلك ابنتها ، أن تتأكد مما هي متأكدة منه إلى حد كبير ، استخدمت وسائل الترهيب والترغيب لأقناع ابنتها بالبوح بما تخفيه في سريرتها ، لم تتوصل إلى شيء ، وبعد طول تأمل ونظر .. توصلت إلى قرار حاسم : أن تعرض ابنتها على الطبيب لمعاينتها وتشخيص حالتها ، احتالت على ابنتها ، أخذتها إلى الطبيب بحجة أنها هي المريضة ، وافقتها ، وذهبتا .... صعقت الأم عندما تأكد حدسها وتوقعها ، أخبرها الطبيب بحقيقة الأمر ... وكانت مفاجأة صادمة لكليهما . وفي طريق عودتهما صامتتين .. سألتها الأم عن الفاعل : - من هو؟ - ............................ - عليه أن يصلح غلطته - .......................... - ماعدت تستطيعين الإنكار .. ثم مالفائدة من الإنكار؟ علينا أن نفعل شيئا - ...................... - تكلمي أيتها الفاجرة ... انفجرت باكية .. ثم وصلتا ودخلتا البيت . وفي البيت سردت لها القصة ، سألتها الأم عن اسمه أكثر من مرة ، أجابتها: - لاأعرف - معقول؟! - سألته ، وأجاب: ليس مهما الآن . - هل جننت؟ - كنت أتوقع أن أراه في اليوم التالي ، ووعدني أن نتكلم بالتفاصيل - والآخران ؟ - الآخران؟ ! - حسنا .. والحارس ؟ الحارس تعرفين اسمه بالتأكيد - آ .. فقط الحارس أعرفه وأعرف اسمه ، لأنني التقيت به مرارا **************************** ( المحكمة ) دخلتا قاعة المحكمة التي غصت بالحضور ، جلستا في المقدمة . انطلق صوت قرب القوس: محكمة وقف الحضور ، ودخل القاضي ومساعداه ، استنفرت عيناها وهي تتعرف على هوية القاضي ومساعديه . تغيرت سحنتها . اضطربت عضلات وجهها غضبا . تذكرت باقة الورد التي وعدها بها : وجدتها ذابلة ، إنه هو .. هو بذاته ، الرجل الذي وعدها أن يعاود لقاءها غدا ، ولكن غدا لم يأت ، هاهو وراء القوس ، مات الهديل في صدرها ، ألفت نفسها فريسة للدهشة والذهول والخيبة ، تصورت القاضي وهو يبتعد عنها ، ويتلاشى كنقطة سوداء في خضم الليل المقمر .. لم تتمالك نفسها ، اندفعت نحو القوس ، حيث القاضي .. وهي تصرخ في وجوههم شاتمة ومتهمة ومتوعدة ، وكان دفاعها عن نفسها يشبه الرسم على رمال الشاطئ ، والغد الذي لم يأت . انتهى
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جريمة في ملف النمرود: قصة قصيرة
-
الولادة: قصة قصيرة
-
ستعودين:قصيدة
-
المتقمصة: قصة قصيرة من مجموعة الريح تقرع الباب 1976
-
يحدث هذا حبا : قصة قصيرة
-
عيّودا: قصة قصيرة
-
ماوراء هموم امرؤ القيس
-
لماذا رجعت إلى الحزن
-
ثم أعيدك حلما
-
الشراع الأسود: قصة قصيرة
-
قصيدة - سورة القلق
-
شعر: قصيدة لرياض خليل
-
المزبلة
-
العلمانية وصراع الأديان
-
صفقة وهم : قصة قصيرة
-
قادم من جحيمي : شعر
-
إهداء : شعر
-
مدارات التحول : شعر
-
العصاب الديني/ تتمة
-
الله-الشيطان-العبد : 3+4+5 من 7
المزيد.....
-
صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا
...
-
-القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب
...
-
ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور)
...
-
إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر
...
-
روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال
...
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
-الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ
...
-
عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع
...
المزيد.....
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|