عماد مسعد محمد السبع
الحوار المتمدن-العدد: 3473 - 2011 / 8 / 31 - 18:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثمة قرائن على حضورعسكرى لافت ومؤثر للقاعدة و لتيارات الإسلام السياسى الجهادى فى ساحة الحرب الليبية وبما يؤشر لفرضية أنها ستمثل رقمآ صعبآ بمعادلة السياسية والقوة الليبية فى مرحلة مابعد سقوط القذافى .
وكانت تصفية ( اللواء عبد الفتاح يونس العبيدى ) - رئيس أركان ما يسمى بجيش التحرير الوطني الليبي في 28 يوليو أثناء عودته الى بنغازي - على يد كتبية جهادية قد فتحت تساؤلات هامة بشأن حقيقة نفوذ القاعدة فى قيادة المجلس الوطنى الإنتقالى الساعي لإسقاط حكم القذافى .
ثم جاء تعيين الشيخ أبي عبد الله الصادق ( عبد الحكيم الخويلدي بلحاج ) كآمر للواء طرابلس - وهو أمير الجماعة الإسلامية المقاتلة وأرهابى سابق حارب بأفغانستان وقامت القاعدة بتعينه ضمن كتائب تحرير شمال المغرب العربى ليدعم بقوة حقيقة أن القاعدة هى من يقود العمليات العسكرية على الأراضى الليبية.
كما أن التحليلات العسكرية المتداولة تقطع بأن الفضل يعود بالأساس للقاعدة وكتائب السلفية الجهادية والجناح العسكرى للإخوان المسلمين - المدعومة بضربات الناتو الجوية - فى تحرير قلب طرابلس وباب العزيزية وبالنظرلتكتيكاتها و ما تتمتع به من خبرات ومهارات عالية أكتسبتها من واقع الممارسة والتدريب القتالى فى أفغانستان و العراق .
وكانت الأنباء قد تحدث عن عودة أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل أفغانى إلى مصر عقب نجاح ثورة 25 يناير , ونشرت الصحف المصرية الخبر فى صدر صفحاتها وبما يقطع بأن ضوءآ أخضر صدر من المجلس العسكرى الحاكم فى مصر بدخول تلك العناصر الجهادية ودفعها لجبهة القتال على الساحة الليبية .
ثم جاءت ضربة القاعدة المؤثرة فى الأكاديمية العسكرية المشتركة بمدينة شرشيل الجزائرية ( مئة كلم غرب العاصمة ) ومقتل أكثر من 16 عسكريآ– كعقاب للجزائر جراء عدم أعترافها بالمجلس الإنتقالى ودعمها للقذافى , ليؤكد أن القاعدة ترمى بثقلها خلف المشهد الليبى وأنها تراهن على دورجديد بالمنطقة .
واللافت أن الفتوى الدينية لعبت دورآ فى تسويغ حضور القاعدة على الساحة الليبية حيث أفتى القرضاوى و شيوخ الوهابية بأهدار دم القذافى ومنحوا مشروعية للعمل العسكرى الموجه اليه ,- وبالرغم من تدخل حلف الأطلنطى ( الناتو ) فى القتال ضد حاكم مسلم وداخل ديار الإسلام .
ثمة معطيات سياسية وأقليمية داعمة لحضور القاعدة داخل المشهد الليبى , بل وساندة لحظوظ أتشار وتمدد الإسلام الراديكالى فى المنطقة العربية خلال مرحلة ما بعد الثورة و سقوط الانظمة القمعية .
فزوال الأنظمة العربية الحاكمة يتوافق مع أهداف الإسلام الجهادى حيث أسس هذا التيار لقضية السلطة السياسية وكيفية الإستيلاء عليها بالقوة وتحريرها من ( الطواغيت ) والتمكين لحاكمية الله عبر نظرية ( الطائفة الناجية ) التى تنهض لإستعادة مجد الإسلام ومحاربة دولة الكفر ومجتمع الجاهلية . وعلى سند من هذا نشطت الحركة الجهادية و قامت بالعديد من العمليات كان أبرزها أغتيال ( أنور السادات ) فى مصرعام 1981 .
و لكن بعد تعثر مشروع " الجهاد المحلى " ضد أنظمة الحكم العربية أنتقل التيار فى مرحلة التأسيس الثانى على يد " أبن لادن " للمواجهة مع فسطاط الصليبين ممثلآ فى أمريكا والغرب منذ العام 1996- و باعتبار ذلك "جهادآ عالميآ " , ولكنه لم يشكل حيادآ عن الإستراتيجية المركزية الممثلة فى " الجهاد المحلى " وتحرير أرض وجزيرة العرب من حكومات الكفر والجاهلية .
تهاوى نظام القذافى وسقوط الأنظمة العربية الحاكمة يشكل خطوة مؤثرة على طريق لتحقيق احد أهم أهداف الجماعات الجهادية , وهوأنجاز يتحقق دون أن تهدر تلك الجماعات الجانب الأكبر من مقوماتها القتالية أوالمالية .
وأذا صدقت مقولة " كامى " بأن ( الغاية تبررالوسيلة حال أرتفاع الوزن النسبى للغاية ) فأن غاية " تدميرالأنظمة الطاغوتية " – تشكل ثقلآمتزايدآ للتيارالجهادى حتى لوتحقق تحت بفعل و تحت راية " الثورة الشعبية و الإنتفاضة الجماهيرية " و فى ظل غياب مفردات " الجاهلية والهجرة و الحاكمية ".
كما أن البيئة السياسية والإجتماعية العربية تبدو مهيأة لصعود التيار الديني - على تنوع روافده ومرجعياته – و بهدف لعب دور حاسم فى حياة السياسية والمجتمع العربى فى مرحلة مابعد سقوط الأنظمة الإستبدادية .
فجماعات الإسلام السياسى تمتلك البنى التنظيمية والبشرية والمالية التى تجعها قادرة للقفز على السلطة السياسية وأدارة عمليات النظام باعتبارها البديل الأكثر تنظيمآ و قدرة على ملىء الفراغ السياسى .
كما أن السعودية وبلدان الخليج ستكون جاهزة لدعم التوجه الأصولى ولأجل مقاومة التيارات المدنية الليبرالية واليسارية الساعية لعلمنة النظم السياسية العربية وأستنساخ النماذج الدستورية والقانونية الغربية الوضعية اللازمة لذلك .
والمرجح أن هناك مؤشرات على أن كثيرآ من التباينات ستسقط بين روافد تيار الإسلام السياسى تحت راية و هدف أن ( الإسلام هو الحل ) – وبما يشى بأعادة تصفيفها خلال الفترة القادمة . على سبيل المثال : فقد كشفت تجربة الإستفتاء على التعديلات الدستورية فى مصر – فى أول ممارسة فعلية بعد ثورة 25 يناير – عن وجود تحالف " غير معلن " بين ( الإخوان والسلفيين والجهاديين ) نشط لأجل عملية التعبئة والتصويت لصالح اجراء هذه التعديلات , و لمواجهة الكتلة الوطنية الديموقراطية و العلمانية الرافضة له .
فضلآ عن متغيرات سمحت بتمدد أفكار الإسلام الجهادى وكنتاج للتحول من نمط التدين ضمن " تنظيم أوجماعة " إلى فضاء دعادة التلفزيون والإنترنت و التدين الفردى حيث أكتسب " الإسلام الراديكالى " أمكانيات للخروج من اطارالجماعات الحلقية المحدودة والصيغ التنظيمية الضيقة , وجرى التماهى بين كثير من الفضاءات الدينية عبر ما يمكن تسميته " بتفاعل مصادر الرأسمال الإيديولوجى والعقدى للتيار الدينى " التى لم تعد محصورة فى شخص الأميروالمرشد .
كما أن أن مبادرات وقف العنف ومراجعات الجماعة الإسلامية - فى مصر خلال حقبة التسعينيات - كان لها تأثيرعلى خريطة الحالة الدينية حيث وفرت فرص لدمج وتواصل هذا التيارالجهادى مع المجتمع العام وأستيعابه ضمن تيار الإسلام السياسى الناشط أجتماعيآ و أعلاميآ والتعاطى مع أطروحاته وأفكاره دون خوف أوعداء مسبق .
وفى هذا السياق لا يمكن تجاهل أن مبررات أستخدام " العنف ذوالوجه الدينى " مازالت قائمة فى بنية المجتمعات العربية . فجماعات الجهاد والتكفير والهجرة نشأت بأثر من أزمات أجتماعية وأقتصادية مهدت التربة نحو صعود ظاهرة العنف والعمليات الإرهابية .وكذلك بفعل عوامل سياسية أرتبطت بهزيمة حرب 67 وأنهيار المشروع القومى الناصرى والإنحياز الدولى لإسرائيل بشأن قضية فلسطين .
ومما لا شك فيه أن القاسم الأعظم من هذه المعطيات مازال قائمة تطل برأسها على حاضرة الواقع الإجتماعى والسياسى العربى . فالتفاوت الإجتماعى والطبقى يدفع بعشرات من شباب الفقراء والمهمشين لدائرة الفعل الجهادى . كما أن بطء عملية التطور السياسى والحقوقى وعدم الإستجابة السريعة لطموح الجماهير يغرى بحلول العنف وأستخدام القوة . فضلآ عن أن تقاعد أسرائيل عن أنجاز تقدم حقيقى فى عملية التسوية السلمية يؤدى لإرتفاع أسهم العمل الجهادى فى فلسطين .
ناهيك عن أن مرحلة " العولمة الرأسمالية " وبما تفرزه من عنف موازى لتشظى المجتمعات والموحدات الكلية والأبنية الشمولية والسرديات الكبرى تفتح الطريق نحو تنامى ألم " المسلم الجهادى " المرتبط بغيابه تاريخيآ عن أفكار و نماذج المدنية والحداثة .
وجود القاعدة على الأراضى الليبية لم يأت من فراغ , و أنما يرتبط بأسباب سياسية وإجتماعية داعمة لهذا التواجد , وبتوافرمولدات أستخدام وتوظيف العنف الدينى ضمن البيئة الفكرية المحلية والعالمية .
و الثابت أن مرحلة الإنفتاح وأطلاق حريات الفعل والرأى والتعبيرالتى ستمر بها المجتمعات العربية بمرحلة مابعد الثورة العربية ستوفرمناخآ لإنتشار أفكار و رؤى هذا التيار الجهادى بالواقع العربى وستجلب له مزيدآ من الأتباع والمتعاطفين .
المؤكد أن الدور القيادى للقاعدة فى حرب ليبيا يحظى بموافقة أمريكية وضوء أخضر غربى حيث يتم أعادة أنتاج السيناريو الأفغاني فى ليبيا من جديد و لكى تصبح مهدآ يفرخ التطرف الدينى فى المنطقة بكاملها .
فحضور القاعدة بليبيا يخدم مصالح أمريكا و الغرب أذ يسمح بأنتقال الإسلام الراديكالى من شبه الجزيرة الهندية ووسط آسيا – حيث نفقات مقاومته المالية والمعنوية أصبحت غير قابلة للإحتمال - إلى قلب الصحراء الكبرى الإفريقية .
ثمة توزيع للأدوار والمصالح بين الرأسمال العالمي والقوى الدينية الظلامية للتخلص من بقايا الحرب الباردة تحت عنوان نشر الديموقراطية وحماية حقوق الإنسان . فى حين يظل الهدف هوالسيطرة على النفط والغاز وجلب الأرباح للمجمعات الصناعية العسكرية الأوروبية فى أطار تسليح وعسكرة جديدة للشرق الأوسط وبمسوغ الحرب ضد الإرهاب ومقاومته .
واقعة أختطاف الإنتفاضات الجماهيرية العربية من جانب الإمبريالية من الخارج , ومن جانب القاعدة و الإسلام الجهادى فى الداخل يترجمها الحدث الليبى الدامى و المتفجر – وهى ترجمة لن تلقى بظلالها السلبية على أنجاز الثورتين المصرية والتونسية فحسب وأنما ستمتد لتطال طموح باقى العرب الحالمين بمجتمع العدالة والديموقراطية و المساواة .
عماد مسعد محمد السبع .
#عماد_مسعد_محمد_السبع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟