أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين الصالح - العراق.. بين البداوة والمدنية















المزيد.....


العراق.. بين البداوة والمدنية


حسين الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 3471 - 2011 / 8 / 29 - 22:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المدنية والبداوة صراع العراق الازلي الذي انتج منا هجائن بشرية تناقض نفسها ومن حولها. فهذا الخليط الشاذ قد غير البوصلة الاجتماعية للشخصية العراقية وخلق حالة عبثية تقترب تارة من البداوة وتارة اخرى تغازل الحداثة وفي بعض الاحيان نجدها تحاول جاهدة كسب ود الاثنين وفي جميع الاحوال تخرج البداوة هي المنتصرة وذلك لان الجهل وقسوة الصحراء لاغالب لهما , الا في حال قيام عصور طويلة من التنوير والتثقيف الذي يجب ان ينطلق من الانسان كقاعدة اساسية ومادة جوهرية في بناء المجتمع باعتباره الوحده الخلاقة في مجموع مكنونات الطاقة الاجتماعية لاي تجمع سكاني في كوكبنا الضئيل.
فبسبب علة الجوار الجغرافي الذي فرض علينا ثقافتين متناقضتين واحده قادمة من الصحراء واخرى ترعرعت في سهول العراق الجنوبية جعل من العراق ساحة حرب دامية على مدى الاف السنين كلما توشك نارها على الانخماد حتى ترجع للاشتعال من جديد حارقه ماتقدم من انجازات ومئذنة ببداية عصر مظلم جديد.
فبعد سقوط عصر الامبراطوريات القديمة على ايدي اخر المحتلين لم تظهر نور المدنية في العراق الا عند قيام الدولة العباسية والتي كانت في حيناها وقياس بالنصف الغربي من الكره الارضية متقدمة وذلك لاقتراب الدولة الاسلامية من نمط الامبراطوريات القديمة فقد قام العباسيين ببناء حضارة اختزلت القوميات في فكرة الاسلام ووفرت الحاضنه والقاعده الاساس لانطلاق الفكر الانساني ولكن هذا لايعني ان مفهوم الدولة قد ابتعد عن البداوة . فكما يشير ابن خلدون ان العصبية القبلية هي الاساس في قيام الدولة والعصبية قد لاتكون بالصورة البدوية فحسب وانما قد تتجسد في صورة قوة مركزيه تمسك بخيوط القرار السياسي والعسكري في منطقة ما , وان كان النمظ العباسي هي عربي بدوي ولكن قد حاول المامون بالذات تقليد الفكرة الساسانية معتمدا على الجوار الايراني وطبيعة العلاقات التاريخية بين البلدين , وهنا احب ان اشير الى نقطة مهمه قد تاخذ القارئ الى متاهات بعيده فانا هنا لاانكر قبلية بني العباس وهيمنة العشيرة والبداوة والتي هي كانت الصفة المميزة في الدولة الاسلامية ككل ولكن العباسيين قد استفادوا مثل من سبقهم من الامويين من فكرة الدولة الاسلامية التي اقامها النبي محمد على اساس لم يبتعد كثيرا عن القبلية ..فقد كان بني هاشم اصحاب الحضوة الكبرى في عصر محمد متمثلا بقائد جيشه الحمزة ووزيره علي وعمه العباس حبر الامه كما يقال عنه .. وهذا هو حقيقة الصراع الهاشمي الاموي فقد قام محمدا بعمليه انقلاب سياسي في مكه.. لان الصورة السياسية في مكه قبل الاسلام مقسومه الى قسمين الاول الديني والمسيطر عليه من قبل بني هاشم والسياسي التجاري المسيطر عليه من قبل ابناء عمومتهم من بني عبد الدار وامية ولكن محمدا جمع السلطتين ووحد العرب حول فكرة الدين وصاغ لهم الدين بالطريقة البدوية بعد ان اوجد فكرة الجهاد .. فقد جعل العربي بين خيارين اما الغنيمة والسلطة والحضوة في حال بقى على قيد الحياة او حور العين وانهر الخمر وعلى درجات الحضوة في الجنة في حالة الممات اي انه وعد بجوائز دنيوية واخرى اخروية وبهذا قدم للعرب خدمة العمر التي ستخرجهم من حالة التشتت الى حالة الدولة المدنية واغلب الاشارات تدل على ان محمدا كان اكثر ليونه مع ابناء عمه من بني اميه وذلك بسبب معرفته بشدة بئسهم ودرايتهم في امور السياسة ..
هذا الاسهاب التاريخي الذي تطرقت اليه كان الغرض منه توضيح فكرة مهمه الا وهي ان في شعوبنا العربية وفي العراق بالذات الذي هو اساس الدين واساس اسطورة الخلق التوراتية ان الاسلام او الدين بصورة عامة قد احتل الدور التنويري الذي كان ممكن ان يقوم في العراق على ايدي العلم ورجاله .. فالاخلاق في مجتمعنا يرجعها الشعب الى الموروث الديني وكذلك الحال بالنسبة للمساوات وحقوق المراة والقوانين ... الخ فلذلك نرى اغلب هذه القوانين ذات طابع بدوي واضح والرجولية والقسوة من الملامح الاساسية لهذه الدولة وقوانينها ..
بالتالي قيام دولة مدنية في هكذا ظروف هو ضرب من المستحيل وخصوصا في عراق اليوم الذي يعد اكثر رجعية وتخلف من عصر هارون الرشيد بالف مرة اضافة الى ترسبات القرون المظلمة التي مرت علىه في عصره الحديث.

فمشكلة العراق اليوم هي المدنية فلو رجعنا قليلا الى بداية القرن العشرين وبالتحديد بعد قيام الدولة العراقية الحديثة نجد ان العراق كان مقبلا على مستقبل كان من المفترض وحسب المعطيات المتواجدة انذاك ان يخطو خطوات سريعة نحو المدنية خصوصا ان الاحتلال البريطاني اعتمد على الكوادر المتعلمة والعوائل الارستقراطية من بقايا الحكم العثماني وطعمها بعقليات متشبعة بالفكر الغربي الاوربي ان ذاك . ولكن بسبب عقدة المذهبية وهيمنة المؤسسة الدينية على قلوب الناس لا السلطة كل هذا كان من شانه تعطيل عملية البناء والتقدم , ورغم هذا تعتبر عملية تشكيل الحكومة العراقية ان ذاك والبرلمان العراقي هي خطوة سباقة في المنطقة ان ذاك . وعندها ظهرت مشكلة اخرى الا وهي الراسمالية والفقر, محاطة بالصراع الطبقي الازلي بين الريف والمدينة وبين الغني والفقير .. ولطالما الفقر مهيمن على البلاد تزداد هيمنة رجال الدين وسلطتهم على قلوب الشعب .. ورغم ان التعددية الحزبية قد كانت على اوجها في ذلك العصر ورغم انفتاحها على الافكار الغربية متاثرين بالثورات الاوربية وافكارها ولكن التعددية في العراق قد تكون نقمة اكثر من كونها نعمة فتركيبة المجتمع العراقي لاتسمح بالتعددية وذلك لحدة طبع المواطن العراقي ومزاجيته العالية .. فعليه دخل العراق في سلسلة صراعات انتهت بقيام الجمهورية التي ارادها عبد الكريم قاسم افلاطونية وحاول جمع ضباط الثورة حول ااطاولة المستديرة لكن طبيعة التجاذبات ومعارك اجهزة المخابرات الاجنبية والعربية في العراق منعت هذه المدينة الفاضلة .. فالعراق في تلك الفترة كان بحاجة الى موازنة بين الريف والمدينة وعملية اعمار للريف موازية لمثيلتها في المدينة وبذلك سترفع من مستوى الريفي وتجعله في مرتبة واحده مع ابن المدينة من جميع النواحي سواء كانت خدمية او اجتماعية .
وكان لانشاء مدينة الثورة في بغداد قد اتى بساحبة من الكوارث الاجتماعية الى العراق فبالرغم من كم القيم الانسانية التي تحملها الفكرة ولكن عادت وبالا على العراق .. فبدل من ان تبنى هذه المدينة المتطورة في الريف وترجع سكان الصرائف الى مدنهم التي هجروها مضطرين لفقر الحال قد شجعنا على هجرة مشروعة للمدينة .. وبالتالي نقل السكان الجدد ثقافتهم لبغداد وغيروا الهوية البغدادية المميزة وهنا لا اقصد التقليل من شان الريف وسكانه ولكن الهوية الريفية مميزة وجميلة وساحرة لطالما كانت في بيئتها الصح حالها حال المدنية .
فهذه الهجرات قد اسائت لسكان الريف والمدينة معا ورغم محاولات الحزب الشيوعي ان ذاك تثقيف هذه الطبقة خصوصا بعد ان وجد الارضية الخصبة لبناء قاعدته الشعبية في منطقة فقيرة يسكنها الكادحين ينتمون للجنوب العراقي الذي خرج منه الحزب الشيوعي العراقي دأب الحزب على تثقيف هذه الطبقة الاجتماعية وخلق كادر حزبي مثقف ولكن بعد سنين الاهمال والمحاربة لهذه المنطقة على ايدي السلطات البعثية المتعاقبة قد ارجعت سكان هذه المنطقة الى نقطة الصفر تقريبا
خصوصا انها صفت الكادر الشبابي بحجة الشيوعية من جهة والتشيع من جهة اخرى .
وبعدها دخلنا الى مرحلة جديدة من الهجرات الا وهي هجرات السلطة فقد حمل النظام البعثي معه من قرى الغرب في الانبار وقرى تكريت والموصل طبقة رجعية حاكمة اخرى سكنت المدينة لتقوية سلطة الدولة الجديدة وخلق حالة موزانة لميزان القوى الشعبية انذاك وبهذا مسخت المدنية منذ ذلك الوقت وبدئت بالتلاشي شيئا فشيئا وصولا الى ثمانينات العصر وتسعيناته التي شهدت صعود التيار الديني باعتباره البديل الوحيد للاحزاب التي حضرت في عهد الدكتاتورية البعثية واستشراء الفقر وقيام الثورة الاسلامية في ايران .. وكما هو الحال مع الدين في كل مكان يحل به تزدهر الرجعية وقيم الصحراء التي بني هذا الدين على اساسها وتتقزم المدنية .
فقد دخل العراق في اشد العصور عتمة وظلمة في تاريخيه الحديث والدليل مانراه اليوم في الشارع البغدادي من انحسار للهجة البغدادية والفن والذوق البغدادي ومن انتشار للقيم الريفية واخلاقيات القرية .. فحتى الرقص اليوم اصبح ريفي في عراقنا اللامدني وبرلماننا ريفي ورجعنا لعصر القبائل وهيمنة رؤساء العشائر فاليوم في العراق الحل الوحيد للمشاكل المعقدة هو (كعدة العشائر) المتمثلة يالشيوخ من اصحاب الكتل الكبيرة .. فمجلس النواب في العراق يدار على صيغة مجلس العشيرة والنواب هم مدينون بالولاء الاعمى لعشيرتهم وشيخها .. فعليه فان ترسيخ قيم البداوة والقرية في داخل المجتمع المدني خلق هذا التناقض الازلي في الشخصية العراقية والذي عاد علينا بالويلات منذ عصر انكيدو الوحشي وكلكامش المتمدن الى عصر السيد قدس سره .
فلاخلاص لنا الا في المدنية ومعطيات الشارع العراقي اليوم للاسف لاتمت للمدنية بصلة خصوصا مع هيمنة المؤسسة الدينية فعليه فان فسحة التفائل ضيقة في عراق الغد مادامت المدنية تقتل كل يوم وفي كل خطبة جمعة .



#حسين_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الامة العراقية بين صراع الاباء والابناء
- الانسان العراقي بين مفهوم الامة والايدلوجية ....
- بيان صادر عن شباب الأمة العراقية حول حملة (الأمة العراقية .. ...
- هل ستحرر ساحة التحرير الشعب ؟؟ ام ان الشعب من سيستعبدها .. ؟ ...


المزيد.....




- وفاة جندي كوري شمالي أسير في أوكرانيا- تقارير
- ترامب يطلب من المحكمة العليا الأمريكية تأخير حظر TikTok
- طائرة مدنية تقل مئات الركاب.. مسؤول أممي تواجد في مطار صنعاء ...
- سوريا..القوات المسلحة للقيادة الجديدة تشتبك مع قوات قسد في ...
- روايات عن أشباح تحوم حول المقر الرسمي لإقامة رئيس الوزراء ال ...
- الجيش النيجيري يقتل 10 مدنيين عن طريق الخطأ
- زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب سواحل جزر الكوريل الجنوبية الروسية ...
- البرلمان العربي: حرق الجيش الإسرائيلي لمستشفى كمال عدوان شما ...
- مقاطع فيديو -صادمة-.. سجين يموت تحت الضرب المبرح من حراس الس ...
- مصادر طبية: كوادر في مستشفى كمال عدوان استشهدوا حرقا


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين الصالح - العراق.. بين البداوة والمدنية