مجتمع يثرب

وليد يوسف عطو

الحوار المتمدن-العدد: 3470 - 2011 / 8 / 28 - 17:21
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

تشغل العلاقة بين الرجل و المرأة مساحة واسعة بين أفراد مجتمع يثرب ( المدينة ) و ليس من قبيل المصادفة أن نجد لهذا النشاط في لغتهم كثيرا من المترادفات مثل : المباضعة , الملامسة , المضاجعة , المقارفة , المفاخذة , المباطنة , المعافسة , المجامعة , المراودة , المباشرة , المناكحة و الموافقة . و هذه الكلمات أساسها الفعل الرباعي فاعل مفاعلة وهو يعني اشتراك طرفين في الإتيان بالعمل مثل : المحاربة و المقاتلة و المصارعة . هناك مصادر أخرى مثل الرفث و اللمس و الإتيان و الركوب و الإعلاء و الامتطاء و الوطء . و هذه الأخيرة تركز على دور الرجل و هي انسب للمجتمع الذكوري . فعندما تحمل لغة عشرات الكلمات الدالة على الفعل الذي يمارس بين الرجل و المرأة فهذا يعني إن الفعل يحتل بؤرة اهتمام ذكور و إناث ذلك المجتمع . أي مجتمع يثرب قبل الإسلام و كان محمد يشجع على الزواج ( النكاح ) فهو مرة يقول لطالب الزواج ( ابتغ و لو خاتما من حديد ) , و مرة أخرى يقول ( زوجتك إياها بما معك من قران ) . في سبيل علاج الزنا قرأ محمد قرانا حمل العقاب الصارم لكل من يقارب تلك العلاقة المحرمة , و لكنه عاد بعد حين و قال إن الآية التي نصت على رجم الزاني المحصن قد نسخت تلاوتها فحسب و لكن حكمها ظل ساري المفعول . يقول عمر بن الخطاب , كنا نقرا في القران ( الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) ثم نسخت قراءتها و بقي حكمها ) . إن مجتمع يثرب ( المدينة ) دخله عامل جديد و هو دراسة القران و الأحاديث , لقد أخبرتنا كتب السيرة إن الاشتغال بهذه العلوم اقتصر على عدد محدود من صحابة محمد ( في مسلم و البخاري عن انس بن مالك قال : جمع القران على عهد الرسول ( ص ) أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب و معاذ بن جبل و زيد بن ثابت و أبو زيد , قلت لأنس : من أبو زيد ؟ قال : احد أبناء عمومتي ) تفسير القرطبي ص 49 , و حتى إذا أضيف إليهم ( عثمان و علي و تميم الداري و عبادة بن الصامت و عبد الله بن عمرو بن العاص ) , كان معنى ذلك إن مجموع من حفظ القران تسعة أو عشرة أنفس في حين إن عدد الصحابة كان مائة ألف و أربعة عشر ألفا ممن روي عنه و سمع منه . فإذا كان عدد الصحابة هذا العدد الهائل و لم يجمع القران منهم في حياة محمد سوى عشرة فقط . جاء في تفسير القرطبي مات عبد الله بن مسعود قبل أن يختم القران و عبد الله بن مسعود معدود بين علماء الصحابة و بخاصة في مجال القران و لذا كان غاضبا لاستبعاده من اللجنة التي كونها عثمان لنسخ المصحف و التي ضمت زيد بن ثابت . و كان ابن مسعود يصيح متوجعا : ( يا معشر المسلمين اعزل عن نسخ المصاحف و يتولاه رجل و الله لقد أسلمت و انه لفي صلب رجل كافر ) فإذا كان صحابي مثل ابن مسعود لم يختم القران فما بالك بغيره ! و في رواية ( كان المهاجرون يشغلهم الصفق في الأسواق ( أي التجارة ) و الأنصار العمل في القيعان ( أي زراعة كرومهم و بساتينهم ) . فالمهاجرون أصحاب تجارة و الأنصار أصحاب زراعة . أي إن المهاجرين كانوا مشغولين بالتجارة و الأنصار تستغرق أوقاتهم أمور الزراعة , فإذا كان هذا حال إعيان الصحابة فما هو حال عامتهم ؟ . و يذكر إن عمر بن الخطاب كان له جار من الأنصار يتناوبان الاهتمام بأرضيهما فيتولاها احدهما يوما و ينزل الآخر إلى محمد و في اليوم التالي يحدث العكس حتى كان يوم سمع فيه الأنصاري ان محمدا اعتزل نساءه التسع فسارع إلى إبلاغ عمر بذلك ففزع فزعا شديدا لان ابنته الكبرى حفصة كانت من بينهن و لم تكن ذات حظوة مثل عائشة . هذا هو عمر بن الخطاب كان يقضي نصف وقته في أشغاله الخاصة , فما بالك بمن هو دونه رتبة و ابعد صلة بمحمد ؟ و ابنه عبد الله بن عمر له درجة رفيعة بين أصحاب محمد تحدثنا الأخبار انه استغرق أربعة أعوام كاملة لحفظ سورة البقرة و السبب في ذلك انهماكه بالعناية بأعماله . ( عن ميمون أن ابن عمر تعلم سورة البقرة في أربعة سنين ) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ج 3 ص 168 . لقد حفلت كتب السيرة بكم هائل من أخبار عن علاقات غير مشروعة مثل : ( الاغتصاب و الزنا و مثل الجماع في نهار رمضان و في الإحرام في الحج و أثناء حيض الزوجة و أخرى مثل مجامعة جارية أو زوجة في ليلة وفاة زوجة أخرى و فضح الزوجة لزوجها العنين على رؤوس الأشهاد حتى عرفت يثرب كلها بالأمر و تصر على طلب الطلاق لأنها لا تطيق الصبر على المجامعة . إن محمدا بذل جهودا تفوق طاقة البشر ليسمو بذلك المجتمع و لكن رسوخ تلك العادات و التقاليد و الأخلاق و تجذرها و قصر المدة التي قضاها محمد في مجتمع المدينة ظل ذلك المجتمع على حاله و لم يتغير إلا بنسبة ضئيلة .
المصدر :
( مجتمع يثرب ) تأليف الشيخ خليل عبد الكريم ( 1930 – 2002 ) إصدار دار مصر المحروسة ط 1 القاهرة – جمهورية مصر العربية .

#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات