أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف - ليث العبدويس - جرائِمُ الشَرَف.. وَقفةٌ شُجاعة














المزيد.....

جرائِمُ الشَرَف.. وَقفةٌ شُجاعة


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3469 - 2011 / 8 / 27 - 16:46
المحور: ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
    


لستُ مؤهلاً رُبما للخوضِ في قضيةٍ من عيارِ "جرائِم الشَرفِ" في العالم العربي، كونَها تَحفَلُ بِجَدليّةٍ يمتّزِجُ فيها النَصُّ الديني بِبُعْدِهِ المُقدّس النازِعِ دوماً الى النَقاء والطُهر معَ الموروثِ الاجتماعي بِهيمَنَتِهِ النَفسيّة القائِمة على نَسَقٍ تربويٍ صارمٍ من التعاليم وَمنظومَةٍ تَسَلُطيّةٍ ذُكوريّةٍ "بطرياركية" تّضَعُ نُصبَ عينيها "الوجاهة" والسُمعة دونَ انْ تَكتَرِثَ كثيراً للمخبوءِ والمُتخفّي، والتَطرُّقُ لها يَقتَرِبُ كثيراً من مُغامرةِ إقحامِ المرءِ لِذِراعِهِ في جِرابٍ مليءٍ بالعَقارب، او السيرِ حافياً في سِكّةٍ وَعِرةٍ غيرِ مُمَهدة، مَزروعةٍ بالأشواكِ والعَقباتِ والألغام، مَعصوبَ العينين، مَعدومَ الدَلالةِ والمُعين، بيدَ أنها تُغري أنْ يُدليَ أحَدُنا بِدلوِهِ وَيطرَحَ رأيَهُ ويَرشِفَ من نَبعٍ لطالما صُنّفَ على أنهُ "مُحَرّم" وَخَطير، تَماماً كآلاف الشُرُفاتِ المُطِلّة على عُقَدِنا وتناقُضاتِنا، ممنوعٌ علينا ارتيادُها، ممنوعٌ علينا تَلَمُّسُ قِرميدِها العَتيق، مَمنوعٌ علينا البوحُ بِوِجهَتِها السِرّية.
جريمَةُ الشَرَفِ في مَلَكوتِنا العربي أحاديّةُ الجانِب، يَقتَرِفُها في الأعَمَّ الأغلب طَرَفٌ يَنجو في خِتامِ المُسَلسَلِ الدَنيءِ من العقُوبة، مُثقّلاً باللعنات المؤبّدة، طَرَفٌ أحسَنَ صياغَةَ بُنودِ "قانونِ الخَطيئة" العُرْفي فَجَعَلَهُ – بإيحاءٍ من سَطوةِ الوَزنِ الرُجولي المُتَفَرّدِ – قانوناً نُخبَوياً قائِماً على الانتقاءِ والتمييز، يَمنَحُ بَركاتِهِ للزُناةِ وَيُرَتّبُ الموتَ على الزواني، لا لِشيءٍ سوى انَّ مفهومَ الوِصاية والقيمومةِ اُسيءَ تَطبيقُه واستعمالُه، فهل كانتْ "ثيميس" حاملةَ ميزان العدل الإغريقيةُ ضَريرةً حَقاً؟ وَهل كانتْ رَكيكةً الى هذه الَدَرَجة؟
الذي لا شَكَّ فيه هو انَّ جرائِمَ الشَرَفِ، بِعلنيتِها الفَظّة وَعربَدة الاحتفال الَدموي الذي يُرافِقها كجُزءٍ مِنْ طَقس "غَسلِ العار" واحجامِ قوانيننا الجزائيّة عن وَطءِ طَرْفِها او تقليمِ انيابِها، واستمرار المُجتَمع في دَعمِ مُنفِذيها وَتبنّي وُجهاتِ نَظَرِهِم، لا زالتْ تُبرهِنُ على مدى تَمسُكِنا بشرائِع الغاب، وتُذَكِرُنا بِعُمقِ الجانِب المظلِمِ الذي رافَقَنا في مشوار التحول من الوثنيّة الجاهِليّة الهَمَجيّة الى السماويّة التنويريّة المَدَنيّة، فهي الجريمةُ الوَحيدَةُ في التاريخ التي يُستَهدَفُ فيها "جِنسٌ" بِعينِهِ ويُستثنى الآخر، كونُها لَصيقةٌ بالإناث دونَ الذُكور، وتُكالُ فيها التُهَمُ جِزافاً على أساسِ الشَكْ الراجح والظُنون الغالِبة، فاغلَبُ ضَحاياها كُنَّ لا زِلنَ عذراواتٍ بَعدَ تَنفيذِ الإعدام الاعتباطي، بِشهاداتِ الطِبّ العَدْلي، ويُصادَرُ فيها حَقُّ المُتَهَمِ في الدِفاعِ عن نَفسِهِ وِفقَ لائِحة اتهامٍ جاهِزة مُعدّة سَلَفاً، عادةَ ما يَضَعُها "ذَكَرٌ" هوَ في حقيقتهِ الخَفيّة مُجرّدَ "زيِرِ نِساء" اِرتَكَبَ ذاتَ الجُرمِ مِراراً دونَ رادِع، مُستفيداً من نِفاقٍ اجتماعي عالي التَردّدْ، وَزوّدَ احد المُتطوعين مِنْ أقربِ الناسِ للضَحيّة بِفتوىً وتَصريحٍ بالقتل.. أجواءُ مُحاكَمةٍ رَهيبةٍ يجتَمِعُ خِلالها صَولَجانُ الحُكمِ وَمِنبَرُ الإدِعاءُ وفأسُ الجلّادِ بِيَدِ طَرَفٍ لا يَعي ما يَقولُ ويهرِفُ بِما لا يَعرِف، سَخيفٌ زَعيقُ القَتَلةِ عن الشَرَفِ الرَفيعِ الذي لا يَسْلَمُ من الأذى مالم يُراقَ على جوانِبِهِ الدَمُ، فليسَ من الشَرَفِ من شيءٍ انْ نَستَلَّ سكاكيننا وَنُمارِسَ الذَبحَ بهذهِ العَشوائيّة التمييزية القَذِرة، وَلَئِن أذعَنّا لإمرِ السمَاءِ فتوقفنا بُرهَةً عن وأدِ الإناث، فإننا سُرعانَ ما وَجدنا أسوأ البدائِلِ التي تُمَكِنُنا من الاستمرارِ في مُمارَسَةِ هوايَتنا التي ميزَتنا، وَلِم لا ونحنُ مُذْ داحِسَ والغَبراء وَحربِ البَسوسِ كياناتٌ ذُكورّيةٌ جَلِفة بِجَدارةٍ، نُسَلّحُ ابنائَنا الذُكور بِكُلِ مَخالِبِ القَمعِ وأدواتِ التَسَلُّط من تفضيلٍ وتسهيلٍ وَتدليلٍ وَتخويل، وَنزرَعُ في ارواحِ بناتِنا انكساراتِ الأمَةِ وَهوانَ الجواري وَخُضوعَ "الغيشا"، وَنُلَقِنُهُنَّ قاموساً سَميكاً من مُفردات الذُلّ والعُبودية، ثُمَّ لا نَلبَثُ بِمُنتهى التلقائيّة أنْ نَلِغُ في شَرايينِهِنَّ – كأيِ جِراءٍ ظمِئة - بِوشايةٍ حَقيرة او نَبأ فاسِقٍ أفّاك، تُساقُ إحداهُنَّ الى جزّار "الشَرَفِ" المُتعَجْرِف ولِسانُ حالِها يَستَذكِرُ قولَ الشاعِرِ باكياً : "أنا اُنثى، أنا اُنثى، نَهاراً أتيتُ الى الدُنيا، وَجدتُ قرارَ إعدامي، ولم أرَ بابَ محكمتي، وَلمْ أرَ وَجهَ حُكّامي". وهكذا تَمضي الجريمة، بِهُدوءٍ وَمِن غيرِ جَلَبة، كأيّ حَدَثٍ يوميٍ عارِض، وَسَطَ اضطِراب التَفسيرِ البَشَري لِلنَصِ الديني المُتسامِح وَلَيّ أعناقِ الأحكامِ وابتزازِها وَنَشوةِ الكيانِ الاجتماعي بديمومةِ مَفاهيمِهِ المُعمّدة بالدِماء وَصَمتِ المؤسسة الرَسميّة وَضبابيّة الموقِف القانوني، ليسَ مُتوَقَعاً تلاشي هذهِ المُمارَسة الرَجعية او اختفائِها فُجأة، فنحنُ العَربُ وخِلافاً لِغيرِنا بَطيئونَ في المُراجَعة والنَقدِ الذاتي، وسَتُقَدّمُ المَزيدُ من القَرابينُ الحيّة على مَذبَحِ "الشَرَف" قَبلَ إدراكِ أصحاب الأدمِغة البَليدة والحَميّة الغَبيّة الفارِغةِ أنَّ شَرَفَ اليعاريبِ غالٍ ثَمين، لَكِنَّ أنفُسَ القواريرِ العَفيفة أبهَظُ مِنْ كُلّ غِربانِ الشكُوكِ التي تَنْبِشُ في قُحوفِ جَماجِمِهِم.

ليث العبدويس – بغداد – [email protected]



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبيا.. انتهاءُ عامِ الرَمادة
- وحشٌ طليقٌ في الشام
- -جمهورية- انكلترا المُتَحِدة
- فينيقُ لُبنان..ورمادُ الطائِفيّة
- هوامش على دفتر الثورة
- الصومال.. محنةُ الضمير.. محنةُ الإنسان
- الإرهاب الإسلامي ..تهافت النظرية
- هل شارف عصر الطغاة على الانتهاء؟


المزيد.....




- جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر … ...
- دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
- السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و ...
- دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف ...
- كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني ...
- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...
- تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
- -مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
- اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو ...


المزيد.....

- العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا / وسام جلاحج
- المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما ... / محمد كريزم
- العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا ... / فاطمة الفلاحي
- نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟ / مصطفى حقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف - ليث العبدويس - جرائِمُ الشَرَف.. وَقفةٌ شُجاعة