|
الخطاب النسوي المعاصر .. صورة من قريب
فاطمة أحمد حافظ
الحوار المتمدن-العدد: 1033 - 2004 / 11 / 30 - 12:34
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
خلال ما يربو على قرن كامل مرت الحركة النسوية بمراحل عديدة من التطور التاريخي وقد اقترن تطورها بتطور مماثل في الخطاب النسوي المصاحب لها والذي بدأ بالحديث عن حقوق المرأة الإنسانية والاجتماعية على استحياء وانتهى به المطاف إلى الحديث عن المساواة والندية المطلقة الآن مع تجاوز تام للرجل في بعض الأحيان ومن غير المستبعد أن يفاجئنا الخطاب في الغد بالحديث عن "الشعب النسائي" مثل نظيره النسوي الغربي الآن.
والمتابع لما يطرحه الخطاب يمكنه أن يلحظ أنه يدور في فلك عدة موضوعات لا يتجاوزها- بل ويمكن حصرها- فالحديث عن مظلومية المرأة والهيمنة الأبوية الذكورية والتمكين الاقتصادي للمرأة والعنف ضد النساء وغيرها كلها من ثوابت الخطاب النسوي.
وأما أبرز ملامح الخطاب النسوي المعاصر فهي ازدراؤه لكل ما هو ثابت ومتفق عليه بحكم الشريعة فيرى أن تعدد الزوجات ونصيب المرأة من الميراث وعدة المطلقة أمور تكشف عن انحياز الإسلام للرجل وانتقاصه من حقوق المرأة وفي أحسن الأحوال فإنها أمور لم تعد تتمشى مع عصرنا الحالي !
ويخص الخطاب النسوي الحجاب على وجه الخصوص بنصيب وافر من الهجوم فهو من وجهة دعاة النسوية يلخص المرأة التي ترتديه إلى مجرد "شيئ" حيث تفقد خصوصيتها وتكوينها الذاتي وتتحول إلى مجرد رقم بين مجموع النساء.
ومن المفارقات أن النسويات العربيات يتشددن في مسألة الحجاب بدرجة تفوق أحياناًُ تشدد أساتذتهن من النسويات الغربيات فعلى سبيل المثال ذكرت "جرمان جرير" النسوية البريطانية صاحبة الكتاب المثير للجدل "المرأة بأكملها" بأنها تقبل الحجاب باعتباره جزء من الهوية الثقافية للشعوب العربية.
وفي الوقت الذي يحمل فيه الخطاب النسوي على الحجاب باعتباره رمزا للستر والعفاف نجده لا يألو جهدا في الترويج لأطروحات المنظمات النسوية الغربية المتعلقة بالحرية الجنسية للمرأة ومشروعية ممارستها للجنس بدون زواج إلى غير ذلك من الأفكار الخارجة عن السياق الديني والقيمي والخلقي لعالمنا العربي والإسلامي.
وما الحرب التي خاضتها النسويات المصريات قبل فترة حول ضرورة تدريس الثقافة الجنسية بالمدارس إلا خطوة أولى في سبيل تعميم مثل هذه الأفكار.
والباحث المدقق فيما يطرحه الخطاب النسوي من قضايا وإشكاليات لا يجد صعوبة في أن يقف على مدى حالة التغريب التي يعيشها الخطاب الذي لم يكتف بأن يقتبس من الغرب طرقه في معالجة قضايا المرأة بل إنه سحب القضايا التي تعاني منها المرأة الغربية وأسقطها على المرأة العربية المسلمة.
ولا شك أن تركيز الخطاب على مثل هذه القضايا الوافدة الوهمية وإحجامه عن التصدي للقضايا الحقيقية التي تواجهها القاعدة النسائية العريضة قد باعد بينه وبين هذه القاعدة وأدى إلى تحوله إلى خطاب نخبوي وليس إلى خطاب جماهيري.
ومنذ فترة ليست بالبعيدة بدأ الخطاب النسوي يعاني من إشكالية عدم تمكنه من التوفيق بين ما هو وطني وما هو نسوي وفي مثل هذه الحالة فإن الخطاب غالباً ما ينحاز إلى جانب النسوي على حساب الوطني وقد اتضح ذلك بصورة عملية في موقف الخطاب المعارض للعمليات الاستشهادية وإحقاقاً للحق فإن بعض تيارات الحركة النسوية قد أعلنت أنها تؤيد مثل هذه العمليات إلا أن صوتها كان ضعيفاً وظلت الغلبة للمعارضين لها.
وقد أدهش الخطاب النسوي الجميع حين أعلن رفضه للعملية الاستشهادية التي نفذتها الشهيدة وفاء إدريس وقد كان من المفترض والبديهي أن يحتفي الخطاب بمشاركة المرأة الفلسطينية في حركة التحرر الوطني لبلدها أما عن مبررات هذا الرفض فقد ساقتها إقبال بركة بشجاعة تحسد عليها قائلة (إن آلاف المنظمات الأهلية النسائية في أنحاء العالم لن تتعاطف أبداً مع الرجل العربي الذي يدفع زوجته أو ابنته أو شقيقته لتفجر نفسها دفاعاً عن وطنهما ).
ورفض الخطاب لعملية وفاء إدريس بصفة خاصة يلقي بظلال من الشك حول ما يدعيه الخطاب من أنه يستهدف تفعيل مشاركة المرأة في قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأنه يعمل على تغيير الصورة النمطية التقليدية عن المرأة والتي تحصر دورها في أداء أعمال معينة محكومة بعامل الجنس.
وليست هذه هي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها الخطاب النسوي فالخطاب يقع في أخطاء منهجية عديدة حينما يحاول معالجة قضايا المرأة بمعزل عن قضايا المجتمع ككل وحينما يعادي الرجل لأسباب غير مفهومة وحينما يفشل في استحضار الهوية العربية والإسلامية في أدبياته.
أما أبرز تجليات فشل الخطاب النسوي بصورته الراهنة فهي عجزه عن تحقيق ما يدعو إليه رغم مرور ما يربو عن قرن من انطلاق مسيرته فما زالت المرأة العربية تعاني من الأمية وما زالت تواجه صورًا عديدة من القهر والظلم أما عن آية فشل هذا الخطاب الحقيقية فهي إخفاقه في تشكيل قوة نسائية حقيقية تعبر عن مطالب المرأة العربية لا الغربية!
وختاماً فإننا حين ننتقد القائمين على الخطاب النسوي لمحاولتهم إسقاطهم الثوابت الدينية والخلقية ومراعاة الخصوصية الثقافية فإننا ننحي أيضاً باللائمة على الإسلاميين الذين عجزوا عن بلورة مشروع خطاب إسلامي بديل يعبر عن القضايا الحقيقية التي تعاني منها المرأة ويوائم بين ما هو ثابت بحكم الشريعة وما هو متغير بحكم العصر الذي نحيا فيه وإن كنا لا نُغفل بعض الجهود الفردية.
#فاطمة_أحمد_حافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوكالة الوطنية للتشغيل anem.dz: حقيقة زيادة منحة المرأة الم
...
-
عندي بسكليتة ما بعرف سوقا ركبنا عليها.. حدث تردد قناة وناسه
...
-
الرفيقة سومية منصف حجي عضوة المكتب السياسي للحزب في قراءة في
...
-
الرفيقة لبنى الصغيري عضوة المكتب السياسي : البلاغ كان محط ان
...
-
الرفيقة نادية تهامي عضوة المكتب السياسي : مراجعة مدونة الأسر
...
-
الرفيقة سومية منصف حجي عضوة المكتب السياسي للحزب : بناء مجتم
...
-
مصر.. تأييد حكم الإعدام لـ سفاح التجمع -قاتل النساء-
-
ينتظرها نقاش في البرلمان.. مدونة الأسرة بالمغرب تدخل مرحلة ا
...
-
التعدد والإرث.. تعديل مدونة الأسرة في المغرب يثير جدلا
-
آلام الساق عند النساء قد تشير إلى حالة صحية خطيرة
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|