|
واشنطن استعادت في 2011 ما خسرته بين 2007 - 2010 من قوتها في الشرق الأوسط
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 3469 - 2011 / 8 / 27 - 13:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اعتمدت الولايات المتحدة على أنظمة الدكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية ابتداءاً من غواتيمالا1954وحتى تشيلي1973لمكافحة المد اليساري في فترة الحرب الباردة،إلاأن هذا لم يمنعها أويعيقها عن الركوب والاستفادة من الموجة الديموقراطية هناك بين عامي1982و1990 ضد تلك الأنظمة ،بالتزامن مع تراجع المد اليساري قارياً وعالمياً،ليس فقط لإقامة أنظمة ديموقراطية اعتمدت الوصفات الليبرالية لصندوق النقد الدولي وإنما أيضاً للإطاحة بالنظام الساندينستي اليساري في نيكاراغوا عبر انتخابات شباط1990:هنا بانت واشنطن في وضعية الملهم والراعي لمد ديموقراطي،قبيل فترة وجيزة من إطاحة ثورات مجتمعية بأنظمة الحزب الواحد في "الكتلة السوفياتية" بين عامي1989و1991وصولاً إلى تفكك الدولة السوفياتية،ولتظهر ليس فقط بمظهر المنتصر في الحرب الباردة من دون اطلاق رصاصة واحدة وإنما أيضاً بوصفها " نموذج "من خلال تحول تلك الدول،التي كانت تدور سابقاً في فلك موسكو، إلى النمط الاقتصادي الليبرالي ونحو نمطي الثقافة والحياة الاجتماعية الأميركيتين. في العالم العربي لم تكن سياسة الولايات المتحدة هكذا،حيث اختارت ،بين عامي1990و2010،أنظمة حسني مبارك وزين العابدين بن علي(وبعد تردد استغرق النصف الأول من عقد التسعينيات عسكر الجزائر المتصارعين مع "الجبهة الاسلامية للإنقاذ ") ضد الاسلاميين،الذين كان يبدو أن صندوق الاقتراع"العربي"سيحملهم للفوز بالسلطة .وعملياً،عندما حصل حدث (11أيلول2001)،لم تقتصر واشنطن على تعزيز تحالفها مع الأنظمة ضد أصحاب العمائم وإنما امتد هذا ليصل عند الأميركان ضد الأصولية الاسلامية السُنية إلى حدود التحالف مع نظام ملالي ايران الشيعة نحو اسقاط العدوين الرئيسيين لطهران في أفغانستان والعراق. في تلك الفترة طرحت واشنطن "مشروع الشرق الأوسط الكبير"(13شباط2004)،الذي تضمَن رؤية ديموقراطية ذات منحى ليبرالي للمنطقة،متدرعةً بوجود160ألف جندي أميركي في بلاد الرافدين،قال وزير الخارجية الأميركي كولن باول ،قبيل أسابيع من غزوهم للعراق، أن الهدف من ذلك الغزو "هو إعادة صياغة المنطقة"،وقد بدا أن ذلك في مجرى التحقق لماقادت رياح الخلاف الأميركي- السوري حول العراق المغزو والمحتل إلى مناخات لبنانية داخلية أطاحت بالوجود العسكري السوري في لبنان بين يومي14آذارو26نيسان2005،وهو ماكاد أن يعطي ديناميات قوية لمعارضة سورية،عبر"اعلان دمشق"(16تشرين أول2005)،وضعت رهانات على "رياح غربية "،أملت من خلالها بتكرار دمشقي "ما"لماجرى في بيروت. لم يحصل هذا،وإنما وضح،منذ النصف الثاني لعام2006مع نتائج حرب تموز،بأن هناك مداً ايرانياً في المنطقة انطلاقاً من المنصة البغدادية، التي وضح حجم السيطرة الايرانية عليها إثر سقوط صدام حسين، امتد من كابول حتى الشاطىء الشرقي للبحر المتوسط ومن المنامة إلى صعدة،على حساب تراجع القوة الأميركية في المنطقة التي غاصت في وحل بلاد الرافدين،قبل أن تترجم هذه التراجعات الأميركية عبر ضرب الحلفاء في محطات(14حزيران2007بغزة)و(7أيار2008ببيروت)ثم في عدم قدرة الولايات المتحدة،وحلفائها الاقليميين في الرياض وأنقرة،على تمرير إياد علاوي وقائمته التي نالت المرتبة الأولى في انتخابات البرلمان العراقي يوم7آذار2010لإصعاده إلى منصب رئيس الوزراء فيما استطاعت طهران اجبار واشنطن في خريف2010على القبول بنوري المالكي بذلك المنصب الذي يقارب الصلاحيات القديمة لصدام حسين. في يوم17كانون أول2010 أحرق محمد البوعزيزي نفسه في بلدة سيدي بوزيد التونسية لتبدأ حركة مجتمعية من الاحتجاجات انتهت بالإطاحة بالجنرال بن علي في يوم14كانون ثانيجانفي2011،ولكن مع مظاهرة25يناير بالقاهرة بان أن مابدأ في تونس هو بداية لموجة ديموقراطية عمًت أغلب أصقاع المنطقة العربية خلال السبعة الأشهر اللاحقة للحدث التونسي:في البداية، كانت واشنطن متخبطة في سياساتها تجاه ديناميات اجتماعية تسير نحو الإطاحة بحليف مخلص لها، إلى أن بدأ يلمس ،قبيل أيام قليلة من يوم14 جانفي، مسار تخلي واشنطن عن بن علي لصالح مؤسستي(الجيش)و(الإدارة)،وفي الوقت نفسه ملاقاتها لحراك اجتماعي،تجنبت وضع نفسها في وجه رياحه كماحصل في طهران1979. في قاهرة العشرة أيام الأولى من شباط قبيل الإطاحة بحسني مبارك في يوم11منه لم تكتف الولايات المتحدة بذلك وإنما ظهرت بوصفها هي التي أطلقت "رصاصة الرحمة عليه"، وبدون هذا لايمكن فهم تشبيه أوباما سقوط حليفه مبارك ب"سقوط جدار برلين". في قاهرة مابعد11فبراير2011لم يأت اطمئنان واشنطن للبديل فقط من ضمان (الجيش)و(الإدارة) وإنما أساساً من مصالحة تاريخية حصلت في الأسبوع السابق لسقوط الرئيس المصري بين الولايات المتحدة الأميركية وبين التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين،الذين وضح منذ مظاهرة يوم الجمعة28يناير بأنهم يملكون القوة المجتمعية الأكبر في مصر. هنا،نلاحظ قدرة الأميركان على ملاقاة الرياح المجتمعية وركوبهم عليها حتى ضد حلفائهم كماجرى في أميركا اللاتينية بالثمانينيات، ليس فقط من خلال الاعتماد على قوى من داخل النظام السابق تساعد على احداث التغيير وإنما أيضاً لملاقاة قوى مجتمعية تملك الوزن الأكبرفي الجسم الاجتماعي.وعملياً،كما يوجد في القاهرة ثالوث (المشير حسين طنطاوي- رئيس الوزراء عصام شرف- المرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع)فإن هناك ثالوثاً مماثلاً ترعاه واشنطن لستة شهور خلت في تونس أحد أضلاعه السيد راشد الغنوشي زعيم(حركة النهضة)،وهي نجحت في إقامة معادلة مماثلة في بنغازي عند(المجلس الإنتقالي)، وهي الآن عبر المبادرة الخليجية تسعى إلى معادلة مماثلة في صنعاء ،وربما عبر حليفها التركي تضغط باتجاه ايجاد شبيه للمعادلة المصرية القائمة بين النظام السوري القائم والاسلاميين. في هذا الإطار،يلاحظ أن ماسعت له واشنطن ،وحتى عبر الصورة والصوت التلفزيونيين من خلال كلمة"ارحل"التي قيلت أولاً لمبارك عبر أردوغان ثم من قبل الإدارة الأميركية،كان يتحقق،كماأن ماتسعى إليه في طرابلس وصنعاء يبدو في مجرى التحقق مع القذافي وعبد الله صالح،كماأن ماأرادت منع حصوله،وفق تقد ير أميركي بأنه سيؤدي لتغييرات في بحرين 2011ستكون لصالح ايران كماجرى في عراق مابعد9نيسان2003 ،قد نجح من خلال قوات"درع الجزيرة"في شهر آذار الماضي، وهنا يلفت النظر أن الولايات المتحدة التي أشرفت،من دون شريك اقليمي أودولي،على عملية الإنتقال المصرية بين يومي25ينايرو11فبراير،تضع روما وباريس و(الناتو)في واجهة العملية الليبية،وتتعاون مع الرياض لاعداد الطبخة اليمنية،كمافعلت في البحرين،فيمايبدو أن تركية هي المعتمدة أميركياً في الشأن السوري. من الواضح،أن ماحصل في السبعة أشهر الأولى من عام2011فد جعل الولايات المتحدة في وضعية قوية في الشرق الأوسط من خلال أنظمة جديدة لها امتداد اجتماعي قوي أتت على وقع وقوة دفع زخم ثوري ولد من رحم المجتمع،وهذا جعل التراجع الأميركي بين عامي2007و2010في النفوذ الاقليمي بالمنطقة ليس فقط في حالة توقف وإنما هناك انتقال أميركي نحو تحقيق مكاسب وإلى حالة هجومية ،ربما كان ماجرى في البحرين أحد ترجماتها،وبداية انتقال(حركة حماس)إلى الضفة الأخرى ترجمتها الثانية،فيما بالتأكيد لايمكن تفسير صدور- بعد تأجيلات متعددة - القرار الاتهامي عن(المحكمة الدولية الخاصة بلبنان) في أواخر حزيران الماضي من دون تلك التوازنات الجديدة اقليمياً،التي جعلت ايران وحلفائها في مرحلة(مابعد البوعزيزي) في حالة تراجع داخلياً وفي القوة الاقليمية،فيما الأميركان يحققون المكاسب الاقليمية عبر ملاقاة رياح التغيير المجتمعية العربية الداخلية التي أطاحت بأنظمة،وتجعل أنظمة أخرى ،بعضها "ممانع" وحليف لطهران،في حالة اهتزاز داخلي،ولتظهر واشنطن من خلال هذه الملاقاة في حالة دعم لقوى اجتماعية تسعى للإطاحة بأنظمة من الواضح أنها بوضعية جيفكوف وشاوشيسكو1989. هل سيجعل كل هذا واشنطن،مع ماسيحصل في الأشهر الخمسة القادمة وفق المتوقع في أكثر من بلد عربي،تركن إلى حالة من الإطمئنان تجاه شرق أوسط مابعد اكتمال انسحابها العسكري من العراق في اليوم الأخير من عام2011؟.....
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعض خصائص المسار التاريخي للحياة السياسية السورية
-
خريطة اجتماعية سياسية اقتصادية للاحتجاجات في سورية
-
غروب مرحلة عربية
-
الاسلاميون والعسكر
-
تبدل أشكال التعبير السياسي للجماعات
-
الدور الاقليمي التركي
-
مساهمة تحركات الشارع العربي في رسم صورة اقليمية جديدة
-
من الليبرالية القديمة إلى الجديدة
-
«الكومنترن» الشيوعي و «القاعدة» الإسلاموية: نهاية بائسة للتن
...
-
سوريا1970-1982 : بناء السلطة الشمولية وتداعياته
-
سوريا الستينيات : مرحلة العبور إلى السلطة الشمولية
-
صعود المسألة الاجتماعية إلى سطح السياسة العربية(تونس نموذجاً
...
-
مستتبعات فكرية لزلزال الشارع العربي
-
الولايات المتحدة واستخدامها للمبادىء في السياسة الخارجية
-
صعود قوة المجتمعات أمام السلطات الحاكمة
-
في حصرية دوافع السياسات الداخلية وراء الثورة المصرية
-
واشنطن واهتزاز الحليفين شاه ايران وحسني مبارك
-
الترجمات المحلية لتبدل التوازن الاقليمي
-
هل نحن أمام بداية النهاية لاستهداف مصر ودورها؟!-
-
علامات موجة ديموقراطية عربية متفاوتة المظاهر
المزيد.....
-
تقنية ثورية تقود إلى أول ولادة بشرية حية باستخدام الخلايا ال
...
-
جنود من الجيش السوري يصطفون لتسوية أوضاعهم مع الحكومة المؤقت
...
-
لماذا توجد بعض أقدم المخطوطات العربية في بريطانيا؟
-
كيف برهنت أوكرانيا على يدها الطولى في قلب روسيا؟
-
إيران ترفض تشديد الإجراءات على فرض الحجاب.. هل خافت من الاحت
...
-
لا يمكن مناقشة تاريخ إفريقيا الحديثة من دون الإشارة إلى مؤتم
...
-
زعيم المعارضة التركية يهاجم ترامب وأردوغان بسبب -رسالة العار
...
-
مستر بيست يستأجر الأهرامات المصرية لمطاردة الأشباح وصيدها
-
ريابكوف: رغبة -الناتو- في التوسع تتعارض مع التسوية في أوكران
...
-
وسائل إعلام: عائلتا البرغوثي وسعدات تنفيان الموافقة بالإفراج
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|