جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3468 - 2011 / 8 / 26 - 22:17
المحور:
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
نحن مجتمع نكَرهُ الضحك بصوت غاية في البشاعة وخصوصا حين يكون صوت الضحك عالياً وسمعتُ من أكثر من 100شيخ بأن محمداً كان من النادر أن يضحك وإنما كان يبتسم ابتسامة خفيفة, ولم أقرأ أي حديث نبوي شريف يتحدث لنا عن رياضة الضحك وفوائد الضحك, وكل ما أعرفه أنا شخصيا عن المرأة الضاحكة بأنها امرأة عاهرة تستحق رصاصة بين عيونها.
الضحك بصوت مرتفع في مجتمعنا له صلة وثيقة بالمرأة الخالعة أو العربيدة والسكيرة مع عرابيد مثلها وسكيرين مثلها ولا يمكن أن نعتبر المرأة الضاحكة شريفة بل عاهرة وعارها ليس على زوجها وإنما على زوجها وأبيها, ودائما ما يوجه مجتمعنا العربي صورة وفكرة سوداء واتهامات بالخسة للمرأة التي تضحك بصوت مرتفع, حتى في السرير الموجود في غرفة النوم يرفض بعض الرجال أن تضحك زوجاتهم أثناء العلاقة الحميمية أو لنقل أثناء تمثيل الدور الجنسي مع بعضهم البعض, ولدى مجتمعنا العربي صورة سوداء جدا عن المرأة الضاحكة بحيث يعتبرونها عاهرة, والمرأة الشريفة هي التي تنام على ظهرها في غرفة النوم دون أن تُبدي أي حركة ودون أن تبتسم, لذلك الجلوس في غرفة النوم عند غالبيتنا يشبه إلى حدٍ قريب الجلوس في المقبرة مُكتَفي الأيدي وشفاهنا مثل شفاه الفيلة التي لديها خراطيم.
والعملية الجنسية والتكيف معها يحتاج إلى أصوات غنج ودلال وأحيانا ضحك وكلام في الممنوع والمحضور سماعه في غير الجلسة الجنسية فلا يمكن أن يقال إلا أثناء العملية الجنسية كلاماً مثل(يا ولد) وبعد هذه الكلمة ضحكة طويلة(هههههههه) بصوت مرتفع, وبما أن الجنس حالة من حالات المرح والفرفشة فإنه حتما بحاجة إلى إذكاء حالة الفرفشة وحالة الانبساط ولا يمكن أن تتم العملية إلا بالضحك لذلك يمنع الرجال بناتهم أو زوجاتهم من الضحك بدون أن تكون حالة المرح مرتبطة بالعلاقة الزوجية, وفقط في الأندية والكباريهات نسمع أصوات الضحك والمرح والفرفشة ولهذا السبب يرفض الرجال بأن تكون بيوتهم كباريهات ونوادي ليلية لذلك يكرهون الضحك ويعتبرونه خلاعة ولسوف نأت بعد قليل على أسبابه, وهنالك كلمات مرتبطة بحالة التعبير عن الفرح والمرح الجنسي مثل كلمة (ذبحتني يلعن أبوك)(كمان ..كمان)..و(أخ) حتى المسبات تعتبر عملا مهما أثناء العملية الجنسية(يلعن أمك يلعن أختك) وأهم شيء الضحك المستمر بصوت عالي عند البعض وليس عند الغالبية, ولكن مشكلتنا في الإعلام العربي الذي لا يمكن أن يصور لنا امرأة محترمة تضحك بصوت عالي, فلا أحد في الإعلام العربي يضحك بصوت عالي إلا العربيد والسكير والهامل, ومن المستحيل أن نجد أو أن نشاهد امرأة عربية مسلمة في غرفة نومها تضحك بصوت عالي نسميه نحن(قهقهه) حتى أن أي أب أو أم إذا دخلت منزلها فجأة ووجدت بناتها يضحكن بصوت عالي فورا تغضب الأم وتعتبر البنات هاملات وتقول لهن بالحرف الواحد(مالكن بتتقهقهن زي الشرموطات)!!.
وأنا ولدتُ ونشأتُ في أسرة شعارها(الضحك بدون سبب قلة أدب) وحين كانت جدتي تشاهدني أضحك كانت رحمها الله تضربني بالباكور وتقول لي(شو أنت زلمه ليش تضحك زي القحبات؟)! لذلك أحمل ذاكرة بغيضة تبغض الضحك سواء أكان الضاحك ولدا أو بنتا علما أن الشباب يضحكون في الشوارع العامة وخصوصا في الساحات الجامعية فمن الممكن لك عزيزي القارئ أن تدخل إلى أي جامعة في الوطن العربي لتستمع لأصوات الضحك العالية من الطُلاب الذكور ومن النادر أن تشاهد مجموعة بنات يضحكن بصوت عالي وذلك حتى لا يأخذ الذكور عنهن فكرة أو أفكارا سيئة, ولو شاهدت في زمانك مجموعة بنات يضحكن في الشارع بصوت مرتفع فتأكد بأنك صاحب اكتشاف مثير وعجيب وتستحق عليه جائزة مالية.
وأنا عشت طوال حياتي وما زلتُ وأنا أحملُ أفكارا خبيثة عن المرأة الضاحكة التي تضحك للطير الطائر ولرغيف الخبز الساخن ولأي شخص, ذلك أن الضحك في مجتمعنا ألذي أعيش به مرتبطٌ ارتباطا وثيقا بالخلاعة وبالقودنة والعرصنه والعَربَدة والخلاعة بكافة أشكالها وألوانها, لذلك يحق للرجل ممارسة العنف مع النساء لمنع حالة الضحك بصوت مسموع ومفهوم معناه وأما بخصوص الإعلام العربي مثل الإعلام المسموع والمرئي والسينمائي والتلفزيوني يرينا مشاهد تغذي وجهت نظر الشارع العام عن الضحك بصوت عالي ومرتفع, فدائما في الأعمال السينمائية والتلفزيونية نشاهدُ الشيطانَ وهو يضحك بصوت عالي ونشاهد العفريته(كهرمانه) وهي تضحك لفريد الأطرش أيضا بصوت عالي وتفعل أمامه أفعالا تدل على الخلاعة وهي تضحك بصوت عالي, ودائما ما نشاهد في الأعمال التلفزيونية صورة سوداء لغير المسلمين إذ يبدو(المشركون) وهم يشربون الخمرة ويجلسون مع الغواني والعاهرات وأصوات الضحك تصل قوتها إلى أعلى مستوى لها وخصوصا العاهرات الروميات مع أبي جهل وهن يقلن له(يا أبا الخكم) بدل يا (أبا الحكم) طبعا وأبو جهل بدوره يأمر بسكب الكؤوس وشرب الخمر وسماع أصوات الروميات الضاحكات, وتصل أصوات ضحك الكفار الملاعين إلى البيوت المجاورة وإلى عنان السماء, أما المسلمون فلا يمكن أن يرينا الإعلام العربي أسنان الذين يمثلون أدوار المسلمات فغالبيتهن يتسمن بالجدية وبعدم الضحك أو التبسم فالتبسم والضحك هو فقط حالة مرتبطة بسلوك العاهرين والعاهرات.وعدى عن ذلك من العار ومن العيب على بنات الدار أن يضحكن بأصوات عالية مرتفعة, وسيخرج الضيوف من منزلي إذا زاروني ولديهم فكرة ملعونة عني وعن أمي إذا سمعوا أثناء الزيارة أصوات ضحك أمي وكافة أهل الدار...وكافة أهل البلدة ملتزمون بهذا الشعار وكافة النساء في بلدتنا لا تظهر ابتساماتهن على الوجه ولا على نهاية أطراف الشفتين, والسؤال المطروح هو لماذا نأخذ جميعنا عن المرأة الضاحكة فكرة سيئة؟أسوأ بكثير من الفكرة التي نأخذها عن الرجل الضاحك, حتى أننا نادرا ما تتكون لدينا أفكار سيئة عن الرجل الضاحك, فالرجل الضاحك في ضحكه بعض التسامح وهذا لا يعني أنه عيب ولكن يبقى مسموحا به نوعا ما.
يحق للرجل العربي المسلم الكح أن يمارس العنف في البيت مع الإناث اللواتي يضحكن بصوت مسموع من خارج البيت , والمرأة الضاحكة لا يمكن تشبيهها بالبقرة الضاحكة بل بالعاهرة الضاحكة والرجل الحِمشْ أي الرجل الغيور على عرضه وشرفه في مجتمعنا يكره زوجته أو أخته أو ابنته إذا ضحكت أمام غيره من الناس حتى في داخل الجو الأسري غالبية الرجال لا يحبون صوت المرأة الضاحكة التي تضحك بصوت عالي (ههههككككككعععع), وكافة الرجال العرب المسلمون لديهم فكرة سيئة عن المرأة الضاحكة, وأغلب الرجال يعطون تفسيرا عن المرأة الضاحكة بأنها (امرأة قحبه) أو(عاهرة-خالعة) وعندنا مَثَلٌ ما زلت أحفظه وهو(إذا ضحكت وبان نابها ألحقها ولا اتهابها).
وأنا واحد من الناس الذين ينتمون إلى عائلة محافظة تمارس العنف ضد المرأة الضاحكة حتى تتوقف عن الضحك فإذا جاء إلى بيتي رجل ضيف فورا أدخل على غرفة أمي وأطلب منها ومن النساء إذا كان لديها ضيفة أو ضيفتين عدم الضحك بصوت عالي لأن في منزلنا ضيف غريب, طبعا نحن حريصون على عدم إظهار أصوات الضحك للضيف الذي يزورنا لكي لا تتكون لديه فكرة سيئة عن أهل الدار وفكرة سيئة عن الأسرة بأكملها, ولكن السؤال الذي يطرح نفسه يبقى مخيبا للآمال التي نتوقعها من المرأة الضاحكة, والمخيب فعلا للآمال هو أن الرجال في الغرفة المجاورة لغرفة النساء يضحكون بصوت عالي جدا يقضون وقتهم بالمرح وبالفرفشة ولعب الورق ومشاهدة الأفلام الجنسية, وعلى العكس من ذلك لو دخل رجل على أخته وهي تشاهدُ فلما جنسيا لقتلها أو لضربها ضربا مبرحا ذلك أن مشاهدة أفلام الجنس والضحك بصوت مرتفع لا يسمح به إلا للأولاد علما أن هنالك تفاوت في هذه المسألة بحيث بعض العائلات تحرم مشاهدة أفلام الجنس على الذكور ولكن من المستحيل أن يمنعهم الأب أو الأم من الضحك بصوت عالي ومرتفع تعبيرا عن المرح والسرور, حتى أنهم يتكلمون بأصوات عالية وليست منخفضة ويضحكون ضحكات هستيرية مجنونة دون أن يتعرضوا للانتقاد, حتى أنا إذا زارني صديق وضحكنا لا يمكن لأمي أو زوجتي أن تطرق علينا الباب طالبة منا عدم إظهار أصوات الضحك, بل على العكس فحين ينفض ضيوفي أدخل على أمي وزوجتي بشكل عادي وأمي تقول لي (الله يبسط اللي أبسطك) وبعكس ذلك أتصرف أنا إذا كان في منزلي ضيفة تزور أمي أو زوجتي فأنا أدخل على أمي وزوجتي وأقول (شو هذا الضحك عيب) يعني بالمختصر المفيد: سماع أصوات ضحك البنات عيب وعار وسماع أصوات ضحك الرجال ليس عيبا وليس عارا بل كيفاً ومزاجاً.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)